يراد بالتحالف الإنتخابي في أدبيات السياسة الدولية هو تحالف بين أحزاب، أو بين رجالات السياسة للحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات خلال الإنتخابات.

وهذا النوع من التحالفات قبل الإنتخابات لا يعتبرها المحللون والمراقبون تحالفات من الناحية العملية، أي تحالفات تؤدي إلى تشكيل الحكومة بالأكثرية، لأن الأطراف المتحالفة ليست متأكدة من الفوز بالأكثرية اللازمة في الإنتخابات.

وعليه يجمع أغلب المراقبون أن هذه التحالفات ماهي إلا خيار للناخبين بأن الحكومة المقبلة سيشكلها هذا التحالف إذا فاز بثقة الناخبين، ومثل هذا النوع من التحالفات ينشأ في ظل نظام (التمثيل النسبي) عند تسابق عدد كبير من الأحزاب على مقاعد البرلمان كما هو الحال في الإنتخابات البرلمانية العراقية.

ويرجح أغلب المراقبون أن لهذه التحالفات تأثير كبير على موقف الناخبين خلال عملية التصويت، لأن الناخب يمكنه مسبقا التعرف على هوية الأحزاب المشتركة في التحالف بعكس التحالفات التي تعقد بعد الإنتخابات، ولهذا فهو يميل إلى عدم هدر صوته خلال التصويت لطرف ليس له فرصة واقعية بالفوز بالأكثرية وهذا هو ما يسمى (بالتصويت الإستراتيجي).

ويطرح المراقبون أهم مزايا التحالفات قبل الإنتخابات وهي كما يأتي:-

1- تؤدي إلى تشكيل حكومة فعالة لأنها نالت بثقة الناخبين سلفا.

2- هوية الحكومة المحتملة المقبلة هي معروفة ولعل في هذا إنصاف بحق الناخب وتمنح الحكومة المقبلة شرعية أكبر.

3- يكون دور الناخب دورا كبيرا وأكثر مباشرة في إنتخاب الحكومة.

وقد كثر عدد الأحزاب السياسية العراقية الحاصلة على إجازة رسمية من الحكومة البالغ عددها 204 وهي مؤهلة لخوض الإنتخابات البرلمانية سواء ضمن إئتلافات إنتخابية أو بصورة منفردة، لكن شاع في الوسط الأكاديمي والسياسي بعض التقييمات جراء هذا العدد الكبير من الأحزاب منها، أن هذا العدد هو حالة تمثل من الفوضى الإنتخابية باعتبار أن أغلب الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية فيها حزبان يتنافسان على الإنتخابات، فكيف يستطيع هذا العدد الكبير من الأحزاب العراقية خوض تلك الإنتخابات، لكن عند قراءة التأريخ السياسي المعاصر لبعض الدول في العالم بخصوص مشاركة عدد كبير من الكيانات السياسية في الإنتخابات البرلمانية في دولهم التي تحتوي على أعراق، وأديان كثيرة نراها موجودة لديهم، كما حدث في الإنتخابات البرلمانية الهندية في نيسان/أبريل 2004 حيث أشترك 220 حزبا سياسيا بالإضافة إلى 2369 مرشحا مستقلا تنافسوا على 543 مقعدا برلمانيا ولم يستطع الدخول للبرلمان الهندي إلا 37 حزبا و4 من المستقلين.

وفي عام 2017 ترشحت في الأوساط السياسية أسماء بعض التحالفات الإنتخابية التي من المزمع مشاركتها في الإنتخابات البرلمانية 2018، ولإختلاف الرؤى والأفكار والمشاريع السياسية لبعض الكتل والأحزاب المتنافسة، جرت تغييرات بتشكيل تحالفات جديدة، استمرت لغاية الساعة الرابعة من عصر يوم الخميس الحادي عشر من كانون الثاني/يناير2018 وهو موعد غلق تسجيل التحالفات الإنتخابية للدخول إلى الإنتخابات البرلمانية في آيار من نفس السنة، بعد أن أعلنت مفوضية الإنتخابات عن عدد التحالفات الإنتخابية التي قدمت طلبا للتسجيل في المفوضية الذي بلغ 55 تحالفا إنتخابيا في الثاني عشر من كانون الثاني/يناير2018، وبذلك إنتهت مرحلة من مراحل التحضير للإنتخابات لتبدأ مرحلة جديدة من المنافسة الحزبية بين الكتل السياسية، وخرجت عبر وسائل الإعلام نماذج من التحالفات الإنتخابية التي سرعان ما أعلنت بعدم إستمرارها لخوض الإنتخابات النيابية لإختلاف وجهات النظر السياسية في قيادة البلد، وتشكلت تحالفات جديدة بعيدة عن التخندق الطائفي والحزبي والإعتماد على مبدأ النزاهة والمقبولية لدى الشارع العراقي.

إن التحليل الدقيق للتحالفات الإنتخابية التي تشكلت مؤخرا تحتم علينا الخروج ببعض الإستنتاجات المهمة التالية:-

1- بعد الحراك الداخلي العراقي في كافة المحافظات العراقية أصبح الشارع العراقي ينبذ المرشحين الذين يستغلون مناصبهم البرلمانية، والحكومية لأغراض شخصية والذين ظهرت عليهم ملفات فساد، وإثراء على المال العام، والذين تكرر وجودهم في القوائم الإنتخابية خلال الإنتخابات السابقة 2010- 2014 وعليه أصبحت مطالبات الجمهور العراقي بإستبدال الوجوه الموجودة حاليا بآخرين يعملون بإخلاص لصالح الشعب، وليس لمنافعهم الشخصية.

2- تأكيد الأحزاب المؤتلفة في التحالفات الإنتخابية على ضرورة تطعيم كتلهم السياسية بأجيال شبابية كنوع من تبديل طبيعتهم التقليدية بثوب حداثوي يتمثل بتطعيم الأحزاب بالشباب.

3- تفكك تحالف القوى الإسلامية وتغيير إتجاه التحالفات مع قوى مدنية، وقومية، لأن الزمن القادم للعراق هو عصر الأعمار والبناء الذي يحتاج إلى طاقات مدنية وأكاديمية وتكنولوجية متخصصة، ووجود هذه العناصر في الكتل السياسية هو نوع من التغيير في هيكلية وتوجهات القوى الإسلامية القديمة. كما حدث عند إنسحاب حزب الدعوة الإسلامية من الإنتخابات البرلمانية بعد دخول العبادي والمالكي بقائمتين منفصلتين، وبقي الحزب مشرفا على القائمتين (تحالف النصر وتحالف دولة القانون)، والأكثر من هذا منحت قيادة حزب الدعوة الإسلامية أعضاء الحزب الحرية في المشاركة بالإنتخابات بعناوينهم الشخصية وليست الحزبية.

4- حصول تغيير في التوازنات الحزبية وخاصة في كركوك بعد أن أعادت ترتيب وضعها الحزبي الداخلي، وبروز دور الكتل العربية بالمنافسة مع الكتل والأحزاب الكُردية.

5- حصول تغيير نوعي في تحالفات القوى الكُردية بين القوى المدنية والإسلامية.

6- ظهور نوعي للتحالفات المسيحية، وتجميع أنفسهم في كتل واحدة بعد أن كانوا مشتتين سابقا.

7- مما يجلب الإنتباه، إن المكون السني شارك في عدة مؤتمرات سابقة في الخارج منها مؤتمر جنيف، وقبله مؤتمر في عمان وآخر في الدوحة وبعده في عمان يوم 9/3/2017 وكان الهدف من هذه المؤتمرات بهذا التوقيت هو تسويق نفس الوجوه القديمة للمرحلة المقبلة، والحصول على دعم مالي للمانحين ليس لإعمار المدن بعد تحرير نينوى كما يدعون، وإنما لإستغلال حاجة المتضررين عن حرب التحرير ضد داعش الإرهابي بكسب أصواتهم في الإنتخابات المقبلة.

8- يخشى الشارع العراقي عن دفع أجيال شابة تتبنى أفكار قديمة في الإنتخابات القادمة أي أن التغيير بنيوي وليس فكري، وثقافي، وأخلاقي بمعنى تبديل بعض الوجوه القديمة بوجوه جديدة شابة ولكن بنفس الأفكار القديمة.

9- إن هذه التحالفات الإنتخابية قبل الإنتخابات هي تحالفات ذات طابع مؤقت يمكن أن تتفكك حتى قبل خوض الإنتخابات.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق