q
غياب الجرأة والانفتاح على الحداثة والرؤية طويلة المدى في ديمقراطيات اليوم ليس مطمئنًا. والأسوأ من ذلك، لا يوجد ترياق واضح، بخلاف محاولة إعطاء الشباب صوت أقوى. وفي ألمانيا، حيث تضم الحكومة الائتلافية الجديدة الحزبين الأكثر تفضيلًا من قبل الناخبين الأصغر سنًا، وهما حزب الخضر والديمقراطيون الأحرار...
بقلم: فيديريكو فوبيني

روما- سيعقد الرئيس الأمريكي جو بايدن هذا الأسبوع، قمة افتراضية من أجل الديمقراطية، وفي غضون عام تقريبًا بعد ذلك، سينعقد اجتماع شخصي ثان للقادة من جميع أنحاء العالم. وتلقت أكثر من 100 حكومة دعوة لحضور الاجتماع.

صحيح أن المدعوين ليسوا كلهم من أنصار الديمقراطية. فالواقع أن مؤهلات الكثيرين منهم فيما يتعلق بالديمقراطية مشكوك فيها، وهذا على أقل تقدير. إذ حققت أنغولا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والعراق، وكينيا، وماليزيا، وباكستان، وصربيا نجاحا في هذا السياق، على الرغم من ميولها الاستبدادية؛ كما أن الاعتبارات الجيوسياسية أيضًا جعلت البيت الأبيض يضم البرازيل، والهند، والفلبين، وبولندا إلى اللائحة بغض النظر عن التراجع الديمقراطي الذي عرفته هذه البلدان في السنوات الأخيرة.

وعلى أي حال، فإن السؤال الذي يثير أكبر قدر من الاهتمام يتعلق بالبلدان التي لا تثير مؤهلاتها الديمقراطية أية شكوك. هل لدى هذه الدول خصائص مشتركة تتجاوز كونها تجري انتخابات حرة ونزيهة، وتحافظ على سيادة القانون، وتضمن حرية التعبير وغيرها من الحقوق الفردية؟

وهناك شيء واحد مؤكد وهو أن مجموعة الديمقراطيات الحقيقية أصبحت أصغر مما كانت عليه قبل عشر سنوات. فعلى الرغم من أن الحركات اليمينية المتطرفة فقدت مؤخرًا بعض زخمها في أوروبا الغربية، وعلى الرغم من أن المستبدين الشعبويين أصبحوا أقل شعبية في البرازيل، والمجر، وتركيا، وحتى روسيا، فقد كان هناك اتجاه عالمي وُثق جيدًا نحو أنظمة سياسية أكثر استبدادية نسبيًا على مدار العام في العقد الماضي. وأفادت منظمة "فريدوم هاوس" أنه من بين 146 دولة يزيد عدد سكانها عن مليوني نسمة، هناك 39 دولة فقط تمتعت "بحرية تامة" في عام 2020، وهو تراجع من 43 دولة في عام 2010.

ولكن أقل ما يلاحظه المرء في الديمقراطيات الحقيقية اليوم هي أنها غالبا ما تتسم بشيخوخة السكان. إذ يكاد لا يوجد بين تلك الدول الـ146 الكبرى، أي دولة تتمتع بدرجة ديمقراطية مقنعة (أعلى من 85 على مؤشر فريدوم هاوس المكون من 100 نقطة) وبساكنة شابة نسبيًا. والاستثناءات الوحيدة هي كوستاريكا، وأوروغواي الصغيرتان اللتان تتمتعان بمؤسسات ديمقراطية قوية، وأعمار متوسطة في منتصف الثلاثينيات.

وكما يوضح الرسم البياني أدناه، لا يوجد بلد كبير شاب وحر في نفس الوقت. إذ تتجمع الديمقراطيات في الزاوية اليمنى العليا من الجدول، وتمثل أقوى الحقوق المدنية والسياسية وأعلى نسبة شيخوخة في العالم. وكان هذا التطور متسارعًا خلال العقد الماضي، وسيصبح أكثر رسوخًا في المستقبل نظرًا للاتجاهات الديموغرافية. وهذا لا يعني أن الحرية السياسية تتسبب في شيخوخة السكان، أو أن المجتمعات القديمة أكثر ملاءمة للديمقراطية. إن الرابط السببي الوحيد الذي يمكن للمرء أن يؤكده هو أن الرفاهية التي توفرها المجتمعات المفتوحة غالبا ما تطيل في أمد الحياة، والسماح بتخطيط أفضل للأسرة.

ولكن في عصر التغير العالمي السريع والأزمات المتصاعدة، تثير هذه الاتجاهات الديموغرافية أسئلة ملحة. هل تؤثر نسبة متزايدة من الناخبين الأكبر سنًا على الطريقة التي يتكيف بها بلد ما، والاستجابة للصدمات الدولية، والأزمات المالية، والتهديدات التضخمية، أو الانكماشية، والتقنيات المعطلة، وموجات الهجرة، وجميع القضايا المرتبطة بتغير المناخ؟

وكان هذا سؤالاً جوهريا في الانتخابات الفيدرالية الأخيرة التي أجريت في ألمانيا (على الرغم من أنها بقيت تحت سطح التنافس الحزبي المعتاد). ولدى ألمانيا أعلى متوسط عمر في أوروبا، تليها إيطاليا. وأكثر من نصف الناخبين في كل بلد يتجاوز عمرهم ال50. وتراجع عدد الناخبين الألمان المؤهلين بنسبة 1.3 مليون في الانتخابات العامة الأخيرة، بسبب التراجع الديموغرافي. وفي الانتخابات الوطنية لألمانيا الغربية عام 1987، كان 23٪ من الناخبين تحت سن 30، و26٪ فوق عمر 60. وفي عام 2021، كان 14.4٪ تحت سن 30 و38.2٪ فوق عمر 60. ويمكن ملاحظة اتجاه مماثل أو اتجاه أكثر حدة في إيطاليا، واليابان، وكوريا الجنوبية.

والعمر، بالطبع، له تأثير كبير على السمات النفسية والتفضيلات السياسية. وغالبا ما يكون الأفراد الأكبر سنًا أكثر حكمة قليلاً؛ لكنهم أيضا أكثر حذرا وأبطأ في فهم التطورات الجديدة. فهم عمومًا أقل قدرة أو استعدادًا للتكيف مع تقلبات التاريخ. وعلى النقيض من ذلك، غالبا ما يكون الأشخاص الأصغر سنًا أكثر مرونة، وأقل تجنبًا للمخاطر، وأكثر مرونة في مواجهة الصدمات.

ومن المؤكد أن خصائص الأفراد هذه لا تنعكس دائمًا على مستوى الدول. فقد جاء لقاح mRNA الأول ضد كوفيد-19 من ألمانيا التي تتقدم في العمر. أما اليابان التي تعد أقدم مجتمع في العالم، فهي أيضًا رائدة على مستوى العالم في مجال الروبوتات، خاصة لأنها بحاجة إلى ضمان رعاية كبار السن والحفاظ على الإنتاجية مع عدد أقل من العمال الأكبر سناً. ومن الواضح أن البلدان التي بها عدد أقل نسبيًا من الشباب لا تزال قادرة على الابتكار.

ومع ذلك، من نواحٍ أخرى، لا يمكن إنكار النزعة المحافظة التي تحركها هذه البلدان ديموغرافيًا (أو على الأقل التهاون) والافتقار إلى رؤية جريئة طويلة المدى. وخير مثال على ذلك ردود أفعال أوروبا المذعورة في كل مرة تحدث فيها موجة طفيفة من الهجرة، أو التسامح النسبي مع الاتجاهات الانكماشية في أوروبا واليابان، حيث يعيش ملايين المتقاعدين على الإيجارات. وفضلا عن ذلك، فإن إحجام الدول الديمقراطية المتزايد عن المجازفة في الأزمات الجيوسياسية كان له دور كبير في إذلال الغرب في سوريا، وليبيا، وأفغانستان.

إن غياب الجرأة والانفتاح على الحداثة والرؤية طويلة المدى في ديمقراطيات اليوم ليس مطمئنًا. والأسوأ من ذلك، لا يوجد ترياق واضح، بخلاف محاولة إعطاء الشباب صوت أقوى. وفي ألمانيا، حيث تضم الحكومة الائتلافية الجديدة الحزبين الأكثر تفضيلًا من قبل الناخبين الأصغر سنًا، وهما حزب الخضر والديمقراطيون الأحرار، أصبح تخفيض سن الاقتراع إلى 16 عامًا رسميًا في قائمة مهام الحكومة.

وقد يكون من الحكمة أن تناقش ديمقراطيات أخرى هذا الإصلاح في قمة الديمقراطية لهذا العام.

* فيديريكو فوبيني، صحفي اقتصادي ومحرر شامل في Corriere della Sera، ومؤلف لكتاب صدر له مؤخرًا بعنوان سول فولكانو الذي يعكس فيه ردود الفعل النفسية للناس على الصدمات العالمية.
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق