q
ان تعاليم تولستوي التي اسماها \"عدم مقاومة الشر\"، هي واحدة من صيغ اللاعنف الأكثر قيمة والأعمق تطورا. انها تنبع من الموقف من الحياة الذي اُطلق عليه بفلسفة تولستوي او (tolstovstvo) وكان لها تأثيرا كبيرا على حركة اللاعنف في القرن العشرين. يسأل الانسان الفلاسفة كشوبنهاور سؤالا...

دخلت فكرة اللاعنف في دائرة الاخلاق الروسية اثناء موجة سياسة البريستوريكا لغورباشوف. انها اثارت استقطاب وعواطف الناس الى حد كبير. ومنذ ذلك الوقت، تغير الموقف كثيرا تجاه الافكار السلمية. هذا الموقف يمكن التعبير عنه الآن بكلمتين: الشك والاحباط. هناك فكرة شائعة وهي ان اللاعنف يمكن اعتباره مجرد حلم جميل ذو جاذبية اخلاقية لكنه ليس له قوة اقناعية منطقية. هذه الفكرة ذات انتشار واسع، لكن سيتضح لنا زيف هذه الفكرة بعد ان نناقش آراء تولستوي، وهي الآراء التي جلبت الكثير من اللوم له بسبب ميوله الطوباوية.

ان تعاليم تولستوي التي اسماها "عدم مقاومة الشر"، هي واحدة من صيغ اللاعنف الأكثر قيمة والأعمق تطورا. انها تنبع من الموقف من الحياة الذي اُطلق عليه بفلسفة تولستوي او (tolstovstvo) وكان لها تأثيرا كبيرا على حركة اللاعنف في القرن العشرين.

يسأل الانسان الفلاسفة كشوبنهاور سؤالا عن "معنى الحياة "، الجواب هو ان لا وجود هناك لمعنى نهائي. لكن حقيقة ان الفرد يسأل هذا السؤال تحت اي ظرف كان يعني ان الحياة ذاتها لا يمكن ان تكون الجواب. لذلك، نجد السؤال عن معنى الحياة، اختُزل منطقيا لتبرير السؤال ذاته، لإفتراض مصدر لانهائي للحياة، هو الله.

عرض تولستوي معناه الخاص لمفهوم الله. بالنسبة له، انه يشير للبداية اللامعروفة للحياة، اساسها اللامتناهي. انها الحد المطلق للمعرفة المعقولة، الحد المتأسس بالعقل ذاته. نحن لا نستطيع التعبير عن اي بيان وضعي حول الله. نحن نعرف انه الله، لكننا لا نعرف ماذا هو. بنفس الطريقة التي نعرف بها عدد لامتناهي من خلال اضافة الأعداد البسيطة، لكننا لا نستطيع القول اي نوع هو من العدد (زوجي، فردي)، لذا يأتي الانسان الى فكرة الله في البحث عن اجوبة حول من اين جاء ولماذا هو، ولكنه ليس لديه فكرة عن الماهية الحقيقية لله.

نحن نعيش حياتنا ولكن لا نعرف ماهي بداية الحياة. وجود الله يعطي لكل واحد منا الخيار في كيفية العيش: هل هو لأنفسنا ام لله، وهل هو ضمن حدود حياة متناهية او من منظور البداية اللامتناهية. هذا السؤال هو المضمون الرئيسي لأي دين. الحياة تُعاش اما لأجل الشخص بمعنى انفرادي (زيد، بيتر، وهكذا) او في ابتكارية خلاقة تعود لجماعة معينة (او السكان، او الطبقة، او حتى البشرية) تأتي لتواجه مباشرةً وجودا بلا جدوى بدون هدف ذلك هو أصل السؤال المتعلق بمعنى الحياة. طبقا لتولستوي، الجواب الكافي عن جوهر الحياة هو الله. حسب فكرة تولستوي فان السؤال عن معنى الحياة جرى صياغته بدقة كبيرة من جانب يسوع المسيح الذي لم يكن الله ذاته. "منْ يؤمن في الله" حسب تولستوي، "لا يمكن ان يعتبر المسيح كالله".

نحن يجب ان نعيش لأجل الله. هذا كان القرار الذي اقترحه يسوع. هو عبّر عنه في العبارة: "ليس كما اريد انا، ولكن كما انت"(ماثيو 26، 39).

مقتفياً يسوع، اعتبر تولستوي العلاقة مع الله كعلاقة بين الابن والاب. تولستوي افترض ان يسوع سمى نفسه ابن الله بنفس الطريقة التي يقوم بها اي شخص آخر. في نفس الوقت، علاقة الانسان بالله هي صيغة من الحب. حب مهما كانت تجلياته واشكاله المختلفة هو علاقة يضع فيها المرء نفسه في موقع الخادم، ويضحي بنفسه لفائدة الآخر. المرأة تحب الرجل ولا تستطيع الحياة بدونه، شخص يحب حاكمه ويحميه، صديق يحب صديقه ويكافح لأجله. لكن الله يختلف عن كل الآخرين، لأنه الآخر الذي يستحق حب مطلق. الحب كأساس معياري للسلوك جرى التعبير عنه في جميع الاديان، ولكن طبقا لتولستوي فان يسوع فقط هو منْ رفعه الى أعلى مستوى من قانون الوعي. ولكن كيف يمكن للمرء عمليا تطبيق الحب في هذا المعنى الشاهق؟ اي، كيف يمكن للمرء اتّباع رغبة الله اذا كنا لا نعرف الله وبالتالي لا نعرف ماذا يريد منا ان نكون؟

ان لصيغة الحب جزءان: سلبي (ليس كما اريد انا)، وايجابي (كما تريد انت). حب الله في تعبيره الايجابي هو غير ممكن لأننا لا نعرف ماذا يريد الله. لذلك، فان العلاقة الكافية مع الله تبدو ليست كخدمة ايجابية وانما كقيد طوعي للفعالية. هذا التناقض، وهذا القيد، هو الطريقة الوحيدة الممكنة التي فيها يستطيع الانسان التعبير مباشرة وبمسؤولية عن حبه لله. في حالة الحكم على اسئلة الخير والشر، تكون القيود على فعالية شخص ما ليست اكثر من اللاعنف. طبقا لتولستوي، لكي نتصرف بطريقة عنيفة يعني ان نقوم بما هو غير مطلوب من ضحية العنف. ليس من الصعب رؤية ان تعريف تولستوي للعنف هو النقيض المباشر للحب. وبالتالي، فان الجزء السلبي لتعبير المرء عن الحب هو الرفض للعنف، الذي هو اللاعنف.

ان اللّاعنف (عدم مقاومة الشر) بالمعنى الدقيق للكلمة، يعني فقط ان الفرد لا يوافق ان يكون حاكما في اسئلة الحياة والموت، لايوافق على اتهام الناس الاخرين بسبب ان هذا ليس ضمن مقدرته. من الضروري التأكيد على ان هذا لايفترض اننا يجب ان نتخلى كليا عن اي نوع من الحكم المتعلق بافعال الناس. انه يفترض فقط اننا ليس لنا الحق للحكم عليهم كأناس. الاخ لا يستطيع الحكم على اخيه بنفس الطريقة التي يقوم بها ابوه. جريمة الابن الاكبر لآدم في قتل اخيه كانت في الحقيقة انه تجاوز الحدود التي وُضعت امامه كأخ. هو تصرّف كما لو انه ليس اخا.

ان جوهر الدين لدى تولستوي هو انه ينظر لحياة الانسان من منظور لامتناهي يعترف بمساواة جميع الناس. علاقاتهم مع اللانهائية هي متساوية لدى كل شخص. لذلك، فان الاعتراف بمساواة كل الناس (في الشكل المسيحي، من خلال اخوانيتهم في العلاقة مع الله) هو الجوهر الاخلاقي الأعظم اهمية. تولستوي افترض ان الاديان من جميع الانواع تتطلب منا ان نتصرف طبق القاعدة الذهبية (اعمل للاخرين ما ترغب ان يعمله الاخرون لك). النتيجة الرئيسية لتطبيق هذه القاعدة هي اللّاعنف.

موقف تولستوي من هذا السؤال يبيّن الاختلاف الذي وضعه بين عنف السارق وعنف الناس الذين يتصرفون كممثلين للدولة (ملوك، رؤساء، قادة عسكريون وغيرهم). النوع الثاني هو اسوأ من الاول. لا تبرير لأي عنف: هو دائما سيء. ولكن اذا كان عنف السارق يمكن فهمه بدرجة ما، فان عنف ممثلي الدولة لا يمكن فهمه.انه اكثر سوءا لأنه يتظاهر كونه اخلاقي، ويتم بشكل "قانوني". السارق لا يعرض بشكل علني سلوكه العنيف، لكن السارق في السلطة فخور بعنفه.

التصريحات الرئيسية لتعاليم تولستوي لها طبيعة تحليلية. انها يمكن اشتقاقها من استنتاجه حول الله كمصدر مطلق لانهائي خالد للحياة. تولستوي بطريقته المنهجية اثبت ان تعاليمه لها مكانة فلسفية بمعنى انها تأسست عقلانيا. وان لها مكانة اخلاقية بمعنى انها تأسست بحدود السلوك المسؤول لكل فرد.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق