q
انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة وتوزيع مناصب المحافظ ونائبيه ورئيس المجلس ونائبيه يشير وبصورة اكيدة الى استنساخ التجارب السابقة، فلا يزال الشك في مضامين عمل هذه المجالس يساور معظم العراقيين الذين يخشون من بقاءها بؤرة من بؤر الفساد عبر تقاسم أموال التنمية المرتقبة...

كرّس اختيار المحافظين للمحافظات العراقية مبدأ ان الحياة السياسية في البلاد لاتزال قائمة على عامل المحاصصة واقتسام المناصب وتوزيعها على القوى الكبرى المتحكمة في المشهد، بعيدا عما اسفرت عنه نتائج الانتخابات الأخيرة التي جاءت بنتائج لا تصب بمصلحتها وابتعدت كثيرا عن امنياتها.

إذا التفاهمات جردت الانتخابات من مسؤوليتها ووظيفتها التي بموجبها يتم الانتقال السلمي للسلطة.

نعم حصل الانتقال وبشيء سلمي وبهدوء غير متوقع في بعض المحافظات، والفضل يعود بذلك الهدوء للطبخ على نار هادئة دون اثارة الشبهات وإطلاع الرأي العام على حقيقة ما جرى ويجري من تنازلات بين القوى السياسية التي ترى في المناصب العليا يد تقبض بواسطتها سيطرتها على الموارد والنفوذ المحلي.

لحين عقد الجلسة الأولى لم يعرف عامة الشعب القالب الذي صبت فيه المادة الأولية لتخرج لنا الحكومات المحلية، ولم يعرف الجميع ماهية درجة السخونة التي جعلت التشكيلات الجديدة تخرج بهذه السرعة الفائقة، وكأن خارطة الطريق مرسومة والنقاط الخلافية تم تجاوزها بأقل الخسائر لجميع الأطراف.

الصراع على المناصب المتقدمة يأتي لعدم وجود المحاسبة والمراقبة بحجم المنصب، فالمحافظين السابقين احكموا سيطرتهم على منافذ المدن وتحكموا بالإيرادات طيلة فترة غياب مجالس المحافظات منذ عشرة سنوات، وفي النتيجة صار المحافظ هو الرجل الأول والأخير لا يوجد في المحافظة من يحاسبه او يقوض تحركاته.

فغياب الرقابة المطلوبة والواجبة أسفر عن هدر المليارات من الأموال المخصصة لإعمار المدن، والأدلة كثيرة من بينها انشاء مداخل بسيطة للمدن وحين الاطلاع على كلفها نصاب بالدوران، هنالك تباعد كبير بين المنشأ على الورق والمنفذ على ارض الواقع، ولا تعرف من المسؤول عن هذا الهدر، مادامت المسألة تدور في إطار (حاميها حراميها).

انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة وتوزيع مناصب المحافظ ونائبيه ورئيس المجلس ونائبيه يشير وبصورة اكيدة الى استنساخ التجارب السابقة، فلا يزال الشك في مضامين عمل هذه المجالس يساور معظم العراقيين الذين يخشون من بقاءها بؤرة من بؤر الفساد عبر تقاسم أموال التنمية المرتقبة.

وفق مسطرة التوافق في تعيين المحافظين وغيرهم من المسؤولين، سيكون تقديم الخدمات بشكل أفضل امر صعب تحقيقه، فالتوافق سينسحب الى جميع مفاصل إدارة الحكومة المحلية، ولا يمكن لمشروع ان ينجز او اتفاقية تبرم مالم تكن جميع الأطراف راضية.

رضى الأطراف هنا يعني بشكل غير مباشر ان الأحزاب التي تنتمي اليها الشخصيات المسؤولية، حصلت على ما تريد واعطت الضوء الأخضر لممثلها في المجلس من اجل التصويت على تمرير بعض القوانين او عدم تمريرها دون النظر الى المصلحة العامة المتوخاة منها.

امام مجالس المحافظات الحالية تحديات كبيرة، أولها ان الشعب لا يزال ينظر اليها على انها حلقة زائدة لا يمكن الاستفادة منها، مضيعة للأموال ومعرقلة لعمل الحكومات المحلية، وترسيخ هذه الفكرة من المجالس السابقة التي عاثت في المدن فسادا ولم تقدم ما يجب تقديمه.

فعليها من الآن العمل على إثبات الوجود وتأدية واجبها التشريعي والرقابي على اتم وجه، فهي الجهة الوحيدة المعنية بتشريع القوانين التي تخدم بموجبها الجمهور المحلي، من خلال صلاحياتها التي منحتها لها الحكومة المركزية، وإمكانية إدارة الملفات العمرانية والخدمية.

بإمكان المجالس الحالية تحسين الصورة النمطية المأخوذة عنها عبر تفعيل عملها وتكريس جلساتها لمناقشة ما يخدم المدينة والوقوف على جميع احتياجاتها، فلم يعد تبليط الطرق ونصب أعمدة الانارة من الأشياء التي تخدع المواطن وتجعله يغض بصره عن العيوب الأخرى.

مدننا اليوم بحاجة الى وضع خطط عمرانية واستراتيجية شاملة قائمة على أولوية بناء المصانع والمعامل التي تسهم في تشغيل مئات العاطلين عن العمل وإيجاد بيئة صناعية جاذبة للاستثمار المحلية قبل كل شيء، ومن ثم توسع الطموح الى الانفتاح الخارجي، وكل ما تقدم يتوقف حدوثه على الخروج من الدائرة المحاصصاتية والعيش ضمن الفضاء المؤسساتي.

اضف تعليق