بمناسبة زيارة أربعينية الإمام الحسين (ع)، تحولت شوارع ومدن وأقضية وقرى العراق، الى محطات استراحة ومبيت وراحة، لملايين الزائرين الذين توجّهوا لإحياء مراسيم مناسبة الأربعين، لتنتهي رحلتهم عند سيد الشهداء (ع) في كربلاء المقدسة، وكثير من المتابعين والإعلاميين وحتى المواطنين، يتساءلون باستغراب، كيف لمدينة صغيرة في شوارعها وساحاتها في المركز، أن تستوعب هذه الحشود المليونية، مع التأكيد على أن أحداً من الزوار لم يعلن نقصا ما، في الطعام والشراب والمنام وعموم الخدمات التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية الاعتيادية.
وأمر طبيعي أن تكون هناك مخلّفات تُلقى في الشوارع نتيجة هذه الأعداد الهائلة، لذلك دعا محافظ كربلاء الى حملة طوعية لتنظيف المدينة المقدسة من هذه المخلفات وسواها، وبالفعل تم تحديد يوم لهذه الحملة وساعة الصفر لانطلاقها، وحدث ذلك صبيحة السبت الموافق 11/11/2017، فتجمعت حشود المتطوعين في الوقت المحدد وانطلقت الحملة في يومها وموعدها المحدد بمشاركة المئات من شباب ورجال المدينة وغيرهم.
لكن المفاجأة تتشكل بحضور رئيس الوزراء حيدر العبادي كمتطوع في هذه الحملة، مشاركا الشباب والرجال في هذه الحملة التي تستهدف المساعدة في تنظيف الشوارع والساحات من المخلفات والفضلات المختلفة، ولم ينتهِ حضور رئيس الوزراء عند هذه المهمة، بل ألقى كلمة أو خطابا تناول فيه العديد من القضايا التي تهم الشعب العراقي، منها إجراء الانتخابات وعدم مشاركة التشكيلات القتالية في الانتخابات، والتركيز على عدم تحقيق مكاسب سياسية، كذلك ناقش العلاقة من إقليم كردستان، وغير ذلك من المواضيع المهمة.
والحق يجب أن يُقال، كانت حملة التنظيف هذه ناجحة بمعنى الكلمة، ولم تكن شكلية ولا دعائية، وإنما تم إنجاز الهدف المحدد من تشكيلها، حيث شارك المئات في إعادة شوارع وساحات وحدائق المدينة المقدسة نظيفة تماما، وكان الأمل يحدو المواطنين المشاركين فيها، أن يستقر البلاد، وتقوم مؤسسات الدولة المستقلة بمهامها من دون تدخل الأحزاب أو الشخصيات السياسية، حتى أن بعضهم أعلن صراحة وبالفم الممتلئ كما يقال في المثل الدارج، عن أهمية القيام بحملة مشابهة لهذه التي أقيمت بعد نهاية زيارة الأربعين، ولكن بأسلوب آخر وفي ميادين أخرى.
الاستفادة من تجارب ألمانيا واليابان
فقد طالب المواطنون بإعلان حملة تنظيف البلاد من الفساد، وكما أظهرت الحكومتان الاتحادية والمحلية، من عزم كبيرة ومشاركة قوية وفعالة في هذه الحملة بكربلاء، مطلوب منهما أن تقوما بحملة تنظيف شاملة من الفساد المالي والإداري وأنواع الفساد كافة، وأن يتم تحديد خطوات وآليات ومؤسسات وخطط كاملة لتنفيذها، على أن يتم ذلك بالاستفادة من تجارب البلدان التي مرّت بنفس الظروف التي مرّ بها العراق، وهنالك نوع متشابه بين البلدين، كما في الظروف التي حدثت في كل من ألمانيا واليابان بعد حطّت أن الحرب العالمية الثانية أوزارها.
وكان رئيس الوزراء قد أشار الى حتمية مواجهة الفساد في البلاد، وأكد على أنها ستبدأ بعد الانتهاء من الحملة العسكرية التي يخوضها العراقيون اليوم ضد الإرهاب وتنظيم داعش الذي قارب على أن يلفظ أنفاسه نهائيا في العراق، وأكد العبادي بالحرف الواحد قائلا: (كما انتصرنا على الإرهاب وتنظيم داعش سوف ننتصر على الفساد والفاسدين).
لقد تشكلّت ثقة شعبية واضحة بشخص رئيس الوزراء، وذلك لأسباب عديدة ملموسة، أهمها أنه لم يعد بشيء إلا وقام بإنجازه فعليا وتحقيقه عمليا، فقبل عدة سنوات أعلن العبادي أن العراق سوف يقضي على داعش ويطهر أرضه من دنسهم، وقد تم هذا بالفعل وأوفى بوعده بعد تحرير عدة مدن منها الأنبار والفلوجة وديالى وسامراء وصلاح الدين والحويجة وطوز خرماتو والموصل حتى باتت أرض العراق خالية من دنس داعش إلا من جيوب صغيرة جدا وضعيفة في طريقها الى الموت.
كذلك كسب رئيس الوزراء ثقة المواطنين في العديد من القضايا المهمة، وهذا بالضبط ما جعل العراقيون يطالبون حيدر العبادي بإعلان حملة تنظيف واسعة وقوية وصارمة على الفساد في البلاد، فالواقع يؤكد أن الفاسدين والفساد ينخر جسد مؤسسات ودوائر الدولة، ويتخذ أشكالا كثيرة تكاد تغص بها الدوائر الرسمية والمؤسسات الأخرى، وبالطبع نتائج هذه الأمراض المالية والإدارية يتحمل عبئها المواطن المثقل بالنواقص والمشاكل.
ولا ننسى النتائج الباهرة التي تمخضّت عن إدارة الحكومة الاتحادية للمواجهة بينها وبين حكومة إقليم كردستان، لدرجة أنها (الحكومة الاتحادية) تمكنت من إعادة الأمور في كردستان الى الوضع الدستوري الطبيعي الذي كان ينبغي أن يسود منذ 2003 صعودا، لاسيما ما يتعلق بثروة النفط وجعله أمرا سياديا، ونسبة الإقليم من الميزانية العامة، ودفع رواتب الموظفين في إقليم كردستان شرط تسليم النفط الى الحكومة وتصديره من قبل شركة سومو الوطنية لتصدير النفط العراقي.
عراق اليوم ليس عراق الأمس
وبات المواطن العراقي يشعر بهيبة الدولة وقوتها، فعراق اليوم ليس عراق الأمس، وقوة الحكومة تضاعفت الى حدود كبيرة، وتم تحقيق إنجازات كبيرة تصدّت لها الحكومة بنجاح، وهذه النجاحات والأجواء التي تشي بقوة العراق تعطي أملا كبيرا للعراقيين بتشكيل الدولة المدنية المتميزة التي تضاهي الدول المتقدمة في العالم الغربي أو بين الدول الإقليمية التي كانت ولا زالت تتبجح باستقرارها وتقدمها.
ومع ثروة العراق المتصاعدة، تلوح آمال عريضة لبناء هيكلية الدولة الإدارية والسياسية والإنتاجية بأفضل حال، كما وتلوح آمال قوية لعموم العراقيين على تعويضهم من الدولة العراقية المستقرة، عن أيام الظلم والجوع والحرمان، من خلال رفع القدرة الشرائية للمواطن العراقي، وتخصيص قطعة أرض سكنية له، مع توفير قرض كاف لبناء دار سكنية توفر العيش الكريم للعائلة العراقية الكريمة.
كل هذه الآمال العريضة، بات العراقيون يتأملونها بالفعل، وهم يتابعون ما يتحقق من انجازات رسمية كبيرة، وأول تلك الانجازات تخليص البلاد من داعش والإرهاب بأنواعه كافة، وهذا ما يجعل العراقيون يتأمّلون أيضا، البدء بحملة كبرى ضد الفساد والفاسدين والمفسدين، كي يمكن تحقيق الأهداف الأخرى، إذ لا يمكن أن يجتمع الفساد والتقدم والاستقرار في بوتقة واحدة.
الفساد مرض يجب أن يتم طرده من جسم العراق بالاستقرار والتقدم والقضاء على بؤر الفساد السرطانية التي تتطلب استئصالا فعالا من الجذور، حتى يتم القضاء عليه تماما، وهذا بالطبع لا يتحقق بالكلام والوعود فقط، بل بتوفير أسباب وخطوات وآليات القضاء على الفساد، تماما مثلما تم توفير أسباب القضاء على الإرهاب، حيث تم التخطيط بعلمية لتجهيز التشكيلات القتالية بأفضل أنوع السلاح والعتاد، مع توفير التدريب الدولي المتميز، وبذلك قضيَ على داعش والإرهاب.
تحتاج الدولة العراقية الى خطوات مماثلة كي يتم القضاء على الفساد، فكثيرا ما تمّ التشبيه بين الإرهاب وبين الفساد، وطالما نجح العراقيون بتنظيف البلاد من داعش وطرده شر طردة، فإنهم قادرون على تنظيف البلاد ومؤسساته ودوائره من الفساد وأصحابه، وهذا ما أعلنه رئيس الوزراء، وهذا ما وعد به العراقيين، والحقيقة يتطلع العراقيون جميعا الى خطوات علمية صارمة لمكافحة الفساد، ويعتقد العراقيون، أن الانتصار على الإرهاب وداعش بشارة خير ودليل ومؤشر أكيد على انتصار العراق ضد الفساد والفاسدين، وتنظيف البلاد منهم، وإعلان النصر عليهم، كما أعلن النصر على الإرهاب.
اضف تعليق