شعيرة الحج من الشعائر الإسلامية الكبرى، لها جانبان أساسيان الجانب العبادي المتعلق بالإتيان بكل أعمال الحج من لبس إحرام إلى تلبية وطواف وسعي ورمي للجمار.. وهذه الممارسات العبادية المطلوبة لذاتها، ولايمكن لأي قاصد إلى الحج إلا الإتيان بهذه الأعمال.. مجموع القيم والمقاصد التي تختزنها شعائر الحج وممارساتها العبادية المختلفة..
قال تعالى ﴿إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين، فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين﴾.
الحج من الفرائض المهمة في الإسلام، وهو من أعظم المواسم العبادية التي يحتشد فيها المسلمون من كل بقاع الدنيا. لهذا فإن المؤدي لهذه الفريضة المقدسة يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وتستجاب دعوته، ويكتب له بكل عمل ثواب عظيم.
وفي فريضة الحج خلاصة جامعة لأصول الإسلام كلها. وحينما يتوافد المسلمون إلى مناسك الحج والعمرة، تتضح حقيقة التنوع القائمة والشاخصة في حياة المسلمين. حيث تتعدد الألوان والقناعات، وتتنوع الميولات والمنهجيات، ولكن صدر مكة الواسع، ورحابة بيت الله الحرام، تحتضن الجميع وتصون حرماتهم جميعا. فمكة المكرمة هي كالأم بالنسبة إلى المسلمين بكل تنوعاتهم وتعبيراتهم.
فكما تتعدد ميول وأفكار وطرق الأبناء في الحياة، والأم تتعامل معهم على حد سواء، وترى في تنوعهم جمالا كأغصان الشجرة الواحدة، وعاطفة الأمومة وحنانها يستوعب ويظلل الجميع، كذلك مكة المكرمة. وهذا ما شعرت به نفسيا وعقليا خلال المدة التي قضيتها في رحاب مكة وبيت الله الحرام في الأعوام الماضية التي توفقت فيها للحج أو العمرة. فأنت تهاجر من موطنك تاركاً، أهلك، ومالك، وجاهك، وحتى ثيابك، وتأتي ربك في بيته لتؤكد على وحدانيته وعلى الخضوع له، بكل ما للخضوع من معنى.
وأنت في رحاب بيت الله الطاهر، لا يفارق الذكر شفتيك صلاة ودعاء وقراءة للقرآن. إنها حقا فرصة العمر التي لا تعوض. حيث الغذاء العقلي والمعرفي الذي لا يعوض ويزيد من مدارك الإنسان ووعيه. والغذاء الروحي حيث إنك في أقدس بقعة في الكون، وكلها مليئة بالرموز والمضامين التي تزيد الإنسان طاعة لله وإخلاصاً له.
فمكة المكرمة بكل رموزها وفرائضها، طاقة روحية، أحوج ما تكون الأمة اليوم، إلى هذا الزاد الروحي، الذي يزيل من القلوب الأدران والأغلال، ويهذب النفوس ويطهرها من أوساخ الدنيا. فمكة المكرمة تعطي للإنسان، ما لا تعطيه أية بقعة جغرافية أخرى، إنها تعطيه الأمن والطمأنينة وحضور القلب، وتمده بعبق التاريخ وعنفوانه.
لهذا تتأكد الحاجة العلمية والدينية للعمل على صياغة قواعد علمية لتأسيس مايمكن تسميته بعلم الحج. ولا يخفى على أحد أهمية بذل الجهود في هذا السبيل. وان الاطلاع على ما كتبه العلماء والدعاة والأدباء في هذا السياق يجعلنا نعتقد: أن هذه الأبحاث والدراسات المتخصصة، قد تمكنت من تأسيس مدخل مهم وأساسي لبناء علم جديد بالإمكان أن نصطلح عليه بعلم الحج.. وذلك لأن هذه الأبحاث والدراسات في تقديرنا تحتاج إلى تراكم معرفي. فالحقيقة الكبرى التي حاولت الأبحاث أن تعمقها في العقول والنفوس، هي أن مكة المكرمة مدينة القيم والمبادئ، ودورها ورسالتها الدائمة في الحياة، هي التذكير الدائم بهذه القيم والمبادئ ليس للمسلمين فحسب، بل للإنسانية والعالم كله.
فكما أن في جسم الإنسان مركزا تلتقي فيه كل الأعضاء، ويقوم بتوجيهها نحو القيام بوظائفها. كذلك هي مكة المكرمة، فهي عاصمة العواصم، ومدينة المدن ورسالتها هي أنها مركز الإشعاع ومنبر الهداية وضمير العالم الذي يوقظ فيهم حس المسؤولية وواجب التعاون..
واليوم أكثر من أي وقت مضى، تتحمل مكة المكرمة بعمقها الديني والروحي مسؤوليتها التاريخية لضبط نزعات الغلو والتطرف وغرس قيم المحبة والسلام وصيانة الحقوق والتبشير بكل المثل الأخلاقية التي تعزز من فرص التنمية والسلام والازدهار.
ولا ريب أن شعيرة الحج من الشعائر الإسلامية الكبرى، التي تتكرر كل عام، ويتجه فيها المستطيعون إلى رحاب بيت الله الحرام..
وهذه الشعائر الإلهية لها جانبان أساسيان: الجانب الأول: هو الجانب العبادي المتعلق بالإتيان بكل أعمال الحج من لبس إحرام إلى تلبية وطواف وسعي ورمي للجمار.. وهذه الممارسات العبادية المطلوبة لذاتها، ولايمكن لأي قاصد إلى الحج إلا الإتيان بهذه الأعمال حتى يتحقق مفهوم الإتيان بشعيرة الحج..
الجانب الثاني: هو مجموع القيم والمقاصد التي تختزنها شعائر الحج وممارساتها العبادية المختلفة..
ولعل من أهم هذه القيم التي تختزنها شعائر الحج، هي قيمة التوحيد.. فالقوة المطلقة في الكون والحياة، هي قوة الباري عزوجل، وعلى الإنسان المسلم أن ينعتق ويتحرر من كل الضغوطات التي تحول دون تحقيق مفهوم العبادة الخالصة لله عزوجل..
ولا ريب أن في حياة المسلمين المعاصرة، الكثير من صور الإكراهات والضغوطات التي تحول دون وحدانية الخالق سبحانه وتعالى.. والمطلوب انطلاقا من قيم الحج ومقاصده الربانية، التحرر من الشرك السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يمنع بشكل أو بآخر من تحقيق وحدانية الله سبحانه وتعالى في حياة المسلمين المعاصرة..
فشعيرة الحج وفق هذا الجانب، هي جسر العبور للانعتاق من إكراهات الحياة والالتحاق بركب الصالحين الموحدين لله عز وجل والمتحررين من كل إكراهات الواقع..
فالحج هو مدرسة التوحيد والتحرر من كل أشكال الشرك الذي يحول دون الإخلاص في توحيد الله عز وجل وعبادته..
اضف تعليق