q
إسلاميات - اهل البيت

نبي الوحي ووحي النبوة

عرفت الإنسانية، مذ أن بزغ من ثنايا ليلها نور الحضارة، الأنبياء والرسل من قبل الله تعالى، هداة لأممهم، وقادة للتغيير الحضاري بمختلف أبعاده، ووسيلة موثوقة ومضمونة للعلوم والمعارف، وقناة صافية لإيصال الخطاب الإلهي إليهم. وهم من جنس البشر أنفسهم، يختارهم الله تعالى هداة لخلقه، وقدوة ومثلا يحتذى في تطبيق الشرائع الإلهية، والتي يعبر عنها بالدين أو الشريعة، عن طريق تسديدهم بالوحي من عنده. ولا يمكن لأي وسيلة أخرى أن تحقق هذا الغرض

ان اجتماع أدلة متضافرة على ثبوت ظاهرة الوحي الإلهي إلى النبي محمد (ص) -يفيد كل واحد منها الجزم واليقين- لا يبقي مجالا للشك والتردد أبدا في القبول والإذعان واليقين بثبوتها. ومن هذه الأدلة:

(أولا) معاجزه الكثيرة الخارقة للعادة المقدمة بين يدي دعوى نبوته. والتي تواتر نقلها جيلا بعد جيل، وامتلأت بها الكتب، بما يورث القطع واليقين بوقوعها، كانشقاق القمر، ورجوع الشمس، ومجيء الشجرة إليه عند دعوتها، وتسبيح الحصى، وحنين الجذع، وإطعام الخلق الكثير حتى شبعوا، وسقيهم حتى ارتووا، من القليل من الطعام واليسير من الشراب. وغيرها كثير.

وأعظم تلك المعاجز القرآن الكريم الذي اتسم الإعجاز فيه بسمة الدوام والخلود والتحدي.

(ثانيا) الأحداث والقرائن التاريخية التي سبقت نبوة النبي محمد (ص)، وتلك التي قارنتها وسايرتها، تدل دلالة ظاهرة على أن الوحي الذي نزل إليه لم يكن مصدره النبي نفسه، ومنها:

(1) الحوادث الكونية التي حدثت عند ولادة النبي ومبعثه، والكاشفة عن اهتمام الخالق به، والتي تواتر نقلها جيلا بعد جيل.

(2) معروفية النبي في مجتمع قريش بمكارم الأخلاق، فقد لقّبه الناس بالصادق الأمين، واستقبلوا كلامه على أنه من المسلمات، وكانوا يودعون عنده الودائع لوثوق الناس جميعا به. وهذه درجة لا تنال بالتكلف والتمني، فإن سجية الصدق لا يمكن أن يوصف بها الشخص إلا إذا أصبحت عنده على نحو الملكة الراسخة التي لا تزول.

(3) اعتزاله العادات السيئة التي كانت سائدة ومتفشية في مجتمعه قبل بعثته. واعتزاله قومه وما كانوا عليه من العبادات والعادات الباطلة، وسلوكه الاعتزال عنهم لعبادة اللَّه عزّ وجلّ في غار حراء.

(4) لم يُرَ قَطُّ قبل بعثته مدارسا لكتاب، ولا رأي مخالطا لأهل الكتاب، ولم يزل معروفا بالانفراد عنهم غير مختص بأحد منهم، ولم يسافر لاتباع عالم سرا ولا جهرا.

(5) معروفية نبوته من قبل اليهود والنصارى. وإخبار أهل الكتاب بظهوره قبل أن يبعث، وخبره في التوراة. وما أخبر به أهل الكتاب، وما وُجد مكتوباً عندهم من إخبار الأنبياء المتقدمين بنبوته ورسالته وأمر الناس باتباعه.

(6) وقد دلت الأحداث الاستقرائية والسيرة الذاتية للنبي على رجاحة عقله واتزان تصرفاته. وقد لبث النبي كثيرا بين ظهراني قومه قبل البعثة، فلم يجدوا له غفلة ولا زلة.

وغير ذلك من قرائن الأحوال المفيدة للقطع واليقين.

وإذا كان مبدأ تجميع القرائن وحساب الاحتمالات، لمجموع حالات مظنونة متكثرة تصب في إثبات واقعة معينة، يفيد القطع واليقين، فإن إفادته لليقين يكون من باب أولى لو كانت تلك الحالات يفيد كل واحدة منها يقينا، كما في مقامنا.

(ثالثا) دقة التشريعات التي جاء بها وثبوت صحتها، وملاءمتها للطبيعة البشرية في مختلف الأزمنة والأمكنة والظروف، وشموليتها لجميع مجالات الحياة، ونجاحها الذي أبهر المخالف قبل المؤالف.

فقد جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمَقاصد الأساسيَّة، والقواعد الكُلِّية للشريعة الإلهيَّة، التي تُنظِّم كلَّ شؤون الحياة، وفي الوقت نفسه تُحقِّقُ العَدْل التَّام بين الجميع، بقطع النظر عن الانتماءات الدينية أو العرقية أو غيرها، وهذا بالقطع لا يدخلُ تَحت استطاعة أحد من البشر كائنًا من كان. وكل هذه الأمور لا يمكن الوصول إليها عن طريق قوة الذكاء ولا سعة المخيلة، ولا عن طريق التجربة الحياتية اليومية.

(رابعا) تنصيص الأنبياء السابقين عليه، وتبشيرهم به. وكان لهذه البشارات الدور الرئيس في اعتناق أهل المدينة المنورة للإسلام، كما أنها كانت السبب الرئيس في اعتناق عدد كبير من غير المسلمين للإسلام على مر التاريخ ابتداء من عصر النبوة وحتى العصر الحالي.

(خامسا) تطابق أقوال الأنبياء السابقين مع أقواله في أصول العقائد وأصول العبادات، التي جاءت بها رسالاتهم، على الرغم من تكثر أعدادهم وامتداد الفواصل الزمانية الفاصلة بينهم وبُعد الصلة بين كثير منهم.

اضف تعليق