q
سوف تتسبب هذه المواجهة القضائية بجرف المزيد من جدران الدستور المتهالكة، والذي لم يعد محصنا بعد الخروقات المتكررة من قبل السياسيين نتيجة صراعاتهم، إضافة إلى الصراع الجديد بين الأجهزة القضائية التي قد تتسبب هي نفسها بتحطيم الدستور والقوانين الدستورية بسبب الاختلاف في التفسير، بينما تستمر الأزمات وتتراكم يوماً بعد آخر...

ليس من صلاحيات المحكمة الاتحادية إصدار قرار بإلغاء قانون النفط والغاز في إقليم كردستان الصادر عام 2007، وحتى بعد قرار الاتحادية الأخير سيظل قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كوردستان ساري المفعول.

الكلام أعلاه ليس تصريحاً لأحد السياسيين، ولا جزءاً من مقال صحفي، بل بيان صادم لمجلس قضاء إقليم كردستان الذي جاء للتعبير العلني عن رفض قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق الذي ألزم حكومة الإقليم بتسليم النفط المنتج على أراضيه للحكومة الاتحادية.

استند مجلس قضاء الإقليم إلى الدستور، فهو (أي الدستور) لم يحصر عمليات التنقيب وإنتاج وتصدير النفط والغاز بالسلطات الاتحادية، وعليه فإن أفعال حكومة إقليم كردستان المتعلقة بالنفط والغاز تتوافق مع ما جاء في الدستور العراقي وأحكام قانون النفط والغاز في الإقليم.

التمرد على قدر الألم

يعد هذا البيان أول تمرد من قبل جهة قضائية على قرارات المحكمة الاتحادية العليا التي تعد أعلى سلطة قضائية في العراق وفق دستور عام 2005، وظيفتها تفسير النصوص الدستورية والنظر في مدى دستورية القوانين.

وقراراتها باتة وغير قابلة للتمييز أو الطعن لدى أي جهة كانت، ولم يسبق أن تمردت أي جهة قضائية أو سياسية على قرارات المحكمة الاتحادية العليا في العراق، وهو ما يجعل قرار مجلس القضاء في إقليم كردستان سابقة أولى في التمرد وقد تفتح لنا باباً جديداً وانقساماً يضاف إلى الانقسامات السياسية والقومية والاجتماعية الراهنة.

ولأن قرار المحكمة الاتحادية العليا في شباط فبراير الماضي كان مؤلماً بالنسبة للإقليم لكونه ألغى قانون النفط والغاز الذي أقره عام 2007 لتنظيم قطاع النفط والغاز، وعلى أساسه كانت سلطات الإقليم تبيع نفطها خارج سلطة الحكومة الاتحادية ما وفر للإقليم هامشاً مالياً مريحاً استطاع من خلاله إحداث فرق نسبي بين محافظاته والمحافظات العراقية الأخرى.

بقرار مفاجئ يخسر الإقليم كل عوائده المالية المتأتية من النفط، ويجد نفسه مجبراً على الخضوع للحكومة الاتحادية.

كما تضمن قرار الاتحادية إلزام حكومة إقليم كردستان بتمكين وزارة النفط العراقية وديوان الرقابة المالية الاتحادية بمراجعة كافة العقود النفطية المبرمة مع حكومة إقليم كردستان بخصوص تصدير النفط والغاز وبيعه.

بمعنى أن المحكمة الاتحادية ضربت الإقليم بحقنة لشل حركته بشكل شبه كامله وأخضعته للحكومة الاتحادية، وهذا ما لا يمكن تقبله من زعماء الإقليم، حيث سارعوا للتشكيك في القرار وعبروا صراحة عن شعورهم بوجود صبغة سياسية في هذا إصدار هكذا أمر قضائي.

أشهر من تقاذف الاتهامات بين الفرقاء السياسيين في الإقليم والمركز، انتهت يوم السبت الخامس من آيار الجاري بنهائية غير متوقعة على شكل بيان أصدره مجلس قضاء إقليم كردستان يرفض فيه قرار المحكمة الاتحادية العليا لاعتباره لا يستند إلى أساس دستوري صلب، بينما يبني الدستور جداً سميكاً جعل من غير الدستوري الاعتراض على قرارات المحكمة الاتحادية العليا.

لقد أدخلنا قرار المحكمة الاتحادية العليا الأول الخاص بإلغاء قانون النفط والغاز في الإقليم في دوامة جديدة من الخلافات السياسية العميقة، وهو ما كان متوقعاً لكون العلاقة بين المركز والإقليم كانت متوترة على طول السنوات السابقة.

لكن تدخل قضاء الإقليم لنقض قرار المحكمة الاتحادية غير القابلة للنقض أدخل العراق في انقسام لم يكن يتوقعه أحد، أصبح قضاء الإقليم في مواجهة مباشرة ضد القضاء المركزي، وأي قضاء؟ إنها المحكمة الاتحادية العليا.

سوف تتسبب هذه المواجهة القضائية بجرف المزيد من جدران الدستور المتهالكة، والذي لم يعد محصنا بعد الخروقات المتكررة من قبل السياسيين نتيجة صراعاتهم، إضافة إلى الصراع الجديد بين الأجهزة القضائية التي قد تتسبب هي نفسها بتحطيم الدستور والقوانين الدستورية بسبب الاختلاف في التفسير، بينما تستمر الأزمات وتتراكم يوماً بعد آخر.

اضف تعليق