q

يمكن تعريف الشعور بالدونية على أنه إحساس بالنقص الثقافي والمعنوي إزاء الآخر، فعندما تتم المقارنة بين ثقافتين، تجلد الأولى نفسها، ويردد أصحابها بأن ثقافتهم واهنة ضعيفة بالقياس الى الثقافات الأخرى، وفي الأغلب الأعم تتم مقارنتها بثقافة بعينها، بأسلوب جلد الذات والشعور بالصغار تجاه الآخر، وهذا النوع من الشعور يتم تناقله من الأجداد الى الآباء ثم الى الأولاد، وهذا يعني وجود جذور عميقة لهذا النوع من الشعور في عقلية وذهنية وذاكرة الأبناء وهي كما نلاحظ طامة كبرى، تبقى تستثير السؤال المؤلم، لماذا يدهمنا هذا الشعور بالنقص إزاء ثقافة أخرى، لاسيما شبابنا، فيذهب بعضهم وربما نسبة مهمة منهم مذاهب الانحراف.

وإن تحدثنا بالقلم العريض، فإن الثقافة الأخرى نقصد بها الغربية، والمقارنة بين الثقافة الإسلامية العربية من جهة وبين الثقافة الغربية من جهة ثانية، تنشر في أعماقنا نوع من النقص مؤذٍ ومؤلم، ذلك ما يسمّيه عدد من المهتمين بأنه شعور بالدونية تجاه الآخر، فيُقال أن ثقافة الغرب مكتملة الأركان، وأنها مفتوحة الآفاق غنية مثمرة حافظة للمكانة المعنوية والمادية للفرد الغربي، وتقدم له خيارات مفتوحة أي لا حدود لها، تصون من خلالها حرية وكرامة الفرد والجماعة في المجتمع الغربي الذي بنى أنماط عيش عبر تعاقب القرون تأبّطتْ العديد من القيم وأساليب التفكير والعيش تتواءم مع حياة الغرب.

يذكر أحد الكتاب وهو يسرد سيرته الذاتية، في أحد الحوارات، أنه في مراهقته وشبابه عثر على بعض الكتب تحمل أفكارا ذات منهجية غربية لفلاسفة ومفكرين غربيين، بعضهم كان مصابا بالجنون، ولأن الأفكار شبيهة بالبذور يمكن زراعتها في تربة العقل منذ الصغر، فقد انتقلت تلك الأفكار الى ذهنية هذا المراهق ونبتت في تربة عقله ونَمَتْ معه درجةً درجة، وقديما قيل من شبَّ على شيء شاب عليه، فبقيت هذه الأفكار حاضرة في كينونته، وشكّلت شخصية من حيث طريقة التفكير والسلك والنظرة الى الحياة والإنسانية، وقد اكتشف هذا الفرد بنفسه خطورة الأخطاء التي ارتكبها هو وذويه عندما سمحوا له باستنبات تلك البذور من دون توجيه أو تشذيب او مراجعة، ليصل الى مرتبة الضياع بين هوية الغرب والإسلام.

ماذا كان ينبغي على هذا الشخص أن يفعل كي يتجنب خطيئة استنبات الفكر الآخر، إن العيش في مجتمع ما بأفكار وقيم مجتمع آخر تعد معضلة كبيرة، تُرى كم من الشباب اليوم صارت الثقافات الأخرى تحت تصرفه بأفكارها التي تتناقض مع أفكارنا وتقاليدنا التي توارثنها عن أجدادنا وآبائنا، أليس ظاهرة الإلحاد واحدة من أخطر الظواهر التي أفرزها الشعور بالدونية إزاء الثقافة الغربية؟، يجيب مختصون عن ذلك بقولهم أن الانفتاح العالمي ثقافيا هو الذي يقف وراء هذه الظواهر، وأن وسائل الإعلام والتواصل ضاعفت من هذا الشعور، فبات الشاب المسلم والعربي يشعران بأنهما يعانيان من ثقافة غير مكتملة، أو أنها لا تقدم لهم الإشباع النفسي المعنوي الكافي.

لكن الأمر ليس كذلك في الحقيقة، فالثقافة الإسلامية سبق أن منحت العالم نوعا من التنوير الهام عندما كان ذلك العالم يفتقر للرؤية العلمية الفكرية السليمة التي يجاري فيها سبل العيش، فأخذت البشرية أفكارها وأساليب عيشها من الفكر الإسلامي آنذاك، مثل قيم الصدق والتعاون والعفو والعمل الجماعي والإرادة والأخلاق، ليس نحن من نقول أو ندّعي هذا الكلام، ولا نتبجح به، فكتب الاستشراق المنصفة، والكتاب الغربيون الذين لم تمت ضمائرهم أعلنوا بلا تردد أو خوف ما قدمته الثقافة الإسلامية للغرب عندما كان يغوص في لجج الظلام.

نحن بالطبع لسنا بصدد التذكير أو المقارنة بين ثقافتين وفكرين، فهذا الأمر ليس هدف هذه الكلمة، إلا أننا نسعى الى نبذ الشعور بالدونية، لأنه شعور يستلب منا حقوقنا وقدراتنا قبل أن ندرك خطورة ما يحدث، والإشكال الأكبر أن يمتد هذا الشعور الى الأجيال القادمة، نحن نحتاج الى ثقافة واثقة لا تنظر الى نقاط ضعفها مقابل قوة الآخر، فهي ند قبل أن تكون تابع أو وليد، ويصح القول بأن الثقافة الإسلامية تمتلك أحقية وجودها من دون أن تُمنَح هذه الدرجة، فهي تمتلكها قبل مئات السنين وهي التي منحتها للآخرين.

 

اضف تعليق


التعليقات

Fa3il_5air
مكة
١. "كم من الشباب اليوم صارت الثقافات الأخرى تحت تصرفه بأفكارها التي تتناقض مع أفكارنا وتقاليدنا التي توارثنها عن أجدادنا وآبائنا"، هذا وصف خاطئ، من المفترض أنك نبهت على أن ثقافتنا ليست فقط ورث توارثناه، بل هي قيم مطلقة ومبادئ دائمة الصحة ولا تحتمل أن تكون خطأ.
٢. إضافة على ما ذكرته من أن أساس الثقافة البشرية اليوم هو دين الإسلام، فحتى الثقافة الغربية المتطورة تقنيا متسفلة أخلاقيًّا، وهذا ما نراه بوضوح في إحصائياتهم المعاصرة، فدين الإسلام فيه نجاتهم ونجاة البشرية كافة من هذا التسفل الأخلاقي الذي بدأ يسود وينتشر.2021-07-08