لا بد من الاعتراف بان النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في العراق، فشل في استيعاب الجيل الجديد، لاسيما ما يتعلق بارساء سياسات اجتماعية تقضي على الحرمان، والبطالة، نتيجة الفساد، وسوء الإدارة، والحروب التي تسببت في انهيار الاقتصاد، وما نتج عنه من نفور جيل الألفية من نظام...

الشباب يمثّل الجيل الأكبر والأكثر تنوعاً في العراق، بل هو السمة البارزة للمجتمع، في وقت تصِف فيه دول أوروبية متطورة أنفسها بـ(الشعوب الرمادية)، نتيجة ارتفاع معدلات الشيخوخة، لكن العراق مثل الكثير من البلدان، لا يستثمر في هذه الثروة الشبابية.

يزيد من أهمية ذلك أنَّ الشباب العراقي بدا مكترثاً جداً بالأوضاع السياسية، أكثر من أي وقت مضى في تأريخ بلاده، ما يجعل ذلك محور انتقال انقلابي في الوضع الاجتماعي لهذه البلاد، يشبّ في العراق جيل غير مؤدلج، لا يجد الأجوبة عن اسئلته في التنظيرات التقليدية المؤدلجة في الكتب، بل في الانترنت والتواصل الاجتماعي والثقافات العالمية بحكم تقنيات الاتصالات الحديثة.

لا يحبذ هذا الجيل المعارك الأيديولوجية الأساسية، ويمتلك الجرأة على تجاوز الثوابت الفكرية وحتى الدينية، بحكم التحرر الثقافي، والاجتماعي، وهو أمر أصبح من الصعب ردعه حتى من قبل الأنظمة الشمولية والقمعية، وكانت ثورات الربيع العربي أنموذجا صارخا لهذا التحول الجيلي.

لا بد من الاعتراف بان النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في العراق، فشل في استيعاب الجيل الجديد، لاسيما ما يتعلق بارساء سياسات اجتماعية تقضي على الحرمان، والبطالة، نتيجة الفساد، وسوء الإدارة، والحروب التي تسببت في انهيار الاقتصاد، وما نتج عنه من نفور جيل الألفية من نظام (ديمقراطية النخبة).

يعبّر العراقيون الشباب عن رغبة واضحة في التغيير في طريقة إدارة الحكومة والمجتمع، وهم متناقضون مع الكثير من العناصر الأساسية في النظرة المحافظة للأوضاع، ما يتطلّب تجديدا يستوعب هذه التطلعات.

فضلا عن كل ذلك، فان هناك ما يدل على ديناميكية أكثر تعقيداً، فالشباب العراقي لم يعد يبالي بالعقائديات السياسية، وهي التي حكمت العراق عقودا طويلة، ويفضّلون عوضا عن ذلك، تأمين مستقبل حرياتهم، غير عابئين بأسباب الصراع السياسي في بلادهم والمنطقة.

مقارنة بالأجيال الأكبر سناً، يتبنى قطاع واسع من الشباب العراقي، وجهات نظر أكثر ليبرالية وميلا للديمقراطية، ويقترب بشكل واضح من شباب المجتمعات الصناعية المتطورة الذين يفضلون الإنجازات المادية في الاتصالات والبنى التحتية، والترفيه، على الانشغال بالاشتباكات السياسية والإيديولوجية والعقائدية.

واضح جدا، أنَّ النزعة المحافظة التي يتميز بها العراقيون الأكبر سناً تتآكل بين جيل الألفية الذي تربى على الإنترنت، وينحسر الخطاب الموجّه والمتحزّب، بين الكثير من الشباب، ومن المفترض أنْ يحلَّ محله الخطاب العلمي، الابستمولوجي، بحكم التطور الاجتماعي، كما هو الحال في الكثير من البلدان التي مرت بتجربة مشابهة للعراق، لكن الكثير من الشباب بدا عاجزا عن ذلك، متبنيا طروحات مثقلة بالعاطفة الثورية، ومتأثرا بالخطاب التأليبي الموجّه، المولّد للوعي الزائف.

لا يمكن استيعاب الجيل الجديد بتطبيقات تجميلية، ذلك أنَّ احتجاجاته التي تضمحل، سرعان ما تعاود الاشتعال طالما أنَّ حجم البطالة لم ينخفض، ورقعة الفساد تتّسع، والصحة ونوعية التعليم، والمشاركة السياسية، لا تحظى بمعالجات منهجية.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق