q

منذ تشكل الدولة العراقية في العام 1921 والعراقيون يبحثون عن رمز جامع يوحد اقلياتهم ومكوناتهم على اختلافاتها القومية والدينية والمذهبية.

والرمز «كل ما يحل محل شيء آخر أو يماثله في الدلالة عليه، مع وجود إيحاء أو دلالة عرضية متعارف عليها بحيث تكون العلاقة بينهما علاقة الخاص بالعام، وذلك على اعتبار أن للرمز وجودا حقيقيا إلا أنهُ يرمز لفكرة أو معنى محدد.

هذه الدلالة أو الرمزية تستمد قيمتها من المجتمع وكيفية توظيفه للرمز، فالمجتمع هو الذي يفرض قيمته ومعناه.

بدأ العراقيون بالملكية، التي تعتبر افضل رمز بالنسبة لهم وان لم يحقق الاجماع الشعبي الكامل، صحيح ان الملك يعود في نسبه الى البيت الهاشمي، الا انه لا يمثل بالنسبة للعراقيين رمزا وطنيا محليا خالصا، يمكن ان يجمعهم جميعا..

عند تغير نظام الحكم في العام 1958 وانتقاله الى الجمهورية الأولى، جمهورية عبد الكريم قاسم، اصبح قائد (الثورة – الانقلاب) رمزا لجماعات من العراقيين، وخاصة المهمشين منهم، الا انه لم يستطع أيضا ان يساهم في تشكيل هوية عراقية خالصة يلتف حولها الجميع..

والهوية منظومة اجتماعية وأخلاقية ترتبط بتفاصيل حياة الشعب ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، تقوم على استحضار جوهر وجوده، واستقراء أسباب بقائه، حفاظاً على هذا الوجود من تحديات التشتت والامِّحَاء، والتفكك والإلغاء.

يمكن تعريف الهوية الوطنية في أنها مجموع العوامل التي تمنح الإنسان، بصفته الفردية، والمجتمع بصفته مجموعة روابط، الشعور بالوجود والانتماء والمصالح والمصير المشترك. هذا الشعور يضمن استمرارية الجماعة، ويحمي كيانها، وحينما يختفي هذا الشعور تبدأ الجماعة في مواجهة مصير التفكك.

هناك عوامل محددة للهوية الوطنية:

العامل التاريخي - العامل الجغرافي - العامل الاجتماعي - العامل الثقافي - العامل السياسي - العامل الاقتصادي.

منذ العام 2003 شكلت الزيارة الاربعينية للأمام الحسين عليه السلام، نوعا من التوافق المشترك لجميع المكونات العراقية القومية والدينية، والتي نشاهد انطلاقها من جميع مناطق العراق باتجاه كربلاء حيث ضريح حفيد نبي الإسلام (ص)، يأتون بكل اختلافاتهم القومية والدينية والمذهبية، وكثيرا ما يرفعون الاعلام العراقية واللافتات التي تكشف عن انتماءاتهم الفرعية..

بين الجمهورية الأولى، وحتى العام 2003 تغيرت الرموز الوطنية كثيرا وانتقلت من مكان الى اخر، ما بين النشيد الوطني والعلم العراقي، تصميمه والوانه، والعملة النقدية وكل الأشياء التي تشكل رموزا وطنية لدولة ما.

بعد العام 2003 انشغل العراقيون باي الرموز الوطنية التي توحدهم، حتى الان لم يستقروا على نشيد وطني واحد، ولا على علم واحد، ولا شخصية محددة ذات طابع وطني او ديني او ثقافي..

وهم في اختلافهم حول الرموز التي يمكن ان تمثلهم، يختلفون اكثر حول محددات هويتهم الوطنية واي العناصر يمكن ان تشكلها، دينية او تاريخية او ثقافية، بسبب العامل السياسي الذي فرقهم، رغم ان الكثير من الشعوب قد حسمت امرها، واتفقت على هوية محددة المعالم تجمع كل اختلافاتهم مما ضيق من مساحات الصراع بين مكونات تلك الشعوب..

ربما كان منشأ الاختلاف يعود بالدرجة الأساس حول توصيفات مثل الأغلبية والأقلية، قومية او مذهبية، مما تترك اثرا على الاتفاق على هوية جامعة للمكونات العراقية، رغم الجذر الديني الإسلامي الذي يشترك فيه اغلبية العراقيين، وهناك جذر ثقافي اخر يشترك فيه الجميع..

لا يختلف العراقيون على رمز مثل الحسين (عليه السلام) فهو يوحد المذهبية الشيعية عن طريق الولاء والانتماء للاثني عشرية، ويوحد المذهبية السنية عن طريق الولاء والانتماء الى جد الحسين (ص)، ويوحد بقية الأديان عن طريق الانتماء الإنساني لجذر مشترك وهو كراهية الظلم ونصرة المظلوم.

يمكن للزيارة الاربعينية ونحن نرى هذا التدفق الهائل للملايين المتوجهين الى كربلاء المقدسة، وهم في الحقيقة يتوجهون نحو عراق مصغر يجمعهم رغم اختلافاتهم، يمكن لهذه الزيارة وغيرها من زيارات على طول العام، ان تشكل أرضية مناسبة للاتفاق على مشترك (ديني-تاريخي-انساني) يجمع العوامل الستة للهوية الوطنية الجامعة والمنشودة، مع توظيف العامل السياسي كرافع لهذه العوامل، من خلال جعل تنمية الهوية الوطنية قضية التزام وطني وديني وتاريخي ومستقبلي، بالقيم الحضارية والعادات والتقاليد، واللغة واللسان، والعقيدة والإيمان وتعزيزها، واعتبارها واجبا وطنيا يقع على عاتق الجماعات والأفراد، والحكومة والمؤسسات معاً.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com

اضف تعليق