q
وتشهد الأوضاع الإنسانية والمعيشية في اليمن تدهورا مستمرا، وحذّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أن المجاعة قد تصبح \"جزءا من واقع اليمن\" في 2021، بعدما تعهد مؤتمر للمانحين توفير أقل من نصف الأموال اللازمة لمواصلة عمل برامج المساعدات في البلد الذي دمرته الحرب....

مع استمرار حرب الطاحنة والغارات الجوية من قبل ما يعرف بالتحالف العربي بقيادة السعودية منذ 2015 في اليمن، والتي أودت بحياة عشرات الآلاف وشردت الملايين، وتسببت بأسوأ كارثة إنسانية في العالم وفق الأمم المتحدة. تتفاقم معاناة الشعب اليمني بشكل كبير في ظل غياب الحلول والدعم من المقدم من قبل المؤسسات والجهات الدولية، التي تخلت وبحسب بعض المصادر، عن التزاماتها وعهودها السابقة، وتشهد الأوضاع الإنسانية والمعيشية في اليمن تدهورا مستمرا، وحذّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أن المجاعة قد تصبح "جزءا من واقع اليمن" في 2021، بعدما تعهد مؤتمر للمانحين توفير أقل من نصف الأموال اللازمة لمواصلة عمل برامج المساعدات في البلد الذي دمرته الحرب.

وكانت الأمم المتحدة تطالب بمبلغ 3,85 مليارات، ولكن التعهدات بلغت في نهاية المطاف 1,7 مليار دولار. وقال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اكيم شتاينر إن "احتمال مواجهة أعداد أكبر من الناس لخطر المجاعة ازداد بشكل كبير". وأضاف ليس بالضرورة أن تقع المجاعة "خلال عام أو عامين. يمكن أن يحدث هذا في غضون أسابيع أو شهر، ولهذا السبب نشعر بالقلق الشديد من أن نشهد مجاعة كبرى تصبح جزءا من واقع اليمن في العام 2021". وتابع "نحن على بعد خطوة من مجاعة كبرى".

ويعتمد أكثر من ثلثي اليمنيين البالغ عددهم 29 مليونا على المساعدات التي تم تقليصها بالفعل العام الماضي مما أدى إلى تعليق برامج رئيسية. وبحسب الامم المتحدة، سيواجه أكثر من 16 مليون شخص من بين 29 مليونا الجوع في اليمن هذا العام، وهناك ما يقارب من 50 ألف يمني "يموتون جوعا بالفعل في ظروف تشبه المجاعة". كذلك، تحذّر وكالات تابعة للأمم المتحدة من أن 400 ألف طفل تحت سن الخامسة يواجهون خطر الموت جرّاء سوء التغذية الحاد في 2021، في زيادة بنسبة 22 بالمئة عن العام 2020.

حكم بالاعدام

حذّر الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش من "حكم بالإعدام" على اليمنيين بعدما جمع مؤتمر للمانحين الدوليين أقل من نصف ما يحتاجه البلد الغارق بالحرب لتنجب حدوث مجاعة. وقال الأمين العام للمنظمة الاممية انطونيو غوتيريش في بيان "يحتاج ملايين الأطفال والنساء والرجال اليمنيين بشدة إلى المساعدات للبقاء على قيد الحياة. قطع المساعدات هو حكم بالإعدام".

وشاركت نحو 100 دولة وجهة مانحة في المؤتمر الافتراضي الذي نظّمته الامم المتحدة والسويد وسويسرا، ورأى غوتيريش أن "الطريق الوحيد لتحقيق السلام هو من خلال وقف فوري شامل لإطلاق النار (...) ومجموعة من تدابير بناء الثقة، تليها عملية سياسية شاملة بقيادة يمنية تحت رعاية الأمم المتحدة وبدعم من المجتمع الدولي". وقال "ليس هناك حل آخر"، مشددا على أنّ الامم المتحدة "ستواصل تضامنها مع الشعب اليمني الجائع".

وحذّر منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ مارك لوكوك من أن "الأموال التي تلقيناها اليوم لا تكفي لوقف المجاعة. سنحتاج إلى المزيد من المال". وأدّى نقص التمويل في 2020 إلى وقف برامج إنسانية رئيسية فيما تراجعت نسبة توزيع المواد الغذائية وأُوقفت الخدمات الصحية في أكثر من 300 مرفق صحي. وقالت منظمة المجلس النروجي للاجئين في بيان تعليقا على مخرجات مؤتمر المانحين إنّ "النقص في المساعدات الإنسانية سيقابله فقدان أرواح"، فيما اعتبرت "سيف ذي تشيلدرن" أنّ "العالم أدار ظهره لمن يعانون" في اليمن. وانعقد المؤتمر على وقع تحرّكات للإدارة الاميركية الجديدة لإعادة الحرب في أفقر دول شبه الجزيرة العربية إلى مسار الدبلوماسية، خصوصا بعدما انهت دعمها للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في هذا البلد منذ 2015 دعما للحكومة المعترف بها.

واستنفد اليمنيون في جميع أرجاء البلاد قدراتهم على التكيف ويعاني الأطفال من الجوع وسط أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم. وباع أحمد فارع العاطل عن العمل كل شيء حتى ذهب زوجته من أجل إطعام ابنتيهما والسكن في غرفة واحدة صغيرة. وفي منطقة أخرى من العاصمة اليمنية صنعاء، وجدت الأرملة منى محمد عملا لكنها تجد صعوبة في شراء أي طعام مغذ أكثر من الأرز لإطعام أطفالها الأربعة وسط ارتفاع الأسعار. وفي مستشفى قريب، يتلقى أطفال يعانون من سوء تغذية حاد مشروبات مغذية تنقذ حياتهم.

وكان اليمن بلدا فقيرا يعاني أطفاله من سوء التغذية حتى من قبل أن تعطل الحرب الدائرة منذ سنوات الواردات وتفاقم التضخم وتدفع السكان للنزوح وتدمر الخدمات الحكومية وتقضي على مصادر الدخل. وأضرت جائحة كوفيد-19 بتحويلات العاملين في الخارج التي يعتمد عليها العديد من الأسر في عيشها. ولم تعلن المجاعة رسميا في اليمن قط لكن الأمم المتحدة قالت إن جيوبا تشهد أوضاعا تشبه المجاعة ظهرت لأول مرة في العامين الماضيين. بحسب رويترز.

وفي 2018 و2019 تمكنت الأمم المتحدة من تجنب المجاعة عن طريق برامج مساعدات جيدة التمويل. لكن في 2020 لم تتلق المنظمة سوى ما يزيد قليلا على نصف مبلغ 3.4 مليار دولار المطلوب. وقال يان إيجلاند رئيس المجلس النرويجي للاجئين خلال زيارة لليمن "ما يحدث لسكان اليمن قسوة تفوق التصور. منظمات الإغاثة ينقصها التمويل بشكل كارثي. وأطراف الحرب الدائرة متخصصون في انتاج المعاناة وسلاحهم المفضل هو التجويع".

أطفال اليمن

بدت عينا أحمدية الجعيدي متسعة وهي تحتسي مشروبا مغذيا من كوب برتقالي كبير تمسك به بأصابعها النحيلة. وقبل ثلاثة أسابيع فحسب كان وزن أحمدية ابنة الثلاثة عشر عاما تسعة كيلوجرامات فقط عندما دخلت مستشفى السبعين في العاصمة اليمنية صنعاء وهي تعاني من سوء التغذية الذي أصابها بالأمراض على مدار السنوات الأربع الماضية على الأقل. والآن أصبح وزنها 15 كيلوجراما.

وقال شقيقها محمد عبده طاهر شامي "أخشى أن تتدهور حالتها عندما نعود للريف مرة أخرى بسبب نقص الطعام المغذي. فليس لدينا مصدر دخل". وتقول الأمم المتحدة إن حوالي 16 مليون مواطن يمثلون أكثر من نصف سكان اليمن يعانون الجوع. ويحذر مارك لوكوك مسؤول الإغاثة الأول في الأمم المتحدة من أن خمسة ملايين من هؤلاء على شفا المجاعة.

دفعت الحرب الدائرة في اليمن والتي يرى كثيرون أنها حربا بالوكالة بين السعودية وإيران، باليمن الفقير إلى أزمة تصفها الأمم المتحدة بأنها أكبر أزمة إنسانية في العالم. وتوضح معلومات الأمم المتحدة أن حوالي 80 في المئة من اليمنيين يحتاجون للمساعدة وأن 400 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد. ويعتمد اليمن في الحصول على جانب كبير من احتياجاته من المواد الغذائية على الاستيراد وقد تسببت الأطراف المتحاربة في اضطراب هذه الإمدادات بشدة.

وقال لوكوك للصحفيين "قبل الحرب كان اليمن دولة فقيرة بها مشكلة سوء تغذية لكنه كان دولة بها اقتصاد فعال وحكومة توفر الخدمات لعدد كبير من أفراد شعبها. وقد دمرت الحرب ذلك إلى حد كبير". وأضاف "في العالم الحديث المجاعات تتمثل في الأساس في عدم وجود دخل لدى الناس ثم تعطيل آخرين المساعي الرامية لمساعدتهم. وهذا بالضبط هو ما نجده في اليمن".

وازدادت معاناة الشعب اليمني بفعل انهيار الاقتصاد والعملة وجائحة كوفيد-19. ويحاول مسؤولو الأمم المتحدة إحياء محادثات السلام وقد قال الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إن اليمن يمثل أولوية لإدارته وأعلن وقف الدعم الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية وطالب بضرورة وقف الحرب. وحذرت 12 منظمة إغاثة من بينها أوكسفام وهيئة إنقاذ الطفولة وكير إنترناشونال من أن 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة في اليمن سيعانون الجوع هذا العام إذا لم تعمل الحكومات على زيادة التمويل. بحسب رويترز.

وروى محسن صديقي مدير أوكسفام في اليمن حوارا دار مع يمنية عمرها 18 عاما تسبب الصراع في نزوحها وأصبحت تعيش في مخيم في شمال اليمن. وقال صديقي "قالت جائحة فيروس كورونا تجعلنا أمام خيارين قاسيين. فإما البقاء في البيت والموت من الجوع، أو الخروج والموت من المرض". وتقول الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة إن الأرقام الرسمية لا تصف مدى انتشار المرض في اليمن.

نقص الوقود

استبدل أصحاب المخابز في العاصمة اليمنية صنعاء وقود الديزل والغاز بالحطب لتشغيل أفرانهم والاستمرار في إنتاج الخبز مع نقص الوقود في بلد ينتشر فيه الجوع بعد سنوات من الحرب. فيوميا يُفرغ العمال أطنانا من جذوع الأشجار من شاحنات نقلتها مئات الكيلومترات من مناطق جبلية نائية باليمن إلى أكبر سوق للحطب في صنعاء.

وتجارة الحطب المتنامية تعتبر تذكرة صارخة بالمشكلات البيئية في اليمن الذي يعاني الحرب والمرض. كما أنها تزيد الضغط على الغابات التي تضررت بالفعل بسبب زراعة القات. وقال علي الشبيلي، وهو صاحب مخبز في صنعاء ، "كنا نستخدم الديزل وبعدها انتقلنا إلى الجاز وبعدها انتقلنا إلى الغاز بسبب الحصار، وبعدها الغاز انقطع بسبب الحصار، وبعدها انتقلنا إلى الحطب".

ويتهم الحوثيون، التحالف الذي تقوده السعودية بشن حرب اقتصادية على الأراضي التي يسيطرون عليها من خلال احتجاز السفن التجارية في ميناء الحُديدة على البحر الأحمر بما في ذلك ناقلات الوقود. وقال عبد الرحمن يحيى، وهو تاجر حطب وعاقل السوق (المشرف عليه) في صنعاء، "ازداد طلب الحطب بشكل كبير مع أزمة البترول والديزل والغاز والحصار العالمي على اليمن". وارتفعت أسعار الحطب والخبز أيضا نتيجة لذلك. بحسب رويترز.

وقال الخباز توفيق عبد المغني "صارت مع الأيام ارتفاع أسعار الحطب كان الدينا (شاحنة) نشلها (نشتريها) بـ 130/120) (ألف ريال يمني) (500 دولار). الآن قدي بـ 250 و 230 (ألف ريال يمني) (ألف دولار)". وتحت ضغط من السلطات يضطر الخبازون لتصغير حجم أرغفة الخبز بدلا من رفع الأسعار. وفي مخبز النمري، بالحي القديم بصنعاء المدرج ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة التربية والعلم والثقافة (يونسكو)، يصنع عمال خبز الكُدم اليمني الشهير وكذلك خبز الروتي، بينما يغذون الفرن بقطع من جذوع شجر البلوط. وتُخزن في السوق أكوام ضخمة من الحطب، على تربة ذات لون بني يميل إلى الحُمرة، انتظارا للمشترين.

اضف تعليق