يستمر قتل العراقيين خلال الاشهر الحرم.. ففي هذا الشهر وما قبله، والذي يأتي بعده يقتل المئات منهم في الاسواق والشوارع والمساجد والحسينيات، لقد بدأ القتل هنا منذ زمن بعيد، ففي التاسع عشر من شهر رمضان عام 41 هجرية، تم توجيه ضربة موجعة للإسلام، بعملية إغتيال منظمة، استهدفت خليفة المسلمين وامام المتقين العراقي النبطي علي بن أبي طالب عليه السلام، على يدي أحد المجرمين من امراء القاعدة، يدعى عبد الرحمن بن ملجم.. لجمه الله ومن تبعه في نار جهنم بما اقترفت يداه..

قُتل الإمام علي عليه السلام وهو راكع في محرابه، قبل ألف وأربعمائة عام، في مسجد الكوفة المعظم.. واليوم يٌقتل العراقيون وهم راكعون في المساجد والحسينيات من قبل اتباع اللعين عبد الرحمن بن ملجم.. المسجد الذي قٌتل فيه علي عليه السلام في ضحى الاسلام، والمساجد التي يٌقتل فيها العراقيون اليوم، ذو قيم واعتبارات وقدسية واحدة.. كلها بيوت الله، واتباع إبن ملجم والخارجون على الدين، هم انفسهم اليوم وبالأمس يسوقون الموت للعراقيين منذ 14 قرناً..

والأمة تشهد مذابح وقتل على الهوية، في مجتمع يدين بالإسلام، ويدعيّ أن محمد رسول الله.. ويتغنى بحبه، ما الذي تعلمه من الإسلام هؤلاء الذين يستبيحون دماء الناس في كل يوم، ويدعون إلى الباطل بالباطل، ويعلنون في كل يوم عن غزوة جديدة على اخوان لهم في الدين مدّعين أن ذلك جهاداً.

إن منهج الشر الذي استمر منذ ذلك الزمان لم يتوقف.. فقد تزعم المتأسلمون خلافة المسلمين، وزمر وطبل لهم كل ناعق، وانتهازي، ووصولي، حتى ملؤا بلاد المسلمين جوراً وظلماً.. مات الإمام البر التقي النقي على فراشه، بعد أن أصابه اللعين بن اللعين مقتلاً.. ليبدأ مسلسل قتل جديد، لم ينتهي بعد عشرين عاماً من قتل خليفة المسلمين الواجب الطاعة، بل تجدد بقتل الحسين عليه السلام في كربلاء عام 61 هجرية، على يد الارهابي عبيد الله بن زياد، احد خلفاء ابن ملجم ومن بنوا دولة الظلم والجور.. ولم يطالب أحد بقميص علي، كما تمت المطالبة بقميص عثمان الخليفة الذي قتل غدراً في داره.. ضاع دم علي، وقميص علي، وحق علي، وضاع دم الحسين، وقميص الحسين، وحق الحسين.

ويستمر مسلسل القتل مرة على يد جلاوزة الدولة، كما حدث للإمام موسى بن جعفر (ع) نهاية القرن الثاني من الهجرة، ومرة أخرى على يد تنظيمات القاعدة الإجرامية ممن تبنت المنهج الفاسد والتطرف الأعمى.. فكم من عالم زاهد قٌتل على يد أمير القاعدة الحجاج بن يوسف الثقفي اواخر القرن الهجري الاول، وكم صحابي وتابعي قٌتل على يد هذا الارهابي لأنهم قالوا كلمة حق في حضرة سلطان جائر.. القاعدة لم تكن وليدة القرن الواحد والعشرين، ولا نهاية القرن العشرين على يد المجرم بن لادن الذي يقدسه البعض، لقد لقي حتفه على يد القوات الأمريكية الذين دعموه وروجوا له قبل أن يتمرد عليهم.

لم تكن الدولة الأموية التي تسلطت على رقاب الناس (91) عاماً، والدولة العباسية التي استمر حكمها خمسة قرون، تخللتها احتلالات أجنبية، وتدخلات خارجية زرعت البغضاء والطائفية بين أبناء الشعب الواحد، والدين الواحد، والتوجه الواحد. ولم تكن أيام السلاجقة السوداء، والعثمانيين البغضاء، أحسن حالاً من سابقتها.. فالقتل واثارة الفتن كان يتجدد على مدى السنين والدهور.. حتى ضاع الإسلام الصحيح على يدي هؤلاء القتلة، الذين استطاعوا أن يتسلقوا إلى السلطة ويتحكموا بمصير الحكام، ويوجهوها حسب أهوائهم المريضة.

القتل في العراق استمر منذ قٌتل علي بن أبي طالب واريق دمه الطاهر "الحرام" في الشهر "الحرام" في البيت "الحرام".. وبهذا القتل انتهكت جميع الحرمات، واستهين بالدماء، حتى توارث القتلة ممن رضعوا من ثدي هند بنت عتبة، ومن شربوا دماء ضحاياهم، فانبعثوا من جديد وبأدوات جديدة، لينشروا الفاحشة في كل مكان، ويعتدوا على حياة الناس بأدوات جديدة أكثر فتكاً، وأكثر اجراماً، ليحصدوا أرواح الفقراء في المدن والشوارع، وملاعب الأطفال ومدارسهم، والمقاهي والأسواق وحيث وجد الإنسان..

القتل بأثر رجعي مستمر الى اليوم.. فالمجرم قاتل خليفة المسلمين عام 41 هـ والمجرم قاتل الحسين بن علي عام 61هـ، والمجرم قاتل الشهيدين الصدرين بين (1980 - 1996)، وقاتل الشهيد محمد باقر الحكيم عام 2003، وثلة من العلماء الأخيار.. ينتمي إلى نفس السلالة ويتشرب من نفس المنهج بتكفير الآخر.. فصدام لم يكن رئيساً لجمهورية العراق، بل كان أميراً للقاعدة على كرسي الحكم، وزبانيته ممن تلطخت أياديهم بدماء الناس هم أمراء للقاعدة، وليسوا قادة للجيش، وهكذا الامر للكوادر العليا في حزبه المجرم..

وما زال المجرم عزة الدوري أميراً للقاعدة، ومفتياً للقتل ومثيراً للفتنة قبل ان يلقى حتفه الى جهنم وبئس المصير، ولم يكن عزة الذليل وحده، بل هناك جمهرة ممن انتهجوا نهج بن ملجم.. اليوم نرى بأم أعيينا، ونسمع ملء آذاننا، ونلمس بكل احاسيسنا، شيوخا دب الخرف الى رؤوسهم ورجال دين يدعون إلى الفتنة، ويفتون بقتل الآخر، ويدفعون بالميليشيات إلى قتل الناس وهم راكعون في المساجد، بأثر رجعي طبعا، كما قٌتل الإمام علي عليه السلام في محرابه عام 41 هـ، وذلك لان الناس رافضون لمنهج القتل هذا.. ورافضون للإسلام المزيف.. ورافضون للجرائم التي ترتكبها القاعدة وداعش بقادتها القدماء والجدد.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق