q
ملفات - عاشوراء

التعاون منشأ الخيرات وقامع الشرور

زيارة الأربعين ونصرة الامام الحسين (ع) (2)

من نتائج زيارة الأربعين تحقيق الأمن الاجتماعي، التي أدت إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي في العراق وحفظه من الانهيار التام، على الرغم من المخاطر والتحديات الكبيرة التي تحيط به دائما، لأنها زيارة جمعت كل الناس في هدف واحد، فتعاونوا جميعا على تحقيقه، فكلهم يريدون الاستقرار، وجميعهم يريد الأمان. لذلك...

إن نصرة الإمام الحسين تعد من أهم أهداف زيارة الأربعين، وذلك عبر التعاون على إقامة الحق، في مواجهة الباطل، إحياء لأهداف الإمام الحسين (عليه السلام).

والذي لا يتعاون على إقامة الحق، سوف يتعاون بشكل مباشر أو غير مباشر على إقامة الباطل، هذه جدلية لا تقبل الانفكاك، لذلك يمكن القول إن التعاون من الأهداف المهمة في زيارة الأربعين وبرامجها وممارساتها وشعائرها.

وعن الإمام علي (عليه السلام): (طلب التعاون على إقامة الحق ديانة وأمانة)(1)، فالإنسان لابد أن يطلب هو التعاون ولا يتوقع من الآخرين أن يبدأوا هم بالتعاون، ولا يتعامل بطريقة (إذا لم يتعاون معي فلان فلا أتعاون معه)، فالواجب أن تكون أنت من تصل من قطعك، وان تتواصل مع الآخرين في عملية بناء التعاون، لأن التعاون معناه إقامة الحق وهو الدين، بالإضافة إلى كونه مسؤولية وأمانة في رقبة الإنسان.

والإنسان الذي لا يتعاون على إقامة الحق، فهو يتخلى عن هذه الأمانة وعن هذه المسؤولية، ويتخلى عن الدين، ولذلك نؤكد على أننا عندما نجدد العهد في زيارة الأربعين فإننا نجسد فكرة الدين في التعاون بين الناس، بين الأفراد، وبين المواكب والهيئات الحسينية.

ان التعاون كمفهوم وتطبيق، يمكننا ان نجده في:

التعاون الفطري، الذي يوجد في داخل الإنسان كغريزة طبيعية باعتباره انسانا يحتاج الى الآخرين، والأنانية التي تبرز في سلوكه وتحجب التعاون هو سلوك مكتسب يعززه التعلم السيء الذي يؤدي الى التخلي عن مسؤولياته وعن الأمانة المتعلقة به.

التعاون التقليدي، وهو تعاون يأتي من خلال القيم والتقاليد الاجتماعية الذي تتوارثه المجتمعات لحفظ تماسكها وحماية مصالحها المشتركة.

التعاون المبدئي، هو التعاون النابع من العقيدة والإيمان والولاء، وهذا معنى طلب التعاون، كما نقرأ في الروايات دائما كلمة (العون)، أو طلب العون، وأن الإنسان عونا لأخيه المسلم، فالمسلم الموالي المبادر المتطوع لخدمة الزوار هو الذي يعين الآخرين، ولا ينتظر الآخرين.

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (رحم الله والدا أعان ولده على بره، رحم الله جارا أعان جاره على بره، رحم الله رفيقا أعان رفيقه على بره، رحم الله خليطا أعان خليطه على بره، رحم الله رجلا أعان سلطانه على بره)(2)، فالتعاون ينشأ من ذات الإنسان، فهو مسؤول من البداية إلى النهاية، وفي كل مكان هو مسؤول، ولابد أن يتنازل ويسلم أمره لله سبحانه وتعالى ويتعاون مع الآخرين في إقامة الخير. أما الإنسان الذي لا يتعاون مع الناس ولا يتخلى عن أنانيته سوف يقع في الشر وفي العدوان.

ركائز بناء التعاون

ذكرنا سابقا بعض الركائز ومنها:

الركيزة الأولى: التعاون يبدأ من المبادرة الذاتية.

الركيزة الثانية: الخدمة الطوعية. وعدم التوقع من الطرف الآخر، كما في الرواية التي ذكرناها عن الإمام الصادق (عليه السلام): (المؤمنون خدم بعضهم لبعض...)(3)، فهذا العمل الطوعي من عناصر التعاون في نصرة أهل البيت (عليهم السلام).

الركيزة الثالثة: التواصل مع الآخرين.

(صلْ من قطعك)، اي المبادرة الذاتية في التواصل مع الآخرين لبناء التعاون المطلوب على إقامة الحق والخير.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه، ويحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل، والتعاون على التعاطف، والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض، حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجل رحماء بينكم متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم..)(4).

الإنسان الذي يريد أن يحقق القيم الأخلاقية في المجتمع، لابد أن يتعاون على إقامة هذه القيم، والإمام الصادق (عليه السلام) يقول (الاجتهاد في التواصل) طلب الجهد والجد في التواصل مع الآخرين، لتحقيق قيم التراحم والتعاون والتعاطف كطريق لبناء الاستقرار في المجتمع.

الركيزة الرابعة: التعاون بالتناصح.

التناصح من أعظم المفاهيم التي تربي الإنسان والمجتمع على التعاون في فعل الخير وعلى الطريق المستقيم والاستقامة والاعتدال، لنتصور مجتمعا ما لا يوجد فيه تناصح، فسوف نجد أن هذا المجتمع مملوءً بالأخطاء والعيوب، فالأزمات تنشأ من انعزال الناس وانكفائهم وعدم قبول النصيحة من الآخرين.

بينما يوجد عندنا الكثير من الروايات تؤكد على النصيحة، وعلى التناصح فيما بين المؤمنين، ومنها (القرين الناصح) حيث لابد أن يكون مع الإنسان شخص آخر ينصحه ويرشده بشكل دائم، فالإنسان الذي يريد أن يتقدم في حياته، لابد أن يكون له ناصح يعطيه يدله على الطريق، ويصحح له الأخطاء.

وعن الإمام علي (عليه السلام) يقول: (من واجب حقوق الله على عباده النصيحة بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحق بينهم...)، إلى أن يقول (عليه السلام): (فَعَلَيْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِي ذَلِكَ وَحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ...)(5)، فالتعاون يتحقق عبر التناصح.

أصعب شيء على كثير من الناس ان يتقبل بأن ينصحه أحدهم ويبين له اخطائه، لذلك فإن الذي يقبل النصيحة يكون في القمة، بل هو في أول مستوى من درجات اعتلاء القمة، لأن القمة فيها مستويات يبدأ فيها الترقي اولا من قابلية قبول النصيحة.

وفي الروايات هناك تركيز على (طاعة النصح وقبول النصيحة)، أي تمكين الناصح فيتحقق التعاون، وسوف نطرح موضوع النصيحة بشكل مفصل في المقالات القادمة.

زيارة الأربعين وتصحيح الذات

المؤمن الموالي يأتي في زيارة الأربعين تحقيقا للثواب ومحاولة لبناء الذات، وتنقية النفس والتوبة عبر الذوبان في منهج الإمام الحسين (عليه السلام).

فيحاسب نفسه، ومحاسبة النفس تعني ان ينصح نفسه اولا، ولكن يحتاج الإنسان ايضا إلى طرف آخر خارج ذاته، فتتم عملية محاسبة النفس بمساعدة الطرف الآخر، بمعنى أن الآخر يرى عيوبه أكثر من نفسه.

فنحن في زيارة الأربعين نتعاون في النصيحة، ونبحث ونتبادل المعارف والنصيحة، في حضرة الإمام الحسين (عليه السلام)، وكيف أكون مواليا حقيقيا للإمام الحسين (عليه السلام)، وذلك من خلال قبول النصيحة لتصحيح الذات، فالتناصح وحسن التعاون على النصيحة يرمم السلوكيات والاعمال، وذلك يسهم في عملية بناء نهضة الإنسان والأمة.

الركيزة الخامسة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو جوهر نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) هذا ينعكس على زيارة الأربعين حيث نأتي لنصرته (عليه السلام) بالتعاون على إقامة الحق.

على مدى التاريخ كانت زيارات الإمام الحسين وخصوصا زيارة الأربعين، تمثل صراعا بين الحق والباطل، فكان الطغاة والمستبدون يحاربون الزيارات، فزيارة الأربعين تعني طلب الحق، حيث الإنسان يحتاج دائما إلى عملية تغذية باطنه بالحق، فالحق ليس مجرد كلمة ألفظها أو أقرأها على الورق، الحق تغذية ذاتية مستمرة، وهي تلقين ذاتي عبر العبادة والمناصرة وعبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وإحياء الشعائر الحسينية يمثل الحاجة الى تغذية الحق في أفكارنا، لذلك فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أهم جوانب تطبيق التعاون على إقامة الحق، وإلا فإنه يتم نزع البركات، فالأمة التي تكون في القمة هي الأمة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ...) آل عمران 110، لأنه الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، (يسلط عليهم شرارهم)، وتنزع منهم البركات من كل شيء، وهذا هو الأثر الوضعي لأعمال الانسان والامة، ومن باب عالم الأسباب والمسبّبات، لأن البركة تأتي من جانب من الخير، وعندما لا يُقام الخير ينشأ الشر، وعندما يأتي الشر يأتي معه بكل المساوئ والأضرار التي تؤدي إلى تحطيم الناس وتدمير الخيرات، واضمحلال القيم فتندلع النزاعات والصراعات ويتفكك المجتمع، كما نلاحظ ذلك في المجتمعات التي تخلت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وركنت إلى جانب الظالم، أو سكتت عن ظلمه خوفا او حيادا، فأصبحت مستباحة لكل أنواع الشرور.

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر والتقوى، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء)(6).

الركيزة السادسة: العمل الجاد على جعل التعاون منهج اجتماعي ثابت

التعاون على إقامة الحق ليس في هذه الأيام فقط، وإنما في كل الأيام حيث يصبح التعاون قضية اجتماعية شاملة وعقد اجتماعي فيما بين الافراد، والذي لا يتعاون يتم تنبيهه، لأنه يتسبب بالانشطار الاجتماعي، فنعلم أبناءنا في المدارس على حب التعاون، وفي الأسرة نمارس التعاون بالتعلم على التخلي عن الذات، والإنسان في السوق يتعاون المشتري مع البائع لتحقيق الانصاف والثقة والازدهار الاقتصادي، وفي الأحياء السكنية يتعاون جاره مع جاره لتحقيق الامن والتكافل والنظافة والبيئة الصالحة للعيش، عبر التكامل بالتعاون فيما بين المواطنين.

ان تطور مفهوم التعاون في زيارة الأربعين عند الإنسان الموالي للإمام الحسين (عليه السلام)، وتحقيق التعاون على أرض الواقع، بالتخلي عن ذاته بالعطاء والتضحية، وبذلك سوف يحصل التكامل فيما بين الناس، وهذا الشيء حاصل نسبيا لكن نحن نحتاج إلى مزيد من التقدم باستمرار، وإلى المزيد من المعرفة وبناء الشراكة والعمل المشترك في حياتنا، واشاعة التعاون حتى يصبح ثقافة وحضارة راسخة، فالتعاون حضارة تدفع بالإنسان نحو التقدم إلى الأمام.

وعن الإمام علي (عليه السلام): (فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانُوا حَيْثُ كَانَتِ الْأَمْلَاءُ مُجْتَمِعَةً وَالْأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً وَالْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً وَالْأَيْدِي مُتَرَادِفَةً وَالسُّيُوفُ مُتَنَاصِرَةً وَالْبَصَائِرُ نَافِذَةً وَالْعَزَائِمُ وَاحِدَةً، أَ لَمْ يَكُونُوا أَرْبَاباً فِي أَقْطَارِ الْأَرَضِينَ وَمُلُوكاً عَلَى رِقَابِ الْعَالَمِينَ، فَانْظُرُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ فِي آخِرِ أُمُورِهِمْ حِينَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَتَشَتَّتَتِ الْأُلْفَةُ وَاخْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ وَالْأَفْئِدَةُ وَتَشَعَّبُوا مُخْتَلِفِينَ وَتَفَرَّقُوا مُتَحَارِبِينَ وَقَدْ خَلَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِبَاسَ كَرَامَتِهِ وَسَلَبَهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِهِ وَبَقِيَ قَصَصُ أَخْبَارِهِمْ فِيكُمْ عِبَراً لِلْمُعْتَبِرِينَ)(7).

رمز التقدم هو عندما تكون قلوبنا متحدة ومتعاونة، وعندما تتنافر القلوب ويصبح كل واحد يبحث عن مصلحته الذاتية، سوف نقع في أزمات كبيرة جدا، وهذا ما نلاحظه في بعض الأزمات التي نعيشها اليوم، التي تقع بسبب غياب التعاون فيما بين الناس، وعدم السعي المشترك لحل مشكلاتهم والبحث عن الحياة الجيدة والأفضل والأحسن.

نتائج التعاون وخصوصا في زيارة الأربعين

من النتائج المهمة التي يمكن أن تتحقق من خلال التعاون في مثل زيارة الأربعين:

أولا: الأمن الاجتماعي.

تحقيق الأمن الاجتماعي، فكل الناس يبحثون عن شيئين، الغذاء والأمن (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) قريش1/4، الغذاء مهم جدا ويسمى أيضا بالأمن الغذائي، أو الأمن العام، ولكن الأمن الحقيقي يتحقق من خلال الأمن الاجتماعي، فتغيب كل أنواع فقدان الأمن عندما يغيب الأمن الاجتماعي.

عندها يكون المجتمع مفككا، متناثرا، متضادا وغير متوحد، يغيب الأمن الاجتماعي، ومعه تغيب كل أنوع الأمن، كالأمن السياسي، والأمن الاقتصادي، والأمن الثقافي، والأمن العلمي، والأمن التربوي وكل الأنواع الأخرى للأمن، فالأمن الاجتماعي هو الذي يحقق عملية الأمن العام بما في ذلك الأمن الغذائي.

نلاحظ اليوم مثلا قارة أفريقيا تعد من أكثر المناطق التي تعاني من غياب الأمن الغذائي، مع أنها تملك موارد هائلة تغذي كل العالم، ولكن هي أفقر دول العالم وأكثرها مجاعة، وذلك لغياب الأمن الاجتماعي فيها، فهناك صراعات ونزاعات وحروب وقتال تلتهما باستمرار.

زيارة الأربعين أدت إلى حفظ العراق

من نتائج زيارة الأربعين تحقيق الأمن الاجتماعي، التي أدت إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي في العراق وحفظه من الانهيار التام، على الرغم من المخاطر والتحديات الكبيرة التي تحيط به دائما، لأنها زيارة جمعت كل الناس في هدف واحد، فتعاونوا جميعا على تحقيقه، فكلهم يريدون الاستقرار، وجميعهم يريد الأمان.

لذلك من نتائج التعاون فيما بين الناس، على إحياء الشعائر الحسينية وإحياء مراسيم زيارة الأربعين هو تحقيق الأمن الاجتماعي.

يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (المسلم أخو المسلم، يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفتان)، (الفتان: اللص) يتشارك المسلمون في الماء والشجر والحياة بالإنصاف والعدالة والإحسان، فعنه (صلى الله عليه وآله): (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يشتمه)(8)، ويتعاونون ويتكاتفون في مقابل اللصوص والفاسدين الذين يحاولون سلب الأمان والأمن.

ثانيا: احتواء الصراعات والنزاعات

ان التعاون هو الذي يؤدي الى التنافس في الخير، فالتنافس الإيجابي يتحقق في إطار التعاون، فنلاحظ أن المواكب كلها تسعى لخدمة زوار الإمام الحسين (عليه السلام)، حتى تقدم الأفضل، ولكن إذا لم يكن هذا التنافس في إطار التعاون سوف يتحول الى صراع يتصاعد الى صدام فيما بين المتنافسين، لذلك لابد أن يكون التنافس في إطار التعاون ولا يخرج عن هذا الإطار حتى يصبح ذو قيمة إيجابية كبيرة في المجتمع.

والصراعات التي تحدث في المجتمع سببها في الغالب التنافس السيّئ، القائم على استبعاد الآخر ومحاولة الغائه، واحتكار المغانم، فالبعض يريد أن يسبق الآخرين بأية طريقة كانت، حتى لو كانت بأساليب ملتوية ولو كانت عبر معصية الله سبحانه وتعالى، أو بطرق غير أخلاقية منحرفة بعيدة عن الإنصاف والرحمة بالآخرين، من أجل أن يحقق نفسه وذاته وأمواله وكل ما يصب في محوريته وأنانيته.

التواضع يحل المشكلات

فعدم التعاون يعني تدمير المجتمع واستفحال الصرعات والنزاعات فيه، بسبب غياب إرادة التعاون لحل المشكلات، إذا كانت هناك أسرة حدث فيها خلاف بين زوج وزوجته، أو بين أطراف آخرين، دائما كل طرف إذا أراد أن يجر الحق الى نفسه، يكون متكبرا ومعاندا ولا يتنازل مطلقا، لكن الأمر يتطلب من الإنسان الحقيقي أن يفكر بطريقة واقعية بعيدا عن المزاج الخاص، فالمطلوب من جميع الأطراف التنازل والتواضع والتعاون من أجل حل المشكلة.

لذلك فإن من نتائج بناء التعاون هو إيجاد القدرة على احتواء الصراعات والنزاعات، وإلا سوف يحدث العكس تماما (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة 2. فتتفجر مشاكل كبيرة، لأن الإنسان إذا عاند في صراعاته مع الآخرين، بسبب شيء صغير سوف يكبر ويكبر إلى أن يصل إلى حد العنف والعدوان.

فالعنف والعدوان يتأصل عند الإنسان وبين الناس من خلال ممارسة المعاصي الكثيرة والإصرار عليها.

عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا لم تجتمع القرابة على ثلاثة أشياء تعرضوا لدخول الوهن عليهم وشماتة الأعداء بهم وهي: ترك الحسد فيما بينهم لئلا يتحزبوا فيتشتت أمرهم. والتواصل ليكون ذلك حاديا لهم على الالفة. والتعاون لتشملهم العزة)(9). القرابة هنا لا تعني القرابة بين الأقرباء فقط، وإنما القرابة تعني ايضا التقارب فيما بين الناس، فهؤلاء لابد أن يتفقوا على التقارب والتعاون وإلا سوف يحدث العكس تماما.

وللبحث تتمة...

* حوار من حوارات بثت على قناة المرجعية في مناسبة زيارة الأربعين 1445

.........................................
(1) عيون الحكم والمواعظ - علي بن محمد الليثي الواسطي - الصفحة ٣١٩.
(2) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج ١٦ - الصفحة ٣٧٨.
(3) الكافي - الشيخ الكليني - ج ٢ - الصفحة ١٦٧.
(4) الكافي - الشيخ الكليني - ج ٢ - الصفحة ١٧٤.
(5) نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع)، خطبة رقم: 216، من خطبة له (عليه السلام) خطبها بصفين.
(6) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج ١٦ - الصفحة ١٢٣.
(7) نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع)، خطبة رقم: 192، من خطبة تسمى القاصعة وهي تتضمن ذم إبليس لعنه اللّه، على استكباره وتركه السجود لآدم عليه السلام، وأنه أول من أظهر العصبية وتبع الحمية، وتحذير الناس من سلوك طريقته.
(8) مستدرك الوسائل - الميرزا النوري - ج ١٢ - الصفحة ٤١٥.
(9) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٥ - الصفحة ٢٣٧.

اضف تعليق