q
وإذا كان التاريخ لا يصمت، فهل سيقول كلمته اليوم قبل الغد بشأن حل سريع وعاجل للأزمة الأوكرانية؟ وهل سينسحب الروس من أوكرانيا؟ وسيتم التوصل إلى تسوية سياسية تضمن احترام سيادة أوكرانيا من جهة وعدم وقوعها تحت هيمنة الناتو وخططه المعادية لموسكو من جهة أخرى. وهل ثمة ملامح لنظام دولي جديد في طور التكوين؟...

عشية أعياد الميلاد عام 1979 اجتاحت القوات السوفييتية أفغانستان تحت عنوان «النجدة الأممية» لمساعدة الحليف الشيوعي بعد الإطاحة بحكم الرئيس محمد داود خان، الذي سبق له أن انقلب على الملك محمد ظاهر شاه عام 1973، وشهدت كابول في الفترة ما بعد عام 1978 ثلاثة انقلابات عسكرية توالى على قيادتها «الأخوة الأعداء» باستعارة رواية المبدع اليوناني كازانتزاكيس، حيث احتربت القبائل الماركسية فيما بينها.

وأعادتني الحرب الدائرة في أوكرانيا إلى ذات المشهد على الرغم من اختلاف طبيعة النظام السياسي (السوفييتي عن الروسي)، لكن المصالح الاستراتيجية تبقى واحدة بغض النظر عن ذلك.

وإذا كانت الورطة الأفغانية التي وقعت فيها موسكو معروفة النتائج، فهل يمكن التكهّن بمآلات الورطة الأوكرانية؟ ويوم اضطرت القوات السوفييتية للانسحاب من أفغانستان، كان ثمّة نظام دولي جديد يتكوّن وهو الذي شهد هزيمة موسكو وحلفائها في حرب عالمية لم تطلق فيها رصاصة واحدة، فماذا ستكون نتائج الهجوم الروسي على أوكرانيا؟ هل ثمّة نظام عالمي جديد في الأفق؟ وأين سيكون موقع روسيا فيه، خصوصاً بصعود دور الصين ومنافَستها الاقتصادية للولايات المتحدة؟

في اليوم التالي لدخول القوات السوفييتية إلى أفغانستان ترك بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي رسالة من سطرين على طاولة الرئيس كارتر، مفادها بأن الاتحاد السوفييتي أصبح على وشك الوصول إلى «المياه الدافئة» وقصد بذلك الخليج العربي بما يملكه من ثروة نفطية، ومن المؤكد أنه قصد بهذا التعبير الرغبة في توريط موسكو بما يشبه ورطة واشنطن وهزيمتها في فييتنام وبالتالي إجبارها على دفع التكلفة.

اصطدمت القوات السوفييتية بسكان معادين لها، بل مستعدين لخوض قتال لا حدود له معها، حيث اتجهت مجاميع معارضة من الأيام الأولى لخوض حرب عصابات طويلة الأمد، فما بالك حين حصلت على إمدادات ودعم مالي وعسكري من بلدان مختلفة ومتعارضة، سواء الولايات المتحدة أو الصين، إضافة إلى بلدان إسلامية بما فيها عربية، فضلاً عن دول جوار وفي مقدمتها باكستان.

كان التقدير السوفييتي آنذاك أن مهمة القوات المسلحة لا تتعدّى أسابيع قليلة.

في أوكرانيا اليوم، وعلى الرغم من تحطيم الجزء الأكبر من القدرات العسكرية الأوكرانية وتدمير العديد من المنشآت والمرافق الحيوية، إضافة إلى الخسائر في الأرواح، ما زال الحل العسكري بعيد المنال، خصوصاً في ظلّ أوضاع دولية مناوئة للتدخّل الروسي وعقوبات شديدة ومقاومة أوكرانية باستثناء المناطق التي تغلب فيها القومية الروسية، وهذه إضافة إلى شبه جزيرة القرم التي تمت استعادتها بتدخّل عسكري العام 2014 تشكّل نقاط ارتكاز للجيش الروسي، لكنها تبقى غير كافية حتى بدت روسيا في مطالبها المشروعة، برفضها نصب صواريخ على حدودها وانخراط أوكرانيا في حلف الناتو، وكأنها تحارب شعباً بكامله.

في أفغانستان قالت موسكو «إذا لم نبادر نحن بالتصرّف سيبادرون هم» (المقصود واشنطن)، وتردد ذلك في الأزمة الأوكرانية، وحاول الروس استباق واشنطن قبل أن تكمل خططها، فتوغّلوا نحو كييف.

لقد أصبح السوفييت باجتياحهم أفغانستان رهينة لقوى غير ناضجة وفقدت القدرة على السيطرة، وهكذا وقعت موسكو في الفخ، لدرجة أن سوسولوف وبوناماريوف وهما من كبار المفكرين والمسؤولين الحزبيين اعتبرا أفغانستان دولة اشتراكية جديدة على الطريق. وبعد نحو 10 سنوات تراجعت القوات السوفييتية معترفة بعدم الجدوى بعد أن ذاقت المرارة بفضل قرار غورباتشوف.

وإذا كانت مواقف الدول تتحدّد طبقاً لمصالحها، فإن موقف الصين وحتى الهند بالنسبة للأزمة الأوكرانية يختلف تماماً عن موقف واشنطن ولندن، الذي يتمايز عن موقف برلين وباريس، ناهيك عن موقف الاتحاد الأوروبي بشكل عام وبعض دوله مثل بولندا التي استقبلت نحو 4 ملايين لاجئ أوكراني.

في منطقتنا البعض اندفع لتبرير إجراءات واشنطن العقابية والتي أصبحت وياللمفارقة المدافعة عن حقوق الإنسان وحق الشعوب في السيادة، بنسيان ما حدث للعراق وقبل ذلك لأفغانستان بعد احتلالهما.

وإذا كان التاريخ لا يصمت، فهل سيقول كلمته اليوم قبل الغد بشأن حل سريع وعاجل للأزمة الأوكرانية؟ وهل سينسحب الروس من أوكرانيا؟ وسيتم التوصل إلى تسوية سياسية تضمن احترام سيادة أوكرانيا من جهة وعدم وقوعها تحت هيمنة الناتو وخططه المعادية لموسكو من جهة أخرى. وهل ثمة ملامح لنظام دولي جديد في طور التكوين؟

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق