برزت دعوات موازية لقيام حكومة طوارئ أو حكومة إنقاذ وطني، هذه الدعوات قد تبدو لأول وهلة بأنها سياسية ودعائية أكثر منها واقعية أو معبرة عن مواقف سياسية موحدة ورسمية للداعين لها، لكنها في الواقع تكرس التجاذبات السياسية بين الفرقاء حول القضايا الجوهرية وخاصة مسألة الانتخابات ومخرجاتها...

بعد أن تم تحديد موعد الانتخابات المبكرة من الحكومة برئاسة مصطفى الكاظمي والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في تشرين القادم، وبعد تهيئة مستلزمات إجراء الانتخابات المبكرة من قبل مجلس النواب العراقي، من قانون انتخابي واستكمال هيكلية مفوضية الانتخابات وتعديل قانون المحكمة الاتحادية واختيار أعضاءها بما ينسجم والمطالب الشعبية والاستجابة لها، برزت مواقف معلنة غير رسمية من بعض أطراف القوى السياسية والحكومية لتأجيل الانتخابات المبكرة تزامنا مع اغتيال ناشطي الحراك الاحتجاجي، وعدم اصطفاف مواقف القوى السياسية الممثلة للحراك وتشتتها والتي تحاول بعض الأطراف استغلاله (الحراك)، وتراجع شعبيتها وعدم تسجيل معظمها في المفوضية ضمن التحالفات المعلنة مما يعني عدم مشاركتها في الانتخابات المبكرة.

وبرزت دعوات موازية لقيام حكومة طوارئ أو حكومة إنقاذ وطني، ورغم أن هذه الدعوات قد تبدو لأول وهلة بأنها سياسية ودعائية أكثر منها واقعية أو معبرة عن مواقف سياسية موحدة ورسمية للداعين لها، لكنها في الواقع تكرس التجاذبات السياسية بين الفرقاء حول القضايا الجوهرية وخاصة مسألة الانتخابات ومخرجاتها.

في الآونة الأخيرة طرح خيار حكومة الطوارئ وليس فقط تأجيل الانتخابات المبكرة وبشكل مغاير للمواقف السابقة بحيث أن أطراف رافضة لها قبل مدة تتمسك بها الآن والعكس صحيح، والسبب وجود مؤشرات لمقاطعة الانتخابات شعبيا بما يخدم بعض القوى التقليدية التي ستنجح بالعودة إلى الواجهة السياسية بأصوات أنصارها فكلما اتسع تيار المقاطعة اتسعت حظوظ هذه القوى بالفوز والبقاء، أما القوى الجديدة أو الداعية لتبكير الانتخابات فإنها أعادت حساباتها لتراجع شعبيتها ولأنها تراهن على استنهاض تيار المقاطعة ولم تفلح بذلك، كما أن فرص المنافسة على الفوز بما يمكنها سياسيا غير مؤكدة.

هذه التعقيدات والتناقضات والدعوات المتضاربة قد تدخل البلد أزمة حكم حقيقية تتيح للأطراف الدولية والإقليمية انخراطا أكثر في الساحة العراقية وتعطي لبعض القوى السياسية وخاصة من راهنت على الشارع دون جدوى فرصة لتعويض تراجع الرصيد الانتخابي والشعبي عبر طرح بدائل لاختلال الحكم والمتمثلة بحكومة طوارئ أو إنقاذ وطني، لأن التعطيل الدستوري للاستحقاق الانتخابي وغياب استراتيجيات إدارة الأوضاع مابعد الاحتجاجات، من خلال التخطيط لمرحلة سياسية جديدة تبدأ من خلال التمديد أو تصريف الأعمال للحكومة الحالية.

المهم أن نوضح ماذا تعني حكومة الطوارئ والإنقاذ، إذ هنالك التباس سياسي في تفسير هذين النوعين من الحكومات، فحكومة الطوارئ لا تعني إزاحة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة أخرى بديلة تدير البلاد بشكل انتقالي أو مؤقت إنما تعني أن تقوم الحكومة الحالية بإعلان حالة الطوارئ لمدة زمنية معينه في حالات معينة وأهمها: الحرب والتدهور الأمني والكوارث الطبيعية أو انتشار الأوبئة، بما يهدد سيادة الدولة وأراضيها وأمنها الداخلي، ويتيح للحكومة أن تسير أعمالها وفقا لتحديات المرحلة الحالية، وليس وفقا لمعايير الدستور والقانون وحقوق الإنسان، وفي الأنظمة الديمقراطية تحتاج الحكومات إجازة السلطة التشريعية للمصادقة على قرارها، وفي الحالة العراقية نصت المادة ٦١ تاسعا من الدستور النافذ، على صلاحيات السلطة التشريعية ومن ضمنها إعلان حالة الطوارئ والتي تكون وفق الشروط الأربعة الآتية:-

أ ـ الموافقة على إعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلثين، بناء على طلبٍ مشترك من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء.

ب ـ تُعلن حالة الطوارئ لمدة ثلاثون يوماً قابلة للتمديد، بالموافقة عليها في كل مرة بأغلبية بسيطة.

ج ـ يخول رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من إدارة شؤون البلاد أثناء مدة إعلان الحرب وحالة الطوارئ، وتنظم هذه الصلاحيات بقانون، بما لا يتعارض مع الدستور.

د ـ يعرض رئيس مجلس الوزراء على مجلس النواب، الإجراءات المتخذة والنتائج، أثناء مدة إعلان الحرب وحالة الطوارئ، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهائها.

العراق بحاجة إلى تشريع قانون وفق المادة ٦١ تاسعا (ج)، لتحديد ملامح وإجراءات وسياقات حالة الطوارئ لأن قانون السلامة الوطنية الصادر عام ٢٠٠٤ أبان حكومة إياد علاوي لم يعد نافذا بعد نفاذ الدستور لعام ٢٠٠٥، فالعراق قد يحتاج إعلان حالة طوارئ تقوم بها الحكومة الحالية تحقيقا لمقتضيات المصلحة العليا للدولة وفق الاشتراطات الدستورية أعلاه، إذا ما كانت هنالك ضرورات أمنية جزئيا في بعض المناطق لا تشمل المحافظات الآمنة أو إقليم كردستان وهذا جائز دستوريا وقانونيا لحين تحقيق الغرض المطلوب، لكن ما يفهم من بعض التصريحات والدعوات أن المقصود ليس حالة طوارئ بل حكومة طوارئ جديدة يكون الكاظمي رئيسها مما يستدعي تعطيل البرلمان والانتخابات، وهذا مستعبد لعدم وجود آلية دستورية لتنفيذ مثل هكذا حكومة ولعدم وجود اصطفافات سياسية ترجح هذا الخيار.

أما إذا كان الخيار بمعنى سحب الثقة من الحكومة الحالية وتكليف حكومة مؤقتة أو مصغرة لإدارة وتصريف شؤون الدولة فهذا لا يتطابق مع حيثيات مفهوم حكومة الطوارئ، بل يعني استبدال حكومة بأخرى رغم استبعاد إمكانية اللجوء إلى هذا الخيار سياسيا.

أما الطرح الآخر المتمثل بحكومة الإنقاذ الوطني فهي أيضا معرض التباس عند النخب السياسية والقوى والأطراف الداعية لها فمثل هكذا حكومة يتم اللجوء إليها في حالات الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار العام لكل مفاصل الدولة السياسية والاجتماعية والأمنية، أو حينما يحصل هنالك انقلاب سياسي أو عسكري، إذ تقوم هذه الحكومة بعملية منع انهيار كيان الدولة أو إيقاف أسباب الانحدار نحو الحرب الأهلية، فحكومة الإنقاذ هي أحد آليات منع الحروب الأهلية تشكل من شخصيات مقبولة أو مستولية، في ظل صراعات سياسية لا يمكن إدارتها وتنعكس سلبا على الدولة.

وقد عالج ميثاق الأمم المتحدة في الفصل السابع ظروف إعلان حكومة الإنقاذ الوطني لكن لا ننسى أنها ستبقي الدولة فيما بعد، تحت طائلة هذا البند وهذه دوامة جديدة لتقييد سيادة الدولة واستقرارها الخارجي وجعلها تحت الوصاية فضلا عن مشاهد التعقيد الداخلي.

إذن حكومة الإنقاذ الوطني أو حكومة الطوارئ تأتي وفق ظروف تعني وضع الدستور على الرف وإدارة الشأن العام لتأسيس وضع سياسي جديد، وقد يكون أيضا هنالك دستور جديد أو أحكام عرفية، وهذا ما تصبوا إليه بعض القوى السياسية والتنفيذية وأطراف خارجية أخرى، لتكون بديلا عن مشاهد التوجه صوب الاستحقاق الانتخابي القادم الذي قد تخسره هذه الأطراف.

وهذه الأطراف ترغب بخيار حكومة تقلص حجم الخلافات السياسية وتؤسس واحدية للسلطة التنفيذية لممارسة أعمالها عبر إيقاف مبدأ الفصل بين السلطات نتيجة الظروف التي يمر بها البلد التي تتطلب تقوية السلطة التنفيذية بمنحها سلطات خاصة بعضها من اختصاص السلطة التشريعية وبعضها من اختصاص السلطة القضائية وتحريرها من بعض القيود السياسية والنقد والطعن الموجه إليها، للحد اللازم لمجابهة تلك الأوضاع من جهة والتخلص من مخرجات وحيثيات الانتخابات المبكرة من جهة أخرى التي لن تكون لصالحها.

لكن حكومة الطوارئ أو الإنقاذ إذا ما ذهبت هذه الأطراف السياسية إلى أحد هذين الخيارين، فيجب أن تُخضع ممارستها للرقابة الدولية في الأمم المتحدة من خلال لجنة حقوق الإنسان فيه وهذا يعيد عملية الوصايا الدولية التي مر بها العراق منذ عام ٢٠٠٣ ولغاية ٢٠١١. حينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحتل العراق، ونموذج حكومة طوارئ في العراق سيؤكد الوجود والنفوذ الفاعل والمهم لواشنطن فيه ويعيد مشهد رسم مسار الأحداث في المنطقة، بعد أن خسرت هذه الفرصة منذ خروجها من العراق، ويجعل دورها أساسيا في صياغة أحداث وسياسيات وتموضعات، بما يخدم ضرورات المصالح الخارجية ويفتح أبواب تحقيق مقتضيات التدخل في الشأن العراقي بشكل أوسع، إضافة إلى ارتباك مؤكد للمشهد الداخلي الذي سيفرز حالة سياسية مغايرة لا يمكن تخمين محاسنها وايجابياتها على العراق إطلاقا.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2021Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق