أن تنتهي جريمة الروضة المروّعة إلى معاقبة الجناة، فهذا أمر مهم بلا شك، فلا جريمة من دون عقاب، والعقاب على الجريمة نكراء كتلك التي أدمت قلوب المصريين والعرب والإنسانية جمعاء، يجب أن يكون من طبيعة الجرم وحجمه... هذا أمرٌ يندرج في باب تحصيل الحاصل، ولسنا بحاجة لذرف دموع التماسيح حول "القوة المفرطة" التي استخدمت أو قد تستخدم في "تصفية" القتلة والجناة، فنحن في حرب، وإن لم تبادر أجهزة إنفاذ القانون إلى الضرب بيد من فولاذ على أيدي هؤلاء ورؤوسهم، فالمؤكد أنها ستكون قد قصّرت في أداء واجبها.

لكن فكرة "العقاب" وحدها، لا تكفي لتفسير ما حدث ويحدث، وقد يحدث مثله في قادمات الأيام... كما أنه لا يجيب على الكثير من الأسئلة والتساؤلات التي تسعى في تفكيك "ألغاز" ما يجري في سيناء منذ عدة أعوام، إذ لا يكاد يمضي يوم واحد، من دون أن يسقط ضحايا من المدنيين والأمنيين والعسكريين، ولا تكاد سحابة يوم تنقشع، قبل أن تشهد المنطقة، عملاً إرهابياً متفاوتاً في حجمه ووزنه ومخلفاته.

من دون العودة للكثير من الأدبيات التي أنجزت في تفسير ظاهرة "إرهاب سيناء" وعلاقة شبه الجزيرة بالوطن الأم التي لم تكن سوية دوماً، وعانت من مفاعيل "نظرية تفاوت النمو"، وربما التهميش... من دون الرجوع إلى الدراسات الطوبوغرافية والانثروبولوجية والجغرافية التي تناولت المكان وتعقيداته واتساعه وقلة سكانه وعلاقة سكانه بالمركز، وبنيتهم العشائرية، وإرثهم الراسخ في الترحال والتنقل، وخبراتهم المتراكمة في فنون "التهريب"، وصلاتهم المتداخلة مع قطاع غزة، والبادية الممتدة إلى عمق الأردن والسعودية والعراق من جهة، والصحراء الليبية الكبرى، وعبر بحرين أبيض وأحمر من جهة ثانية... من دون الاضطرار للعودة إلى كل هذا التراكم من القراءات والأبحاث، يبقى سؤالان عصيان على الإجابة، وأحسب أن السلطات في القاهرة وحدها، من يمتلك الجواب الشافي والوافي عليهما:

الأول؛ ما علاقة جغرافيا الإرهاب السيناوي، وليس سيناء على اتساعها، بما يشاع عن مشاريع للتبادل الإقليمي للأراضي بين مصر وإسرائيل والفلسطينيين، وهي مشاريع لم تعد سراً على أحد، ولم تصدر عن "مأفونين" أو مهجوسين بأرض إسرائيل الكبرى فحسب، بل عن جنرالات وشخصيات سبق أن تربعت على عرش الأمن القومي في إسرائيل من أمثال جيورا آيدلاند على سبيل المثال، وتغذيها جماعات التطرف الديني والقومي في إسرائيل، والتي لم تعد على هامش الخريطة السياسية والحزبية في إسرائيل، بل باتت في مركزها وقلبها... ما علاقة ما يجري في سيناري بنظرية "الإطار الإقليمي" للحل النهائي للقضية الفلسطينية؟... هل يراد لهذه العمليات، التي لا تكاد تتوقف، إقناع قطاع أعرض من الرأي العام المصري، وصناع القرار في القاهرة، سواء بسواء، بالحاجة للتساوق مع هذه المشاريع، بوصفها المخرج النهائي من أزمة الإرهاب المتفاقم في سيناء، خشية أن يتمدد إلى "الوادي" وألا يبقى محصوراً في الأطراف البعيدة؟

والثاني؛ من هي الأطراف الخارجية الداعمة للإرهاب في مصر، وفي سيناء تحديداً، ففي كل مرة تقع فيها عملية من هذا النوع الإجرامي، يجري توجيه أصابع الاصابع إلى داعمي الإرهاب الخارجيين، وهم دول وحكومات ومنظمات وشبكات كذلك... لسنا بحاجة للكشف عن المنظمات والشبكات، فنحن نكاد نعرفها جميعها، بيد أننا بحاجة لمعرفة مَنْ مِنَ الحكومات والدول، يجرؤ على القيام بأدوار قذرة كهذه، ترقى إلى مستوى "إعلان الحرب" على مصر، والتورط في جرائم يعاقب عليها القانون الدولي، وتكفي لتحويل مقترفيها وداعميهم إلى "لاهاي".

قبل عامين، كنت في حوار في الاسكندرية مع مسؤول سابق، رفيع للغاية، في المخابرات المصرية... يومها كشف عن تواطؤ إخواني (عهد مرسي) مع مشروع التبادل الإقليمي للأرض بين الأطراف الثلاثة المذكورة، وفي هذا السياق، أدرج التأزم الشديد في العلاقة بين مصر وحماس... وألمح من دون تصريح، إلى أن إسرائيل هي "صاحبة مصلحة" في فوضى سيناء، وعينها دائماً على الديموغرافيا الفلسطينية والحاجة للخلاص منها وإعادة توزيعها... لم يقل الرجل نصاً وصراحة أن إسرائيل تدعم هذه الجماعات، ولكن بعد كل ما عرفنا عن "زواج المتعة" بين إسرائيل وجبهة النصرة على جبهة القنيطرة، لم نعد نستغرب شيئاً على الإطلاق.

وعندما يشار إلى "دعم خارجي" للإرهاب في مصر، تتجه أنظارنا بالعادة إلى دولتين اثنتين، قطر وتركيا، والإعلام المصري قمين على أية حال، بكشف "شيفرة" البيانات الرسمية والتصريحات الحكومية... لكن هول الجرائم المقترفة في مصر وعلى أرضها، يصيب المراقب بالدوار والحيرة: هل يعقل أن يتورط البلدان في جرائم من هذا النوع وبهذا الوزن، أم أن الاتهام ناجم عن سياسة مصرية، تضع جميع الحركات الإسلامية في سلة واحدة، إخوانية كانت أم سلفية جهادية، قاعدية/ داعشية الطراز؟... هل الاتهام نابع من الصلات الخاصة بين كل من الدوحة وأنقرة من جهة وجماعة الإخوان المسلمين من جهة ثانية، أم أن هناك معلومات مؤكدة عن صلات مع الجماعات الإرهابية الناشطة في سيناء؟

ثمة فوارق كبرى بين الاتهامين، لا يمكن المرور عليها من دون تمعن أو تمحيص... وهذا يقودنا إلى سؤال، لا يرغب الأشقاء المصريون حتى في الاستماع إليه: هل من الصواب، وضع الإخوان وهذه التنظيمات في سلة واحدة؟... بل وهل من الصواب وضع جميع الإخوان بتياراتهم المختلفة والمصطرعة في سلة واحدة؟... ثمة حاجة لمزيد من النقاش بعيداً عن الغرض السياسي من جهة، وبعيداً عن لحظة اهتياج الغضب واشتعال المشاعر من جهة ثانية... هل يمكن أن يجيبنا أحد على هذه الأسئلة والتساؤلات... هل قطر متورطة وكيف، هل تركيا متورطة وكيف، وهل إسرائيل متورطة وكيف، وهل الإخوان متورطون وكيف.

سيذهب كثيرون إلى الاستشهاد بالموقف التركي – القطري المحتضن للإخوان والمناهض لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وغير المعترف حتى بشرعيته، وسيتحدث آخرون عن دعم البلدين للإخوان، وعن خطاب الكراهية والتحريض الإعلامي، وعن احتضان رموز وقيادات إخوانية، بعضها مطلوب للقضاء المصري، وقد يشير آخرون إلى احتضان هاتين العاصمين للإعلام المصري الإخواني والمعارض المهاجر... كل هذا صحيح بهذا القدر أو ذاك، ولكن شتان بين أن نُدرج المسألة في إطار الخلاف السياسي وتفاوت التقديرات حول ما حدث في أواخر يونيو ومطلع يوليو من العام 2013، والموقف من الإخوان من جهة، والتورط في دعم مباشر للقتل والتدمير والجرائم الدامية من جهة ثانية... من جهتنا لا نوافق على الأمرين معاً، بيد أننا لا نعطيهما الوزن ذاته، ولا ننظر إليهما بالمنظار نفسه.

أما السؤال الذي نجد صعوبة (وحرجاً) في طرحه فهو: لماذا أخفقت مصر حتى الآن في "ضبضة" الوضع الأمني في سيناء، على الرغم من الأثمان الباهظة التي تدفعها يومياً؟... وأين تكمن مواقع الخلل في الاستراتيجيات والسياسات والإجراءات المعتمدة، وهل ثمة تصور لما سيكون عليه الحال في قادمات الأيام؟... هل ثمة نهاية قريبة لهذا الفصل الدامي في حياة مصر المعاصرة؟

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق