يجب ان تكون التشريعات داعمة لمفهوم المساءلة والمحاسبة باعتبارها احد مركزات الحكم الرشيد وهذا يعمل بنتيجة الحال على تحقيق مبدأ المشاركة او ديمقراطية التشريع وتعزيز دور النائب في الصياغة التشريعية واتاحة الوقت الكافي لدراسة ومناقشة مشاريع القوانين، كما يتضمن هذا المحور تطور التشريع من خلال تعزيز القدرة التنافسية لمواكبة التشريعات المعاصرة...
إنّ العملية التشريعية عملية مركبة ومتداخلة ولا يعد البرلمان هو المسؤول الوحيد عن العملية التشريعية ومخرجاتها – التشريعات – إذ أن هذه العملية يشترك فيها اطراف فاعلة ومتعددة منها الحكومة والرأي العام والمختصين في القانون من اساتذة الجامعات والقضاة وغيرهم، وهذا يتطلب نوع من التنسيق والتنظيم وإدارة حديثة للعملية التشريعية لوضع نظم جودة فاعلية العمل التشريعي وصولاً لتشريعات تمتاز بالجودة والفاعلية والشمولية والوضوح ولاتثير أي إشكالات في التطبيق يتطلب التفسير والاجتهاد وصولاً لتشريعات متكاملة قدر المستطاع.
والحَوْكَمَة التشريعية تعني إخضاع التشريعات بانواعها واللوائح والمدونات إلى قواعد ومعايير لتحقيق الجودة والفاعلية والإتقان في العملية التشريعية ومخرجاتها من التشريعات الجيدة المنبثقة عنها بما يؤمن تحقيق غايات وأهداف التشريع ومشاركة القوى الاجتماعية الفاعلة في صناعة التشريع وتعزيز معايير الشفافية والمساءلة على المستوى الوطني والدولي، ان تحقيق الحوكمة التشريعية يتطلب من دائرة التشريع النيابية في مجلس النواب العراقي اعتماد منـــاهج واليات تتضمن معايير قياسية لتحقيق الحوكمة التشريعية، نوجزها على المحاور الاتية :
انتاج التشريعات
المحور الاول: يتعلق بضبط التشريعات المتعلقة بالمؤسسة التشريعية او ما تعرف (بالحوكمة المؤسسية) للهيئة التشريعية، باعتبارها المؤسسة المسؤولة عن انتاج التشريعات وهذا يقتضي ضبط مدونات السلوك البرلماني التي تنظم سلوك المشرعين داخل هذه المؤسسة، حيث تعمل مدونات السلوك البرلماني على توجيه سلوك البرلمانيين من خلال ايجاد معيار عام مقبول ومتفق عليه يمثل الحد الادنى اللائق والمقبول للسلوك البرلماني سواء كان داخل البرلمان او خارجه مما يساعد على تعميق الثقة بالمؤسسة البرلمانية وجذب الكفاءات العالية اليها.
كما يتطلب ضبط وتنظيم قواعد النظام الداخلي للمؤسسة التشريعية لضمان برلمان قوي ومستقل يعمل على توازن السلطات من خلال زيادة فاعليته في مجال التشريع ورقابة الاداء الحكومي والانفتاح على المواطنين، كما يتضمن هذا المحور التحول الى نظام الاتمتة الاليكترونية للعمل التشريعي والاستفادة من مزايا السرعة والاقتصاد بالوقت وقواعد وبنوك المعلومات وتوسيع دائرة الاتصال بالبرلمانات والجماهير ومنظمات المجتمع المدني والاستفاده من التغذية الارتجاعية لقياس اثر التشريعات قبل سنها، فضلا عن مزايا اخرى توفرها الاتمته الاليكترونية كالتصويت الاليكتروني ونظام الحضور والانصراف للنواب وموظفي مجلس النواب، ونقل وقائع البرلمان ونشر نشاطاته …الخ.
فضلا عن تطوير الهياكل الادارية لمجلس النواب العراقي ورفع التشكيلات والمفاصل المترهلة، وتاهيل الموارد البشرية المسؤولة عن الجوانب الادارية في المجلس واختيار القيادات الفاعلة والكفؤة لادارة التشكيلات والدوائر المرتبطه بالمجلس والابتعاد عن المحاصصة السياسية في شغل الوظائف داخل المجلس
المحور الثاني: يتعلق بالجانب الفني لعمل مجلس النواب العراقي اي الجانب الصياغي، وهذا يقتضي وضع معايير لعمل اللجان البرلمانية عند معالجة الملفات التشريعية اضافة لمعايير قياسية لتكون منهاج ودليل عمل ملزم للصائغين تتعلق بالصياغة التشريعية، والصياغة التشريعية باعتبارها فن تعني القدرة والتمرس والخبرة في مجال الاسلوب الكتابي او المسلك اللغوي للنص اضافة لمعايير بنيوية تتعلق ببناء وهيكيلة النص والقانون بكامله لضمان اخراج القاعدة للوجود القانوني.
وهذا يقتضي وجود خبراء قانونيين متمرسين يتولون الصياغة التشريعية، كما يتطلب وضع معايير تتعلق بفن الصياغة التشريعية كالدقة والمنطقية والوضوح والواقعية والسهولة، ووضع معايير تتعلق بلغه الصياغة كسلامة اللغه ووضوحها والجمل القصيرة والمكثفة والغنية والابتعاد عن المصطلحات القابلة للتاويل ومراعاة قواعد لغة الصياغة وتقسم الافكار الى بنود وفقرات لسهولة فهمهما وتطبيقها.
فضلاً عن تقنين معايير بنيونية تتعلق ببناء النص وبناء هيكل التشريع (كاسم القانون والديباجة، سند الاصدار، رقم القانون، التعاريف، الاحكام العامة، جوهر القانون، الاحكام الختامية، الاسباب الموجبه) …الخ، واخيراً لابد من وضع معايير قياسية لاختيار صائغي النصوص التشريعية على المستوى الاتحادي كصائغي مجلس النواب ومجلس الدولة او على مستوى الاقاليم.
ويمكن الاستعانة بالتجارب الدولية لهذا الغرض كالتجربة الكندية مثلاً التي وضعت شروطاً لمن يعمل صائغ في المجالس التشريعية تتطلب حصوله على شهادة متخصصة في الصياغة التشريعية اضافة للشهادة العليا في اختصاص القانون العام او الخاص وهذا يتطلب من وجهة نظرنا تخصص اكاديمي في الصياغة التشريعية لاعداد الصائغين او تاهيل حملة الشهادات العليا من خلال الدورات المكثفة لممارسة عمل الصائغ في اللجان النيابية، كما يقتضي توظيف التكنولوجيا الحديثة كوسائط مساعدة في عملية الصياغة التشريعية وبناء النصوص، من خلال الاستفادة من بنوك المعلومات والانظمة القانونية الذكية والتي تعرف بـ (انظمة قواعد المعرفة) للوصول للتشريعات والدراسات والمصادر والقوانين المقارنة التي يحتاجها الصائغ والاستفادة من انظمة الصياغة التشريعية الاليه التي تدعم عمل الصائغ اليكترونيا كنظام (ليدا) في المانيا لدعم الصائغين الالمان من خلال مطابقه صياغه النص الكترونيا مع لائحة ارشادات الصائغين والمعايير القياسية للصياغة.
واخيراً لابد من تفعيل دور اللجان البرلمانية في عملية الصياغة التشريعية من خلال تقنين اليات عمل اللجان البرلمانية في مجال اقتراح وصياغة مشاريع القوانين باعتبارها بيوت الخبرة الداخلية التي يلجأ اليها المجلس وتفعيل مبدأ التخصص وتقسيم العمل وضبط اليات عملها وتقديم تقاريرها وتوصياتها بما يسهم بتطوير المبادرة التشريعية البرلمانية، فضلا عن وجوب تدريب اعضاء اللجان البرلمانية والاستفادة من مزايا الاتمتة الالكترونية بعملية التدريب .
حكم رشيد
المحور الثالث: تطبيق معايير الحكم الرشيد على عملية انتاج التشريع لضمان جودته، بسبب التلازم مابين الحكم الرشيد والحوكمة التشريعية التي تعد احد ادواته ومن هذه المبادىء مبدأ سيادة القانون الذي يضمن اصدار قوانين تلزم الجميع بالخضوع اليها حكام ومشرعين ومواطنين عاديين لا تتضمن الاستثناءات والاعفاءات وترسيخ مبدأ الشفافية وديمقراطية التشريع من خلال ضمان اطلاع الجمهور والمختصين على السياسية التشريعية للمؤسسة التشريعية واليات عملها ومخرجاتها، كما يتطلب هذا المحور تعزيز مبدأ المساءلة والمحاسبة.
حيث يجب ان تكون التشريعات داعمة لمفهوم المساءلة والمحاسبة باعتبارها احد مركزات الحكم الرشيد وهذا يعمل بنتيجة الحال على تحقيق مبدأ المشاركة او ديمقراطية التشريع وتعزيز دور النائب في الصياغة التشريعية واتاحة الوقت الكافي لدراسة ومناقشة مشاريع القوانين، كما يتضمن هذا المحور تطور التشريع من خلال تعزيز القدرة التنافسية لمواكبة التشريعات المعاصرة، لما تقدم ندعو دائرة التشريع النيابية في مجلس النواب الى اعتماد هذه المحاور الثلاث كمناهج للحوكمة التشريعية باعتبار ذلك من صميم عملها والله الموفق .
اضف تعليق