من محاسن التجربة الديمقراطية في عراق ما بعد 2003، كسر طوق الصمت الشديد الذي كان مفروضا على وسائل الإعلام المرئية والصوتية والمقروءة في ظل الأنظمة الدكتاتورية في العراق، وعلى الرغم من قلة وسائل الإعلام المتاحة للتعبير عن الرأي والإدلاء بوجهات النظر المعارضِة للمنهج الحكومي في تلك الأنظمة

من محاسن التجربة الديمقراطية في عراق ما بعد 2003، كسر طوق الصمت الشديد الذي كان مفروضا على وسائل الإعلام المرئية والصوتية والمقروءة في ظل الأنظمة الدكتاتورية في العراق، وعلى الرغم من قلة وسائل الإعلام المتاحة للتعبير عن الرأي والإدلاء بوجهات النظر المعارضِة للمنهج الحكومي في تلك الأنظمة، إلا أن ظاهرة التكميم ومحاصرة الإعلام وتجييره لصالح الأنظمة الحاكمة هي المتفوقة على الجوانب الأخرى.

لهذا نرى في التجربة الجديدة بعد 2003، نوع من الاختلاف الجذري في مجال الإعلام بحيث صار مقدور أي عراقي أو أية جهة أو أي حزب أو تيار سياسي أن يُصدِر صحيفة باسمه تمثل وجهة نظره ورأيه وفكره، ويمكن أيضا تأسيس وإطلاق فضائيات ومختلف وسائل الإعلام، لدرجة أن عدد الصحف بعد 2003 بلغ أكثر من مئتي 200 صحيفة، وعشرات الفضائيات والإذاعات، وهذا لا نجده في الدول المجاورة كافة بل لا نجده في دول العالم أجمع، بحيث بات يُنعَت بأوصاف كثيرة وأشهرها الفوضى الإعلامية.

ولكن تبقى هذه الظاهرة، ونعني بها ظاهرة تعدد وتنوع وسائل الإعلام في العراق بعد 2003، من أهم علامات التجربة الديمقراطية الجديدة في العراق، ولكن لابد أن نشير هنا أن هناك نوع من الفوضى والعشوائية رافقت تعدد وسائل الإعلام، لدرجة أن العديد من هذه الوسائل لم تصمد أمام اختبار العمل الإعلامي المهني، فواجهت الفشل مبكرا، ولم تستمر أكثر من شهور وبعضها انطفأت بعد أسابيع من ولادتها، والسبب يعود إلى عدم نظامية هذه الوسائل، وارتباطها من حيث التمويل بأحزاب وتيارات سياسية هي نفسها لم تستطع البقاء طويلا.

الاستثمار الإعلامي في التجربة الديمقراطية

ومع أننا نؤشر محاسن تعدد وسائل الإعلام، كونها تتيح تنوع الآراء وحمايتها وإمكانية البوح بها علنا باعتبار أننا في عصر ديمقراطي، إلا أن ظاهرة أخرى خطيرة رافقت هذه التجربة الإعلامية الجديدة، ونعني بها ظاهرة الابتزاز الإعلامي.

فبدلا من أن يستثمر العراقيون تجربة الديمقراطية في تطوير التجربة الإعلامية في العراق وحمايتها من الانزلاق في الأخطاء الخطيرة، نلاحظ أن هناك من اتخذ من الابتزاز الإعلامي (مهنة) له، فراحت هذه الجريدة أو تلك تبتز جهات أو أحزاب أو شخصيات عن طريق ما يسمى بعملية التسقيط، وتشويه الحقائق، وبث أو نشر ما لا يليق بالوسيلة الإعلامية (جريدة، أو فضائية، أو إذاعة، أو سوى ذلك).

فهناك قنوات فضائية امتهنت عملية الابتزاز الاعلامي، من خلال رصد بعض الأخطاء التي قد يكون بعضها غير مقصود، فتقوم بتضخيم الخبر وتبثه بشكل مستمر من أجل الضغط على هذا الشخص أو على ذلك الحزب أو على تلك الجهة السياسية أو غيرها.

ومن خلال عمليات الضغط الإعلامي المتواصل، والتهديد السري والعلني والمبطن للآخرين، تسعى هذه الوسائل إلى الحصول على أموال أو غير ذلك من أجل تحقيق الأرباح المادية التي تمكنها من تمويل وسيلتها الإعلامية، وبعضها حاولت تحقيق الثراء من خلال عمليات الابتزاز الإعلامي الذي تقوم به.

لا للعودة لأزمة التكميم الإعلامي

بالطبع نحن لا نصطف إلى جانب العودة إلى ازمنة التكميم الإعلامي، وأحادية العمل الصحفي، وحصر التوجهات لصالح هذه الفئة أو تلك، بل نحن جميعا مع تعدد وانتشار وسائل الإعلام العراقية قنوات فضائية أو صحف أو سواها، لكن لابد أن نحمي حرية الإعلام من الأخطاء القاتلة التي قد تصيبه نتيجة لجوئه إلى ظواهر خطيرة وفي المقدمة منها ظاهر الابتزاز الإعلامي، لهذا لابد من مكافحة هذه الظاهرة بأسلوب قانوني دقيق ومدروس.

حتى لا نضيّع الفرصة الإعلامية الذهبية التي وفرتها لنا التجربة الديمقراطية، فالعراق قياسا لدول الجوار مثل يعدّ من البلدان التي تصون وتحمي حرية التعبير، ولا تتم مقاضاة مواطن عبر عن رأيه مثلا في وسائل التواصل الاجتماعي كما يحدث في دول قريبة منّا، بحيث تصدر فيها عقوبات قضائية تبدأ من الحبس والسجن لتصل إلى عقوبة الإعدام.

خلاصة القول نحن في العراق لا نريد لحرية الإعلام أن تندثر بسبب الأخطاء المقصودة التي ترتكبها بعض وسائل الإعلام، التي تنتهج سبل خاطئة ومنها اللجوء إلى الابتزاز الاعلامي، المطلوب هو تنظيف ساحتنا الإعلامية الواسعة من هذه الظاهرة الخبيثة، مع التأكيد المستمر عبر تشريعات واضحة على حماية حرية الإعلام، وحرية الرأي، والحريات الأخرى التي كفلها الدستور العراقي، علينا باختصار أن نرصد ظاهرة الابتزاز الإعلامي ونكافحها بصرامة.   

اضف تعليق