ان العقبة الكبرى بوجه الحراك المجتمعي العراقي نحو الدولة الحضارية الحديثة هو التخلف العام الذي يغطي مساحات كثيرة وواسعة من مجالات الحياة في العراق: في السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلاقات الاجتماعية ووضع المرأة واستثمار الطبيعة وفهم الدين وغير ذلك. ثم يصعد هذا التخلف، وهو خلل حاد في المركب الحضاري...

في حوار موضوعي ممتع مع الصديق ليث شبر من خلال خدمة الواتساب توصلنا الى صياغة عنوان هذا المقال: "مشاريع ذكية لبناء الدولة الحضارية الحديثة". الرجل كان قد سبقني باستخدام مصطلح الدولة الذكية smart state في مقال له، لكني اقترحت التعديل بان نصف المشاريع بانها "ذكية"، وان نبقي وصف الدولة بانها "حضارية حديثة"، فكان هذا العنوان.

القيمة الرمزية لهذا النقاش والاتفاق الذي نتج عنه هو تثبيت ان مصطلح "الدولة الحضارية الحديثة" يمثل عنوانا عاما للحراك المجتمعي في العراق، بمعنى انه يمثل هدفا اعلى لعموم العراقيين، بما انه يؤطر سعيا مشتركا لهم، بصفتهم الانسانية العامة، نحو تحسين نوعية ومستوى حياتهم.

وهذا التحرك هم انساني اصيل منذ وجد البشر على سطح الارض. فمنذ الانسان البدائي الاول (وهذا لا يشير الى عدد وانما الى مرحلة) كان هم ذلك الانسان الذي وجد في ظروف حياتية صعبة ان يحسن هذه الظروف. وقد واصل ذلك الانسان سعيه الحثيث، منتقلا من حالة الى اخرى، في سير تطوري وتصاعدي في الحساب الاجمالي وان كان خط السير متعرجا بالحساب التفصيلي، حتى وصل الى ما وصل اليه الانسان من اختراع الذكاء الاصطناعي، والنانو تكنولوجي، وارتياد الفضاء.

وكل هذا يكشف بالاستقراء عن قانون تاريخي او سنة تاريخية وضعها السيد محمد باقر الصدر في النوع الثالث من سنن التاريخ، اي الاتجاهات التاريخية العامة، تمييزا لها عن السنن الشرطية والسنن الحتمية. ومن هنا قلت في مقال قديم لي ان الحراك البشري العام باتجاه الدولة الحضارية الحديثة يمثل اتجاها تاريخيا، اي سنة تاريخية من النوع الثالث.

نعود الى العراق، لنجد ان العقبة الكبرى بوجه الحراك المجتمعي العراقي نحو الدولة الحضارية الحديثة هو التخلف العام الذي يغطي مساحات كثيرة وواسعة من مجالات الحياة في العراق: في السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلاقات الاجتماعية ووضع المرأة واستثمار الطبيعة وفهم الدين وغير ذلك. ثم يصعد هذا التخلف، وهو خلل حاد في المركب الحضاري، الى البناء العلوي للمجتمع، على شكل ظواهر سلبية مثل الفساد المالي والاداري، واشكال الحكم الفاسدة مثل المحاصصة، والممارسات الباطلة المنسوبة زورا وبهتانا الى الدين، والبطالة، والفقر، ورداءة الاداء الحكومي، وسوء الخدمات ... الخ.

ونتفق على ان اية حركة باتجاه الدولة الحضارية الحديثة ستتطلب، من بين امور اخرى، معالجة بعض هذه الظواهر، مثل الفقر والبطالة، بصورة عاجلة. وبسبب الطبيعة الاستثنائية للحالة العراقية الراهنة، وجب ان تكون هذه المعالجات من طبيعة استثنائية، او ذكية. ومن هنا انبثق مصطلح "المشاريع الذكية" كمقدمات لاقامة الدولة الحضارية الحديثة. ومن هذه المشاريع الذكية توفير بيئات حضارية في مواقع متفرقة من المساحة العراقية، كبناء مجمعات سكنية حضارية، مثل مجمع بسمايا، ومدارس حضارية، ومجمعات تسوق حضارية، اضافة الى المستوصفات الحديثة للمحافظة على صحة الناس، وغير ذلك. وقد ثبت بالمعاينة ان البيئة الحضارية تُسهم في تغيير الانماط السلوكية للانسان بعد ان يتأقلم معها. وهذا ما نشاهده الان ونلمسه في مجمع بسمايا السكني.

وفي مجرى انشاء هذه البيئات سوف يتم توفير فرص عمل لالاف الشباب العراقيين، الامر الذي يمثل بدوره خطوة للحد من البطالة.

الا ان هذه المشاريع تواجه ثلاث عقبات اساسية، هي: توفير السيولة المالية، الاجراءات الروتينية المعقدة المعروفة في الجهاز الاداري للدولة العراقية، والعنصر البشري الذي يقوم بالتنفيذ. ولمعالجة العقبتين الاولى والثانية، سوف يحتاج صاحب القرار في الدولة الى اتخاذ قرارات جريئة وذكية، ومستندة الى علم حقيقي لتوفير المال المطلوب، وتيسير الاجراءات، لكي يكون بالمكان تنفيذ المشاريع الذكية في اقصر مدة زمنية ممكنة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق