q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

ديموقراطية VIP

أبدأ بأول مثال وهو ما نشرته مراسلة السي أن أن CNN عن رؤوس الأطفال الأسرائيليين المقطوعة بواسطة مقاتلي حماس نقلاً عن رواية البيت الأبيض ثم أعتذارها (بعد خراب البصرة) بعد أن أنتشرت فضيحة زيف ذلك الفيديو، ثم أنتقل لرويترز، وكالة الأنباء المرموقة، التي لم تستنكر قتل وجرح مراسليها بواسطة الجيش الأسرائيلي...

لم أتوهم يوماً أن الديموقراطية المطبقة في الغرب هي النظام المثالي الذي لا يعاني من التمزقات والثقوب في ثوبها الجميل. كما أني لم أشك أنها قد تكون أفضل نظام توصل له العقل السياسي البشري للآن. مع هذا لم أكن أتصور أن هذا النظام الذي طالما دافعتُ عنه سيبدو بهذه الرثاثة التي تشبه كثيراً تلك الثياب الحديثة التي يرتديها الشباب اليوم والمليئة بالثقوب والتمزقات الظاهرة التي تعرّي الجسم أكثر مما تستره،ويحسبونها جميلة ومن مستلزمات الموضة!

مناسبة حديثي هو ما كشفت عنه التغطية الاعلامية والمواقف الغربية تجاه مذبحة غزة على يد الصهاينة. أبتداءً لا بد لي من تثبيت عدم رضاي عن أي أستهداف لأي مدني بخاصة الأطفال والشيوخ والنساء من كل الخلفيات، وتحت أي ذريعة، في أي صراع مسلح.

كما أني أعي تماماً أن هناك رأي عام غربي بما فيه يهودي، رافض تماماً لممارسات الاحتلال الأسرائيلي وللمذبحة التي يرتكبها الصهاينة. لكني أركز هنا على مواقف الحكومات ووكالات الاعلام التي طالما صدحت بدفاعها عن حرية الرأي وحقوق الأنسان وهما ركنان أساسيان من أركان الديموقراطية.

أبدأ بأول مثال وهو ما نشرته مراسلة السي أن أن CNN عن رؤوس الأطفال الأسرائيليين المقطوعة بواسطة مقاتلي حماس نقلاً عن رواية البيت الأبيض ثم أعتذارها (بعد خراب البصرة) بعد أن أنتشرت فضيحة زيف ذلك الفيديو.

ثم أنتقل لرويترز، وكالة الأنباء المرموقة، التي لم تستنكر قتل وجرح مراسليها بواسطة الجيش الأسرائيلي وأكتفت بعد أكثر من 4 أيام على الحادثة بخروج مديرتها بتصريح تطالب فيه بفتح تحقيق شفاف بتلك الجريمة!

أما أتحاد السباحة العالمي فقد عاقب المصري بطل العالم في سباحة الفراشة لأنه صرح ضد الجرائم التي ترتكب بحق أطفال غزة، وأدان الأتحاد الألماني لكرة القدم تغريدة أيد فيها أحد اللاعبين المسلمين الذين ينشطون في الدوري الألماني جريمة الأبادة الجماعية في غزة.

واليوم صار كُثُر في الغرب (الديموقراطي) ممن يتقززون وينفعلون وهم يرون أطفال غزة يذبحون، ونسائها يولولون، ورجالها في الأنقاض يفتشون، وشيوخا عن الملاجىء يبحثون، صار هؤلاء بين ناري الأفصاح عن غضبهم وتحمل تبعات ذلك من عقوبات مهنية ومعنوية وتشويه لصورهم بأتهامهم بمعاداة السامية، وبين القبول بالسكوت على مضض مع ما يحمله ذلك من عذاب ضمير في لحظة تاريخية فارقة.

يوم أمس كان لي حديثين دفعاني لكتابة هذا المقال. أحدهما مع أستاذ أكاديمي أمريكي مرموق في أحدى الجامعات الأمريكية ومتخصص بشؤون المنطقة، والآخر مع أبني الذي يكمل دراسته للدكتوراه في أحد الدول الأوربية (المتقدمة) حالياً.

قال لي زميلي وصديقي الأستاذ الأمريكي بعد أن أرسلت له مقاطع فيديو وصور عن مذبحة غزة،أنهم في الغرب لا يرون الا صور ما فعلته حماس بالمدنيين الأسرائيليين، في حين أني متأكد أنكم لا ترون الا صور أطفال غزة وكأننا نعيش في عالمَين منفصلين وواقعَين مختلفَين.

أجبته،مع فهمي لكل ما تقول وللتغطية المتحيزة لدى الطرفَين لكنك لا تستطيع لوم دولنا وأعلامنا كثيراً على تغطيتهم (المتحيزة) لأنهم ببساطة يقعون في العالم (اللاديموقراطي) والمتخلف،كما تصفونه أنتم. لكن اللوم كل اللوم على متبني الدفاع عن حرية التعبير وحقوق الأنسان والمواثيق الدولية والمهنية في العمل الأعلامي. أعلامكم ومؤسساتكم هي التي ينبغي أن تلام أكثر.

أجابني، هل تعلم أنني بسبب بعض التصريحات والمقابلات مع بعض وسائل الأعلام والتي فُهم منها أني لا أدعم الموقف الأسرائيلي بتُّ أخشى أتهامي بالنازية وفقدان وظيفتي الجامعية! هل يمكن تصور حدوث مثل ذلك وقمع حرية التعبير حتى بين الأكاديميين؟!

هل تعلمون سادتي أن طلاب جامعة هارفارد الذين عبروا عن أدانتهم لأسرائيل بسبب العنف الحالي تمت معاقبتهم معنوياً بنشر أعلان كبير فيه أسمائهم وصورهم بأعتبارهم معادين لأسرائيل،مع ما تحمله هذه التهمة من عواقب، مما جعل بعضهم يسحب توقيعه وتأييده للتصريح الذي يدين أسرائيل؟!

في أول يوم لهم في المدرسة عبّرت مدّرّسة حفيدي في أحدى دول الغرب (الديموقراطية) عن تعاطفها الشديد ودعمها اللامحدود لأسرائيل، وأردفت قائلةً: أعلم أن فيكم من العرب ممن قد يتعاطفون مع الفلسطينيين لكن هذا التعاطف غير مسموح به هنا. لا تعاطف هنا الا مع أسرائيل!

ولكم أن تتصوروا أنعكاس مثل هذه العبارات على أطفال لم يبلغوا الرابعة عشر ولا يعلمون شيء ربما عن هذا الصراع ومسبباته، ويفترض أن تعلمهم هذه المدّرّسة مبادىء الديموقراطية!! كيف يمكن أن يتمتع طرف واحد فقط بثمار الديموقراطية؟! هل هي ديموقراطية مصممة بأتجاه واحد؟ هل هي ديموقراطية تشمل فئة واحدة من الناس وغير مسموح بدخولها الا لمن يحملون صفة VIP من البشر بحسب التصنيف الذي تقرّه أسرائيل؟!

أخيراً أرجو من القراء أن لا يتوهموا أني من المعادين للديموقراطية أو المؤيدين لأنظمة الطغيان والسلاح المنفلت في منطقتنا. فأذا كنت أدين هنا تلك الديموقراطية التمييزية العوراء، فأني أعي تماماً أنها بكل مشاكلها أفضل من أنظمة التسلط القومي والديني والمذهبي والآيدلوجي والأسري التي أبتليت بها منطقتنا المنكوبة مرتين،الأولى على يد أبناءها والثانية على يد أعدائها.

قلبي ينزف على أطفال غزة وشيوخها ونسائها،وعقلي وروحي ضد كل من يقتل أو يظلم بريئاً بأسم القضية أو الدين أو المذهب أو الشعارات الديماغوجية.

.....................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق