تكشف زيارة الأربعين للإمام الحسين بن علي (عليه السلام) عن دلالات وآثار عظيمة، كما تبرز جانباً مهماً من تجليات عظمة الإمام الحسين (عليه السلام) ومكانته وفضله.

إن ظاهرة الزيارة المليونية في زيارة الاربعين للإمام الحسين (عليه السلام) يعبر عن انتصار القيم والمبادئ والأهداف التي استشهد من أجلها الإمام الحسين في معركة كربلاء.

وهذا الحشد الهائل من البشر الذي نراه ونشاهده في كل عام، ومن مختلف الأديان والمذاهب، والأعراق والجنسيات والقوميات يؤكد انتصار المظلوم على الظالم، والمقتول على القاتل، والحق على الباطل.

وتؤكد واقعة كربلاء أن الانتصار المادي الذي حدث في كربلاء للجيش الأموي كان مؤقتاً وزائلاً، بينما انتصار القيم والمبادئ مستمر وثابت، وهذا ما أكدته أحداث كربلاء وما حدث بعدها؛ وهذا هو الانتصار الحقيقي.

وقد تنبأت بهذا الأمر السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) في حديثها ليزيد عندما قالت له: «فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم يناد المناد ألا لعنة الله على الظالمين!»[1]، وهذا ما تحقق بالفعل؛ فإن ذكر الإمام الحسين وأئمة أهل البيت يزداد انتشاراً واتساعاً يوماً بعد آخر؛ أما ظلمتهم فقد ذهبوا إلى مزبلة التاريخ وبئس المصير.

وزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) من المستحبات المؤكدة في كل وقت وحين، ويتأكد استحبابها في بعض المناسبات كزيارة عاشوراء، والنصف من شعبان، وليلة الجمعة ويومها لورود الروايات المتواترة والصحيحة والمعتبرة في ذلك.

ومن الزيارات المستحبة والتي تحضى باهتمام شعبي كبير زيارة الأربعين، وقد عقد الشيخ الحر العاملي في الوسائل باباً أسماه: «باب تأكد استحباب زيارة الحسين (عليه السلام) يوم الأربعين من مقتله، وهو يوم العشرين من صفر».

وروى الشيخ المفيد والشيخ الطوسي قالا: روي عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام أنه قال: «علامات المؤمن خمس: صلاة الاحدى والخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم»[2]. وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أنه توجد الكثير من الروايات التي تعضدها في الجملة، كما تواترت الروايات التي تنص على استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) بصورة مطلقة في كل وقت.

وقد روى الشيخ الطوسي بإسناده عن صفوان الجمال قال: قال لي مولاي الصادق (عليه السلام)

في زيارة الأربعين تزور ارتفاع النهار وتقول: السلام على ولى الله وحبيبه... وذكر الزيارة إلى أن قال: وتصلي ركعتين، وتدعو بما أحببت وتنصرف[3].

أما عن فضل الزيارة وثوابها فنكتفي بما رواه مجمد بن سنان، عن حذيفة بن منصور، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «مَن زارَ قَبرَ الحُسَينِ (عليه السلام) للَّهِ‏ وفِي‏ اللَّهِ‏، أعتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النّارِ وآمَنَهُ يَومَ الفَزَعِ الأَكبَرِ، ولَم يَسأَلِ اللَّهَ تَعالى‏ حاجَةً مِن حَوائِجِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ إلّاأعطاهُ»[4].

وعن عاصم بن حميد الحنّاط: سَأَلتُ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) عَن‏ زِيارَةِ قَبرِ الحُسَينِ (عليه السلام)؟

فَقالَ: «يا عاصِمُ! مَن زارَ قَبرَ الحُسَينِ (عليه السلام) وهُوَ مَغمومٌ أذهَبَ اللَّهُ غَمَّهُ، ومَن زارَهُ وهُوَ فَقيرٌ أذهَبَ فَقرَهُ، ومَن كانَت بِهِ عاهَةٌ فَدَعَا اللَّهَ أن يُذهِبَها عَنهُ أذهَبَها عَنهُ، وَاستُجيبَت دَعوَتُهُ، وفُرِّجَ هَمُّهُ وغَمُّهُ.

فَلا تَدَع أن تَأتِيَهُ، فَإِنَّكَ كُلَّما أتَيتَهُ كُتِبَ لَكَ بِكُلِّ خُطوَةٍ تَخطوها عَشرُ حَسَناتٍ، ومُحِيَ عَنكَ عَشرُ سَيِّئاتٍ، وكُتِبَ لَكَ ثَوابُ شَهيدٍ في سَبيلِ اللَّهِ اهَريقَ دَمُهُ، فَإِيّاكَ أن تَفوتَكَ زِيارَتُهُ»[5].

وعن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه [الصادق‏] (عليه السلام): «مَن زارَ الحُسَينَ (عليه السلام)

عارِفاً بِحَقِّهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَوابَ ألفِ حَجَّةٍ مَقبولَةٍ، وألفِ عُمرَةٍ مَقبولَةٍ، وغَفَرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وما تَأَخَّر»[6].

وفي كتاب الوسائل عقد الحر العاملي باباً حول فضل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ماشياً تحت عنوان: (باب استحباب المشي إلى زيارة الحسين (عليه السلام) أورد فيه ستة أحاديث في فضل ذلك، ومنها: ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «: مَن أتى‏ قَبرَ الحُسَينِ (عليه السلام) ماشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ يَرفَعُها ويَضَعُها عِتقَ رَقَبَةٍ مِن وُلدِ إسماعيلَ»[7].

وعن أبي الصامت قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وهو يقول: «مَن أتى‏ قَبرَ الحُسَينِ (عليه السلام) ماشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطوَةٍ ألفَ حَسَنَةٍ، ومَحا عَنهُ ألفَ سَيِّئَةٍ، ورَفَعَ لَهُ ألفَ دَرَجَةٍ»[8].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «مَن خَرَجَ مِن مَنزِلِهِ يُريدُ زِيارَةَ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (عليه السلام)، إن كانَ ماشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطوَةٍ حَسَنَةً، وحَطَّ بِها عَنهُ سَيِّئَةً، حَتّى‏ إذا صارَ بِالحائِرِ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ المُفلِحينَ»[9].

ونظراً للحشود الضخمة التي تزور الإمام الحسين (عليه السلام) في زيارة الأربعين مشياً على الأقدام يجب استثمار هذه الظاهرة المليونية في نشر المزيد من العلوم والمعارف الإسلامية بين الزوار، وزيادة مستوى الوعي والثقافة عند الناس، والتأكيد على أهمية التخلق بأخلاق الإمام الحسين (عليه السلام)، وأئمة أهل اليت (عليهم السلام).

ومن المهم والمفيد للغاية إظهار هذا الحشد الجماهيري الواسع إعلامياً بصورة مميزة وحضارية بما يعكس الصورة الناصعة لأتباع أهل البيت، وبما يبعث برسالة قوية إلى أعداء الإسلام والأمة عن تلاحم وعزة وقوة المؤمنين ووحدتهم.

ويؤكد اهتمام الوسائل الإعلامية المختلفة بهذا الحدث المهم في زيارة الأربعين على حقيقة ديمومة وثبوت انتصار القيم والمبادئ التي حملها الإمام الحسين (عليه السلام) كالعدل والكرامة والعزة والشموخ والإباء والعطاء والإيثار.

ويجب أن تكون زيارة الأربعين -وغيرها من المناسبات الهامة- فرصة لاستنهاض كل القيم والمبادئ والأهداف الحسينية، والتي من أجلها استشهد الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه الأخيار، وعدم اختزال القضية الحسينية بأمور جزئية؛ بل يجب الحفاظ على جوهر النهضة الحسينية، وإحياء القيم الكبرى والأهداف العظيمة التي من أجلها ضحى الإمام الحسين (عليه السلام) بالنفس والنفيس.

................................
الهوامش:
[1] بحار الأنوار، ج 45، ص 135.
[2] المزار، الشيخ المفيد، ص 53. مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص 788.
[3] الوسائل، ج 14، ص 478، رقم 19645.
[4] كامل الزيارات، ابن قولويه القمي، ص 141، رقم 430.
[5] فضل زيارة الحسين عليه السّلام: ص 64 ح 46.
[6] الأمالي للطوسي: ص 214 ح 372، بحار الأنوار: ج 97 ص 257 ح 1.
[7] كامل الزيارات: ص 131ح 386، بحار الأنوار: ج 98 ص 36 ح 48.
[8] وسائل الشيعة: الحر العاملي، ج 14، ص 440، ح 19554. كامل الزيارات: ص 129 ح 381 و ص 208 ح 636، بحار الأنوار: ج 98 ص 142 ح 13.
[9] تهذيب الأحكام: ج 6 ص 43 ح 89، ثواب الأعمال: ص 116 ح 31، المزار للمفيد: ص 30 ح 1، كامل الزيارات: ص 128 ح 378، بحار الأنوار: ج 98 ص 72 ح 17.

اضف تعليق