انَّ الديمقراطيات التي تمكنت من النجاة هي التي ارست دولة سريعة النمو اقتصاديا، واتّبعت نهج الإصلاح الاقتصادي وحررت التجارة وكرّست الخصخصة وسدّت الطريق على النخب الفاسدة المنتفعة، وارست نمط ممارسة سلطة يمنع انفراد المؤسسات التنفيذية بمركز القرار، وتجاوزت معضلة البرلمانات الضعيفة والمنقسمة...

الديمقراطيَّة ليست عصا سحرية تنقذ الدولة الفاشلة، وهي مثل الوردة تزهر في الأرض المناسبة، كي تمنحك لونا ورائحة، فشلت الكثير من الدول (الديمقراطية)، وصمدت دول ليست ديمقراطية أمام التحديات السياسية والاجتماعية.

مركز بيو للأبحاث في استطلاع شمل 27 دولة يفيد بأنَّ الناس يستاؤون من الديمقراطية التي منحتهم حق التصويت، والحريات، دون تقاسم الثروة، ودون الأداء الجيد للمؤسسات وقدرتها على فرض هيبة القانون، وعدم تجاوز الفوضى.

وفي البلدان الأكثر تذمرا من الديمقراطية كان الفساد السياسي هو مصدر القلق الشعبي، وفي اليونان استخدم (89 ٪) من المشاركين في الاستطلاع عبارة "معظم السياسيين فاسدون" وفي إيطاليا (70 ٪) وتونس (67 ٪) والأرجنتين (63 ٪).

يبرّر سياسيون فشل الديمقراطية بقوة خارجية، لكن الحقيقة أنَّ هيكلها منخور من الداخل. وفي دولة مثل الصين فان الثقافة السياسية الرسمية، تصف نموذج الديمقراطية الغربية بأنه فوضى، وتستشهد بدول (خائبة) ديمقراطية.

أوروبا الشرقية لم تستطع تطوير ديمقراطياتها الشابة، بل وكرّست "العادات القديمة"، في انفراد القوى المهيمنة على مركز القرار.

واقتصرت الديمقراطيات الركيكة على تناوب السلطة والحريات فقط، دون شيوع الثروة، ودون المساواة في الدخل، وفشلت في منع تمركز القوة الاقتصادية في أيدي القلة، والعدل في الفرص الاقتصادية، وهو ما أدى إلى الانهيار السريع.

في الصومال، ولبنان، ثمة رئيس يُنتخَب وبرلمان يجتمع، لكن ذلك لم يُسعف في وقف تقوض مؤسسات الدولة، والتحول إلى الحرب الأهلية.

ديمقراطية باكستان تُصنّف بأنها صوريّة، لأنها لم تنقذ الناس من الفقر، فضلا عن أنها تحت رحمة الجنرالات والانقلابات.

في المكسيك هناك ديمقراطية تتحكم الرشوة والفساد وانعدام الكفاءة، في أجهزتها، واضطرت الحكومة إلى فصل 10 % من رجال الشرطة لدورهم في خدمة المافيا وعصابات الجريمة المنظمة.

في فنزويلا واكوادور، أخفق النظام الديمقراطي في تقييد الفرع التنفيذي للسلطة، سواء أكانت رئاسية أم برلمانية، وانحسرت الأشكال التشاركية للحكومة، ما أدى بهوغو تشافيز وإدواردو، إلى ابتكار ديمقراطية خاصة بهذين البلدين.

هذا الفشل يعرّض الديمقراطيات إلى الانقلابات وقد حدث ذلك في مصر وجزر المالديف ومالي، ومن بين 120 محاولة لإرساء الديمقراطية حدثت في جميع أنحاء العالم منذ العام 1960، وصل معظمها إلى منتصف الطريق لتنتهي إلى السقوط المثير للدهشة.

كتاب (مصير الديمقراطيات الشابة)، لمؤلفيه أنا وناثان كونفيرس يشير إلى أنَّ الديمقراطيات التي تمكنت من النجاة هي التي ارست دولة سريعة النمو اقتصاديا، واتّبعت نهج الإصلاح الاقتصادي وحررت التجارة وكرّست الخصخصة وسدّت الطريق على النخب الفاسدة المنتفعة، وارست نمط ممارسة سلطة يمنع انفراد المؤسسات التنفيذية بمركز القرار، وتجاوزت معضلة البرلمانات الضعيفة والمنقسمة.

الديمقراطية كنمط نظام يجب أن توصِل السلع العامة والخبز إلى كل المواطنين، وأنّ تداول السلطة بين النخب، وحق التصويت، لن يكونا كافيين لإرضاء الناس.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق