q
سواء نجح العراقيون في تجاوز ازمة الانسداد السياسي الراهن ام لم ينجحوا، يتعين على القوى السياسية العراقية ان تفكر كثيرا في المآلات المترتبة على هذه النمطية من السلوك السياسي السلبي، اذ انها تجازف في خسارة الرصيد الاجتماعي وتمعن في توسيع مساحات عدم الثقة بينها وبين الجمهور المحبط....

سواء نجح العراقيون في تجاوز ازمة الانسداد السياسي الراهن ام لم ينجحوا، يتعين على القوى السياسية العراقية ان تفكر كثيرا في المآلات المترتبة على هذه النمطية من السلوك السياسي السلبي، اذ انها تجازف في خسارة الرصيد الاجتماعي وتمعن في توسيع مساحات عدم الثقة بينها وبين الجمهور المحبط.

القوى السياسية العراقية بلا استثناء تعاني من تراجع قواعدها الشعبية، انتخابات تشرين اوضحت امرين ذوي دلالة كبيرة، الحجم الكبير للمقاطعة الشعبية، ثم في فوز عدد كبير نسبيا من النواب المستقلين، كان حصاد الاصوات مخيبا لامال الكثيرين، وحتى الذين فازوا عرفوا ان جمهورهم ظل محدودا، اقتصر على المحازبين والمنظمين.

السباق السياسي المحموم بين الكتل السياسية اقترن هذه المرة بخيار كسر الارادات، وتصفير المنطقة الوسطى، فليس المستقلون ببعيدين عن هذا الاختبار، ل اوجود لمنطقة ظل ومسك العصا من وسطها، فالحياد صار انحيازا.

دخل المشهد السياسي العراقي في تعقيد اكثر من اي وقت مضى، لا مفاوضات الاطراف قربت المتنافسين من الحل الوسط ولا نوايا كسر الارادة المتبادلة خفت حدتها، السلوك السياسي الراهن يؤشر الى خطأ منهجي كبير، فالمشكلة ليست في تغلب رؤية على غيرها وتقدم فكرة وتراجع اخرى، المشكلة ان اللاعبين السياسيين ينظرون الى هذا التنافس الشرس بانه صراع على قيادة مكون ومن يخسر هذا الصراع سيكون خارج اللعبة بلا موارد.

ولذلك صار التحشيد في هذه المعركة يستخدم ذات الادوات التي استُخدمت في المراحل الاولى من العملية السياسية الجارية، ادوات الدين والمذهب، وهي الادوات الخطرة التي يمكن ان تستخدم في الاتجاهين، فمن كان صالحا في يوم ما يغدو شيطانا في اليوم التالي، انحدار السلوك السياسي الى هذا المستوى من المجازفة بالرصيد الاخلاقي المتبقي، يجرد القوى السياسية من الدافع السياسي الايجابي ويحول لعبة التنافس السياسي الى مصارعة ثيران اسبانية، الفائز فيها مطارد بقسوة الدماء النازفة من الخصم والخاسر فيها ضحية عناد وتحدي.

لم تتمايز الاتجاهات السياسية العراقية بوضوح كامل على اساس فكري وبرامجي، لا يمكن ان نعد اتجاها بانه يساري في مقابل اتجاه يميني محافظ، ولم تقدم كتلة مشروعها السياسي لمعالجة مشكلات الاقتصاد ومواجهة الفساد وادارة الدولة ادارة علمية صحيحة، الجميع يرفع شعارات فضفاضة ويتحدث عن مبادئ عامة والهم الاول والاخير هو تأكيد صوابية اختيارات الذات وتمايزها الحزبي.

ثمة تجربة قريبة العهد منا عانت من صعوبات تقارب المسافات بين التيارات الحزبية، اليمين واليسار واحزاب اليمين المتطرف الدينية والاحزاب العلمانية، انها تجربة الحياة السياسية في الكيان الاسرائيلي، وقد خاضت هذه الاحزاب تجارب حكومات الوحدة الوطنية والائتلافية واحزاب الاتجاه الواحد (اليمين) التي كان يقودها بنيامين نتنياهو المتهم بالفساد.

ولأن المجتمع منقسم بين علمانيين ودينيين وعرب ويهود واحزاب متشددة واخرى معتدلة، اقتضى الامر خوض اربعة انتخابات نيابية لحسم موضوع التقارب في عدد الاصوات ومن له حق تشكيل الحكومة، حيث اصبحت الاحزاب العربية هي من يرجح الكفة ويفرض الشروط.

انتهت الازمة اخيرا بتغلب احزاب يمين الوسط وتشكيل حكومة التناوب (كل سنتين رئيس للوزراء) برأسين بين نفتالي بينت ويائير لبيد وبمشاركة القائمة العربية ذات التوجه الاسلامي.

المشكلة العراقية التي تستنسخ مشاكل التعددية الطائفية اللبنانية وتعيد التسميات ذاتها (ثلث معطل وثلث ضامن) مدعوة للتعلم من تجارب الاخرين لعبور المأزق، النضج السياسي هو العامل المفقود في المعمة الراهنة.

وبينما ينهمك السياسيون في سباق التحدي وكسر الارادات ينشغل المثقفون في البحث عن مخارج للازمة باقتراحات تتراوح بين تعديل الدستور وتحويل النظام البرلماني الى رئاسي أو شبه رئاسي فيما يذهب اخرون الى ترجيح مقولة المستبد العادل إو المستبد المستنير، باعتبار ان العراقيين لا ينقادون الا للرجل القوي الحازم وغير جديرين بقبول التداول السلمي للسلطة في بيئة تكثر فيها الرؤوس المتصلبة.

هذه المقولات تصبح ترفا سياسيا في واقع محتدم وتصارع غريزي قد يتحول الى عدوان لكسر الانسداد والاستعاضة عن حرب المفاوضات والاعلام بحرب السلاح، ما يستدعي ظهور فئة حكماء جدد يجترحون المستحيلات لمنع انزلاق الوضع الراهن الى الهاوية التي يخسر فيها الجميع.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق