التَّسويف خصمٌ خفيّ يسرق أعمارنا بصمت، ويجرُّنا نحو الفشل من دون أن نشعر. إنَّه الباب الذي إذا فُتح اليوم اتَّسع غدًا، وإن تسلَّل إلى يومٍ واحدٍ من أيَّامنا، جرَّ خلفه أيَّامًا فارغة بلا أثر. فالأيَّام تمضي، والفرص تُطوى، والأحلام لا تنتظر من يتباطأ. والنَّجاح لا ينتظر المترددين، والطُّموح...
إنَّ المسافة بين من يرتقي قمَّته ومن يظلُّ ثابتًا في مكانه، هي ذاتها المسافة بين (سَـ) و (سوف)؛ فالأولى تنبض بروح البدء العاجل، وتُلهم صاحبها أنَّ خطوته وشيكة ومقدورة. أمَّا الثَّانية فتدفع العمل إلى أجلٍ مؤجَّل، وتضعف جذوة الهمَّة حتَّى تبهت وتخمد.
الشَّاب الذي يتطلَّع بجدٍّ إلى مستقبله يقول: "سأدرس… سأبدأ… سأغيِّر"... إنَّه يربط قلبه بالحاضر، ويُحوّل نيَّته إلى حركة، وخطته إلى فعل؛ لأنَّه يعرف أنَّ اللحظة التي بين يديه أثمن من أيّ وعدٍ مؤجَّل.
أمَّا من يُكثر من التَّأجيل فيقول: "سوف أدرس… سوف أتحسَّن… سوف أحاول"... وهكذا تتراكم عليه المهام يومًا بعد يومٍ، فيجد نفسه أمام أكوام من الواجبات لا يعرف بأيِّها يبدأ، فيضيع تركيزه ويتشتت ذهنه، ويشعر أنَّ الطَّريق صار أثقل ممَّا ينبغي. فكلُّ تأجيل يضع مسافة إضافيَّة بين الشَّاب وطموحه، وكلُّ خطوة تُؤخذ اليوم تُقرِّبه من حلمه. لذلك، اختر دائمًا كلمة: (سَـ)… التي تفتح لك باب الحركة، ودع (سوف) تنزوي بعيدًا عنك؛ فإنَّ المستقبل يبدأ عندما تقول: "سأبدأ الآن".
وأوضح مثال للدلالة على هذه القاعدة هو حالُ من يُهمل دروسه طوال أيَّام الدِّراسة، حتَّى إذا اقترب يومُ الامتحان وجد الواجبات متراكمة، والتَّكاليف مُحْدِقة، فإذا به لا يدري ماذا يقرأ، وماذا يحفظ، وكيف يميِّز بين المهمِّ والأهمِّ. ويكون آخر المطاف إخفاقًا لا مفرَّ منه.
المحور الأوَّل: عوامل التَّسويف وآثاره.
التسويف لغةً: " التَّأخير من قولك: سوف أفعل كذا" (1).
وأمَّا اصطلاحًا: فيمكن تعريفه بأنَّه انشغالٌ يسبق العمل المراد إنجازه، يترافق مع تأجيلٍ يُقنِع المرءُ فيه نفسه بأنَّ التنفيذ ممكن في وقتٍ لاحق؛ ممَّا يفضي في النِّهاية إلى إضاعة الوقت، وتعطيل الإنجاز، واستمرار التَّسويف من موعدٍ إلى آخر.
ويمكن لنا أن نقول: إنَّ حقيقة هذا الدَّاء تتجلّى في أمرٍ بالغ الخطورة؛ فهو يبدأ بخطوة صغيرة نحو التَّأجيل؛ خطوة يراها المرء بسيطة لا أثر لها؛ لكنَّها سرعان ما تتحوَّل إلى خطوات كبيرة نحو الفشل، فتسحب صاحبها تدريجيًّا إلى دائرة من التَّعطيل والعجز، حتَّى يجد نفسه بعيدًا عن أهدافه على الرَّغم من قربها، وعاجزًا عن اللحاق بما كان في متناول يده.
تتضافر أسبابٌ عدَّة تُفضي إلى الوقوع في دائرة التَّسويف؛ فمَن لا يُحسِن تنظيم وقته، ولا يفرز أعماله بين المهمِّ والأهمِّ، وينشغل بعاداتٍ غير صحيحة؛ كالإفراط في الأكل خارج المنزل، وكثرة السَّهر، وإدمان التَّدخين، والانغماس في وسائل التَّواصل، يجد نفسه مدفوعًا إلى التَّأجيل بلا شعور. كما أنَّ غياب الهدف، وضعف الطُّموح، وافتقاد الدَّافع لدى كثيرٍ من الشَّباب، يجعلهم أقرب إلى هذا السُّلوك المرهق. ويُضاف إلى ذلك أنَّ بعض من ابتُلوا بالتَّسويف كان باعثهم الخوف من البدء، أو ضعف الإرادة أمام العقبات.
وإذا اجتمعت هذه العوامل أو بعضها، أصبح العقل أكثر ميلاً إلى الرَّاحة وإلى تأجيل المهام، فينحسر وهج الحماس، ويحلُّ التردّد محلَّ الطموح. ومع كلِّ لحظة تأجيل، يتآكل شعور الإنجاز، وتخفت قوَّة الإرادة شيئًا فشيئًا، حتَّى يجد الإنسان نفسه يبتعد عن أهدافه من دون أن يشعر، وتبدو الأحلام التي كان يراها قريبة وكأنَّها أصبحت بعيدة أو مستحيلة.
وأمَّا خسائره، فلو تخيَّلنا التَّسويف وكأنَّه ضيفٌ يجلس مع الإنسان كلَّ يوم، لرأينا بوضوح حجم ما ينتزعه من حياته؛ فهو يسرق منه الفرص التي كان يمكن أن يقتنصها، ويُضعف حماسه، ويؤخر نجاحاته، حتَّى يصبح الإنسان في نهاية المطاف أمام عمرٍ مضى من دون أن يحقّق ما كان قادرًا عليه؛ وتمرُّ الأعوام بين أيدينا بلا طائل، ولا ربحٍ نرتكز عليه؛ لأنَّ التَّسويف يعيق كلَّ خطوةٍ كان يمكن أن تضيف إلى حياتنا نورًا وقيمة.
نعم، التَّفكير قبل العمل يحمينا من الزَّلل، أمَّا الإفراط في التَّفكير المطوَّل، أو الغرور، وأحيانًا الخوف من خوض غمار الحياة، فهي الزَّلل بعينه.
يذكر سماحة المرجع الدِّيني السيِّد محمَّد الحسيني الشيرازي (قدَّس الله تعالى نفسه الزَّكيَّة) في كتابه النَّفيس (القطرات والذَّرات): "من الضَّروري... أن لا تتجمع الأمور الصَّغيرة الضَّارة حتَّى تصير كبيرة لا تتحمل سواء في التَّكوينيات أو التَّشريعيات كصلاة القضاء، وصيام القضاء، والدُّيون، والأخماس، والزَّكوات وما شابه، وهكذا المشكلات الصَّغيرة فبجمعها تكون كبيرة، وربما تصل إلى ما لا يقدر الإنسان -قدرة طبيعيَّة- على إنجازها أو التَّخلص منها.
كان أخوان متديّنان، أحدهما يخمِّس كلَّ سنة ما عليه ولم يكن إلَّا مقادير قليلة، والآخر لا يخمِّس وكان بناؤه أن يخمِّس... وهكذا دارت الأيَّام والسَّنوات حتَّى ثقل عليه الخمس، وذات يوم وبعد أن عزم وجزم جاءني يريد تخميس أمواله، وكان الخمس كثيرًا حيث اجتمعت لديه شيئًا فشيئًا في أكثر من عشرين سنة مئات الملايين من التَّوامين! (2)، فوعد بتخميس أمواله؛ ولكن الشَّيطان كان أقوى منه، حيث إنَّه لما عرف أنَّ خمسه هذا المقدار، قال: سوف أعطيك أقساطًا، قلت: لا بأس...
ولكن اتَّفق أن تراءت له تجارة احتاجت إلى كلِّ ذلك، فصرفها فيها راجيًا أن تربح فيأخذ لنفسه الرِّبح ويعطي مقدار الخمس!.
ولكن التِّجارة خسرت، ولم يحصل حتَّى على رأس ماله.
وبعد مدَّة قليلة ضربه مرض كبير، وأصيب بسببه بالشَّلل.
فذهب ماله وصحته، ولم يؤدِ ممَّا عليه حتَّى تومانًا واحدًا!... ولو بادر هذا الأخ كما كان يعمل أخوه في إعطائه خمس ماله كلّ سنة، لم يرزح تحت هذا الدَّين الإلهي الثَّقيل، ولعلَّه أصيب بهذا المرض العضال من جرَّاء تأخير حقِّ الله (سبحانه)" (3).
إنَّ أخطر أشكال التَّسويف تأجيل الأعمال والبرامج التي تهدف إلى تطوير الذَّات وبناء الشَّخصيَّة. وهذا النَّوع من التَّسويف له تأثير عميق؛ فهو يضعف أساس النَّجاح ويخلق فجوة في حياتك يملؤها الفراغ، ويتيح للتَّسويف أن يتسرب تدريجيًا إلى كلِّ جوانب حياتك، من الدِّراسة إلى العمل، وحتَّى العلاقات الشَّخصيَّة.
المحور الثَّاني: خطوات عمليَّة نحو حياة أكثر إنجازًا.
للتخلُّص من هذا الدَّاء الخانق الذي يهدد سعادتنا في الدُّنيا والآخرة، يصبح من الواجب علينا القيام بمجموعة من الإجراءات العمليَّة والحاسمة التي تقودنا نحو الانضباط والإنجاز، وتبعدنا عن شبح التَّسويف والفرص الضَّائعة، وهي كما يلي:
1. التَّفريق بين المهمِّ والأهم.
إنَّ إعطاء الأولويَّة للأعمال الأهم هو حجر الأساس الذي تُبنى عليه حياة متقدِّمة وواعدة. فحين تبدأ بما هو جوهري، وتعمل عليه في الوقت المناسب، تتسهل بقيَّة الأعمال، وتخف الضُّغوط والتَّحديات، حتَّى تصبح حياتك أكثر وضوحًا وانسيابيَّة.
على العكس من ذلك، فإنَّ تجاهل الأعمال المهمَّة أو تأجيلها يُضاعف المشكلات والصعوبات. وكلُّ يوم تمضيه من دون أن تركِّز على أولوياتك هو يوم تضيع فيه فرصة لا تُعوَّض. والوقت، يا صديقي، رأس مالك الحقيقي، وكلُّ لحظة يذهب بها بلا إنتاج هي جزء من مستقبلك يضيع. فالشَّاب الذي يؤجل ما يجب فعله اليوم، يجد نفسه بعد فترة أمام جبل من الأعمال المتراكمة، وقلق دائم، وإحساس بالعجز، بينما من يسير بخطوات ثابتة نحو أهدافه، يشعر بالتَّقدُّم، بالرِّضا، وبأنَّ كلَّ يومٍ يمضي يحمل معه إنجازًا حقيقيًّا.
لذا، ضع قائمة بأعمالك، وحدد منها ما يحقق أثرًا حقيقيًا على مستقبلك.
بعد ذلك، خصّص وقتًا محددًا لكل عمل، والتزم به. ولا تسمح للمشتتات أن تسرق تركيزك، فكلُّ دقيقة من الوقت المنظم هي استثمار في نجاحك. وتذكَّر أنَّ إنجاز الجزء المهم أوَّلًا يجعل بقية الأعمال سهلة التَّنفيذ، ويخفف الضَّغط النَّفسيّ، بينما بدء يومك بالثَّانوي يثقل مهامك ويجعل كلَّ شيءٍ يبدو أصعب ممَّا هو عليه.
إنَّ الشَّباب الذين يعتادون على وضع الأولويات هم الأكثر قدرة على التَّقدم، فهم لا يضيعون وقتهم في التَّفاصيل الصَّغيرة؛ بل يستثمرونه في ما يدعم تطورهم الشَّخصي والمهني.
2. مقاومة النَّفس إذا دعتك إلى التَّسويف.
اجعل مقاومة نفسك عادة يوميَّة ثابتة، لا تقبل الاستثناء أو المماطلة. فكلَّما شعرت برغبة في تأجيل عملٍ ما، قاومها فورًا، حتَّى لو لبضع دقائق فقط. قد تبدو هذه اللحظات صغيرة؛ لكنها في الحقيقة مفتاح التَّغيير وصناعة الفارق الكبير في حياتك. وكلُّ مرَّة تتغلب فيها على رغبتك في التَّأجيل، تزيد من قوَّة إرادتك، وتُثبت لنفسك أنَّ التَّحكم في الوقت والالتزام بالمهمَّة ممكن.
ومع تكرار هذا الفعل يوميًا، يتحوَّل التَّحدي الذي كان يبدو مستحيلًا إلى إنجاز ملموس، فتتبدل عادة التَّأجيل إلى عادة إنجاز وفعَّالية مستمرة. وهكذا، تصنع لنفسك عادة قويَّة تجعل الإنجاز جزءًا طبيعيًّا من يومك، وتفتح أمامك أبواب النَّجاح التي كانت مغلقة أمام من يماطل ويؤجل.
إنَّ كلَّ لحظة تأجيل هي خطوة نحو الفشل، وأنَّ كلَّ عمل لم تُنجزه في وقته يبتلع جزءًا من أحلامك ويبعدك عن تحقيق أهدافك. فالوقت الذي تهدره اليوم لا يعود، وكلُّ فرصة تضيعها هي خسارة لا تُعوَّض، لذلك اجعل المبادرة بالعمل فورًا عادة لا تفارقك.
3. إدراك قيمة الوقت.
عندما تدرك أهميَّة كلِّ لحظة، يتحوَّل كلُّ تحدٍّ يواجهك من مجرَّد عقبة إلى فرصة لتطوير نفسك وصقل قدراتك. ويصبح التَّحكم في وقتك وتنظيم جهودك شعار حياتك ودرعك نحو النَّجاح.
إنَّ الوقت الذي يُهدر اليوم لن يعود أبدًا، وكل فرصة تضيعها هي خسارة لا تُعوَّض. لذلك، اجعل المبادرة بالعمل فورًا عادة لا تنفصل عنك، واجعل كلَّ لحظة في يومك فرصة لإضافة قيمة لحياتك، وتقدمًا نحو مستقبلك المشرق. واعلم أنَّ الفرق بين النَّاجحين ومن يظل واقفًا في مكانه ليس في القدرة؛ بل في القدرة على استثمار الوقت.
وقد لخَّص الإمام الصَّادق (عليه السلام) هذه الحقيقة في كلماته الشَّريفة حين قال: "مَا مِنْ يَوْمٍ يَأْتِي عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلَّا قَالَ لَهُ ذلِكَ الْيَوْمُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَا يَوْمٌ جَدِيدٌ، وَأَنَا عَلَيْكَ شَهِيدٌ، فَقُلْ فِيَّ خَيْراً، وَاعْمَلْ فِيَّ خَيْراً؛ أَشْهَدْ لَكَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَإِنَّكَ لَنْ تَرَانِي بَعْدَهَا أَبَداً" (4).
إنَّه نداءٌ ربَّانيٌّ لطيف يذكِّر القلب بأنَّ كلَّ يوم يُفتح لنا هو فرصة لا تتكرر… فإمَّا أن نجعله شاهدًا لنا، أو نتركه يمضي شاهدًا علينا.
المحور الثَّالث: خطوات تُسكت صوت التَّسويف إلى الأبد.
الخطوة الأولى: الشَّجاعة في اتِّخاذ القرار.
إنَّ الشَّاب الذي يواجه التَّسويف، ويقف أمام خيار التَّأجيل أو المبادرة، ثمَّ يختار السَّير قُدمًا واتِّخاذ القرار، هو من يحقق الرِّبح الحقيقي لنفسه ويطوّر قدراته ومواهبه. فالحياة تُحبُّ من يتَّخذ القرار في وقتِه المناسب، ولا تحب من يظل مترددًا أو متراجعًا أمام الفرص. وإذا تأمَّلت مسيرة النَّاجحين، ستكتشف أنَّ أبرز سماتهم هي أنَّهم لم يماطلوا في أعمالهم، وقاموا بالخطوة الصَّحيحة في الوقت المناسب، فتضاعفت مكاسبهم، وازدهرت شخصياتهم، وأصبحت حياتهم مليئة بالإنجاز والتَّقدُّم.
"يروى أنَّ ملكينِ كانت بينهما أشدُّ المنافسة على المُلك، وكانت بينهما حروب ومهاترات، ومن غريب الأمر، إنَّ الملك الذي كان يبدو أقل قدرة وعِدَّة وعُدَّة، كان ينتصر في الحروب دائمًا، فتعجب الملك الأقوى من هذه الظَّاهرة، وأرسل جاسوسًا ليدخل بلاط الملك الأضعف، ويستخبر السبب، وبعد مدَّة مديدة وحِيل عديدة، تمكَّن الجاسوس من كسب ثقة بعض حاشية الملك، ولمَّا استخبر عن السَّبب لظفر الملك قيل له:
إنَّ السَّبب هو حزم الملك؛ إنَّه يحسب حسابًا دقيقًا لعدده وعدته وقوَّته وسلاحه، ويصرف أعزَّ أوقاته في الفكر والسَّعي والاستعداد، ويرتب الأمور أدق ترتيب؛ ولذا، تأتي النَّتائج حسب رغبته، بينما الملك الأقوى مستهتر ومغرور وهذا هو سبب انهزامه" (5).
الخطوة الثَّانية: من القلق إلى الإنجاز.
إنَّ كلَّ هدف عظيم يزرع بعض القلق في قلب من يسعى لتحقيقه، وهذا شعور طبيعي أمام المجهول. ولكن إذا تذكَّر صاحب الهدف أنَّ هناك من سبقوه وتمكَّنوا من تحقيقه، فإنَّ السُّؤال الذَّكي يفرض نفسه: إذا استطاعوا، فلماذا لا أستطيع أنا أيضًا؟
وهكذا يتحوَّل القلق إلى دافع، ويصبح الحلم قابلًا للتحقيق بخطوات ثابتة وإرادة صلبة. خاصَّة إذا كان صاحب الهدف يمتلك القدرات نفسها التي امتلكها من سبقوه من النَّاجحين؛ فالأمر إذن مسألة تنظيم وعزيمة. وكلُّ هدف كبير يتكوَّن من أجزاء صغيرة، وأداء كلِّ جزء بدقة وانضباط يقربك خطوة نحو الهدف الكلِّي. فإذا خصصت لكلِّ يوم وقتًا محددًا، تركِّز خلاله على إنجاز مهامك من دون تشتُّت أو إلهاء، فسوف تكتشف أنَّ الطَّريق نحو تحقيق هدفك أصبح واضحًا وممكنًا، وأنَّ الإنجاز ليس حلمًا بعيدًا؛ بل نتيجة طبيعيَّة للتخطيط والالتزام اليومي.
ولأجل أن تتجلَّى الفكرة بصورة أعمق، دعني أقرِّبها لك بمثالٍ يسير: إذا رغبت في تأليف كتاب من مئة صفحة، فكتابة صفحتين يوميًّا تكفي لإتمامه في خمسين يومًا. وهكذا، أي عمل كبير إذا قسَّمته إلى وحدات زمنيَّة صغيرة وعملت كلَّ وحدةٍ بتركيز وانضباط، ستجد أنَّ إنجاز العمل الضخم يصبح ممكنًا وبخطوات واضحة.
باختصار: كلُّ الأهداف الكبرى تصبح قابلة للتحقيق إذا حوَّلتها إلى خطوات مصغَّرة يمكن التَّعامل معها يوميًا، ولن تجد نفسك تؤجلها أو تشعر بثقلها. فأيَّامنا لها شكلٌ واحدٌ ومدَّةٌ زمنيةٌ واحدةٌ، لكنَّها تختلف من شخصٍ لآخر؛ فهناك شخصٌ قد وضع في يومه مهامًا صمَّم على إنجازها؛ فكانت أيَّامه كلُّها تصبُّ في تقدُّمه، ولكن هناك شخص مرَّ عليه اليوم والآخر ولم يُسجِّل فيه أيّ مهمَّة، فمرَّ ذلك اليوم من دون أن يُحقِّق أيَّ إنجاز فيه.
وهكذا يظهر أمامنا أنَّ التَّسويف خصمٌ خفيّ يسرق أعمارنا بصمت، ويجرُّنا – خطوة بعد خطوة – نحو الفشل من دون أن نشعر. إنَّه الباب الذي إذا فُتح اليوم اتَّسع غدًا، وإن تسلَّل إلى يومٍ واحدٍ من أيَّامنا، جرَّ خلفه أيَّامًا فارغة بلا أثر. فالأيَّام تمضي، والفرص تُطوى، والأحلام لا تنتظر من يتباطأ. والنَّجاح لا ينتظر المترددين، والطُّموح لا يزهر في أرض تُسقى بـ"سوف" و"لاحقًا". والإنجاز يتحقق فقط عند منْ قالوا: "سأبدأ الآن"، فخطوا خطوات صغيرة وثابتة كلَّ يومٍ حتَّى بلغوا القمَّة وحوَّلوا أحلامهم إلى واقع ملموس.
ليكن شعارك من هذه اللحظة:
"لن أؤجّل… سأبدأ."
ففي هذه الجملة القصيرة يكمن مستقبلٌ كامل، وحياة أكثر إشراقًا، وقلبٌ مطمئن بأنَّه يسير في الطَّريق الصَّحيح.
إنَّ التَّسويف دليل الفشل… أمَّا المبادرة فهي توقيعك الخاص على صفحة نجاحك القادمة.



اضف تعليق