q
لماذا لا يتوفر في بلد غني كالعراق ضمان صحي دقيق يحمي الناس من شراهة (الشركات/ العيادات) الطبية، والمستشفيات الأهلية، على أننا لابد أن نشير إلى بعض الملامح والمواقف المضيئة في سفر المراجعات الطبية، فهناك أشخاص مجبولون على الاخلاص وحب العمل والإنسانية، هؤلاء رغم ندرتهم لكن قد نعثر عليهم...

صاحبُ الحاجة أعمى، هكذا ينص المثل الشعبي، ومعناه أن من يقع من محنة أو مأزق من أي نوع كان، سوف يبحث عن الحل بطريقة قد تفتقد للتروّي والحكمة، مما يجعل الباحث عن الحل يقع في الحلول غير المناسبة أو غير الصحيحة.

أسوق هذه المقدمة، وقد أجبرتني الظروف على البحث عن طبيب ماهر يخلص أحد أفراد عائلتي من الآلام القاسية التي لا تتوقف ليلا ولا نهارا، ومن أقسى ما يمكن أن يعيشه الإنسان، حين يرى شخصا يتألم بشدة ولا يستطيع أن يعالجه ولا يمكن أن يمد له يد العون لأن الأمر ببساطة خارج إرادته.

الألم العضوي الشديد ينعكس حتما مع مرور الوقت على الروح، وإذا اعتلّ الجسد لحقت به الروح آجلا أو عاجلا، وإذا مرضت الروح لم يعد للإنسان قيمة من أي نوع كانت، طالما أنه يتألم بلا توقف ولا شيء في هذا الكون يستطيع أن يوقف ألمه إلا الموت والموت ليس بيدكَ ولا بيدي، إنما هو بيد واحد أحد له حكمته فأعطى الإنسان لحظة محددة هو وحده يعلمها حيث يستعيد فيها روح الإنسان إلى رحابه، وهكذا تقضي الساعات تلو السعات والأيام تلو بعضها، وأنت عاجز تماما عن تخليص مَنْ تحب مِن آلامه التي لا ترحم.

هنا تصبح الحاجة أكثر من ماسّة، ويصبح البحث عنها أكثر من (أعمى)، وهذا الذي حدث معي على الأقل، فدخلتُ ومعي أولادي وبناتي وبعض أقربائي إلى (عالم الأطباء)، دخلتُ مجبرا وليس مخيّرا، لأنني بصراحة أكره هذا العالم بالفطرة، حتى أنني حينما أصاب بمرض لا أراجع طبيبا إلا بعد أن يصل السيل الزبى وتصبح حياتي مهددة فعلا.

العلاج بالجملة

دخلتُ هذا العالم مضطرا، ولم أشعر مطلقا بأنني كنتُ أعمى، حملتُ مريضي على ظهري وقلبي وروحي ومواجعي كلها، وأخذتُ أدور به على ما قيل لي بأنهم أشهر الأطباء في مديني في التخصص الفلاني الذي تعاني منه (أم أولادي)، خمسة أطباء من خيرة هذا التخصص في المدينة لم يضعوا حدا للآلام المبرحة التي تعاني منها.

الطبيب الأول وقيل لي هو الأمهر، حين دخلت عيادته وجدتُ جمهرة هائلة تتكدس في صالة الاستقبال، أناس مرضى بالعشرات، قد يفوق عددهم المئة، من كل الأعمار، ومن مدن عدّة، حين رأيت الطبيب يعالج الناس (بالجملة) أصبتُ بخيبة أمل، وشعرت أنني في المكان الخطأ، لم تتوقف الآلام، ولا أريد أن أقول ما رأيته بالتفصيل، وهو يدل على أن مهنة الطب هنا اصبح الهدف الأول منها تجاريا ربحيا قبل أن يكون إنسانيا، وهذه مصيبة ما بعدها مصيبة.

وهكذا غادرنا الطبيب الأمهر بخفيّ حنين، لا الألم توقف، ولا العلاج توفر، ولا زلت أتذكر كلام أحد المراجعين المرضى حين همس بأذني بصوت خفيض قائلا (طالما الفحص جماعي اغسل إيدك)، والحقيقة كلنا نعرف لماذا يلجأ بعض الأطباء لإدخال وفحص خمس مرضى دفعة واحدة، هناك من يقول كثرة عدد المرضى، وهناك من يقول جشع الطبيب أو ولعه بالمال، وربما كلاهما يصح.

مقترحات للتخلّص من الألم

خرجتُ من العيادة المكتظة بالمرضى تحيط بي جحافل اليأس من قحفة الرأس حتى أخمص القدم، وبدأت منذ لحظة ترك هذه العيادة بطبيب آخر وآخر، وهكذا تنقّلنا بين عدد من الأطباء من دون طائل، سوى المسكّنات الوقتية التي قد تطفئ الألم ساعة أو ساعتين ثم ما يلبث يكشّر أنيابه من جديد وتبدأ نوبات الوجع تحيل ليلنا إلى نهار ونهارنا إلى ليل.

المقترحات التي تخطر في بالي كثيرة، كيف يمكن أن يتخلص الناس من هذه الآلام، كيف يتخلص بعض الأطباء من هاجس الربح السريع، لماذا لم تتدخل الدولة بقوة وتضمن لكل فرد علاج وتأمين صحي يخلصه من آلام المرض، ومن إذلال المراجعات المهينة للعيادات الخاصة التي باتت أشبه بالشركات الربحية التي لا يعنيها المرضى ولا أوضاعهم وظروفهم.

لماذا لا يتوفر في بلد غني كالعراق ضمان صحي دقيق يحمي الناس من شراهة (الشركات/ العيادات) الطبية، والمستشفيات الأهلية، على أننا لابد أن نشير إلى بعض الملامح والمواقف المضيئة في سفر المراجعات الطبية، فهناك أشخاص مجبولون على الاخلاص وحب العمل والإنسانية، هؤلاء رغم ندرتهم لكن قد نعثر عليهم هنا أو هناك ونحن في رحلة البحث عن الحلول التي قد تبدو بعيدة المنال الآن أو في المستقبل القريب.

اضف تعليق