مبدأ الأغلبية السياسية هو السائد في كل النظم البرلمانية في العالم ويعد اللجوء للتوافقية في الحالات الاستثنائية التي تمر بها الدول، والأغلبية السياسية تستبعد مشاركة كل القوى السياسية الفائزة بمقاعد في مجلس النواب بتشكيلة الوزارة القادمة، أكانت من القوى السياسية الشيعية، السنية، والكردية والقوائم الأخرى. لكن في العراق...
لقد أصبح الطريق سالكا لتشكيل الحكومة، بعد المصادقة على نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية العليا ورد طلب الدعوى بالطعن في نتائجها، نهار يوم الاثنين 27 كانون الأول 2021، والتمهيد لانعقاد الدورة الخامسة لمجلس النواب الجديد بدعوة من رئيس الجمهورية.
وقد توالت ردود أفعال متباينة على تلك المصادقة، لكن كان هناك إجماع على احترام ما صدر من المحكمة الاتحادية باعتبارها الهيئة القضائية العليا المختصة للبت بشكل نهائي بشأن التنازع بين القوى السياسية ذات الطابع القانوني والدستوري.
إن ما يميز هذه الدورة عن غيرها من الدورات هو إعلان السيد مقتدى الصدر راعي الكتلة الصدرية الفائزة بأعلى مقاعد في مجلس النواب القادم، الدعوة إلى تشكيل حكومة أغلبية سياسية وطنية، وهي تعني تجاوز مبدأ التوافقية الذي رست عليه العملية السياسية في العراق منذ تشكليها بعد تغيير النظام الديكتاتوري.
مبدأ الأغلبية السياسية
وان مبدأ الأغلبية السياسية هو السائد في كل النظم البرلمانية في العالم ويعد اللجوء للتوافقية في الحالات الاستثنائية التي تمر بها الدول، والأغلبية السياسية تستبعد مشاركة كل القوى السياسية الفائزة بمقاعد في مجلس النواب بتشكيلة الوزارة القادمة، أكانت من القوى السياسية الشيعية، السنية، والكردية والقوائم الأخرى. لكن في العراق في ظل فوز الأحزاب على أساس المكونات، تبقى الحاجة قائمة لمشاركة عدد من القوائم الفائزة من المكونات الأخرى عند تشكيل الحكومة، لان الكتلة التي تدعو لتشكيل حكومة الأغلبية لا تمتلك أكثر من نصف مقاعد مجلس النواب، النسبة المطلوبة لتمرير ثقة مجلس النواب لها، ولهذا لابد أن تكون الحكومة القادمة حكومة ائتلافية.
ويحتم مبدأ الأغلبية السياسية تشكيل كتل سياسية معارضة داخل البرلمان تتكون من النواب الذين كتلهم لم تشارك في تشكيلة الوزارة وكذلك من النواب المستقلين إذا لم يتجمعوا في كتل متعددة.
في اغلب الدول الديمقراطية البرلمانية ذات الأحزاب المتعددة تجري مشاورات عديدة قبل التصويت على توزيع المناصب، لضمان الحصول على الأصوات الكافية لتمرير كل منصب من المناصب أو على الأقل الامتناع عن التصويت بالضد.
تشكيل الحكومة
إن من مراحل تشكيل الحكومة هو انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب وانتخاب رئيس ونائبين له، حيث مجلس النواب هو المعني بانتخاب رئيس الجمهورية ومنح الثقة للتشكيلة الوزارية.
لقد اشترط الدستور للفوز بمنصب رئيس مجلس النواب، الحصول على الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس البالغ عدده 329، فالأغلبية المطلقة تعني الحصول على أكثر من 165 صوت، ففي العادة يتم التوافق على الرئيس ونائبيه على أساس المكونات وستبقى هذه الطريقة سارية لضمان اعتبارات التنوع المجتمعي والسياسي وكذلك لكسب أصوات ممثليهم.
وينتخب أيضا مجلس النواب، رئيس الجمهورية وعلى جولتين فقط، الجولة الأولى تشترط على المرشح الحصول على ثلثي الأصوات، إي الحصول على 218 صوت، وإذا لم يحصل إي من المرشحين على الأغلبية المطلوبة، يتم التنافس في الجولة الثانية على أعلى مرشحين اثنين، ويفوز من يحصل على أكثرية الأصوات.
اختيار المكلف بتشكيل مجلس الوزراء
حدد الدستور العراقي وتفسير المحكمة الاتحادية للنص المعني باختيار المكلف بتشكيل الوزارة، بعض الإجراءات والضوابط، ومن خلال التجربة السلبية لتشكيل الوزارة بعد انتخابات سنة 2018، أضاف قانون انتخاب مجلس النواب رقم 9 لسنة 2021 شروطا إضافية أخرى.
فقد اشترط الدستور من اجل تكليف شخص ما بتشكيل الوزارة، ان يكون مرشح من الكتلة النيابية التي تمتلك أكثر الأعضاء عددا، عند انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب، ولضمان تسهيل تشكيل هذه الكتلة وعدم إخضاعها للضغوط والمساومات بين الكتل الفائزة، نصت المادة 45 من قانون انتحاب مجلس النواب الآنف الذكر بأنه: ( لا يحق لأي نائب أو حزب أو كتلة فائزة بالانتخابات الانتقال إلى ائتلاف أو حزب أو كتلة أو قائمة أخرى إلا بعد تشكيل الحكومة)، أن هذه المادة منعت إي مغادرة أو انسلاخ من إي حزب أو ائتلاف لغرض تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عددا.
طريقتان لاختيار المكلف بتشكيل الوزارة وهما:
الأولى: اعتبار القائمة الفائزة الأولى هي الكتلة الأكثر عددا، إذا لم تبادر القوائم الأخرى الفائزة بتشكيل كتلة نيابية أكثر منها عددا عند يوم انعقاد مجلس النواب لجلسته الأولى، وعلى ضوء ذلك ستكون الكتلة الصدرية هي الكتلة النيابية الأكثر عددا والتي حازت على 73 مقعدا، وبالتالي هي صاحبة الحق بتحديد المرشح بالتكليف من قبل رئيس الجمهورية بتشكيل مجلس الوزراء.
وهذا ما نص عليه تفسير المحكمة الاتحادية الصادر بتاريخ 29/3/2010: (الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الأكثر من المقاعد).
الثانية: وهي طريقة تشكيل كتل نيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب، من خلال تجميع عدد من القوائم الانتخابية الفائزة والنواب المستقلين في كتلة واحدة، فأي من هذه الكتل هي الأكثر عددا، هي التي سيكلف رئيس الجمهورية مرشحها بتشكيل الوزارة، وهذا المسار ورد في النص التفسيري للكتلة النيابية الأكثر عددا الأنف الذكر: (الكتلة التي تجمعت في قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة ثم تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب، أيهما أكثر عدداً).
ومن طريقة تشكيل الكتل يبرز احتمالين:
الأول: تسعى الكتلة الصدرية لتشكيل الكتلة النيابية الأكثر عددا عند انعقاد مجلس النواب في جلسته الأولى، تضم عددا من القوائم الفائزة وكذلك باستمالة عدد من النواب المستقلين.
أما الاحتمال الثاني: فهو قيام دولة القانون الحائزة على 36 مقعدا بتشكيل كتلة نيابية من بعض قوائم الإطار التنسيقي الشيعي والقوائم الأخرى وكذلك من بعض النواب المستقلين لتنافس بها الكتلة التي سيشكلها التيار الصدري، وهذا ما تحقق عندما استطاعت دولة القانون من تشكيل التحالف الوطني وأخذ منصب رئيس الوزراء من القائمة العراقية الفائزة الأولى في انتخابات سنة 2010.
حول تشكيل الوزارة
وإذا حسم الأمر بتكليف مرشح ما من الكتلة الأكثر عددا، فعلى المكلف أن ينجز تسمية أعضاء وزارته خلال شهر من تاريخ تكليفه، وإلا يسقط حق الكتلة النيابية الأكثر عددا من ترشيح مكلف جديد، ويصبح بعد ذلك من حق رئيس الجمهورية وفق تقديره الشخصي.
يعرض المكلف بتشكيل مجلس الوزراء أسماء وزارته ومنهاجه الوزاري أمام مجلس النواب للتصويت عليها بشكل فردي، إي كل وزير على حدة، فإذا حصل أكثرية المرشحين على الأغلبية المطلقة من مجلس النواب، اعتبر مجلس الوزراء حائزا على ثقة مجلس النواب.
ومن أجل ضمان تمرير ثقة مجلس النواب يسعى المكلف بتشكيل الوزارة أن تضم تشكيلته عددا من مرشحي بعض الكتل الأخرى أو من ينالون ثقتها من أجل الحصول على أصواتها عند إجراءات نيل الثقة، ومن أجل ذلك لابد من تمثيل الأكراد والسنة وعدد من الشخصيات المستقلة في التشكيلة الوزارية لضمان الحصول على أكثر من 166 صوتا من أصوات مجلس النواب.
وعند عدم نيل التشكيلة الوزارية ثقة مجلس النواب، يقوم رئيس الجمهورية بإجراء عدد من المشاورات مع قادة الكتل في مجلس النواب، ليكلف بعدها ووفق تقديره الشخصي وبغض النظر عن موقف الكتلة الأكثر عددا، من يراه مناسبا للفوز بثقة النواب بتشكيل مجلس الوزراء.
والمشكلة التي تواجهنا والتي لم يشر إليها الدستور العراقي هي عندما لا يستطيع المكلف الثاني من تمرير وزارته من قبة مجلس النواب، فهل يستمر رئيس الجمهورية بتكليف شخص ثالث وهذا ما لم يتطرق له الدستور، ففي العديد من الدساتير عند الوصول إلى هذا الموقف، يُعتبر مجلس النواب منحلا ويدعو رئيس الجمهورية إلى انتخابات جديدة لمجلس النواب. وهذا ما نوصي به عند تعديل الدستور العراقي.
اضف تعليق