تكمن الصعوبات في تعدد التفسيرات لآيات الأنفس بتعدد المشارب والمذاهب إلا إنَّنا حددنا بعد الاستقراء التام للمفاهيم العامَّة لهذه الآيات الزمان المقصود من كل الآيات على السواء. وكانت الروافد المعرفية التي أغنت البحث منها تفسيرية وحديثية ولغوية وكانت خارطة طريق البحث منقسمة على ثلاثة مباحث وخاتمة حوت أبرز النتائج...

المقدِّمة:

 الحمد لله على مننه التي أسبغها على عباده، وله الشكر على آلائه التي أكرم بها خلقه دون أن ينظر إلى أعمالهم، والصلاة والسلام على خير من وطئ الثرى، وبلغ موضعاً لم يبلغه قبله نبي مرسل ولا ملك مقرَّب، دنى فتدلَّى فكان قاب قوسين أو أدنى، عند سدرة المنتهى، ورأى من آيات ربه الكبرى التي اختصه بها الله دون الورى، وعلى آله الذين أذهب الله عنهم الرجس ولم يدع للدنس إليهم من سبيل.

وبعد..

 إذا منَّ الله على باحث في العلوم الأكاديمية؛ وفقه للدخول إلى جنات القرآن الكريم ليشمَّ أريج الجمال اللغوي والعلمي ليزداد إماناً مع إيمانه، فيحير إلى أي روضة يدخل؟! وإلى أي شجرة يقصد؟؟ وإلى أي ثمرة يجني؟!.

 سبب اختيار العنوان

 كتاب الله عزَّ وجل خزينة علمية ومنظومة حياتية متكاملة لا يدنو إليها الشك أو الريب، وإيماناً منَّا بقصدية الحركة والصوت والتركيب اللفظي والتركيب الجملي ومنه إلى العبارة وإلى النص... طلبتُ من السيد المشرف أن يكون بحثنا في القرآن الكريم فأشار إليَّ بالبحث في آيات الأنفس المباركة، فاختار لي العنوان (آيات الأنفس في القرآن الكريم دراسة تحليلة)، فاخترنا الأيات التي فيها كلمة (الأنفس) بالجمع القلَّة والمجرَّدة من أيِّ إضافة.

 الصعوبات التي واجهة البحث

 تكمن الصعوبات في تعدد التفسيرات لآيات الأنفس بتعدد المشارب والمذاهب إلا إنَّنا حددنا ــ بعد الاستقراء التام للمفاهيم العامَّة لهذه الآيات ــ الزمان المقصود من كل الآيات على السواء.

 أهم الروافد المعرفية للبحث

 وكانت الروافد المعرفية التي أغنت البحث منها تفسيرية مثل: (التبيان للشيخ الطوسي، والكشاف للزمخشري، ومجمع البيان للشيخ الطبرسي، ومفاتيح الغيب للرازي، والبرهان للسيد البحراني والميزان للسيد الطباطبائي...وغيرها) وحديثية مثل: (الكافي للشيخ الكليني، وبصائر الدرجات للشيخ الصفار، وبحار الأنوار للشيخ المجلسي... وغيرها) ولغوية مثل: (كتاب العين للفراهيدي، والمفردات للراغب الأصفهاني، وشرح ابن عقيل لإبن عقيل المصري،...وغيرها)، فكانت هذه المصادر هي المرجعيات الثقافية التي استعان البحث بها واستقى مادَّته الخام منها.

 خارطة البحث

 فكانت خارطة طريق البحث منقسمة على ثلاثة مباحث وخاتمة.

 فالمبحث الأوَّل: كان مبحثاً تمهيدياً درسنا فيه ماهيَّة الأنفس والنَّفس والفرق بينها وبين الروح، ومفهوم التحليل.

 والمبحث الثاني: درسنا فيه آيات الأنفس دراسة في التحليل التفسيري أخذ على عاتقه بيان الآيات من وجهة تفسيرية.

 أمَّا المبحث الثالث: درسنا فيه آيات الأنفس دراسة في التحليل اللغوي.

 وانتهى البحث بخاتمة حوت أبرز النتائج التي توصل إليها البحث تلتها قائمة بالمصادر والمراجع.

 وفي الختام لا يسعني إلّا أن أقدم شكري وتقديري لجميع أساتذتي في قسم الفقه وأصوله بدءاً من السيد رئيس القسم إلى أعضاء الهيأة التدريسية، ولا ندعي الكمال لبحثنا هذا وإنَّما قدَّمنا ما بوسعنا وبقدر طاقتنا آملين أن يفيد غيرنا من حسناته؛ ويعمد إلينا من يرى عيوبه لنصححها في قابل الأيام.

 والحمد لله رب العالمين..

المبحث الأوَّل مبحثٌ تمهيدي

 توطئة..

 البحث في القرآن الكريم يُعدُّ من نعم الله تعالى على عباده من خلال توفيقهم لذلك في سبر أغوار أسراره التي لا تنظب وعجائبه التي لا تنقضي، فمنذ أن أنْزله الله تعالى على خير خلقه وحافظ سرِّه وومبلِّغ رسالاته محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)؛ أعجبَ العربُ ببلاغته وفصاحته، فكان لهم بمثابة الصدمة التي هزَّت كيانهم وأسكتتهم دهراً من الزمن، حتَّى قال قائلهم: في ((فِي قِصَّةِ أَبِي جَهْلٍ حِينَ جَاءَ يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ، هُوَ وَأَبُو سُفْيَانَ صَخْر بنِ حَرْب، والأخْنَس بْنُ شِريْق، وَلَا يَشْعُرُ واحدٌ مِنْهُمْ بِالْآخَرِ. فَاسْتَمَعُوهَا إِلَى الصَّبَاحِ، فَلَمَّا هَجَم الصُّبْحُ تَفرَّقوا، فَجَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ، فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ لِلْآخَرِ: مَا جَاءَ بِكَ؟ فَذَكَرَ لَهُ مَا جَاءَ لَهُ ثُمَّ تَعَاهَدُوا أَلَّا يَعُودُوا، لِمَا يَخَافُونَ مِنْ عِلْمِ شَبَابِ قُرَيْشٍ بِهِمْ، لِئَلَّا يَفْتَتِنُوا بِمَجِيئِهِمْ فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ جَاءَ كُلٌّ مِنْهُمْ ظَنًا أَنَّ صَاحِبَيْهِ لَا يَجِيئَانِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعُهُودِ، فَلَمَّا أَجْمَعُوا جَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ، فَتَلَاوَمُوا، ثُمَّ تَعَاهَدُوا أَلَّا يَعُودُوا. فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ جَاؤُوا أَيْضًا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا تَعَاهَدُوا أَلَّا يَعُودُوا لِمِثْلِهَا [ثُمَّ تَفَرَّقُوا))(1)، وكيف لا وهو من أعلى وأسنى وأطيب ما سَمِعَتْ الأذن وما خطر على قلب بشر؟!؛ لذلك صمتَ مَن صمت وأعجب فيه الكثير.

 وقد وفَّق الله تعالى من عباده الذين اختارهم لحمل علمه وأسرار كتابه للبحث فيه وتدارسه وكشف مكامنه الثريَّة ونشرها في أوساط خلقه، فمنهم مَن انبرى لتفسيره ومنهم مَن حاول جاهداً لكشف القواعد العامة لأصوله ونحوه، ومنهم مَن أجال نظره فيهه لكشف بلاغته وجمالياته وغيرهم من العلماء.

 ومن جماليات التحليل القرآني؛ ما جاء في آيات الأنفس المباركة: وهي الآيات القرآنية التي جاءت فيها كلمة (الأنفس) بصيغتها الجمعيَّة بجمع القلَّة التي هي على وزن (أفْعُل) والمجردة من أي إضافة إخرى؛ أي: مجردة من ضمير الجمع (هم) و(هُنَّ) وغيرها من الإضافات، ولسبر غور هذه الآيات المباركة؛ لا بدَّ من بيان المعاني اللغوية والاصطلاحية لمفردات العنوان وبوساطتها نفكّ شفرات ما قد يُسْتغلق داخل مباحث البحث.

المطلب الأوَّل
الأنفس: مفهومها، أقسامها، الفرق بينها وبين الروح

 مفهوم الأنفُس:

 جمعُ قلَّة على وزن (أَفْعُل)، مفردها (نفس)، وهي مصطلح خاص لما أطلقَ عليه من ذاتيَّة المُحرِّك العام لجسم الإنسان ((والنَّفَسُ: التَّنَفُّسُ، أي: خروج النَّسيم من الجَوْف. وشَرِبْتُ الماءَ بنَفَس، وثلاثة أَنَفاسٍ. وكلُّ مُستَراح منه نَفَسٌ. وشيءٌ نَفيسٌ: مُتَنافَسٌ فيه. ونَفِسْتَ به عليّ نَفَساً ونَفاسةً: [ضَنِنْت]. ونَفُسَ الشَّيْءُ نَفاسةً، أي: صار نَفيساً. وهذا المكانُ أَنْفَسُ من ذاك))(2) أي صار عزيزاً وغالياً.

 و((النَّفْسُ: العَظَمة والكِبْر. والنَّفْسُ: الْعِزَّة. وَالنَّفس: الهِمّة. والنَّفْسُ: الأنفة. والنَّفْس: عَينُ الشَّيْء، وكُنْهُه وجَوهَرُه. والنفسُ: العينُ الّتي تُصيب المَعينَ. والنفسُ: الدّم. والنَّفْس: قَدْرُ دَبْغة. والنَّفْس: الماءُ.))(3)، فكلُّ شيء ثمينٌ فهو نفيس.

 وقد أشار إليها بعضهم (بالمُخبتة)(4) لأنَّها لم تكن محسوسة أو ملموسة لحواس الإنسان، ومنهم مَن قال: ((إِنَّ النَّفْسَ يعني القلب لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ للجسد يعني بالإثم))(5)، ومنهم مَن توسَّع في ذلك فجعلها لفظاً دالَّاً على كل الإنسان(6)، ومنهم مَن رادف بينها وبين الرُّوح(7)؛ فقد اختلط مفهوم النفس عند المفسرين وعلماء الحديث الذين نظروا إلى اللفظ من زاوية سياق واحد.

 ماهيَّة النفس في فكر أهل البيت (عليهم السلام)

 جاء مفهوم النَّفس وبيان ماهيَّتها عند الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن كميل بن زياد النخعي (رضوان الله تعالى عليه) قال: ((سألت مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فقلت: يا أمير المؤمنين أريد أن تعرِّفني نفسي، قال: يا كميل وأي الأنفس‏ تريد أن أعرفك؟ قلت: يا مولاى وهل هي إلّا نفس واحدة؟ قال: يا كميل إنَّما هي أربعة: النامية النباتية والحسية الحيوانية والناطقة القدسية والكلية الإلهية، وكلِّ واحدة من هذه خمس قوى وخاصيتان: فالنامية النباتية لها خمس قوى: جاذبة وماسكة وهاضمة ودافعة ومربية، ولها خاصيتان: الزيادة والنقصان، وانبعاثها من الكبد، والحسية الحيوانيّة لها خمس قوى: سمع وبصر وشمّ وذوق ولمس، ولها خاصيتان: الشهوة والغضب، وانبعاثها من القلب، والناطقة القدسية لها خمس قوى: فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة، وليس لها انبعاث وهي أشبه الأشياء بالنّفوس الملكيّة ولها خاصيتان: النزاهة والحكمة، والكلية الإلهية لها خمس قوى: بقاء في فناء ونعيم في شقاء وعزّ في ذل وفقر في غناء وصبر في بلاء، ولها خاصيتان: الرضاء والتسليم: وهذه التي مبدأها من اللّه وإليه تعود قال اللّه تعالى: ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، وقال: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى‏ رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً، والعقل وسط الكل))(8)، فما خفي عن الناس نجده عند باب مدينة العلم الذي لا يؤتى إلّا منه، ومَن غير أمير المؤمنين (عليه السلام) يأتي بالقول الفصل؟!.

* أنواع النفس في القرآن الكريم: أمَّا أنواع النفس فهي:

1. النفس الأمارة: وهي التي تأمر الإنسان بالسيئات، والتي قال عنها القرآن الكريم:(وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(سورة يوسف: 53).

2. النفس اللَّوامة: وهي التي تندَم بعد ارتكاب المعاصي والذنوب فتلوم نفسها والتي قال عنها القرآن الكريم: (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (سورة القيامة: 2).

3. النفس المطمئنة: وهي النفس الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن والواصلة إلى مرحلة الاطمئنان والراحة والطاعة التامة لأوامر الله والمشمولة بعناياته الربانية، والتي قال عنها القرآن الكريم: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (الفجر:27).

4. النفس الراضية: وهي النفس التي رضيت بما أوتيت، والتي قال عنها القرآن الكريم: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً) (الفجر:28).

5. النفس المرضية:، وهي النفس التي رضي الله عَزَّ وجَلَّ عنها والتي قال عنها القرآن الكريم: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً) (الفجر:28)..

6. النفس المُلهَمَة: وهي النفس التي ألهَمَها الله عَزَّ وجَلَّ والتي قال عنها القرآن الكريم: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (الشمس:8).

 والفرق بين الأنواع والماهيَّة واضحٌ: إي أنَّ الأنواع تكون إحداها في ذات الشخص، في حين أن الماهية (وهي تقسيمات الإمام علي عليه السلام) تكون كلها في جميع الأنواع؛ أي: كلُّ نوع من الأنواع المذكورة في القرآن الكريم يحتوى على جميع التقسيمات من الماهيَّة.

 مفهوم الروح في فكر أهل البيت (عليهم السلام):

 ذهب العلماء إلى الترادف بين الروح والنَّفس ــ كما تقدَّم ــ في حين فرَّق الإمام الباقر (عليه السلام) بينهما؛ فجاء: ((عن جابر عن أبى جعفر عليه السلام قال: سألته عن علم العالم؟ فقال لي، يا جابر ان في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح، روح القدس، وروح‏ الإيمان‏، وروح الحياة وروح القوة وروح الشهوة فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى، ثم قال: يا جابر إنَّ هذه الأربعة الأرواح يصيبها الحدثان الأرواح القدس فإنَّها لا تلهو ولا تلعب))(9)، فيشترك الناس في أربع منها، وروح القدس تكون خاصَّة في الأنبياء والأوصياء. ومن ذلك صار الفرق واضحاً بين الروح والنفس؛ فلا ترادف بينهما.

 ولتسهيل الأمر بين الروح والنفس: فالروح بمثابة بطارية السيارة تقوم بتشغيلها ومدِّها بالطاقة الكهربائية؛ أمَّا النفس فهي الآليات التي تحتوي عليها السيارة من مِقْوَد وفرامل وأجزاء أخرى، والدليل على ذلك، أنَّ الإنسان لمَّا ينام ترتفع روحه من جسده إلَّا أنَّ نفسه تبقى في الجسد فيتحرك يميناً وشمالاً، وما إن تعود روحه إليه؛ يستيقظ وينهض وتتم عملية الحركة بطاقة الروح وأعضاء النفس.

 والبحث سيُخصص في الآيات القرآنية التي وردت فيها لفظة (الأنفس) التي هي على وزن (أفعل) بجمع القلَّة والمجرَّدة من أي إضافة في الآيات المباركة الآتية:

 قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(البقرة/155).

 قوله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)(النساء/128).

 قوله تعالى: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)(النحل/7).

 قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(الزمر/42).

 قوله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(الزخرف/71).

 قوله تعالى: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى)(النجم/23).

 فقط في هذه الآيات المباركة التي سيعمد البحث في سبر أغوارها والولوج إلى خزائنها من طريق التفسير والتحليل اللغوي.

المطلب الثاني
التحليل: مفهومه، مستوياته

 اتجهت بعض الدراسات اللغوية الحديثة إلى تصنيف الدلالة إلى دلالة صوتية، ودلالة صرفية، ودلالة تركيبية (دلالة الجملة)، ودلالة قاموسية (معجمية)، وغير ذلك من التصانيف التي تقوم على بحث المعني في إطار علم الدلالة، وقد تعددت هذه الدراسات بتعدد المناهج والاتجاهات، وأثرت الثقافات بدورها في الباحث واللغة، وتدخلت في اختيار منهج الدراسة، وأصبح عامة البحث الحديث منصباً على دراسة اللغة من ناحية توظيفها في الخطاب أو التواصل اليومي، وكل ما يتعلق بإنتاج اللغة (المرسل، المتلقي، قناة الاتصال، المكان، الزمان...)، فاللغة أهم وسائل الاتصال الإنساني وأكثرها تأثيراً وانتشاراً وأغناها دلالة.

 والتحليل أحد وسائل الدلالة التي من خلاله يصل الباحث إلى مكامن قوَّة المعنى وبيانه ومراده بطرقه وأقسامه.

 فالتحليلُ في اللغة: من حلل و((حَلَلْتُ العُقْدةَ أحُلُّها حلاً إذا فَتَحْتَها فانحَلَّت.))(10)، فهو في اللغة يعني الفكَّ والتفكيك.

 التحليل في الاصطلاح: هو من المصطلحات الحديثة التي عنت بالنص من جميع أطرافه، ويُقصد به: ((تحليل النصوص الأدبية على وجه الخصوص من أجل الولوج إلى أسرارها التي لا تكون بيّنة للقارئ العادي، ويتطلّب التحليل اللغوي مهارات لغوية وثقافية تتوافر في المحلّل كالمعرفة بالنحو والصرف والبلاغة والنظام الصوتي، بالإضافة إلى معرفة حيثيات النص اللغوي الذي يقوم بتحليله من أجل التمكّن من تفكيكه ومن ثمّ استبيان الرؤية الخفيّة التي يطرحها الأديب في نصّه.))(11)، فيتَّضح تقارب الحدَّين بين اللغة والاصطلاح مع فارق المصداق في معنى التفكيك، فالتحليل يتجه للنصوص اللغوية من جهة البحث اللغوي، ويُعنى بتفكيك الأشياء في المصاديق الأخرى.

مستويات التحليل

 للتحليل اللغوي مستوياتٌ لابدَّ من وجودها في البحث اللغوي التحليلي، وهذه المستويات هي:

1ـ مستوى التحليل الصوتي والصرفي: فاللغة ((أصواتٌ يستخدمها المتكلمون للتعبير عن أغراضهم كما عبَّر عن ذلك علماؤنا الأوائل، فكانت الأصوات هي المآل التي استحالت عليها تلك الرموز والإشارات))(12)، والصرف معرفة بنية الكلمة وبيان وقع الأصوات فيها.

2ـ مستوى التحليل التركيبي: اختصَّت الدراسات التركيبية في الجانب النحوي فقط؛ إلَّا أنَّنا سنتكلم في الجانب النحوي والجانب البلاغي فيما يخص علم المعاني منه، لأنَّه يكشف مدى الترابط بين النحو وبين علم المعاني من خلال دراسة ماهيَّة الجملة وأحوالها بالإضافة إلى دراسة أحوال العبارة، ومن ذلك ستتضح القصدية ولو على نحو الإشارة أو من وجه لغوي.

3ـ مستوى التحليل الدلالي: عنت البحوث في هذا المستوى على بيان المعاني الدلالية في مستوياتها المختلفة من المركزية والهامشية والبنية السطحية والبنية العميقة ودراسة السياق بمختلف أنواعه من حال وموقف وثقافي.

 فهذه ((المستويات متفقٌ عليها في الدرس اللساني الحديث، وتحليل ظاهرة من ظواهر اللغة يتطلب تفاعل وتكامل مستوياتها (الصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية)، إذ لا يمكن استعمال مستوى من هذه المستويات في معزل عن المستويات اللسانية الأخرى، ففاعلية الظواهر اللغوية تأتي من مكونات اللغة وتكاملها، وهو ما يُساعد علىى تفسير تلك الظواهر تفسيراً موضوعيَّاً، مكتملاً وواضحاً))(13)، لأنَّ تحليل النصوص يستلزم معرفة المستويات آنفة الذكر، وهي عبارة عن وسائل للوصول إلى دقِّة المعاني المرادة من تراكيب الآيات المباركة. 

المبحث الثاني
آيات الأنفس في التحليل التفسيري

 توطئة

 إنبرى رهطٌ من العلماء للعكوف على تدارس كتاب الله تعالى المجيد ببيان معانيه للذين يستشكل عليهم فهمه؛ وورد ذلك في القرآن الكريم بمصطلحين خاصَّينِ لإيضاح دلالته المباركة وهما (التفسير والتأويل) وقد اختلط هذان المصطلحان في الدراسات القرآنية، فكان لابدَّ من التمييز بينهما في هذا البحث لكي نوجّهه في المنحى المراد، وإلى ذلك لا بُدَّ من بيان مفهومهما على النحو التالي:

 فالتفسير في اللغة: هو مصطلح مشتق من الفسر أو السفر، فالسفر هو ((الانكشاف والجلاء، من ذلك: السَّفر، سُمِّي بذلك؛ لأنَّ الناس ينكشفون عن أماكنهم... وسفرت المرأة عن وجهها؛ إذا كشفته، وأسفر الصبح؛ وذلك انكشاف الظلام...))(14)، فهو الكشف والبيان والإيضاح.

 التفسير في الإصطلاح: فهو الكشف عن مراد الله تعالى في كلماته بقدر الطاقة البشرية، فتفسير الكلام معناه: الكشف عن دلالات المعنى المراد منه(15).

فهنا لابدَّ من طرح سؤال مفاده:((هل يُعتبر بيان المعنى الظاهر من اللفظ الذي يتبادر منه؛ تفسيراً، بحيث يصدق عليه التفسير اللغوي أو لا؟))(16).

هناك اتجاهان:

 الأول قال: إنَّ الكشف والبيان المرادين من معنى التفسير يستبطنان افتراض شيء من الغموض، أي بمعنى آخر: يجب أن يكون التفسير لشيء فيه غموض ليُكشف ويُزال الغموض عنه بالتفسير. أمَّا الكلام الذي يحصل منه معنى خارجي مفهوم لا يحتاج إلى تفسير، لا يصح تفسيره، وهذا من باب (توضيح الواضحات من أشكل المشكلات)، وهذا الرأي السائد عند الأصوليين.

 الثاني قال: إنَّ ذكر المعنى الظاهر قد يكون في بعض الحالات تفسيراً أيضاً، وتوضيح الخفي قد لا يكون تفسيراً(17).

 فهذا الرأي يرى: إنَّ التفسير يشمل الكل ولا يختص في توضيح الغامض والخفي، فالتفسير عنده يتبع السياق، ويبدو إنَّ هذا الرأي اقرب.

 التأويل في اللغة: هو من آلَ، يَؤولُ، يقول ابن فارس: ((الهمزة والواو واللام أصلان: ابتداء الأمر وانتهاؤه... أمَّا الأول؛ وهو مبتدأ الشيء... يُقال: أوِّلِ الحكمَ إلى أهله؛ أي أرجعه ورُدَّه إليهم... وآل يؤول؛ أي: رجع))(18).

 التأويل في الإصطلاح: انقسم المفسرون على قسمين في اصطلاح التأويل:

1ـ رادف بين التفسير والتأويل: ولعلَّ هذا الاتجاه كان هو السائد عند المفسرين القُدامى، فعندهم كل تفسير تأويل، وكل تأويل تفسير، وعلى هذه النسبة بينهما تساوي.

2 ـ التفسير شيء والتأويل شيء آخر: وهذا الاتجاه تميز به المتأخرون والمحدثون، فالفرق بينهما إمَّا في طبيعة المجال المُفَسَّر والمؤوَّل، أو في نوع الحكم الذي يصدره المفسِّر او المؤوِّل او يكون في الدليل الذي يستدلُّ به كلٌّ منهما (19). وهذا الاتجاه أوفق من سابقه، لأنَّ القرآن الكريم ميَّز بين المصطلحين، ففي التفسير لم تأتي إلا آية واحدة فقط، في قوله تعالى:(وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) (الفرقان:33)، وكلمة (جئناك) تدلُّ دلالة واضحة على إنَّ التفسير محصور بالله تعالى وتعليمه لرسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) تباعاً، ولا يحق لأحد ان يُفسر من عنده.

 أمَّا التأويل: فقد وردت في القرآن الكريم في سبع عشرة آية مباركة، منها في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) (آل عمران:7)، وكذلك في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(النساء:59)، والمتتبع للآيات المباركة التي وردت فيها كلمة التأويل؛ يجد إنَّ التأويل ممكنا للناس، أمَّا التفسير فهو خاص، وهذا لا يعني إنَّ التأويل مبسوط لكل الناس بل للراسخين في العلم فقط.

 إذن: التفسير خاص بالله تعالى وهو الذي يأتي بالتفسير للنبي وآله من طريق الوحي، والتأويل لله والراسخين في العلم، وعلى هذا سيسر البحث وفق المنهج القرآني في التفسير.

 فسينقسم هذا المبحث بحسب المفاهيم الواردة في آيات الأنفس.

المطلب الأوَّل
البلاء بنقص الأنفس

 الطبيعة البشرية تنماز عن غيرها بالعقلنة؛ لذا فرض الله عليها العبادة والالتزام بسرائعه وتنفيذ أحكامه، وإذا ما خالفها؛ سيتعرض لبلاء يكون بمثابة رادع لإعادة الإنسان إلى الله، ومن هذه البلاءات ما جاء في قولهِ تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(البقرة/155).

 تتكلم عن بلاءٍ واقع لا محالة في يوم ما؛ بوساطة التوكيد باللام والنون الثقيلة، وما فيها من ذدَّة صوتيَّة، وهذا البلاء جاء بطريقة الإجمال والتفصيل، إذ أجمل القول في قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) ثمّ فصَّل القول في (الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ)، وردفها تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، أي أنَّ هذا البلاء سيُخرج كثير من النَّاس عن جادَّة الصواب والإنحراف عن الحقِّ؛ إمَّا لعدم الإطاقة لهذا البلاء أو لضعف الإيمان، لذلك الصبر عليه سيكون صعباً جدَّاً؛ فجاء التبشير من قِبَلِهِ تعالى للصابرين.

 تفسير مدرسة الصحابة

 ورد تفسير مدرسة الصحابة لهذه الآية المباركة بآراء متعددة، قال الطبري(ت:310هـ): ((معنى قوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ)، ولنختبرنكم. وقد أتينا على البيان عن أن معنى"الابتلاء" الاختبار، فيما مضى قبل.

 وقوله: "بشيء من الخوف"، يعني من الخوف من العدو، وبالجوع -وهو القحط- يقول: لنختبرنكم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وبسَنه تُصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة، وتتعذر المطالب عليكم، فتنقص لذلك أموالكم، وحروبٌ تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار، فينقص لها عددكم، وموتُ ذراريكم وأولادكم، وجُدوب تحدُث، فتنقص لها ثماركم. كل ذلك امتحان مني لكم، واختبار مني لكم، فيتبين صادقوكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه، ويُعرف أهل البصائر في دينهم منكم، من أهل النفاق فيه والشك والارتياب.))(20)، فقد اعتمد المفسر على استدعاء المعاني اللغوية في تفسير الآية المباركة.

 وبعد أن ذكر الرأي الخاص به؛ أورد قول الربيع ((قال، قد كان ذلك، وسيكونُ ما هو أشد من ذلك.))(21)، إلّا أنَّ هذا الكلام يُحمل على الجِفر، لأنَّ المتكلم لم يُفصِّل القول في وقوع البلاء في سابقه ولا في مَن يقع لاحقاً!، والذي دعا الطبري بتفسير الآية بالامتحان؛ هو أنَّه فسر البلاء (بالابتلاء).

 وإلى هذا المعنى ذهب أبو حاتم الرازي (ت:327هـ)، والثعلبي (ت:427هـ)، والبغوي (ت:510هـ)، وابن عطية (ت:542هـ)(22).

 ولكنَّ الزمخشري (ت:538هـ) أشار إلى وقوع المصيبة في البلاء وليس الابتلاء، وذلك في قوله: ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ولنصيبنكم بذلك إصابة تشبه فعل المختبر لأحوالكم، هل تصبرون وتثبتون على ما أنتم عليه من الطاعة وتسلمون لأمر اللَّه وحكمه أم لا؟ بِشَيْءٍ بقليل من كل واحد من هذه البلايا وطرف منه وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ المسترجعين عند البلاء لأنّ الاسترجاع تسليم وإذعان.))(23)، وهذا الرأي أقرب من الابتلاء.

 لأنّ البلاء ليس بمعنى الامتحان، إذ الامتحان يأتي بالفتن، والدليل على ذلك قوله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)(العنكبوت/2).

 والابتلاء ليس بمعنى البلاء كما فسروها؛ لأنَّ الله تعالى أورد الابتلاء وأراد منه الاختبار في قوله تعالى: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ...)(البقرة/249)، ولم يقل: (بلوكم)، فالآية ـ آية البقرة ـ أرادت البلوى وليس الابتلاء.

 مما تقدَّم نفهم أنَّ هذه الأمور التفصيلية هي نتيجة لنزول بلاء وليست امتحان للعباد، فلا ابتلاء بعقوبة، وهذه تنتج من طريق نزول البلاء على عصيان أو انحراف عن جادَّة الحق.

 تفسير مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

 لا نعتمد في تفسير مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) على آراء العلماء من هذه المدرسة؛ وإنَّما سنقتصر على روايات النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين (صلوات ربي وسلامه عليهم)، لأنّ كلام العلماء يُمثل أشخاصهم وكلام الأئمة يمثل الدين؛ لذا الاعتماد على كلام الأئمة (عليهم السلام) هو الذي يمثل الخط النبوي العلوي الجعفري المهدوي.

 وانطلاقاً من قول الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) لعمر بن يزيد لمَّا سأله عن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ)(الرعد/21)، قال ((نزلت في رحم آل محمد (صلى الله عليه وآله) وقد يكون في قرابتك فلا تكونن ممن يقول للشيء إنَّه في شيء واحد))(24)، فلم تُخصص الكلمة القرآنية او الموضوع في شيء واحد، وهذا من باب ((إنَّ للقرآن بطناً وللبطنِ بطناً، وظهراً وللظهر ظهراً...))(25)، ولا يمكن حصر وجوه القرآن الكريم ومراد الله في معنى تستبطنه العقول الناقصة، وقد فسَّر الأئمة (عليهم السلام) الآية في أكثر من خمسة وجوه وزيادة.

 فمن الممكن أن الإمام أورد وجهاً واحداً للآية المباركة بقدر الطاقة الاستيعابية للسائل ولم يسأله آخر عن المعنى الثاني والثالث؛ فبقي منها كثير من المعاني عند الأئمة (عليهم السلام).

 فقوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(البقرة/155) جاء تفسيرها ((عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ قُدَّامَ قِيَامِ الْقَائِمِ عَلَامَاتٍ بَلْوَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ قُلْتُ وَ مَا هِيَ قَالَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)‏ قَالَ‏ لَنَبْلُوَنَّكُمْ‏ يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ‏ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ‏ مِنْ مُلُوكِ بَنِي فُلَانٍ فِي آخِرِ سُلْطَانِهِمْ- وَ الْجُوعِ‏ بِغَلَاءِ أَسْعَارِهِمْ‏ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ‏ فَسَادِ التِّجَارَاتِ وَ قِلَّةِ الْفَضْلِ فِيهَا- وَ الْأَنْفُسِ‏ قَالَ مَوْتٌ ذَرِيعٌ‏ - وَ الثَّمَراتِ‏ قِلَّةِ رَيْعٍ مَا يُزْرَعُ وَ قِلَّةِ بَرَكَةِ الثِّمَارِ- وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ‏ عِنْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِ الْقَائِمِ عليه السلام ثُمَّ قَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ هَذَا تَأْوِيلُهُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ- (وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم)))(26)، هذا التأويل جاء لسؤال محمد بن مسلم.

 وجاء تفسير آخر للإمام الباقر (عليه السلام) لهذه الآية المباركة لسؤال جابر بن يزيد الجعفي؛ إذ قال: ((سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ‏ الْآيَةَ فَقَالَ يَا جَابِرُ ذَلِكَ خَاصٌّ وَ عَامٌّ فَأَمَّا الْخَاصُّ مِنَ الْجُوعِ فَبِالْكُوفَةِ وَ يَخُصُّ اللَّهُ بِهِ أَعْدَاءَ آلِ مُحَمَّدٍ فَيُهْلِكُهُمْ وَ أَمَّا الْعَامُّ فَبِالشَّامِ يُصِيبُهُمْ خَوْفٌ وَ جُوعٌ مَا أَصَابَهُمْ مِثْلُهُ قَطُّ وَ أَمَّا الْجُوعُ فَقَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ عليه السلام وَ أَمَّا الْخَوْفُ فَبَعْدَ قِيَامِ الْقَائِمِ عليه السلام))(27)، إذ التفسير ناظر إلى المصداق الحي الحاضر إبَّان زمان الإمام الباقر (عليه السلام)، وقد أشار إلى مصداقها الآخر وهي إحدى علامات الظهور المبارك، ولعلَّه لو سُئل الإمام من غير جابر الجعفي لأجاب بجواب آخر كما جاءت التأويلات في كثير من الآيات، إذن: لم تكن الآية المباركة ذات دلالة واحدة فقط؛ وإنَّما لها ظاهر وللظاهر ظاهر، ولها باطن وللباطن باطن، ولا يعلم ذلك إلا الله والراسخون في العلم وهم آل محمد.

 ينتج من تفسير المدرستين: إنَّ مدرسة الصحابة فسَّرت البلاء بالابتلاء، والفرق بينهما واضح، إذ البلاء ينزل بسبب غضب من الله تعالى لسوء أعمال العبد، أمَّا الابتلاء فهو امتحان لغرض ترفيع الإنسان درجة من دون أن يكون قد أذنب ذنباً، كابتلاء الأنبياء والأوصياء والأولياء، فلم يصدر منهم ذنبٌ وقد ابتلاهم الله ونجحوا فرفعهم درجات كلٌّ بحسب ابتلاءه.

 أمَّا البلاء فهو عقوبة تعقب ذنباً يصدر من إنسان أو مجموعة أو قرية أو بلد، فيتم عقابهم بنزول البلاء عليهم، وهذا شواهده كثيرة في القرآن الكريم، كالبلاء على فرعون وأتباعه بالغرق، ونزول الدم والقمَّل والضفادع والجراد على بني إسرائيل، والبلاء على قوم ثمود وعاد وغيرهم ممن أهلكوا ببلاء الله تعالى.

 وقد أشار إلى ذلك الإمام الباقر (عليه السلام) على أنَّه بلاء ينزل على الناس قبيل خروج القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ولم يكن ابتلاءً، وسببه كثرة ذنوب العباد، فيكون في ذلك عدم الأمان فيُخيِّم الخوف على الناس، والجوع بغلاء الأسعار فتُسلب البركة من الطعام، وتسلُّط الفجرة الخونة على رقاب الناس من تُجَّار وحكَّام.

 ثمَّ يكون في ذلك نقص (الأنفس): وهو الموت الذريع والمنتشر بين الناس مما يُسبب الهلع، وهذا أحد مصاديق نقص (الأنفس)، ورُبما من مصاديق نقص (الأنفس) تغييب الإمام الذي هو عماد الأرض وأمانها فيُغيِّبه الله تعالى في عباده كي لا يلتجئ إليه أحد وهذا من أكبر البلاءات التي يُصاب بها الإنسان، لأن الله تعالى جعل الإمام أماناً للأرض ومَن عليها، فتغييبه من البلاء الفادح، لذا لم يقل: ونقص من (النفوس) بالجمع الكثرة؛ لأنَّ الأئمة هم قليلو العدد بالنسبة لأهل الأرض، فكان للفظ (الأنفس) بجمع القلَّة دليل على نقص الأئمة التي وقعت مصيبتها على الناس، فسُلبَ الأمان ولا ملجأ للناس يلجأون إليه أو يلوذون به. 

المطلب الثاني
شح الأنفس

 الشحيح من: شحَّ يشحُّ شحيحاً، و((الشُّحُ‏: بخل مع حرص، و ذلك فيما كان عادة. قال تعالى: (وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ‏ الشُّحَ‏) [النساء/ 128]، و قال سبحانه: (وَ مَنْ يُوقَ‏ شُحَ‏ نَفْسِهِ) [الحشر/ 9]. يقال: رجل‏ شَحِيحٌ‏، و قوم‏ أَشِحَّةٌ، قال تعالى: (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) [الأحزاب/ 19]، (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ‏) [الأحزاب/ 19]. و خطيب‏ شَحْشَحٌ‏: ماض في خطبته، من قولهم: شَحْشَحَ‏ البعير في هديره))(28)، فهو بخلٌ في الشيء وحرصٌ عليه.

 وتبقى هذه الكلمة حبيسة السياق وتبعية القرينة لتعطي المعنى العام والدقيق للبخل والحرص على الشيء المقرون فيها وبمعيَّتها، ومن ذلك ما ورد في قوله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)(النساء/128).

 تفسير الآية في مدرسة الصحابة

 تنماز تفاسير مدرسة الصحابة بالنظر إلى السياق اللغوي وأسباب النزول في تفسير الآيات القرآنية، ولم تتعدَ ذلك في حدود التفسير النظري الخاص بالمفسر، ولم تبنِ تفسيرها على ما يرد عن الصحابة على أنَّه هو التفسير الحقيقي؛وإنَّما يأتوون به عرضاً على أنَّه مأثورٌ للاستئناس، ويبقى نظر المفسر هو الحاكم على دلالة الآية القرآنية المباركة

 ففي تفسير هذه الآية من سورة النساء الشريفة أورد الطبري (خمسة عشر) تفسيراً كلها ناظرة إلى نشوز المرأة وما يتعلَّق بطلاقها ـ من أيَّام ونصيب ونفقة ــ في إطار وحدود الآية المباركة(29)، ولم يخرج عن ذلك إلى ما خلف الآية وأنّها لا تُحدد بموضوعٍ واحد، وكأنَّ هذه الآية هي آية من آيات الأحكام ولا تُفسَّر في غيرها.

 ولا يخرج الزمخشري عما جاء به الطبري في تفسيره لهذه الآية، وقد قال في تركيب (الأنفس الشح): ((قوله (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ) الشُّحَّ ومعنى إحضار الأنفس الشح أن الشح جعل حاضرا لها لا يغيب عنها أبداً ولا تنفك عنه، يعنى أنها مطبوعة عليه والغرض أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمتها وبغير قسمتها، والرجل لا تكاد نفسه تسمح بأن يقسم لها وأن يمسكها إذا رغب عنها وأحب غيرها وَإِنْ تُحْسِنُوا بالإقامة على نسائكم وإن كرهتموهن وأحببتم غيرهن، وتصبروا على ذلك مراعاة لحق الصحبة وَتَتَّقُوا النشوز والإعراض وما يؤدى إلى الأذى والخصومة فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ من الإحسان والتقوى خَبِيراً وهو يثيبكم عليه.))(30)، أي: ما شحَّت المرأة على نفسها.

 وإلى هذا المعنى ذهب غير واحد من المفسرين الممثلين لمدرسة الصحابة(31)؛ إذ لم يخرجوا عن إطار السياق الذي ورد فيه تركيب (الأنْفُس الشُّح).

 تفسير مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

 نسير على المنهج الذي سرنا عليه في الآية السابقة؛ إنَّنا لا نأخذ تفسير الآية المباركة إلا من روايات العترة الطاهرة (صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين) وهم الذين أمرنا الله ورسوله بأن نأخذ منهم حصراً، فقد ورد تفسير هذه الآية المباركة وبالتحديد (الأنفس الشح) ما جاء ((عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَوَجَدْتُهُ مُفَكِّراً يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ قُلْتُ: يَا مَوْلَايَ مَا لِي أَرَاكَ مُفَكِّراً قَالَ: فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْرِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي وَ هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي يَمْلَأُهَا عَدْلًا وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً يَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ يُضِلُّ بِهَا أَقْوَاماً، وَ يَهْدِي بِهَا آخَرِينَ أُولَئِكَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ أَبْرَارِ هَذِهِ الْعِتْرَةِ فَقُلْتُ: ثُمَّ مَا ذَا: قَالَ: يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ، مِنَ الرَّجْعَةِ الْبَيْضَاءِ وَ الْكَرَّةِ الزَّهْرَاءِ، وَ إِحْضَارِ الْأَنْفُسِ‏ الشُّحِ‏ وَ الْقِصَاصِ وَالْأَخْذِ بِالْحَقِّ وَ الْمُجَازَاةِ بِكُلِّ مَا سَلَفَ ثُمَّ يَغْفِرُ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ))(32)، فأشار الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بأنَّه هو الممثل عن الأنفس الشح، وقد شحَّ ظهوره ووجه عن الناس مع حرص الله تعالى عليه وحفظه من كل شيطان رجيم ومن الناس.

 ومن المؤيدات لهذا الرأي؛ ما جاء في الحديث القدسي في قوله تعالى: ((يَا مُحَمَّدُ وَ مَنْ مَلَأَهُ هَمُّ دَيْنٍ مِنْ أُمَّتِكَ فَلْيَنْزِلْ بِي وَ لْيَقُلْ يَا مُبْتَلِيَ الْفَرِيقَيْنِ أَهْلِ الْفَقْرِ وَ أَهْلِ الْغِنَى وَ جَازِيَهُمْ بِالصَّبْرِ فِي الَّذِي ابْتَلَيْتَهُمْ بِهِ وَ يَا مُزَيِّنَ حُبِّ الْمَالِ عِنْدَ عِبَادِهِ وَ مُلْهِمَ الْأَنْفُسِ‏ الشُّحَ‏ وَ السَّخَا وَ فَاطِرَ الْخَلْقِ عَلَى الْفَظَاظَةِ وَ اللِّينِ غَمَّنِي دَيْنُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَ فَضَحَنِي بِمَنِّهِ عَلَيَّ بِهِ وَ أَعْيَانِي بَابُ طَلِبَتِهِ إِلَّا مِنْكَ يَا خَيْرَ مَطْلُوبٍ إِلَيْهِ الْحَوَائِجُ يَا مُفَرِّجَ الْأَهَاوِيلِ فَرِّجْ هَمِّي وَ أَهَاوِيلِي فِي الَّذِي لَزِمَنِي مِنْ دَيْنِ فُلَانٍ بِتَيْسِيرِكَهُ لِي مِنْ رِزْقِكَ فَاقْضِهِ يَا قَدِيرُ وَ لَا تُهِنِّي بِتَأْخِيرِ أَدَائِهِ وَ لَا بِتَضْيِيقِهِ عَلَيَّ وَ يَسِّرْ لِي أَدَاءَهُ فَإِنِّي بِهِ مُسْتَرَقٌّ فَافْكُكْ رِقِّي مِنْ سَعَتِكَ الَّتِي لَا تَبِيدُ وَ لَا تَغِيضُ أَبَداً فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ صَرَفْتُ عَنْهُ صَاحِبَ الدَّيْنِ وَ أَدَّيْتُهُ إِلَيْهِ عَنْهُ))(33)، فالأنفس الشح: هي الأنفس الملهمة من الله تعالى بالعلم والمعرفة، ومَن غيرهم (صلوات الله عليهم) أن يُلهموا بالعلم اللَّدنِّي؟!، لذا نجد هذا الرأي أنَّه أحد مصاديق الأنفس الشح، ولم نقل: أنَّ المعنى الأوَّل مُقصى؛ وإنَّما هو الآخر مصداق من مصاديق الأنفس الشح، وأهل البيت (عليهم السلام) مصداقٌ آخر له.

 ربما جاء تركيب (الأنفس الشح) على سبيل الجملة الاعتراضية، وهي من أساليب العرب التي يُؤتى بها لغرض إلفات النظر والاهتمام بالمذكور، فقد أشار إليهم سبحانه وتعالى ليؤكد مكانتهم العليا من جهة؛ ويؤيد حضورهم في كل زمان ومكان بأمره سبحانه وفي أي موقف، وأشار إلى ذلك الإمام الهادي (عليه السلام) في قوله من الزيارة الجامعة الكبيرة المباركة: ((ذِكْرُكُمْ فِى الذّاكِرينَ، وَاَسْماؤُكُمْ فِى الاْسْماءِ، وَاَجْسادُكُمْ فِى الاْجْسادِ، وَاَرْواحُكُمْ فِى اْلاَرْواحِ، وَاَنْفُسُكُمْ فِى النُّفُوسِ، وَآثارُكُمْ فِى الاْثارِ، وَقُبُورُكُمْ فِى الْقُبُورِ))(34)، ومن اللافت للنظر؛ أشار الإمام الهادي (عليه السلام) لآبائه وله ولولديه بذات الجمع القليل، فلم يقل: ونفوسكم في النفوس، على الرغم من أنهم أربعة عشر معصوم، وجمع القلَّة ينتهي للعدد تسعة، فكانت الإشارة ناظرة إلى القلة منهم والكثرة من الخلق، فكانت عبارة الإمام دقيقة جدَّاً (أنفسكم) بالقلَّة، و(النفوس) بالكثرة، فإحظار الأنفس الطاهرة (وهم محمد وآل محمد) من الممكن لها إشارة في قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا)(النساء/41)، وهو إحضارهم (صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين) فهم الأنفس الشح التي يأتي بها الله تعالى شاهدة على العباد والخلق أجمعين.

المطلب الثالث
الله تعالى يتوفَّى الأَنْفُس

 وكَّل الله تعالى لملك الموت قبض الأرواح من الناس جميعاً وكذلك سحب النفوس منهم، وهذا جارياً في جميع الناس دون البشر، وقد درج المفسرون هذا الأمر كله لملك الموت ولم يُفرِّقوا بين الناس والبشر الذين اختارهم الله تعالى على خلقه وجعلهم الوسطاء بينه وبين ما خلق.

 في قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(الزمر/42).

 تفسير مدرسة الصحابة لهذه الآية المباركة

 كما تقدَّم في البحث التمهيدي مرادفة مدرسة الصحابة للنفس والروح؛ فهاهم يُرادفون ذلك في تفسيرهم ليكن ما أوردوه في المعاني مطبَّقاً في تفسيرهم، قال الطبري في تفسير هذه الآية المباركة: ((...إِنَّهُ يُمِيتُ وَيُحْيِي، وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ سِوَاهُ؛ فَجَعَلَ ذَلِكَ خَبَرًا نَبَّهَهُمْ بِهِ عَلَى عَظِيمِ قَدَّرْتِهِ، فَقَالَ: (اللَّهُ يُتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا)[الزمر: 42] فَيَقْبَضُهَا عِنْدَ فَنَاءِ أَجَلِهَا، وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ حَيَاتِهَا، وَيَتَوَفَّى أَيْضًا الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا، كَمَا الَّتِي مَاتَتْ عِنْدَ مَمَاتِهَا(فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ)[الزمر:42] ذِكْرُ أَنَّ أَرْوَاحَ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ تَلْتَقِي فِي الْمَنَامِ، فَيَتَعَارَفُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْهَا، فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعُهَا الرُّجُوعَ إِلَى أَجْسَادِهَا أَمْسَكَ اللَّهُ أَرْوَاحَ الْأَمْوَاتِ عِنْدَهُ وَحَبَسَهَا، وَأَرْسَلَ أَرْوَاحَ الْأَحْيَاءِ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى أَجْسَادِهَا إِلَى أَجْلٍ مُسَمًّى وَذَلِكَ إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ حَيَاتِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيل ِذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: (اللَّهُ يُتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا)[الزمر: 42] الْآيَةَ، قَالَ: «يَجْمَعُ بَيْنَ أَرْوَاحِ الْأَحْيَاءِ، وَأَرْوَاحِ الْأَمْوَاتِ، فَيَتَعَارَفُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتَعَارَفَ، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ، وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجْسَادِهَا»))(35)، فركَّز المفسر على النوم وكيفيَّة سحب الروح من الجسد وإعادتها عند اليقضة، فكان المود عنده وفاة.

 وإلى هذا المعنى ذهب جلُّ المفسرين من مدرسة الصحابة(36)، وقد ذكر أبو حاتم الرازي رواية ((عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ- حِينَ كَانَ نَازِلًا عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَرْقُدَ قَالَ كَلامًا لَمْ نَفْهَمْهُ قَالَ: فَسَأَلْتُهُ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ تَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا، فَتُمْسِكُ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ وَتُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنْتَ تَتَوَفَّانِي، فَإِنْ أَنْتَ تَوَفَّيْتَنِي فَاغْفِرْ لِي، وَإِنْ أَنْتَ أَخَّرْتَنِي فاحفظني»))(37)، وهذه الرواية في غاية الأهميَّة؛ إلّا أنَّ المفسر لم يُعقب عليها.

 وقد فرَّق الفخر الرازي بين النفس المقبوضة: وهي التي تُقبض من قبل الله تعالى عند الموت ولا ترجع إلىى الإنسان، وبين النفس المُرسلة: وهي التي تقبض عند النوم وتُرسل عند اليقضة(38)، وهذا لا يمنع من اإقراره بترادف الروح والنفس.

 تفسير مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

 خير ما نذكره في هذا المضمار قول سيدنا ومولانا روح الله وكلمته التي ألقاها إلى مريم (عليها السلام): (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(المائدة/117)، ولم يقل: توفيتُ أو توفتني الملائكة. 

 وقد أشار إلى ذلك خير الخلق ومعدِن الصدق النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في دعائه: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ تَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا، فَتُمْسِكُ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ وَتُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنْتَ تَتَوَفَّانِي، فَإِنْ أَنْتَ تَوَفَّيْتَنِي فَاغْفِرْ لِي، وَإِنْ أَنْتَ أَخَّرْتَنِي فاحفظني))(39)، فنسب استيفاء الأنفس بيد الله تعالى.

 ومما يُؤيد ذلك قوله تعالى لنبيه عيسى (عليه السلام): (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(آل عمران/55)، وفي الآية المباركة من التأكيدات الخبرية ما يُؤكد تولي الله تعالى بنفسه قبض الأنفس الخاصَّة وهم الأنبياء والأولياء؛ لذا قال الإمام زين العابدين (عليه السلام) لعبيد الله بن زياد: ((...وَ عَرَضَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع فَقَالَ لَهُ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ أَ لَيْسَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ فَقَالَ كَانَ لِي أَخٌ يُسَمَّى عَلِيّاً فَقَتَلَهُ النَّاسُ قَالَ ابْنُ زِيَادٍ بَلْ قَتَلَهُ اللَّهُ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام‏ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ‏ حِينَ‏ مَوْتِها فَغَضِبَ ابْنُ زِيَادٍ وَ قَالَ لَكَ جُرْأَةٌ عَلَى جَوَابِي وَ فِيكَ بَقِيَّةٌ لِلرَّدِّ عَلَيَّ اذْهَبُوا بِهِ وَ اضْرِبُوا عُنُقَهُ فَتَعَلَّقَتْ بِهِ زَيْنَبُ عَمَّتُهُ فَقَالَتْ يَا ابْنَ زِيَادٍ حَسْبُكَ مِنْ دِمَائِنَا..))(40)، ولم يقل (عليه السلام): يتوفى النفوس وهو بصدد بيان استيفاء النفس بشكل عام، إلّا أنَّ الإمام كان قاصداً باستشهاده بهذه الآية المباركة.

 نُريد القول: إنَّ الأنفس في هذه الآية المباركة (بجمع القلَّة) من مصاديقها هم عليةُ المسلمين وهم محمد وآل محمد؛ والله تعالى هو الذي يتوفاهم بنفسه بتأكيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحديث الذي ذكرناه وعُضِّد بالآيات القرآنية المباركة ورواية الإمام زين العابدين (عليه السلام).

 وما ذكرناه هو مصداق واحد من مصاديق الآية المباركة، وهذا لا يمنع من إيراد المصاديق الأخرى كما ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق في ردِّه على سؤال السائل: ((اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ‏ حِينَ‏ مَوْتِها وَعَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ‏ وَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ‏ وَ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ‏ وَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَعَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ وَ قَدْ يَمُوتُ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ فِي جَمِيعِ الْآفَاقِ مَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَكَيْفَ هَذَا فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى جَعَلَ- لِمَلَكِ الْمَوْتِ أَعْوَاناً مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَقْبِضُونَ الْأَرْوَاحَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ لَهُ أَعْوَانٌ مِنَ الْإِنْسِ يَبْعَثُهُمْ فِي حَوَائِجِهِ فَتَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَ يَتَوَفَّاهُمْ- مَلَكُ الْمَوْتِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَ مَا يَقْبِضُ هُوَ وَ يَتَوَفَّاهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ مَلَكِ الْمَوْت))(41)، فكان الجواب على قدر ما يُريده السائل، ولو سأله آخر لوجدنا جواباً آخر بقدر الطاقة التي يحملها السائل، وقد أُمِروا (عليهم السلام) أن يُكلِّموا النَّاس على قدر عقولهم.

 وقد سُئل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن هذه الآيات الشريفة فقال: ((قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى‏ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ‏، و قوله: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ‏ حِينَ‏ مَوْتِها، و قوله: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ‏، و قوله: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ‏، و قوله: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ‏، فإن الله تبارك و تعالى يدبر الأمور كيف يشاء، و يوكل من خلقه من يشاء بما يشاء، أما ملك الموت فإن الله يوكله بخاصة من يشاء من خلقه، و يوكل رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه، و الملائكة الذين سماهم الله عز ذكره وكلهم بخاصة من يشاء من خلقه‏، [إنه تبارك و تعالى‏] يدبر الأمور كيف يشاء، و ليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس، لأن منهم القوي و الضعيف، و لأن منه ما يطاق حمله، و منه ما لا يطاق حمله، إلا أن يسهل الله له حمله، و أعانه عليه من خاصة أوليائه، و إنما يكفيك أن تعلم أن الله هو المحيي المميت و أنه يتوفى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه من ملائكته و غيرهم».

 قال [السائل]: فرجت عني يا أمير المؤمنين، فرج الله عنك يا أمير المؤمنين، و نفع الله المسلمين بك))(42)، ولو أنعمنا النظر في قول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لوجدناه يحمل من الحشد المعنوي ما يحمل، ففي قوله (عليه السلام): (فإن الله تبارك و تعالى يدبر الأمور كيف يشاء)، قد أجمل المعاني جميعها، ومن هذه المعاني ما ذهبنا إليه من إيراد مصداق الأنفس.

المطلب الرابع
ما تشتهي الأنفس

 مركب (الأنفس وما تشتهيه) جاء في مورد واحد فقط، في سياق قوله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(الزخرف/71). وهو سياق جاء فيه تعدد النعم التي يحصل عليها المتقي في الجنَّة، وقد جاءت المشاكلة في صرف الأنفس والأعين؛ إذ كلاهما جاءا على سبيل الجمع القليل، فلو قلنا تقصد كل أهل الجنَّة؛ لكان القصد ناظراً لقلَّة الداخلين في الجنَّة، وهذا ما يتعارض مع رحمة الله التي يمدَّ إليها الشيطانُ عنقه ظنَّه سيُشمل فيها، فهذه الآية بسياقها تكشف قلَّة الأنفس لا قلّة أهل الجنَّة.

 تفسير مدرسة الصحابة

 جاء تفسير هذه الآية المباركة في قول الطبري: ((...يطاف عليهم فيها بالطعام في صحاف من ذهب، وبالشرب في أكواب من ذهب، فاستغنى بذكر الصحاف والأكواب من ذكر الطعام والشراب، الذي يكون فيها لمعرفة السامعين بمعناه"وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ" يقول تعالى ذكره: لكم في الجنة ما تشتهي نفوسكم أيها المؤمنون، وتلذّ أعينكم (وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) يقول: وأنتم فيها ماكثون، لا تخرجون منها أبدا... أن رجلا قال: يا رسول الله إني أُحِبُّ الخَيْلَ، فهل في الجنة خيل؟ فقال:"إنْ يُدْخِلْكَ الجَنَّةَ إنْ شاءَ، فَلا تَشاءُ أنْ تَرْكَبَ فَرَسًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ تَطيرُ بِكَ فِي أيّ الجَنَّة شِئْتَ إلا فَعَلَتْ"، فقال أعرابيّ: يا رسول الله إني أحبّ الإبلَ، فهل في الجنة إبل؟ فقال: "يا أعرابيّ إنْ يُدْخِلْكَ اللهُ الجَنَّةَ إنْ شاءَ اللهُ، فَفِيها ما اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنَاك".))(43)، نعم ما يُريده الإنسان الذي ينعم الله عليه بدخول الجنة؛ يلقاه، ولكن الأنفس: عملها وما تشتهيه يختلف عن جميع الناس الداخلين في الجنَّة.

 وقد حاول المفسِّر أن يُحدد مصاديق الآية المباركة في هذه الآية بوساطة التعميم على جميع النفوس، لذلك جمعها في قوله: (ما تشتهيه نفوسكم)، والأية قالت: (تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ) بجمع القلّة وليس (النفوس)، حتى قال قائلهم: ((هَذَا حَصْرٌ لِأَنْوَاعِ النِّعَمِ، لِأَنَّهَا إِمَّا مُشْتَهَاةٌ فِي الْقُلُوبِ، أَوْ مُسْتَلَذَّةٌ فِي العيون))(44)على سبيل تعيين وحصر المصداق.

 وإلى هذا ذهب جلُّ المفسرين من مدرسة الصحابة(45)، ولم نجد من خرج عن ذلك بحدود اطلاعنا واستقرائنا الناقص، فلعلّه يوجد رأي آخر ولم نجده؛ لذا قلنا: جلُّ المفسرين، ولم نقل: كلهم.

 تفسير مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

 جرياً على ما سبق من ذكر التفسير الخاص بمحمد وآل محمد مستبعدين آراء الرجال لكمال اتصال علم أهل البيت بعلم الله تعالى اللدنّي، وهذه الآية لم تكن بمنأى عن تفسير أهل البيت (صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين)، فقد جاء تفسيرها عن الإمام الهادي (عليه السلام) الذي كان إجابة لسؤال أخيه في قوله: ((...وَ أَمَّا الْجَنَّةُ فَفِيهَا مِنَ الْمَآكِلِ وَ الْمَشَارِبِ وَ الْمَلَاهِي وَالْمَلَابِسِ مَا تَشْتَهِي‏ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ‏ وَ أَبَاحَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِآدَمَ وَ الشَّجَرَةُ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا آدَمَ وَ زَوْجَتَهُ أَنْ يَأْكُلَا مِنْهَا شَجَرَةُ الْحَسَدِ عَهِدَ إِلَيْهِمَا أَنْ لَا يَنْظُرَا إِلَى مَنْ فَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَ عَلَى كُلِّ خَلَائِقِهِ بِعَيْنِ الْحَسَدِ فَنَسِيَ وَ نَظَرَ بِعَيْنِ الْحَسَدِ وَ لَمْ يَجِدْ لَهُ عَزْما...))(46)، فكان جواب الإمامِ الهادي (عليه االسلام) دقيقاً؛ إذ أورد التفسير في آدم (عليه السلام) وآدم من الأنبياء الخلَّص الذين اختارهم الله تعالى للبعثة والنبوة والتناسل لخلقه، لذلك قلنا أنّض هنا الأنفس وما تشتهيهه حاضراً هو مخصوص لعباد الله المخلَصين من الأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين.

 إذن: هذه الأية الممباركة من مصاديقها العامَّة المخلَصين من العباد، ومن هذه المصاديق هم محمد وآل محمد؛ فالآية لا تشمل جميع أهل الجنَّة؛ على الرغم من أنَّ لأهل الجنَّة ما يشتهون وما يُريدون؛ إلّا أنَّ هذه الآية لا تشملهم على سبيل العموم وإنَّما تشمل درجاتهم العليا وما وصلوا إليها بفضل الله وتوفيقه.

المبحث الثالث
آيات الأنفس في التحليل اللغوي

 ينماز التحليل اللغوي عن غيره ببيان المستويات التي يتم من خلالها تفكيك العبارات المراد تحليلها وبيان السُّنن التي بوساطتها تمَّ بناء التركيب اللغوي وظهوره على الصورة المنظورة التي خضعت للتحليل اللغوي.

 وقد انفتح باب التحليل اللغوي على مصراعيه وضمَّ بين جوانحه المستويات المندرج تحتها كل ما له صلة في البنية التركيبية؛ من الصوت: الذي يُمثل أصغر وحدة لغوية في البناء التركيبي، إلى الصرف: الذي يُعنى بدراسة بنية الكلمة وبيان انسجام أو تنافر الأصوات، إلى النحو: الذي يُعنى بدراسة التركيب الخاص بالجمل ومواضع الكلمات ومحلّها الإعرابي، إلى المستوى الدلالي: الذي يُعنى بالمعنى الإنتاج من هذه المستويات للوصول إلى المراد الخاص الذي أراده المتكلِّم.

 ما تقدَّم؛ ينطبق على النصوص اللغوية التي نتجها أو ينتجها الإنسان؛ وليس بالضرورة أن ينطبق على المقدَّس؛ إذ ورد من طريق العِدْل الآخر للمقدَّس ــ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ــ إنَّ للقرآن ظهراً وبطناً(47)، مما يستدعي الوثوق بالحشد المعنوي للمفردة القرآنية ووحدة مفهومها من جهة؛ وتعدد مصاديقها من جهة أُخرى.

 وتبعاً للمستويات الحديثة التي أصبحت الركيزة الأساسية في بيان التحليل اللغوي؛ يُبيِّن البحث ماهيَّة (الأنفس) في الآيات المباركة؛ إذ وردت هذه الكلمة في موارد متعددة بصيغتها المُجرَّدة الخالية من أي إضافة من ناحية؛ ومن ناحية ثانية بصيغتها الصرفية على وزن (أفْعُل) بجمع القلَّة، فينقسم البحث على:

المطلب الأوَّل
المستوى الصوتي والصرفي للأنفس

 يعنى هذا المستوى بدراسة اللغة من الناحية الصوتية وبطبيعتها المصوّتة كمادة خام؛ ودراسة وظيفتها من ناحية تركيبها داخل الوحدة اللفظية، ((وبناءً على ذلك، فإنَّ مجال هذا المستوى هو الأصوات ــ التي يتكون منها الكلام ــ إذ تُدرس باعتبارين مختلفين:

 الاعتبار الأوَّل: إنَّها وحدات صوتية مجردة منعزلة عن معناها وسياقها، وهو ما يهتم به علم الفونيتيك أو علم الأصوات العام.

 الاعتبار الثاني: إنَّها وحدات صوتية مرتبطة بمعناها وسياقها، وهو ما يهتم به علم الفونولوجيا أو علم وظائف الأصوات.))(48)، وهذا ما دعا الدراسات الحديثة بالبدء من الصوت إلى البنية الصغيرة (الكلمة) إلى البنية المتوسطة (الجملة) إلى البنية الكبيرة (العبارة) إلى البنية الواسعة (النص).

 المستوى الصوتي للآيات المباركة

 ومن الصعوبة دراسة الصوت نظريَّاً لعدم تمكن تحديد توليده وانبعاثه؛ لذا استعان العلم الحديث بالأجهزة العلمية في تقسيم الأصوات بحسب الجهر والهمس، والشدَّة والرخاوة، والصوائت والصوامت، والأصلية والثانوية، ومن ثمَّ بيان مناطق انتاج كل مجموعة من هذه المجموعات.

 وما يهمُّنا في هذا البحث هو بيان الدراسة الصوتية للفظ (الأنفس) الذي هو موضوع الدراسة ومتعلقاتها من قرائن وإحالات؛ إذ يتم تطبيق ذلك في بيان الأصوات التي تكوَّنت منها هذه اللفظة وهي: (النون، والفاء، والسين)، حيثُّ أنَّ (النون) من الحروف التي تنتجها الغنَّة من الخيشوم، فتتم هذه العملية بوساطة طرف اللسان مع ما يقابله من لثة الأسنان العليا ودفع الصوت نحو الخيشوم فيولد (النون)، وهذا الموضع خاص بإنتاج صوت (النون) دون غيره من الأصوات، وصوت (الفاء) مهموس شفوي يُنتج من طريق ضم الشفتين ودفع الهواء، وصوت (السين) حرف مهموس أسناني، يُنتج بوساطة الصاق اللسان في أسفل الحنك وانفراج الشفتين ومن ثمَّ دفع الهواء باتجاه الأسنان العليا.

 وهذا التركيب الصوتي (نفس) يجري في سياق موائم له في الآيات المباركة فتظهر من ذلك الظواهر الآتية:

1ـ حذف الصوت وإثباته: وردت قراءات متعددة في قوله تعالى: (مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ)؛ إذ ((قرأ ابن كثير وأبو عمرو وشعبة وحمزة والكسائي: وفيها ما تشتهي الأنفس بحذف الهاء الثانية، وقرأ الباقون بإثباتها.))(49)، وحذفها يدل على عموم الاشتهاء وعدم تحديد ماهيَّة الأنفس المضافة إليها، في حين اثباتها يُزيد السياق دلالة من جهة؛ ويحدد مفهوم الأنفس من جهة أخرى.

2ـ نقل الحركة: وردت مجموعة قراءات نُقِلت فيها الحركة من موضع إلى ما يُغايره أو ما يُقابله، كما جاء في نقل الحركة في قوله تعالى: (بِشِقِّ الأَنفُسِ)، حيث وردت بفتح الشين(50)، ((وقرأ الباقون بكسر الشين، والفتح، والكسر مصدران بمعنى واحد، وهو المشقة. وقيل: الفتح مصدر، والكسر اسم مصدر. و «بشق» في موضع الحال من الضمير المرفوع في «بالغيه» اي مشقوقا عليكم))(51)، إذ رادف أصحاب القراءات بين اللفظين (بِشِقِّ) و (بِشَقِّ) بكسر الشين وفتحها بالدلالة، في حين أنَّ الدلالة تختلف بين اللفظين؛ حيث أنَّ اللفظ (بِشِقِّ) بكسر الشين يعني: يعني إحداث فجوة بين جانبي الشيء، والدليل على ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((...فَاتَّقُوا النَّارَ وَ لَوْ بِشِقِ‏ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَة))(52)، أي: نصف تمرة، فدل على أنَّ (الشِقَّ) يعني إحداث ممر بين جهتين ليكون كل جهة نصفاً.

 أمَّا لفظ (شَقّ) بفتح الشين؛ يعني: الجهد والتعب وبذل الطاقة والعناء، وإلى هذا ذهب أهل اللغة في قولهم: شقّ((يُرْوَى بالفَتْحِ، و بالكَسْرِ أَو مَعْناهُ‏ مَشَقَّة و هذا على رِوايَةِ الفَتْحِ، يُقال: هُمْ‏ بشِقٍ‏ من العَيْشِ: إِذا كانُوا في جَهْدٍ، أَو من‏ الشَّقِ‏ بمَعْنَى الفَصْلِ في الشَّيْ‏ءِ، كأَنّها أَرادَتْ أَنَّهُم في مَوْضِعٍ حَرِجٍ ضَيِّقٍ‏ كالشَّقِ‏ في الجَبَلِ.

 وشِقٌ‏: كاهِنٌ‏ قَدِيمٌ‏ م‏ معروفٌ، قالُه ابنُ دُرَيْدٍ، و حَدِيثُه مُسْتَوْفى فِي الرَّوْضِ للسُّهَيْلِيِّ، وإِنّما سُمِّيَ بهِ لأَنّه وُلِدَ شِقًّا واحِداً، و كانَ فِي‏ زَمَنِ كِسْرَى‏ أَنُوشِرْوانَ.

 وقالَ ابنُ عَبّادٍ: الشِّقُ‏: جِنْسٌ مِنْ أَجْناسِ الجِنِّ. وقالَ غيرُه: الشِّقُ‏ من كُلِّ شي‏ءٍ: نِصْفُه‏ إِذا شُقَ‏، و العَرَبُ تَقُولُ: خُذْ هذا الشِّقَ‏ لشِقَّةِ الشّاة))(53)، فمن هذا نستنتج: إنَّ البلد الذي لم يكن للإنسان أن يبلغه إلى بشِّقِ الأنفس يعني ذلك: هو إحداث الشِّق من قبل الأنفس للناس وليس بذل الناس جهدهم للوصول إليه، مما يُدلل على ذلك قول الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في توقيعه قال: ((نَحْنُ صَنَائِعُ رَبِّنَا وَ الْخَلْقُ بَعْدَ صَنَائِعِنَا))(54)، لذا لم يبلغ الناس مكاناً إلّا وقد شقَّه الإمام لهم، لأنَّ الإمام ــ أو الحُجَّة بشكل عام ــ صنع الله الخاص وأوكل الله له الصنائع الأخرى.

3ـ ظاهرة الإدغام: وهي ظاهرة صوتية خاصَّة في القرآن الكريم تتبع التنغيم والتلحين والتجويد في القراءة، وهذه الظاهرة تنماز بما ورد في القرآن الكريم بورودها مع الغنَّة ـ إذا جاءت النون الساكنة أو التنوين وبعدها احد أحرف كلمة (ينمو) ـ أو من دون غُنَّة ـ إذا جاءت النون الساكنة والتنوين وبعدها أحد الحرفين (اللام أو الراء)، ومختصَّة بالنون الساكنة والتنوين وأحكام الميم الساكنة.

أ ـ إدغام بغنَّة: ظاهرة صوتية خاصَّة بأحام النون الساكنة والتنوين والميم الساكنة مع حروف (يرملون)، ووجدنا هذه الظاهرة في قوله تعالى: (عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ)، ففي هذه العبارة القرآنية المباركة جاء الإدغام في موردين؛ الأول: (أَن يُصْلِحَا) وهو إدغام بغنَّة لأنَّ (الياء) من أحرف (ينمو).

 والثاني: (خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ) أيضاً إدغام بغنَّة بين التنوين وحرف (الواو) وهو من أحرف (ينمو)(55).

 ومثله ما جاء في قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فالتنوين مع الياء أحدث إدغاماً بغنَّة بين (قومٍ) و (يتفكرون) وهو من الظواهر الصوتية التي تلذ الأسماع وتستمري النفوس، وهذه الظاهرة فيها تغيير بالوتيرة الصوتية من خلال اللفظ من جهة، ولإلفات الإنتباه إلى الإدماج الحرفي في الدلالة من جهة أخرى، وهذا يترتب عليه التأكيد على هؤلاء القوم الاهتمام بهم من قبل الباث.

 وكذلك في قوله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ)، فيها مجموعة من ظواهر الإدغام بغنَّة؛ بين التنوين والميم، وبين التنوين والواو، وبين التنوين والواو، وهذه الظواهر جاءت بأسلوب توكيد اللفظي والوصل البلاغي لتعطي ملمحاً إيقاعيَّاً جميلاً يستشعره المتلقي عند استقبالها إلى هذه الأصوات وهي تُلحَّنُ بغنَّة القارئ، وتبقى هذه الظواهر تتكشَّف جمالياتها بحسب حصافة القارئ والمجوِّد في قراءة المصحف الشريف.

ب ـ إدغام بغير غُنَّة: وهو الإدغام الخاص بالنون الساكة والتنوين التي تسبق الحرفين (اللام، والراء) فيكون الإدغام فيهما نابعاً من اللفظ دون المدِّ والغنَّة التي تظهر ممن طرف الخيشوم وأعلى الحنك الأعلى (اللهاة)، وجاء هذا اللون في آيات الأنفس المباركة؛ في قوله تعالى: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، في (إِلَى بَلَدٍ لَّمْ) بين تنوين الدال واللام، مما يجعل المتلقي عند سماع اللفظين؛ يشعر بإدغام الدال باللام إدغاماً يكاد يكون سريعاً نوعاً ما، دون التطويل بغُنَّة واضحة، وهذا ما أطلق عليه أرباب التجويد بـ((ادغام بغير غنَّة))(56)، فالمستمع يستشعر الإدغام ولكن بطريقة اللفظ المدغم المندمج دون المد، والمد هو الذي يتكفَّل بإظهار الغنَّة.

 ومثله في قوله تعالى: (لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) بين تنوين الفاء والرَّاء، مما أحدث تشديد الراء وإدغامها بكلِّ التنوين؛ وهذا ما قرَّبها إلى الفاء التي كادت أن تتداخل مع نطقها، ولم يُشر أصحاب القراءات أو المفسرون أو أرباب علم التجويد إلى هذه المواطن من الآيات المباركة، فهذه الظواهر الصوتية استنبطها الباحث من خلال القراءة الفاحصة في الآيات الشريفة مما ضاعف جهده في بيانها وتلمُّس مواطنها.

4ـ ظاهرة الوقف: والوقف يعني: القطع(57)، وفي القرآن الكريم يعني الوقف: قطع الصوت و((اعلم أنّ الأصل في الوقف الإسكان لأنه أخفّ. واختلف القراء في الوقف على المرفوع والمضموم والمجرور والمكسور.

 فروي عن أبي عمرو والكوفيين إلّا عاصما، وعنه من طريق المصريين وابن شيطا ومن العراقيين الوقف بروم الحركة في ذلك كلّه، وبالإشمام في المرفوع والمضموم لا غير.))(58)، وجاء الوقف في قراءة حمزة الزيات لقوله تعالى: (بِشِقِّ الأَنفُسِ)، فـ((الأنفس: وقف حمزة أولا بالنقل، سكت أل وله التحقيق أيضا ويندرج مع قالون.))(59)، وقراءة حمزة معروفة بالوقف على (أل) التعريف في جميع الألفاظ المبدوءة بالهمزة كـ(الأرض، الأنفس، الأموال، الأولاد، الأولى،الآخرة،...وغيرها)، فمنها ما جاء في هذه الآية المباركة، وهي ظاهرة صوتية خاصَّة في القراءات القرآنية ولا تنطبق على غير القرآن الكريم، وما جاء أيضا في قراءته للفظ (الأموال)(60)، فهو يسكت على (ال) من دون جريان النفس؛ ثمَّ يُكمل بنُطق الهمزة.

5ـ ظاهرة الإخفاء: ظاهرة صوتية قرآنية وهو((لغةً: الستر، يُقال: اختفى الرَّجل عن أعينِ النَّاس، أي استتر عنهم.

 واصطلاحاً هو: النُّطق بحرفٍ ساكنٍ، غير مشدَّدٍ، على صفةٍ بين الإظهار والإدغام، مع بقاء الغنَّة في الحرف الأوَّل (النون الساكنة أو التنوين)، ويغنُّ هذا الحرف بمقدار حركتين... والإخفاء حالةٌ بين الإظهار والإدغام، فلا يُطابق الإظهار في تحقيق النُّطق بالنون تحقيقاً كليَّاً، ولا يكون مثل الإدغام الذي يتطلب المماثلة بين المدغم والمدغم فيه، وحروف الإخفاء خمسة عشر حرفاً وهي الحروف الآتية: (ص، ذ، ث، ج، ش، ق، س، د، ط، ز، ف، ت، ض، ظ)، وهذه الحروف مجموعةً في البيت الآتي، وتكون في الحرف الأوَّل من كلِّ كلمةٍ من كلماته: [من الكامل]

 "صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما دم طيبا زد فى تقى ضع ظالما"))(61)، وهذه الظاهرة موجودة في كل الآيات المختارة في كلمة (الأنْفس)، إذ إنّ النون الساكنة في هذه الكلمة جاءت وما بعدها حرف الفاء مما جعل الظاهرة الصوتية باديةً واضحة جلية، ولم تُتَّخذ هذه الظاهرة كأسلوبٍ صوتي في غير الكتاب العزيز، فهي من خواصِّه ومملوكة له حصراً.

 ومثلها جاء في قوله تعالى: (أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ)، ما بين التنوين والفاء، فأوضح الغنَّة الخفيفة مع إخفاء التنوين، وكذلك في: (وَإِن تُحْسِنُواْ)، بين النون الساكنة والتاء، حيث يتم إخفاء النون في النطق مع إبقاء الغنَّة ظاهرة بحركة أو حركتين، فهي واضحة جلية للمتلقي.

 المستوى الصرفي للآيات المباركة

 الآيات المباركة المختارة للبحث فيها؛ غنيَّة بالمواضع الصرفية في كلماتها الشريفة، والمعروف عن الصرف هو البحث في بنية الكلمة وبيان ما هيَّتها من حيث الإبدال والإعلال وبيان المشتقات والصحَّة والاعتلال وتجريد والمزيد وغيرها من المسائل الصرفية؛ لذا سنقتصر على نماذجَ للتمثيل لا للإحصاء والاستقصاء، وبحسب المسائل الموجودة في الآيات.

 بنية الأفعال

1ـ المجرَّد والمزيد: يبحث هذا اللون من الصرف في الأفعال المجرَّدة ــ وهي الأفعال التي لم تدخل عليها حروف الزيادة في سياقها الذي أُنيطت فيه ــ، والمزيدة ــ وهي الأفعال التي زيدت بحروفٍ على حروفها الأصلية التي كانت مجردة قبل دخول حروف الزيادة.

 وهذه الأفعال منها ما تكون ثلاثية: وهي تنقسم على صحيحة ــ وهي ما سلمت حروفها من العلَّة؛ ومعتلَّة (والمعتلة تنقسم على مثال وأجوف وناقص)(62)، ومن هذه الأفعال ما تكون رباعية وخماسية وسداسية، ومنها ما يُزاد على حروفها من أحرف الزيادة الخاصة بالدخول على الأفعال.

 ففي قوله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا)، فالفعل (خافت) معتل العين أجوف، و((خافَ يَخافُ خَوْفاً، ومنه التخْوِيْفُ والإِخافَةُ. والخَوْفُ: الفَزَعُ. وطَرِيقٌ مَخُوْفٌ: يَخافُه الناسُ، ومُخِيفٌ: يُخِيْفُ الناسَ، وخائفٌ: ذو خَوْفٍ. وخَوَّفْتُه: جَعَلْت فيه الخَوْفَ، وصَيَّرْتَه بحالٍ يَخَافُه الناسُ. والخِيْفَةُ: الخَوْفُ، وجَمْعُه خِيفٌ. وأخافَ الثغْرُ فهو مُخِيْفٌ. وخاوَفَني فَخُفْتُه أخُوْفُه.))(63) و((ما كان من هذا على فَعِلٍ أو فَعُلٍ فإنه يعتل، فتنقلب واوه وياؤه ألفا، كما اعتلّ خافٌ، وطالٌ؛ لأن المعتلّين في موضع حركة وقبل كل واحد منهما فتحة.))(64)، فكان الإبدال بين الواو والألف بسبب فتح الواو وفتح ما قبلها مما أدى إلى انقلاب الواو إلى ما يُناسب الفتحتين وهو الألف.

 ومثله ما جاء في قوله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ)، فالفعل طافَ ((به الخيال يطوف طوفا وطوفانا، إذا ألم به في النوم، قال تعالى (فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون) ويقال طاف حول الشى يطوف طوفا وطوفانا، إذا دار حوله، ورجل طائف وطاف، أصله طوف على صيغة المبالغة))(65)، وهو من الأفعال اللازمة التي تتعدى بالحرف، لذا جاء في الآية المباركة تعديتها بالحرف للتأكيد وللبيان.

 وبناء الفعل للمجهول دلَّ على تمكين غيبي يقوم بالتطويف وليس من ذات الصحاف التي تطوف، فهي منزوعة الإرادة، وهذا يكشف عن القوَّة الخارجية على التطويف من خارج ذات الصحاف.

 فالفعلان المعتلان (خاف، طاف) من الأفعال اللازمة التي تتعدى بالحروف وجاءا في هذه الآيات المباركة ليدلَّا على حركة معيَّنة ولإلفات النظر والانتباه للقوَّة الخارجية المسلطة على ما بعد الفعل ليؤكد أنَّ استعمال هذه الأفعال كان بقصديَّة تامة من قبل المُنزل للآيات الشريفة.

 وكذلك ما جاء في قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) وهو فعل أمر من (بشَّر) مضعَّف (العين) الثلاثي المزيد بالتضعيف، وقد دلَّ إيراده على التسلية وإلفات النظر والتنبيه.

2ـ الصحيح والمعتل من الأفعال: الأفعال بطبيعتها ((تنقسم إِلَى صَحِيح ومعتل فالمعتل مَا فِيهِ حرف عِلّة وَالصَّحِيح بِخِلَافِهِ فالمعتل بِالْفَاءِ مِثَال وبالعين أجوف وَذُو الثَّلَاثَة وباللام مَنْقُوص وَذُو الْأَرْبَعَة وبالفاء وَالْعين أَو بِالْعينِ وَاللَّام لفيف مقرون وبالفاء وَاللَّام لفيف مفروق))(66)، والأفعال تفير التجدد والحدوث والاستمرار.

 وقد جاءت الأفعال بكثرة في آيات الأنْفس المباركة؛ علىى سبيل المثال ما جاء في قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ)، وهو من الفعل (بَلَوَ) الثلاثي الناقص معتل الآخر، وقد احتفظ بحروفه من الإقلاب والإبدال في هذا السياق بالرغم من توالي الحروف التي دخلت عليه للتأكيد وبيان الاستقبال وحروف الخطاب والجمع، وهذا يدل على قوَّة الحروف في هذا الفعل، ودلّ على أنّ البلاء غير الابتلاء.

 ومن الأفعال المعتلَّة في فالآيات المباركة (خافت، تتقوا، يتوفى، تمت، قضى، تشتهيه، سميتموها، كان، تهوى، جاءهم) وهذه الاستعمالات في الآيات المباركة أدَّت معاني خاصَّة لا يمكن استبدالها بغيرها، والبحث فيها يطول المقام ويُحدث الإطناب، فهي تحتاج بحثاً مستقلَّاً لبيانها.

 أمَّا الأفعال الصحيحة التي وردت في سياقات الآيات الشريفة؛ فهي: (يصلحا، أحضرت، تحسنوا، تعملون، تحمل، فيمسك، يُرسل، يتفكرون، تلذ، أنزل، يتبعون)، وقد وضعت هذه الالفاظ بقصديَّة تامَّة لمصاديق مختلفة وفقاً لوحدة المفهوم وتعدد التمثُلات، ومَن قطع بدلالة ما لهذه الأفعال؛ فهو واهم، لأنَّ الألفاظ القرآنية فيها من الحشد المعنوي ما لا تحمله سطور أو ألفاظ؛ لذا يجب على مُبيِّن المعاني أن يُشير إلى معنى من معاني ولا يقطع بفردانيَّته بالدلالة.

3ـ حركة الأفعال: تنماز الآيات المباركة بحركة أفعال كبيرة في تصريفها، ففي الآية الواحدة نجد أكثر من تصريف للأفعال؛ من الماضي إلى المضارع إلى الأمر، وهذا ما نجده في قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، فقد ابتدأت الآية الشريفة فالفعل المضارع المقترن باللام المفيد للمستقبل، ثمَّ اختتمت الآية الشريفة بفعل الأمر (وَبَشِّرِ)، مما يستدعي ذلك الإنتباه والاستعداد للبلاء، لأنَّ فعل الأمر يفيد الآنيَّة، وكأنَّ الآية تريد الاستعداد للبلاء بالصبر الآني، وهذا مما يُسمَّى في البلاغة العربية بأسلوب الإلتفات؛ إذ التفت الخطاب من المستقبل إلى الحاضر بطريقة حركة الأفعال.

 أمَّا في قوله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)، فتناوبت الأفعال ما بين الماضي والمضارع والمبني للمجهول؛ فمن (خَافَتْ إلى يُصْلِحَا إلى أُحْضِرَتِ إلى تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ إلى تَعْمَلُونَ)، فدلَّ ذلك على الحركة المستمرة وعدم الجمود والثبات، لأنَّ السياق يتكلم في حياة الأسرة وهي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع الذي هو حماد الحياة، فاحتاج ذلك إلى الحركة المستمرة لذا استعمل الأفعال الدالة على التجدد والحدوث والاستمرار، أمَّا (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ)، فهي على سبيل الجملة الاعتراضية؛ حيث اختلف تصريف الفعل عن سابقه وتاليه، فهو مختلف عن الأفعال الأخرة مما يُوحي ذلك بأجنبية الجملة بكلِّيَّتها، وما جاء عن المفسرين ما هو إلى إقحام المعنى في السياق؛ والله أعلم.

 ومثله ما جاء في قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، فالسياق يتكلم عن دورة الحياة التي تنماز بالحركة والحيوية فقال تعالى في الأفعال: (يَتَوَفَّى إلى لَمْ تَمُتْ إلى فَيُمْسِكُ إلى قَضَى إلى وَيُرْسِلُ إلى يَتَفَكَّرُونَ) فكانت الأفعال تدل على الحركة والاستمرار والتجدد والحدوث؛ لأنَّ الموت والحياة تحتاج إلى الحركة الدائبة فكان الساق مفعم بالحيوية والحدوث.

 واللافت للنظر؛ إنَّ الآية المباركة ابتدأت بالجملة الإسمية للدلالة على الثبوت بأنَّ الله تعالى هو الذي يتوفى الأنفس وليس الملائكة، مما يُدلل على أنَّ الأنفس غير النفوس في جمعها القليل، لذا جاء بالجملة الإسمية وتقديم الفاعل على فعله لتركيز المعنى في الذهن من جانب؛ ومن جانب آخر للتأكيد على استيفاء الله للأنفس حصراً لأنَّ هذه الشريحة من الخلق جعلهم الله في عليين وهم أعلى درجة من الملائكة فلا يمكن للملك أن يتولى قبض أرواحهم، والله أعلم.

 وانتهت الأية بالجملة الإسمية التي تُسمى في البلاغة بالخبرية الإنكارية؛ التي تعددت فيها التوكيدات للحث على التفكُّر والتدبُّر في الآيات المباركة، ولعلَّ الأمرَ في التفكير عائدٌ إلى الأنفسِ في الرجوع إليهم؛ لأنَّهم هم القوم الذين أوكل إليهم التفكُّر في آيات الله تعالى.

 في حين جاء في قوله تعالى: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى)، حركة الأفعال كلها في الماضي ما خلا (إِن يَتَّبِعُونَ) و (وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ) وهي ناظرة إلى المعنى السياقي العام وهي دال على المضي أيضاً، وهذا يدل على أنَّ الأفعال دلَّت على التبكيت واللوم والعتاب والتقريع لأحداث قد وقعت فعلاً؛ لذا جاء السياق موائماً للدلالة السياقية العامَّة.

 وقد تناوبت الحركة في الحدوث بوساطة مجموعة من الأفعال الصحيحة والمعتلّة، فالصحيحة كانت في (أَنزَلَ، يَتَّبِعُونَ)، والأفعال المعتلة كانت في (سَمَّيْتُمُوهَا، تَهْوَى، جَاءهُم)، رُبَما زيادة الأفعال المعتلَّة على الصحيحة من باب بيان التقلُّبات الحياتية في الاتباع كما تتقلَّب حروف الاعتلال في الأفعال، وتبقى هذه وجهات نظر قابلة للنقد والنقض.

 بنية المشتقات

1ـ اسم الفاعل: وهم اسمٌ مشتقٌ يفيد الثبوت في فعل الفاعل، فإذا كان من الثلاثي فيُصاغ على وزن (فاعل) وإذا كان من غير الثلاثي؛ فيُصاغ بإبدال حرف مضارعه ميماً مضمومة وكسر ما قبل الآخر(67)، وقد ورد هذا اللون الصرفي في قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، فقد ختم الآية المباركة بقوله تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، وهي مفرد (صابر) من الفعل (صَبَرَ) الثلاثي؛ صِيِغَ على وزن فاعل، وتبعاً لقول الصرفيين أنَّ اسم الفاعل يفيد الثبوت؛ دلَّ على ذلك أنَّ الآية المباركة تُشير إلى توكيد البُشرى للذين ثبتت لهم صفة الصبر، فهي فيهم كامنة ثابتة متأصِّلة لا تتغير ولا تتحول ولا تتبدَّل، فهؤلاء هم الذين سينالون الحضور مع (الأنفس) بعد صبرهم على البلاء بفقدهم وفقد الصفات الأخرى.

 وكذلك جاء اسم الفاعل في قوله تعالى: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ...)، فقد جاء اسم الفاعل بين سياق النفي والاستثناء مما يكشف عن أنَّ البلوغ لتلك البلاد يحتاج إلى اتباع ما شقَّه (الأنفس)، فالبلوغ جاء بصيغة اسم الفاعل والكون المنفي الذي سبقه دلَّ على أنَّ عدم ثبوت البلوغ حاصلٌ ما لم يكن اتباع لما يشقُّه الأنفس، والله أعلم.

 ومنه ما ورد في قوله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، فاختُتِمت الآية المباركة بالجملة الإسميَّة بالإضافة إلى اسم الفاعل الذي يفيد الثبوت المعنوي، فكان التأكيد مكرر وهذا في البلاغة ما يعني بالجملة الخبرية الإنكارية بتكرار التوكيد، فبالرغم من ثبوتهم واستقرارهم في الجنَّة إلَّا أنَّهم يفتقرون لما تشتهيه الأنفس التي هي أصل الجنَّة منهم خُلقت؛ لذا أرادت الآية المباركة بيان المكانة العالية لهذه الأنفس لما بعد الحياة الدنيوية، وهم لهم تأثير على الخلق حتى بعد الدخول إلى الجنَّة، وهذا ثابتٌ لهم في ما مضى وجارٍ لهم فيما بقي.

2ـ الصفة المُشبَّهة: تُسمَّى الصفة بالمُشبَّهة لتشبيهها باسم الفاعل في العمل؛ وتختلف عنه في الوزن والاشتقاق، ((ولم تقوم أن تَعمل عَمَلَ الفاعل لأنّها ليست فى معنى الفِعل المضارِع، فإِنَّما شُبَّهَتْ بالفاعل فيما عَملتْ فيه. وما تَعْمَلُ فيه معلومٌ، إنَّما تَعمل فيما كان من سببها مُعَرَّفا بالألف واللام أو نكرةً، لا تُجاوِز هذا؛ لأنَّه ليس بفعلٍ ولا اسم هو فى معناه.))(68)، و((اعْلَم أَن هَذِه الصّفة إِنَّمَا حَدهَا أَن تَقول هَذَا رجل حسن وَجهه وَكثير مَاله فَترفع مَا بعد حسن وَكثير بفعلهما لِأَن الْحسن إِنَّمَا هُوَ للْوَجْه وَالْكَثْرَة إِنَّمَا هِيَ لِلْمَالِ فَهَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك هَذَا رجل قَائِم أَبوهُ وقاعد أَخُوهُ وَيجوز أَن تَقول هَذَا رجل حسن الْوَجْه فَالْوَجْه لم يَجْعَل حسنا معرفَة وَإِن كَانَ مُضَافا إِلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَن التَّنْوِين هُوَ الأَصْل وَمعنى هَذِه الْإِضَافَة الِانْفِصَال كَمَا كَانَ ذَلِك فِي قَوْله (هَديا بَالغ الْكَعْبَة) و (هَذَا عَارض مُمْطِرنَا) لما كَانَ التَّقْدِير إِنَّمَا هُوَ التَّنْوِين ثَبت الِاسْم نكرَة وَصَارَ بِمَنْزِلَة مَا لَفَظُوا بتنوين))(69)، ولهذا سُمّيت بالمُشبَّهة.

 وذهب الصرفيون إلى أنَّها: ((لفظٌ مَصُوغٌ من مصدر اللازم، للدلالة على الثُّبوت.

ويغلب بناؤها من لازم باب فرِح، ومن باب شرُف؛ ومن غير الغالب نحو سيّد ومَيِّت: من ساد يسود ومات يموت، وشيْخ: من شاخ يشيخ.))(70)، وهذا ما يهمُّنا في هذا المبحث بقدر الطاقة الاستيعابية للألفاظ الداخلة في البحث.

 وقد جاءت الصفة المشبَّهة في قوله تعالى: (... فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)، فبير صفة مشبَّهة جاءت في سبيل الإخبار ودلَّت في وجودها الثبوت بالعلم الإلهي لما يعمله العباد، فكان وجود الصفة المشبَّهة في خاتمة الآية المباركة أريد منها ــ والله أعلم ــ التنبيه والبيان العلمي بالثبوت.

 وكذلك ما جاء في قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، فجاء الترادف من الصيغة المبالغة (رؤوف) والصفة المشبَّة (رحيم) وهما وقعتا في سياق الجملة الخبرية الإنكارية مما يكشف عن الشكّ أو الريب الموجود في قلوب المخاطَبين في هذه الآيات المباركة، إذ أفادت الصفة المشبَّة ــ في استعمالها ــ رفع ذلك الشك بتأكيد الثبوت.

المطلب الثاني
المستوى التركيبي لآيات الأنفس

 المستوى التركيبي من المستويات الرئيسة في دراسة التحليل اللساني؛ إذ إنّ البنية اللغوية لا تكتفي بصياغة المفردات وفقاً للقواعد الصرفية فحسب؛ بل تحتاج إلى وظائف مخصصة تسمَّى بـ(الوظيفة النحوية)، وهي الوظيفة التي تحتل الكلمات فيها محلاً معيناً يُطلق عليها بـ(الرتب)، وتشير إليها علامات معينة تُعرف بـ(العلامات الإعرابية) وهي من خواص اللغة العربية، والتي تدل على بيان نوع العلاقة الوظيفية والدلالية التي تقوم بربط بين الكلمات أو الألفاظ داخل البنية التركيبية، فالنحو: هو العلم المختص في تقعيد قواعد الجملة، والذي يهتم بدراسة التراكيب الجملية داخل العبارة، وكذلك هو الركن الأساس للسانيات؛ إذ إنّه في الواقع يُعدُّ عصب اللسانيات أوقلبها النابض؛ وهو عند بعض الأسلوبيين اللسانيات ذاتها قلبًا وقالبًا(71).

 والتركيب عند (سيبويه) يعني: اجتماع كلمتين أو أكثر لعلاقة معنوية(72)، والأصل في كل تركيب هو إنَّ الاصوات وحركاتها وانضمامها لأصوات أخرى وانضمام الأصوات في الكلمات؛ والكلمات في أنساقها التركيبية تؤدي موقعًا دلاليَّاً معيَّنا، فيكون ــ ذلك ــ نسيجًا من العلائق النصِّية التي تبرز بين الأصوات والكلمات، وهذا ما بحثه العلماء فيما يسمى بـ (الإسناد)(73).

 فالتركيب إذن يختص ببيان دراسة العلاقات والوشائج داخل نظام الجملة، بالإضافة إلى توضيح حركة العناصر الخاصَّة والعامَّة وانسجامها ومدى تلاؤمها في نطاق مفهوم التام المفيد، وكل ذلك يريد أن تتألف فيه الالفاظ وتتناسق الدلالات لتأليف وحدة متكاملة تتحصل بها الفائدة.

 أمَّا التركيب عند اللسانيين المحدثين؛ فقد تنوعت لديهم التعريفات الألسنية لمصطلح التركيب؛ إلَّا أنّها دارت رحاها حول فكرة نظم وتأليف الكلمات والجمل بوساطة الأصوات؛ إذ يُعد العالم السويسري (دي سوسير) الذي كان صاحب القدح المعلَّا في سبر أغوار هذا المجال، فالتركيب ((تأليف وحدتين أو عدة وحدات متتابعة في السلسلة الكلامية))(74)، إذ يجب أن يجمع التركيب بين عنصرين لغويين دالين على معنى ويكون هذا التركيب وفق علاقات، وهذه العلاقات على نوعين:

1- العلاقات الاستبدالية 2- العلاقات الركنية.

 وهناك مؤشرات ــ بالإضافة إلى ما ذُكر ــ تستعين اللغة بها لتوضيح نوع العلاقة الوظيفية في الدلالة التي تربط الكلمات بعضها مع بعض داخل التركيب العام، وهي على نوعين:

أولًا: قرائن لفظية. ثانيًا: القرائن المعنوية.

القرائن اللفظية، وهي:

1- العلامات الإعرابية: يستغني العراب في كلامها – أحيانًا – عن الرتبة؛ فيقدمون لفظاً ويؤخّرون لفظاً آخراً، ويُغيّرون الترتيب الروتيني للجملة لأجل غرض بلاغي، فتبقى العلامات الإعرابية هي الرمز الدال على الوظيفة وتبيانها، كما قوله تعالى: (...إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)(فاطر/28)، فخرجت هذه الآية عن النسق المعتاد للجملة (الفعل + الفاعل + المفعول به)، إذ تقدّم المفعول به وهو لفظ الجلالة (الله) على فاعل الخشية وهم (العلماءُ)؛ لغرض بيان الحصر في الخشية، والنصب في ذلك هو العلامة الإعرابية التي دلت على أنّ المفعول به قد تقدَّم؛ وكان المتأخر هو الفاعل، وهذا ما يُسمَّى بـ(النمط الإعرابي)؛ لأنّ الحركة الإعرابية تُحدد الوظيفة لكل كلمة في الجملة، وهذا ما درجت عليه لغة العرب(75).

 وهذا اللون جاء في آيات الأنفس في جمل متعددة كقوله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)، فقد تقدَّم لفظ (امْرَأَةٌ) على فعله لغرض بلاغي وهو الاهتمام من ناحية التقديم والتأخير، وكذلك تنكيرها أفاد العموم، والحركة الإعرابية في هذا اللفظ حافظ على الموقع (وهو فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة).

 وإلى هذا المعنى ذهب الفخر الرازي في قوله: ((وهاهنا ارْتَفَعَ (امْرَأَةٌ) بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ (خافَتْ) وَكَذَا الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْآيَاتِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا واللَّه أَعْلَمُ.))(76).

 وكذلك تأخير (نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) لغرض بيان القلَّة، وجاءت ((الصلح خير من الخيور، كما أن الخصومة شر من الشرور وهذه الجملة اعتراض))(77) كما في (((وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ) اعتراضا، تنبيها على ما في ذات الإنسان، والشح أبلغ من البخل إذ هو غريزة.))(78)، في حين ((...قرأ الكوفيون (أَنْ يُصْلِحَا) من أصلح بين المتنازعين، وعلى هذا جاز أن ينتصب صلحا على المفعول به، وبينهما ظرف أو حال منه أو على المصدر كما في القراءة الأولى والمفعول بينهما أو هو محذوف. وقرئ (يُصْلِحَا) من أصلح بمعنى اصطلح.... (فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ) من الإِحسان والخصومة.

 خَبِيراً عليماً به وبالغرض فيه فيجازيكم عليه، أقام كونه عالماً بأعمالهم مقام إثابته إياهم عليها الذي هو في الحقيقة جواب الشرط إقامة للسبب مقام المسبب.))(79)، فكان للحركة الإعرابية أثرها الكبير في تحديد الدلالة وتحديد موقع اللفظ في هذه الآية الشريفة.

 وتأثير الحركة الإعرابية على سياقات العبارة جاء في قوله تعالى: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).

 إعمال اسم الفاعل

 فقد عمل اسم الفاعل ـ في هذه الآية المباركة ــ (بالغيه) في هذا السياق الشريف؛ إذ استوفى أحد شروط إعماله وهو مجيئه بعد النفي، إذ يقول ابن مالك في شروط عمل اسم الفاعل: [من الرجز]

كفـعـله اسـم فـاعل في الـعمل... إن كـــان عـــن مـضيه بمعزل

 وولى استفهاما أو حرف ندا... أو نفيا أو جا صفة أو مسندا(80)

 فكان أحد الشروط حاضراً في سياق الآية المباركة وعمل اسم الفاعل في رفع فاعله وهو الضمير المستتر المقدَّر بـ(أنتم) ونصب مفعوله وهو الضمير المتصل (الهاء).

 ورود الجملة مورد الصفة

 وذهب الطاهر بن عاشور في قوله: ((وَجُمْلَةُ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ صِفَةٌ لِبَلَدٍ، وَهِيَ مُفِيدَةٌ مَعْنَى الْبُعْدِ، لِأَنَّ بُلُوغَ الْمُسَافِرِ إِلَى بَلَدٍ بِمَشَقَّةٍ هُوَ مِنْ شَأْنِ الْبَلَدِ الْبَعِيدِ، أَيْ لَا تَبْلُغُونَهُ بِدُونِ الْأَنْعَامِ الْحَامِلَةِ أَثْقَالَكُمْ.))(81)، فكان للاثر التركيبي النحوي التوجيه المباشر للمعنى في مفاصل الآية المباركة.

 إعمال المصدر

 تعمل المصادر عمل أفعالها بشروط، منها: أن تكون مضافة أو معرفة بـ (ال) أو مجردة من (أل) والإضافة(82)، وجاء إعمال المصدر في آيات الأنفس في قوله تعالى: (إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ)، حيث ذهب القرطبي إلى أنَّه ((يجوز أن يكون بمعمى المصدر، من شققت عليه شَقًّا. وَالشِّقُّ أَيْضًا بِالْكَسْرِ النِّصْفِ، يُقَالُ: أَخَذْتُ شِقَّ الشَّاةِ وَشِقَّةَ الشَّاةِ.))(83)، وعلى هذا الرأي وجب إعمال المصدر عمل فعله لأنَّه جاء مضافاً وهو من شروط إعمال المصدر.

 معاني حروف الجر

 لحروف الجر معان خاصَّة يكشف عنها السياق، وقد جاءت في قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، فجاءت (الباء) للواسطة وحرف المعنى (من) جاء للجنس في (مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ) وجاءت للتبعيض في (مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ) وهذا ما يعطيه السياق مع قرائن الحال.

 ومثله ما جاء في قوله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، فكانت (على) بمعنى حولهم و(من ذهب) للجنس. وغير ذلك من المعاني الواردة في الآيات التي هي في مضمار البحث.

2- الرتبة: وهي على نوعين:

أ- رتبة محفوظة: مثل تقدم الموصول على الصلة، والموصوف على الصفة، والفعل على الفاعل، والمضاف على المضاف إليه، وأدوات الشرط، والجزم، والنفي، التي وصفت بأنّ لها الصدارة دومًا، وهي من البديهيات التركيبية في لغة العرب.

ب- رتبة غير محفوظة: والمقصود فيها النمط المعهود في التركيب اللغوي مثل: تقدّم الفعل على الحال، والفاعل على المفعول به، والمبتدأ على الخبر، وربما تكون هذه الرتبة هي القرينة المبيِّنة في كشف علامة الإسناد(84).

 مثال على توضيح ذلك: زارَ موسى عيسى، فـ (موسى) فاعل، و (عيسى) مفعول به، استنادًا إلى أنّ الأصل تقديم الفاعل وتأخير المفعول به، مع أنّ ذلك ليس رتبة محفوظة، وإذا قلتُ: زارَ عيسى موسى، فـ (عيسى) سيصبح فاعلًا، و (موسى) مفعولًا به، ((فهناك فرق بين الجملتين مرده إلى اختلاف الرتبة، فالموقع أو الرتبة يصبح ذا محتوى دلالي؛ لأنّه لا تظهر عليه علامات إعراب فهي أسماء مقصورة، فالموقع ذاته وظيفة، فتغير موضع الكلمات في الجملتين غيّر من الوظيفة النحوية لكل واحدة وكذا دلالتها في الوقت نفسه، وهذا النوع يسمى بـ (النمط التحليلي)؛ لأنّ معرفة الوظيفة التي تقوم بها الكلمة في الجملة تنجم عن تحليل التركيب اللفظي، وهذا النمط هو الشكل السائد في اللغات الأوربية لعدم وجود الإعراب في لغاتهم))(85).

 فما جاء في قوله تعالى: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى)، كان حكم الألفاظ في ترتيبها على النمط المعهود في تحليل النصوص اللغوية؛ فقد جاء (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم) فكان الترتيب كفيلاً في أداء المعاني النمطية، و(مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ) فجاء الفاعل بعد الفعل وهو من متعارف الأوساط، والآيات الآخرى بالتبع.

3- حروف العطف: مثل: الواو، الفاء: وهي نوع آخر من المورفيمات ليست مستقلة ولا مقيّدة، وإنّما مورفيمات وظيفية تدخل تحتها الظروف وحروف المعاني والأدوات بشكل عام، فالواو تكون للقسم، وللعطف، وللحال، وللمعية، والذي يحدد وظيفتها السياق، ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ)، فتوالت المعطوفات بعد حرف العطف، والواو في البلاغة تفيد الترتيب والتشريك والبيان، وهذا ما أفادته في ترتيب المعطوفات هنا.

 وجاء العطف بـ(أو) في قوله تعالى: (نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) للتخيير بين الأمرين، فدَّل العطف على حصول أمر من الأمرين، ويقبل الجمع بينهما، وغير هذا كثير. 

4- صيغة زمن الفعل: مثال ذلك: الفعل (قرأَ) تتجاوز دلالته الزمنية معنى الماضي إذا ما كان في جملة: (إنْ قرأتَ هذا الكتاب وجدتَهُ سهلًا)، فالماضي هنا يفيد المستقبل؛ لأنّه أسلوب شرط فخرج من معناه الأصلي، كذلك قولنا: (حماكَ اللهُ، رعاك اللهُ) الفعل فيهما للدعاء (صيغة الزمن الماضي في الدعاء لا تفيد الماضي).

 والزمنية في الفعل وجدنا فيها تفاوتاً بين استعمالٍ وآخر في الآيات المختارة، فمن ذلك ما جاء في قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) قد دلَّت على المستقبل المُتاح، فلم تأتِ معه قرينة تؤكد وقوع البلاء في وقتٍ معيَّن، فالبلاء حاصلٌ ولكن لم يُحدد زمنه، ومن ذلك كشف الفعل في هذه الصيغة على التحذير والاستعداد لوقوع الفعل في أي وقت، ثمَّ أردِف بفعل أمر (وَبَشِّرِ) الدال على الأمرية في صيغته البنيوية إلّا أنَّه أُريدَ منه المستقبل، فكان اتساق الفعلين حاصلاً في الدلالة العامَّة، واختلاف زمنهما في البنية لم يُضير المعنى المراد من السياق، فأشار السياق إلى المستقبل وليس الحال، وبين هذين الفعلين انحصرت الأحداث في وقوعها مستقبلاً.

 وكذلك ما جاءت به الآيات المباركة من أفعال مثل: (خَافَتْ، أَن يُصْلِحَا، وَأُحْضِرَتِ، وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ، تَعْمَلُونَ، وَتَحْمِلُ، لَّمْ تَكُونُواْ، يَتَوَفَّى، لَمْ تَمُتْ، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى...)، وغيرها من الأفعال، كلها ناظرة إلى المستقبل على الرغم من تعدد صيغها، فنجد فيها الماضي والمضارع والمبني للمجهول والناقص والصحيح والمعتل؛ إلَّا أنَّها دلَّت على المستقبل مما يجعلنا نحكم بوحدة الفكرة في جميع الآيات المختارة من أنَّها مستقبليَّة الوقوع تحذيرية الغرض.

5- الصيغة: هي المبنى الصرفي للأسماء والأفعال والصفات، وهي قرينة لفظية يقدّمها علم الصرف للنحو، مثال ذلك: إنّ الفاعل والمفعول به، والمبتدأ والخبر، ونائب الفاعل، يجب أن تكون أسماءً لا أفعالًا، لذلك لا يتوقع أن يأتي الفاعل فعلًا مثل (جاء، أتى)، فلو قلنا: (جاءَ تأبط شرًا) لجأنا إلى التأويل عن طريق إعراب الحكاية، أي: (جاء المسمّى بجملة تأبطَ شرًا)(86).

 وهذه الفقرة تكفلت بها السياقات العامَّة للآيات المباركة من أنَّ المباني الصرفية جاءت لتخدم التراكيب النحوية وتؤدي معانيها؛ فعلى سبيل المثال ما ورد في قوله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) في التناسق الصوتي من جهة وتوحيد المبنى الصرفي بين (الأنفس والأعين) وهذا ما جعلها تخدم التركيب النحوي في تأدية المعنى من جهة، والقصدية بتصريف الفاعل على صيغة جمع القلَّة من جهة أخرى.

6- المطابقة: ((قرينة لفظية توثق الصلة بين أجزاء التركيب وتعين على إدراك العلاقات التي تربط بين المتطابقين، وتكون المطابقة في العلامات الإعرابية، والشخص، والعدد، والنوع، فإذا قلنا: الرجالُ الصابرون يقدرون، كان الترتيب تام المطابقة، أمّا لو قلنا: الرجال الصابران يقدر (الرجال "جمع"، الصابران "مثنى"، يقدر "مفرد") فهنا أزيلت المطابقة من موضعين من التركيب))(87)، وهذا ما نجده في قووله تعالى على سبيل التمثيل لا الحصر: (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، وقوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، وقوله تعالى: (وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وغيرها، فكل التراكيب النحوية في هذه الآيات المباركة جاءت علىى سبيل المطابقة.

7- الربط: هو قرينة لفظية تدل على اتصال أحد المترابطين بالآخر، وله دور في إبراز المطابقة بين أجزاء الكلام، ويكون الربط بالضمير مستترًا وبارزًا، فالمستتر نحو: زيدٌ قامَ، والبارز: زيدٌ قامَ أبوه، ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ) فحذف نائب الفاعل لم يُخل في السياق، وإنَّما الربط حاصل في عموم التركيب لا بخصوص اللفظ.

8- الأداة: ((هو مبنى صرفي يؤدي وظائف خاصة في التركيب النحوي، وتنبّه علماء العربية الأوائل للأدوات وأثرها في فهم النصوص الدينية والآثار الأدبية. وتنقسم الأدوات إلى:

أ- أدوات أصلية: لا تنتمي إلى مبنى صرفي سابق، وإنّما هي حروف وضعت لمعانٍ خاصة عند أهل اللغة أساسًا، مثل: حروف الجر، وحروف العطف.

ب- أدوات محوّلة: هي التي تنتمي إلى مباني الأسماء والأفعال والظروف لكنّها أُشبهت بالحرف شبهًا معنويًا، مثل: (متى، أينَ، كيفَ، الحروف المشبهة)))(88)، فمن الأدوات الاصلية ما جاءت في قوله تعالى: (مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ... وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) و قوله تعالى: (وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وغيرها من حروف العطف حروف الجر التي وردت في الآيات المختارة.

 أمَّا الأدوات المحوَّلة؛ ما وردت في قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، وجاءت هذه الأدوات للربط من جدهة وللتأكيد من جهة أخرى على تلاحم السياق بين ما قبل الأداة وما بعدها.

* القرائن المعنوية، هي:

1- الإسناد: هي العلاقة الرابطة بين طرفي الإسناد كالعلاقة بين المبتدأ والخبر، والفعل والفاعل، من ذلك ما جاء في قوله تعالى: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)، وقوله تعالى: (مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ) وغيرها من المسند إليه والمسند الواردة في تراكيب الآيات المختارة.

2- التخصيص: وهي قرينة معنوية تضم مجموعة من المعاني، مثل: التعدية، والغائية، والظرفية، والإخراج، مثل قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) فجاءت الظرفية الزمانية لتؤكد أنَّ الأنفس مملوكة لله في كل زمن حضرت فيه الأنفس.

- الإخراج (الاستثناء): يدل الاستثناء على أنّ الإسناد لا يشمل المستثنى لأنّه خرج منه، نحو قولنا: نجحَ الطلابُ إلاّ عليًا، فإسناد النجاح هنا إلى الطلاب استثنى منه واحد للدلالة على إخراجه منهم، وذلك ما ورد في قوله تعالى: (لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ).

 وبهذا ندرك أهمية المستوى التركيبي في الدراسات اللسانية؛ لأنّ استيعاب البنية النحوية التي يتألف منها التركيب اللغوي أمر مهم في فهم البنية الدلالية، وهذا ما يسهل التعلم والتعليم، كما أنّ هذا المستوى يعمل على معرفة التراكيب اللغوية التي يتألف منها النص بوظيفة لسانية قائمة بذاتها(89).

الخاتمة

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقة محمد وآله الطيبين الطاهرين وبعد.

 بعد هذه الرحلة الممتعة في آيات الذكر الحكيم وسبر أغوار أسرارها التحليلية؛ نتج عن البحث النتائج الآتية:

1ـ حاول البحث النأي بنفسه عن التفسير بالرأي قدر الإمكان وإقصاء مَن قال برأيه في كتاب الله المجيد.

2ـ اعتمد البحث على تفاسير مدرسة الصحابة المعتمدة وترك ما دون ذلك.

3ـ ركَّز البحث على تفسير أهل البيت (عليهم السلام) حصراً في تفسير الآيات المباركة، ولم يذكر آراء المفسرين في مضمار الكلام في مدرسة أهل البيت، اعتقاداً منه من أنّ التفسير من أهل البيت حقٌّ ومن غيرهم يُبنى على الظن، والظن لا يُغني من الحقِّ شيئاً.

4ـ أكد البحث على المفهوم العام للآيات المباركة ووحدة الدلالة المركزية من جهة؛ وتعدد المصاديق والتمثُّلات من جهة أخرى، فالآية المباركة ـ وفقاً لأقوال أهل البيت ـ لها ظاهر وللظاهر ظاهر، ولها باطن وللباطن باطن، فلم يقطع البحث بالمعنى للآية لأنَّ تمثلاتها ومصاديقها جارية في كل زمان ومكان.

5ـ آيات الأنفس المباركة دلالتها المركزية دلت على المفهوم العام للمقامات العالية لذلك جاءت بصيغة جمع القلَّة، وهي ناظرة للعددين بين الكبرى والصغرى.

6ـ مصاديق آيات الأنفس في زمن الأنبياء هم الأنبياء وأوصياؤهم، وفي زمن اهل البيت هم أهل البيت، لذا هي جارية إلى مقام صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

7ـ استعملت الالفاظ المباركة أصواتا تبعث على القصدية في الاستعمال والتأكيد على المعنى القابع خلف نطقها.

8ـ التقلبات الصرفية أخذت من الآيات المختارة حيِّزاً كبيراً في أداء المعنى.

9ـ كشف التحليل النحوي عن منظومة تركيبية في الآيات المختارة الشريفة؛ إذ أكَّد هل القصدية في تركيب الألفاظ داخل المنظومة باتساق وانسجامٍ تامَّين، وكان لهذا التركيب أثرٌ في توجيه المعنى.

10ـ نتج من كل ذلك تخصيص الأنفس وتحديد الشخوص لا عامِّيتها ـ وأنَّها في جميع مواردها دالَّة على المستقبل من خلال حركة الأفعال ـ كما وضَّحنا داخل البحث ـ فالانفس لا دخل لها بنفوس الناس جميعاً؛ وإنَّما هي خاصَّة في عِلْيةِ الخلق، ففي عصر التنزيل خصَّت الأنبياء والمرسلين، وفي عصر التأويل خصَّت الأئمة الطاهرين (آل محمد صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين).

 والحمد لله رب العالمين...

..........................................

الهوامش

[1) تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت:774هـ)، المحقق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة: الثانية 1420هـ - 1999 م: 3/251.

[2) كتاب العين، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (ت:170هـ)، المحقق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، بيروت، لبنان، د.ط، د.ت: 7/271.

[3) تهذيب اللغة، محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ)، المحقق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الأولى، 2001م: 13/8.

[4) يُنظر: تفسير مجاهد، أبو الحجاج مجاهد بن جبر التابعي المكي القرشي المخزومي (ت:104هـ)، المحقق: الدكتور محمد عبد السلام أبو النيل، دار الفكر الإسلامي الحديثة، مصر، الطبعة: الأولى، 1410 هـ - 1989 م: 1/728.

[5) تفسير مقاتل بن سليمان، أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي البلخى (ت: 150هـ)، المحقق: عبد الله محمود شحاته، دار إحياء التراث – بيروت، الطبعة: الأولى - 1423 هـ: 2/340.

[6) يُنظر: معانى القرآن، أبو الحسن المجاشعي بالولاء، البلخي ثم البصري، المعروف بالأخفش الأوسط (ت: 215هـ)، تحقيق: الدكتورة هدى محمود قراعة، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1411 هـ - 1990 م: 2/419.

[7) يُنظر: مجموع الفتاوى، أحمد بن تيمية الحرَّاني (ت:628هـ)، دار طيبة، المدينة المنورة، السعودية، الطبعة: الثالثة، 1414هـ: 3/118.

[8) شرح أصول الكافي، محمد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازي (صدر المتألهين) (ت:1050هـ)، مؤسسة الأبحاث الثقافية، طهران، الطبعة: الأولى، 1425هـ: 3/381.

[9) تفسير نور الثقلين، عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي (ت:1112هـ)، إسماعيليان، قم، إيران، الطبعة: الرابعة، 1415هـ: 1/98.

[10]) كتاب العين: 3/27.

[11) التحليل اللغوي للنص، كلاوس برينكر، ترجمة: سعيد بحيري، مؤسسة المختار، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 2008م: 17.

[12) نحو تحليل النص اللغوي ـ قراءة في كتاب سيبويه ـ، محمد إبراهيم أحمد، كلية الألسن، جامعة كفر الشيخ، (بحث)، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، المجلد: 81، العدد: 8، أكتوبر 2021 م: 96.

[13) محاضرات مستويات التحليل اللساني، د. سمرة عمر، جامعة العربي التبسي، تبسة، الجزائر، د.ط، د.ت: 2.

[14) مقاييس اللغة، أحمد ابن فارس ت(395هـ)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399هـ - 1979 م: 3/82.

[15]) يُنظر: الأصول المنهجية للتفسير الموضوعي في القرآن الكريم، د. مرتضى جمال الدين، العتبة الحسينية المقدسة، كربلاء المقدسة، العراق، الطبعة: الأولى، 2016م:30.

[16) علوم القرآن، محمد باقر الحكيم،مؤسسة تراث الحكيم، النجف الأشرف، العراق، الطبعة: الخامسة، 2010م: 207.

[17) يُنظر: علوم القرآن، للحكيم: 208.

[18) مقاييس اللغة: 1/158، يُنظر: المعجم القرآني (دراسة معجمية لألفاظ القرآن الكريم)، د.حيدر علي نعمة، د. أحمد علي نعمة، مطبعة السيماء، بغداد، د. ط، 2013 م: 1/648.

[19) يُنظر: علوم القرآن، للحكيم: 216.

[20) جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (ت: 310هـ)، المحقق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م: 3/220.

[21) جامع البيان في تأويل القرآن: 3/221.

[22) يُنظر: تفسير القرآن العظيم، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم (ت: 327هـ)، المحقق: أسعد محمد الطيب، مكتبة نزار مصطفى الباز - المملكة العربية السعودية، الطبعة: الثالثة – 1419هـ: 1/263،الكشف والبيان عن تفسير القرآن، أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (ت: 427هـ)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: الأستاذ نظير الساعدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى 1422، هـ - 2002 م: 2/22، معالم التنزيل في تفسير القرآن، محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (ت: 510هـ)، المحقق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي –بيروت، الطبعة: الأولى، 1420 هـ: 1/185، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي (ت: 542هـ)، المحقق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1422 هـ: 1/227. وغيرها من التفاسير.

[23) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت: 538هـ)، دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة: الثالثة - 1407 هـ: 1/207.

[24) الكافي، محمد بن يعقوب الكليني ت(329هـ)، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط4، 1407هــ.: 2/163. يُنظر: تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي (ت:320هـ)، المطبعة العلمية، طهران، الطبعة: الأولى، 1422هـ: 1/68.

[25) تفسير العياشي: 1/23.

[26) الغيبة، محمد بن إبراهيم بن أبي زينب النعماني (ت:360هـ)، نشر الصدوق، طهران، الطبعة: الأولى، 1397هـ: 250، يُنظر: تفسير العياشي: 1/68، البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم بن سليمان البحراني (ت:1107هـ)، تحقيق: لجنة من العلماء والمحققين، مؤسسة الأعلمي، بيروت، لبنان، الطبعة:الثانية، 2006هـ: 1/358.

[27) الغيبة، النعماني: 251.

[28) مفردات ألفاظ القرآن، حسين بن محمد الراغب الأصفهاني (ت:401هـ)، دار القلم، دمشق، سوريا، الطبعة: الأولى، 1412هـ: 446.

[29) يُنظر: جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (ت: 310هـ)، المحقق: أحمد محمد شاكر مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م: 9/279ـ283.

[30) الكشاف: 1/571.

[31) يُنظر: تفسير القرآن العظيم، أبو حاتم: 4/1081، الكشف والبيان عن تفسير القرآن: 3/396، الوسيط في تفسير القرآن المجيد، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي (المتوفى: 468هـ)، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الدكتور أحمد محمد صيرة، الدكتور أحمد عبد الغني الجمل، الدكتور عبد الرحمن عويس، قدمه وقرظه: الأستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1415 هـ - 1994 م: 2/125، معالم التنزيل في تفسير القرآن: 1/708، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الثالثة - 1420 هـ: 11/236.وغيرها من التفاسير.

[32) الهداية الكبرى، حسين بن حمدان الخصيبي (ت: 334هـ)، مؤسسة البلاغ، بيروت، لبنان، د.ط، 1419هـ: 362.

[33) المصباح (جنة الأمان الواقية وجنة الإيمان الباقية)، إبراهيم بن علي العاملي‏ الكفعمي (ت:905 هـ)، دار الرضي(زاهدي)، قم‏، إيران، د.ط: 1405 هـ: 173. ويُنظر: الجواهر السنية في الأحاديث القدسية، محمد بن الحسن الحر العاملي (ت:1104هـ)، منشورات دهقان، طهران، الطبعة الثالثة، 1422هـ: 354. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، محمد باقر بن محمد تقي‏ المجلسي (ت: 1110 هـ)، دار إحياء التراث العربي‏، بيروت‏، الطبعة: الثانية، 1403 هـ: 92/320، جامع أحاديث الشيعة، أغا حسين البروجردي (ت:1380هـ)، منشورات فرهنك سبز، طهران، إيران، الطبعة: الأولى، 1428هـ: 23/788.

[34) مفاتيح الجنان، عباس القمي، الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، الطبعة: السابعة، 2009م: 343.

[35) جامع البيان في تأويل آي القرآن: 20/215.

[36) يُنظر: تفسير القرآن العظيم، أبو حاتم: 4/1305، الكشف والبيان: 4/129، تفسير الراغب الأصفهاني: 5/503، معالم التنزيل: 4/91، الكشاف: 3/509، الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (ت: 671هـ)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ - 1964 م: 6/377، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (ت: 685هـ)، المحقق: محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة: الأولى،1418 هـ: 5/44. وغيرها.

[37) تفسير القرآن العظيم، أبو حاتم: 10/3252.

[38) يُنظر: مفاتيح الغيب: 26/456.

[39) تفسير القرآن العظيم، أبو حاتم: 10/3252.

[40) إعلام والورى بأعلام الهدى، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت:548هـ)، المكتبة الإسلامية، طهران، الطبعة: الثالثة، 1390هـ: 252، يُنظر: شرح أصول الكافي: 3/106، 6/23.

[41) روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (ت:1170هـ)، مؤسسة كوشنابور للثقافة الإسلامية، قم، إيران، الطبعة: الثانية، 1406هـ: 1/355.

[42]) البرهان في تفسير القرآن: 5/855. يُنظر: بحار الأنوار: 90/131.

[43) جامع البيان في تأويل آي القرآن: 21/642.

[44]) البحر المحيط في التفسير، أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (المتوفى: 745هـ)، المحقق: صدقي محمد جميل، دار الفكر – بيروت، الطبعة: 1420 هـ: 9/387.

[45) يُظر: الكشف والبيان: 8/344، معالم التنزيل: 4/168، مفاتيح الغيب: 27/641، الجامع لأحكام القرآن: 16/111، وغيرها من تفاسير مدرسة الصحابة.

[46) الاختصاص، محمد بن محمد المفيد (ت:413هـ)، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم، إيران، الطبعة: الأولى، 1413هـ: 94، يُنظر: بحار الأنوار: 10/386، البرهان في تفسير القرآن: 4/833.

[47) يُنظر: تفسير العياشي: 1/23.

[48) دروس في مقاييس مستويات التحليل اللساني، رفيقة بن ميسية، جامعة الأخوة منتوري قسنطينة، د.ط، 2021م: 2، يُنظر: مستويات التحليل اللغوي عند ابن جني من خلال كتابه (الخصائص)، د. دوكوري ماسيري، وكالة البحوث والتطوير، ماليزيا، د.ط، 2012م: 8.

[49) الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع، عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي (ت: 1403هـ)، مكتبة السوادي للتوزيع، الطبعة: الرابعة، 1412 هـ - 1992م: 1/358.

[50) يُنظر: الكنز في القراءات العشر، أبو محمد، عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه بن عبد الله بن على بن المبارك التّاجر الواسطيّ المقرئ(ت: 741هـ)، المحقق: د. خالد المشهداني، مكتبة الثقافة الدينية – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1425 هـ - 2004م: 2/531، شرح طيبة النشر في القراءات، شمس الدين أبو الخير ابن الجزري(ت: 833هـ)، ضبطه وعلق عليه: الشيخ أنس مهرة، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الثانية، 1420 هـ - 2000م: 1/260.

[51) القراءات وأثرها في علوم العربية، محمد محمد محمد سالم محيسن (ت: 1422هـ)، مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1404 هـ - 1984 م: 1/246.

[52) بحار الأنوار: 93/131.

[53) تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الزبيدي (ت:1205هـ)، دار الفكر، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1414هـ: 13/246.

[54) بحار الأنوار: 53/178.

[55) يُنظر: فريدة الدهر في تأصيل وجمع القراءات، محمد إبراهيم محمد سالم (ت: 1430هـ)، دار البيان العربى – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2003 م: 2/228.

[56) القول السديد في علم التجويد، على الله بن علي أبو الوفا، دار الوفاء – المنصورة، مصر،الطبعة: الثالثة، 1424 هـ - 2003 م: 1/55.

[57) يُنظر: لسان العرب، جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم المعروف بابن منظور ت(711هـ)، حققه وعلّق عليه، ووضع حواشيه: عامر احمد حيدر، راجعه: عبد المنعم خليل إبراهيم، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ط1، 1424هـ-2003م: مادة (وقف).

[58) الكنز في القراءات العشر: 1/333.

[59) فريدة الدهر في تأصيل وجمع القراءات: 3/211.

[60) يُنظر: فريدة الدهر في تأصيل وجمع القراءات: 2/202.

[61) القول السديد في علم التجويد: 65.

[62) يُنظر: شذا العرف في فن الصرف، أحمد الحملاوي، مؤسسة المختار، القاهرة، مصر، الطبعة: الثالثة، 2009م: 18.

[63) المحيط في اللغة، الصاحب بن عبَّاد، المكتبة الشاملة على شبكة الانترنت: 1/378.

[64) المقتضب، أبو العباس المبرّد (ت285هـ)، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة، لجنة إحياء التراث الإسلاميّ- القاهرة، ط3، 1994م: 1/24.

[65) شرح شافية ابن الحاجب مع شرح شواهده للعالم الجليل عبد القادر البغدادي صاحب خزانة الأدب (ت: 1093هـ) من الهجرة، محمد بن الحسن الرضي الإستراباذي، نجم الدين (ت: 686هـ)، حققهما: وضبط غريبهما، وشرح مبهمهما، الأساتذة: محمد نور الحسن - المدرس في تخصص كلية اللغة العربية، محمد الزفزاف - المدرس في كلية اللغة العربية، محمد محيى الدين عبد الحميد - المدرس في تخصص كلية اللغة العربية، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، 1395 هـ - 1975 م: 3/16.

[66) الشافية في علم التصريف (ومعها الوافية نظم الشافية للنيساري - المتوفى في القرن 12)، عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، أبو عمرو جمال الدين ابن الحاجب الكردي المالكي (ت: 646هـ)، المحقق: حسن أحمد العثمان، المكتبة المكية – مكة، الطبعة: الأولى، 1415هـ 1995م: 1/9.

[67) يُنظر: الممتع الكبير في التصريف، علي بن مؤمن بن محمد، الحَضْرَمي الإشبيلي، أبو الحسن المعروف بابن عصفور (ت: 669هـ)، مكتبة لبنان، الطبعة: الأولى 1996م: 1/294، المفتاح في الصرف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني (ت: 471هـ)، حققه وقدم له: الدكتور علي توفيق الحَمَد، كلية الآداب - جامعة اليرموك - إربد – عمان، مؤسسة الرسالة – بيروت، الطبعة: الأولى (1407 هـ - 1987م): 1/73.

[68) الكتاب، عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سيبويه (ت: 180هـ)، المحقق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: الثالثة، 1408 هـ - 1988 م: 1/194.

[69) المقتضب: 4/158.

[70) شذا العرف في فن الصرف:63.

[71) يُنظر: مستويات التحليل اللساني (المجالات والعلائق)، (بحث)، فوزية حمد عبد الحفيظ الواسع، مجلة جامعة سرت للعلوم الإنسانية، المجلد: 12، العدد: 2، ديسمبر، 2021م: 14ـ16.

[72) يُنظر الكتاب: 1/137.

[73) يُنظر: المفصل في صنعة الإعراب، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت: 538هـ)، المحقق: د. علي بو ملحم، مكتبة الهلال – بيروت، الطبعة: الأولى، 1993: 1/38.

[74) التحليل اللغوي في ضوء علم الدلالة، دراسة في الدلالة الصوتية والصرفية، - والنحوية، والمعجمية، د. محمود عكاشة، دار النشر للجامعات، الطبعة: الثانية، 2011 م: 14.

[75) يُنظر: التحليل النحوي أصوله وأدلته، د. فخر الدين قباوة، الشركة المصرية العالمية للنشر، مصر، الطبعة: الثانية، 2002م: 12.

[76) مفاتيح الغيب: 11/235.

[77) الكشاف: 1/571.

[78) تفسير الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ت:502هـ)، تحقيق ودراسة: د. هند بنت محمد بن زاهد سردار، كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى، الطبعة الأولى: 1422 هـ - 2001 م: 4/183.

[79) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: 2/101.

[80) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، بهاء الدين بن عقيل الهمداني المصري (ت:769هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة دار التراث، القاهرة، مصر، الطبعة: الثالثة، 2005م: 3/82ـ83.

[81) التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت: 1393هـ)، الدار التونسية للنشر – تونس، 1984 هـ: 14/106.

[82) يُنظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: 3/72ـ74.

[83]) الجامع لأحكام القرآن: 10/72.

[84]) يُنظر: أنوار التنزيل وأسرار التأويل: 23.

[85) التحليل اللغوي في ضوء علم الدلالة: 38.

[86) يُنظر: اللغة بين المعيارية والوصفية، تمام حسان، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، تونس، 1976 م: 110

[87]) الجملة الإعرابية ـ مكوناتها ـأنواعها ـ تحليلها، محمد إبراهيم عبادة، مكتبة الآداب، مصر، الطبعة: الرابعة، 2007م: 22.

[88]) محاضرات مستویات التحلیل اللساني: 45.

[89) يُنظر: نحو تحليل النص اللغوي قراءة في "الكتاب"لسيبويه، د. محمد إبراهيم احمد إبراهيم، بحث منشور على شبكة الانترنت: 14ـ25.

....................................................

المصادر والمراجع

 القران الكريم

 الاختصاص، محمد بن محمد المفيد (ت:413هـ)، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم، إيران، الطبعة: الأولى، 1413هـ.

 الأصول المنهجية للتفسير الموضوعي في القرآن الكريم، د. مرتضى جمال الدين، العتبة الحسينية المقدسة، كربلاء المقدسة، العراق، الطبعة: الأولى، 2016م.

 إعلام والورى بأعلام الهدى، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت:548هـ)، المكتبة الإسلامية، طهران، الطبعة: الثالثة، 1390هـ.

 أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (ت: 685هـ)، المحقق: محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الأولى - 1418 هـ.

 بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، محمد باقر بن محمد تقي‏ المجلسي (ت: 1110 ه)، دار إحياء التراث العربي‏، بيروت‏، الطبعة: الثانية، 1403 ه.

 البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم بن سليمان البحراني (ت:1107هـ)، تحقيق: لجنة من العلماء والمحققين، مؤسسة الأعلمي، بيروت، لبنان، الطبعة:الثانية، 2006هـ.

 تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الزبيدي (ت:1205هـ)، دار الفكر، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1414هـ.

 التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت: 1393هـ)، الدار التونسية للنشر – تونس، 1984 هـ.

 التحليل اللغوي في ضوء علم الدلالة، دراسة في الدلالة الصوتية والصرفية، - والنحوية، والمعجمية، د. محمود عكاشة، دار النشر للجامعات، الطبعة: الثانية، 2011 م.

 التحليل اللغوي للنص، كلاوس برينكر، ترجمة: سعيد بحيري، مؤسسة المختار، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 2008م.

 التحليل النحوي أصوله وأدلته، د. فخر الدين قباوة، الشركة المصرية العالمية للنشر، مصر، الطبعة: الثانية، 2002م.

 تفسير الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (ت:502هـ)، تحقيق ودراسة: د. هند بنت محمد بن زاهد سردار، كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى، الطبعة الأولى: 1422 هـ - 2001 م.

 تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي (ت:320هـ)، المطبعة العلمية، طهران، الطبعة: الأولى، 1422هـ.

 تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت: 774هـ)، المحقق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة: الثانية 1420هـ - 1999 م.

 تفسير القرآن العظيم، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم (ت: 327هـ)، المحقق: أسعد محمد الطيب، مكتبة نزار مصطفى الباز - المملكة العربية السعودية، الطبعة: الثالثة – 1419هـ.

 تفسير مجاهد، أبو الحجاج مجاهد بن جبر التابعي المكي القرشي المخزومي (ت:104هـ)، المحقق: الدكتور محمد عبد السلام أبو النيل، دار الفكر الإسلامي الحديثة، مصر، الطبعة: الأولى، 1410 هـ - 1989 م.

 تفسير مقاتل بن سليمان، أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي البلخى (ت: 150هـ)، المحقق: عبد الله محمود شحاته، دار إحياء التراث – بيروت، الطبعة: الأولى - 1423 هـ.

 تفسير نور الثقلين، عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي (ت:1112هـ)، إسماعيليان، قم، إيران، الطبعة: الرابعة، 1415هـ.

 تهذيب اللغة، محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (ت: 370هـ)، المحقق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الأولى، 2001م.

 جامع أحاديث الشيعة، أغا حسين البروجردي (ت:1380هـ)، منشورات فرهنك سبز، طهران، إيران، الطبعة: الأولى، 1428هـ.

 جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (ت: 310هـ)، المحقق: أحمد محمد شاكر مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م

 الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (ت: 671هـ)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ - 1964 م.

 الجملة الإعرابية ـ مكوناتها ـأنواعها ـ تحليلها، محمد إبراهيم عبادة، مكتبة الآداب، مصر، الطبعة: الرابعة، 2007م.

 الجواهر السنية في الأحاديث القدسية، محمد بن الحسن الحر العاملي (ت:1104هـ)، منشورات دهقان، طهران، الطبعة الثالثة، 1422هـ.

 دروس في مقاييس مستويات التحليل اللساني، رفيقة بن ميسية، جامعة الأخوة منتوري قسنطينة، د.ط، 2021م.

 روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (ت:1170هـ)، مؤسسة كوشنابور للثقافة الإسلامية، قم، إيران، الطبعة: الثانية، 1406هـ.

 الشافية في علم التصريف (ومعها الوافية نظم الشافية للنيساري - المتوفى في القرن 12)، عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، أبو عمرو جمال الدين ابن الحاجب الكردي المالكي (ت: 646هـ)، المحقق: حسن أحمد العثمان، المكتبة المكية – مكة، الطبعة: الأولى، 1415هـ 1995م.

 شذا العرف في فن الصرف، أحمد الحملاوي، مؤسسة المختار، القاهرة، مصر، الطبعة: الثالثة، 2009م.

 شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، بهاء الدين بن عقيل الهمداني المصري (ت:769هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة دار التراث، القاهرة، مصر، الطبعة: الثالثة، 2005م.

 شرح أصول الكافي، محمد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازي (صدر المتألهين) (ت:1050هـ)، مؤسسة الأبحاث الثقافية، طهران، الطبعة: الأولى، 1425هـ.

 شرح شافية ابن الحاجب مع شرح شواهده للعالم الجليل عبد القادر البغدادي صاحب خزانة الأدب (ت:1093هـ) من الهجرة، محمد بن الحسن الرضي الإستراباذي، نجم الدين (ت: 686هـ)، حققهما: وضبط غريبهما، وشرح مبهمهما، الأساتذة: محمد نور الحسن - المدرس في تخصص كلية اللغة العربية، محمد الزفزاف - المدرس في كلية اللغة العربية، محمد محيى الدين عبد الحميد - المدرس في تخصص كلية اللغة العربية، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، 1395 هـ - 1975 م.

 شمس الدين أبو الخير ابن الجزري، محمد بن محمد بن يوسف (ت: 833هـ)، ضبطه وعلق عليه: الشيخ أنس مهرة، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الثانية، 1420 هـ - 2000 م.

 علوم القرآن، محمد باقر الحكيم،مؤسسة تراث الحكيم، النجف الأشرف، العراق، الطبعة: الخامسة، 2010م،

 الغيبة، محمد بن إبراهيم بن أبي زينب النعماني (ت:360هـ)، نشر الصدوق، طهران، الطبعة: الأولى، 1397هـ.

 فريدة الدهر في تأصيل وجمع القراءات، محمد إبراهيم محمد سالم (ت: 1430هـ)، دار البيان العربى – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2003 م.

 القراءات وأثرها في علوم العربية، محمد محمد محمد سالم محيسن (ت: 1422هـ)، مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1404 هـ - 1984 م.

 القول السديد في علم التجويد، على الله بن علي أبو الوفا، دار الوفاء – المنصورة، مصر،الطبعة: الثالثة، 1424 هـ - 2003 م.

 الكافي، محمد بن يعقوب الكليني ت(329هـ)، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط4، 1407هــ.

 الكتاب، عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سيبويه (ت: 180هـ)، المحقق: عبد السلام محمد هارون،مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: الثالثة، 1408 هـ - 1988م.

 كتاب العين، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (ت:170هـ)، المحقق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، بيروت، لبنان، د.ط، د.ت.

 الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت: 538هـ)، دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة: الثالثة - 1407 هـ.

 الكشف والبيان عن تفسير القرآن، أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (ت: 427هـ)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: الأستاذ نظير الساعدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى 1422، هـ - 2002 م.

 الكنز في القراءات العشر، أبو محمد، عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه بن عبد الله بن على ابن المبارك التّاجر الواسطيّ المقرئ تاج الدين ويقال نجم الدين (ت: 741هـ)، المحقق: د. خالد المشهداني، مكتبة الثقافة الدينية – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1425 هـ - 2004 م.

 لسان العرب، جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم المعروف بابن منظور ت(711هـ)، حققه وعلّق عليه، ووضع حواشيه: عامر احمد حيدر، راجعه: عبد المنعم خليل إبراهيم، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ط1، 1424هـ-2003م.

 اللغة بين المعيارية والوصفية، تمام حسان، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، تونس، 1976 م.

 مجموع الفتاوى، أحمد بن تيمية الحرَّاني (ت:628هـ)، دار طيبة، المدينة المنورة، السعودية، الطبعة: الثالثة، 1414هـ.

 محاضرات مستويات التحليل اللساني، د. سمرة عمر، جامعة العربي التبسي، تبسة، الجزائر، د.ط، د.ت.

 المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي (ت: 542هـ)، المحقق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى - 1422 هـ.

 المحيط في اللغة، الصاحب بن عبَّاد، المكتبة الشاملة على شبكة الانترنت.

 مستويات التحليل اللساني (المجالات والعلائق)، (بحث)، فوزية حمد عبد الحفيظ الواسع، مجلة جامعة سرت للعلوم الإنسانية، المجلد: 12، العدد: 2، ديسمبر، 2021م.

 مستويات التحليل اللغوي عند ابن جني من خلال كتابه (الخصائص)، د. دوكوري ماسيري، وكالة البحوث والتطوير، ماليزيا، د.ط، 2012م.

 المصباح (جنة الأمان الواقية وجنة الإيمان الباقية)، إبراهيم بن علي العاملي‏ الكفعمي (ت: 905 هـ)، دار الرضي(زاهدي)، قم‏، إيران، د.ط: 1405هـ.

 معالم التنزيل في تفسير القرآن، محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (ت: 510هـ)، المحقق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي –بيروت، الطبعة: الأولى، 1420 هـ.

 معانى القرآن، أبو الحسن المجاشعي بالولاء، البلخي ثم البصري، المعروف بالأخفش الأوسط (ت: 215هـ)، تحقيق: الدكتورة هدى محمود قراعة، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1411 هـ - 1990 م.

 المعجم القرآني (دراسة معجمية لألفاظ القرآن الكريم)، د. حيدر علي نعمة، د. أحمد علي نعمة، مطبعة السيماء، بغداد، د. ط، 2013 م.

 مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (ت: 606هـ)، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الثالثة - 1420 هـ.

 المفتاح في الصرف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني (ت: 471هـ)، حققه وقدم له: الدكتور علي توفيق الحَمَد، كلية الآداب - جامعة اليرموك - إربد – عمان، مؤسسة الرسالة – بيروت، الطبعة: الأولى (1407 هـ - 1987م).

 مفردات ألفاظ القرآن، حسين بن محمد الراغب الأصفهاني (ت:401هـ)، دار القلم، دمشق، سوريا، الطبعة: الأولى، 1412هـ.

 المفصل في صنعة الإعراب، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت: 538هـ)، المحقق: د. علي بو ملحم، مكتبة الهلال – بيروت، الطبعة: الأولى، 1993م.

 مقاييس اللغة، أحمد ابن فارس (ت: 395هـ)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399هـ - 1979 م.

 المقتضب، أبو العباس المبرّد (ت: 285هـ)، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة، لجنة إحياء التراث الإسلاميّ، القاهرة، ط3، 1994م.

 الممتع الكبير في التصريف، علي بن مؤمن بن محمد، الحَضْرَمي الإشبيلي، أبو الحسن المعروف بابن عصفور (ت: 669هـ)، مكتبة لبنان، الطبعة: الأولى 1996م.

 نحو تحليل النص اللغوي ـ قراءة في كتاب سيبويه ـ، محمد إبراهيم أحمد، كلية الألسن، جامعة كفر الشيخ، (بحث)، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، المجلد: 81، العدد: 8، أكتوبر 2021 م.

 الهداية الكبرى، حسين بن حمدان الخصيبي (ت: 334هـ)، مؤسسة البلاغ، بيروت، لبنان، د.ط، 1419هـ.

 الوسيط في تفسير القرآن المجيد، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي (المتوفى: 468هـ)، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الدكتور أحمد محمد صيرة، الدكتور أحمد عبد الغني الجمل، الدكتور عبد الرحمن عويس، قدمه وقرظه: الأستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1415 هـ - 1994 م.

اضف تعليق