تكفل البحث بدراسة دواعي استبعادهم للعمل المنزلي ثم استعرض أربعة عشر رداً ومناقشةً وحجة، كما أثبت جريان معظم القوانين الاقتصادية في (الاقتصاد المنزلي)، كما تطرق لردود منوعة على آراء الماركسيين في العمل المنزلي. وتطرق لطرق تقدير قيمة العمل المنزلي. واستعرض الروايات التي تتحدث عن العمل المنزلي...

الاقتصاد المنزلي أو العائلي "Family economy"(1) غير مدفوع الأجر، هو الآخر مما يغفله عادةً علم الاقتصاد الكلاسيكي، وقد أدرجه بعض علماء الاقتصاد في (الاقتصاد غير الرسمي) الذي لا يحظى بأية سمة أو ميزة قانونية، ولا تمنحه الحكومة في معظم مصاديقه وتمظهراته أية رعاية، كما لا يقع عندهم ضمن دائرة علم الاقتصاد والبحوث الاقتصادية، ولذا لا يجري إدراج العمل المنزلي غير المدفوع الأجر في مقياس النمو والناتج المحلي الإجمالي، ولا في قياس التنمية الاقتصادية والإنتاجية، كما يتمّ اعتبار ربّات البيوت عَمالة غير منتجة.

نعم، القليل من الدول (الإسكندنافية مثلاً) تدفع أجوراً لربّات البيوت، كما أشار بعض الأساتذة الأفاضل إلى ذلك، وتعترف بعض الدول المتقدمة ببعض الأعمال المنزلية كأنشطة يمكن الحصول في مقابلها على إعفاءات ضريبية، ومنها الاهتمام بالوالدين أو الأطفال المعاقين، كما أن بعض الدول في العقود الأخيرة التزمت بإدراج إحصاءات العمل غير مدفوع الأجر، في حسابات تكميلية "Satelliteaccounts" لنظام الحسابات القومية ـ كما سيأتي.

ولكنها على أية حال تتحدد بهذه الحدود فقط، ولا تدفع لمختلف المساهمات التي يقوم بها أفراد الأسرة، كما لا تدرج العمل المنزلي في مقاييس النمو والتنمية وغير ذلك، ولا يجري الاعتراف بالأسرة كمنشأة صغيرة فاعلة في الاقتصاد الكلي والجزئي، إلاّ في ما لو استلمت أجوراً مقابل أعمالها.

ولقد جاءت الخطوة الأولى للاستبعاد الصريح للعمل المنزلي من الحسابات الاقتصادية، على يد "الفريد مارشال"، ثم إن هذا الاتجاه تبلور على يد تلميذه "آرثر سيسيل بيجو" الذي عرّف الدخل القومي بأنه قيمة إنتاج كل السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بشكل مباشر أو غير مباشر مقابل النقود، ولتوضيح المقصود أعطى "بيجو" مثاله الشهير بأنه: لو أن مديرة منزل كانت تعمل لدى شاب أعزب ثم تزوجت منه لأدى هذا إلى انخفاض الدخل القومي، حيث إن الأعمال التي كانت تتقاضى عنها أجراً في السابق سيتعين عليها القيام بها مجاناً بعد الزواج(2). 

تمظهرات الاقتصاد المنزلي

ويتجسد الاقتصاد المنزلي في الأعمال التطوعية التي تقوم بها الأسرة (المرأة أو الرجل أو الأولاد أو أحد الأقرباء) في البيت، سواء أكانت من قبيل أعمال الرعاية "caring"، أم من قبيل الخدمات المنزلية "Home services" أو "House works"، كأعمال الصيانة للسلع المعمرة والمواسير وإصلاح الأبواب والنوافذ وغيرها، والتنظيف وغسيل الأواني والملابس وكيّها وإصلاحها وصبغ الجدران، والأعمال اليدوية البسيطة كالتطريز والخياطة لاحتياجات الأسرة، والأعمال الكهربائية البسيطة أو أعمال النجارة والبناء التي لا تحتاج إلى تخصص والتي تمارسها أكثر الأُسر في البيوت، والعناية بالحديقة وتربية الدواجن والطيور والمواشي لغرض استهلاك أفراد الأسرة أو الضيافة أو الإهداء، ورعاية الأطفال والمرضى والمسنين، إضافة إلى تعليم الأطفال وتدريبهم.

بل يشمل العمل التطوعي المنزلي، حتى الأعمال عالية الاحترافية التي يقوم بها المتخصصون مجاناً في منازلهم في الحقول الآنفة الذكر وغيرها، كالهندسة والتعليم والطب.

وبذلك ظهر أننا لا نقصد بالاقتصاد المنزلي الأعمال التطوعية التي تقوم بها الأُسرة للمجتمع بالمجان "volunteering Community work"، إذ قد أفردنا لها فصلاً آخر.

كما لا نقصد بها (المشروع العائلي) أو النشاطات الاقتصادية الموجهة إلى السوق والتي تقوم بها الأسرة بغرض الحصول على الأرباح، والتي اعتبرها بعض علماء الاقتصاد آخذة في التآكل مع التطور الحضاري، وذلك كتربية الدواجن والحيوانات لأجل بيعها، وحياكة وتطريز الملابس مقابل أجرة، وكذلك أية خدمة تبيعها الأسرة في الأسواق كإعداد وجبات الطعام وبيعها للمطاعم أو للعوائل، وبيع الفواكه والورود من حديقة المنزل أو غير ذلك، لأنها جميعاً تدخل في الاقتصاد الرسمي. 

الفرق بين المشروع العائلي والعمل المنزلي التطوعي

أما المشروع العائلي فهو كما قال بعض علماء التنمية الاقتصادية: (إن المشروع العائلي الذي ينتشر على نطاق واسع في البلدان الأقل نمواً، عادةً ما يكون صغيراً، ويديره أساساً الأب أو الابن الأكبر. وباعتبارها الشكل المهيمن للتنظيم الاقتصادي في فرنسا في القرن التاسع عشر، كانت الشركة الأسرية تصور على أنها إيمان للحفاظ على مكانة العائلة وتعزيزها، وليس كآلية للثروة والسلطة، (لاندس 61ـ 45: 1949).

ومع ذلك، فإن بعض التكتلات الصناعية الرائدة في البلدان النامية ملكيات عائلية، على سبيل المثال: أكبر الشركات المصنعة الخاصة في الهند، وعادةً ما تكون أعضاء في العائلات التجارية القديمة، الذين يسيطرون على العديد من الشركات، في كثير من الأحيان أفراد العائلة تتخصص أدوارهم وفقاً للصناعة والموقع أو وظيفة الإدارة.

ويمكن لريادة الأعمال العائلية تعبئة كميات كبيرة من الموارد، واتخاذ قرارات سريعة وموحدة ووضع أشخاص جديرين بالثقة في مناصب الإدارة والحد من اللامسئولية.

ومن ثم فإن العائلات من بين شعب الإيبو في نيجيريا، تتكلف بسداد الديون، كما أن تضامنها ينص على عقوبات قوية ضد التخلف عن السداد، لأن الفشل الفردي يعكس سمعة العائلة، وغالباً ما تمول العائلة الممتدة تدريب المتدربين والرأسمالية الأولية، على الرغم من أنها قد تعرقل توسع الشركة عن طريق تحويل الموارد إلى الاستهلاك الحالي (نافزيجر 33 ـ 25: 1969)(3).

فهذه المشروعات العائلية هي التي تنتشر بشكل واسع في البلدان النامية، وهي الآخذة في التآكل بالتدريج مع التطور الحضاري، أما (العمل المنزلي التطوعي) أو (الاقتصاد المنزلي) الذي نتحدث عنه الآن، فإنه لا يتحدد بالبلدان النامية، بل يمتد على مستوى العالم كله، ولا تخلو عائلة، مهما كانت متحضرة في أي بلد مهما كان متطوراً، من العمل المنزلي التطوعي.

وقال أحد علماء الاقتصاد: (وهذه الصناعة المنزلية تستلزم كلمة خاصة عنها. ففي القرون اللاحقة كان نظام المصانع، بما يضمه من عشرات الآلاف من العمال المنظمين بصرامة، يطرح صورة قوية للاستغلال. أما الصناعة المنزلية فهي إلى يومنا هذا يحيط بها انطباع بالاستقلال الأسري والمسؤولية والهيمنة الأبوية: أي إن المشهد هادئ اجتماعياً، بل إن كثيرين من ذوي الحساسية يفكرون حتى في الوقت الحاضر، في الفنون والحرف العائلية عندما يرغبون في الإفلات من الانضباط القاسي للعالم الاقتصادي. وفي الهند فإن جميع الحكومات وجميع الساسة تقريباً، يطالبون وفقاً للتراث الغاندي بالسعي إلى إحياء الصناعات المنزلية، ومن بينها صناعتا الغزل والنسيج اللتان كانتا تجتذبان التجار والشركات التجارية الكبيرة إلى مدراس وكلكتا والبنغال في عصر الرأسمالية التجارية. والأمر الذي يجري التغاضي عنه من جانب كثيرين في الأقل، هو الاستغلال البشع الذي يتحمله الرجال والنساء بسبب التهديد بالتضور جوعاً، ومن ثم الاستغلال الذي يفرضه الآباء على أبنائهم. كذلك فإن الإدارة التي يمارسها رب الأسرة ليست في كل الأحوال على مستوى عالٍ من الكفاءة وحسن التدبير. وكثيرون ممن وصفوا رومانسية الصناعية المنزلية أو صادقوا عليها عبر القرون كان ينبغي أن يعانوا بأنفسهم قسوتها وصرامتها عندما تكون هي المصدر الوحيد للدخل)(4).

وسنتوقف في فصل خاص، للحديث عن هذا النوع من المشاريع العائلية والاقتصاد المنزلي، وسندرس إيجابياته وسلبياته، ومدى دقة أو عمومية النقد السابق الذي وجّه إليها، وعلى أي فإن بحثنا ليس عن هذا النوع، بل عن العمل المجاني المنزلي لصالح الأسرة والجيرة والأصدقاء.

وقد اصطلحت بعض المؤسسات على العمل الموجه إلى السوق بـ(العمل المنزلي)، واصطلحوا بـ(العمل في المنزل) على (أعمال الخدمات المنزلية التطوعية) لكننا حيثما استعملنا (العمل المنزلي) فإننا نقصد به أعمال الخدمات المنزلية التي يقوم بها بعض أعضاء الأسرة لصالح الأسرة أو الأقرباء أو الجيران أو الأصدقاء، تطوعاً ومجاناً. 

دواعي استبعاد علماء الاقتصاد للاقتصاد المنـزلي

ولابد أولاً من دراسة الأسباب التي قادت علماء الاقتصاد لإهمال بحث الاقتصاد العائلي واستبعاد العمل في المنزل غير مدفوع الأجر من البحوث الاقتصادية، والأسباب هي:

أولاً: أنه لا يكوّن نشاطاً اقتصادياً موجهاً إلى السوق، فإنه لا يُباع ولا يُشترى.

ثانياً: أنه لا تشمله قوانين العرض والطلب، ومن ثم لا تنطبق عليه شواخص التضخم والغلاء أو الرخص وانخفاض الأسعار.

ثالثاً: أنه لا يتكفل بحل مشكلة اقتصادية.

رابعاً: أنه مما يصعب قياسه.

خامساً: حيث إن إنتاج واستهلاك هذه الخدمات المنزلية لا يتجسد في صورة تدفقات نقدية، لذلك تصبح دراستها فاقدة للجدوائية من حيث تحليل مدى تأثيرها على قوة العملة أو ضعفها، ومن حيث تأثيرها على تحليل ما يطرأ على الاقتصاد الكلي من انكماش أو تضخم، وما يطرأ عليه من ركود أو كساد مما يجعل دراسة تغير نسبة البطالة أو التوظيف، على امتداد السنين، أمراً غير واقعي ولا ممكناً، ونتيجة لذلك كله فإن صانع القرار، يكون عاجزاً عن اتخاذ السياسة المالية أو النقدية الملائمة لحل مشكلة البطالة أو التضخم حيث أُعتِمت لديه الرؤية نتيجة خلط أوراق الاقتصاد الرسمي المعلوم، مع الاقتصاد غير الرسمي ـ العائلي ـ المجهول. 

من كلمات المناهضين للاعتراف بالعمل المنـزلي اقتصادياً

ولقد انقسم علماء الاقتصاد على مرّ التاريخ إلى قسمين: فالتيار العام كان لهم موقف سلبي من (الاقتصاد العائلي)؛ لكن بعض علماء الاقتصاد أبدوا تعاطفاً أو تفاعلاً مع فكرة اعتباره مكوّناً رئيساً في الاقتصاد، كما أن بعض الحكومات خَطَت بعض الخطوات على طريق الاعتراف بالاقتصاد المنزلي.

ونبدأ بمقتطفات من كلمات العلماء المناهضين تماماً للاقتصاد المنزلي، حسبما جاء في كتاب (تقدير قيمة العمل المنزلي):

فقد أكد المفكر الاشتراكي الألماني "أوجست بيبيل" أن العمل المنزلي يعبّر عن التخلف وضياع الوقت، لذا فمصيره الحتمي هو الزوال، وهو أمر صار يتم بالفعل في الدول الرأسمالية نتيجة التسليع "Commodification" المتزايد للحياة. فالأنشطة التي كانت تقوم بها النساء تقليدياً أصبح من الممكن الحصول عليها من السوق بجودة أعلى وسعر أرخص، فضلاً عن أن البيوت أصبحت مجهزة بالعديد من الأجهزة الكهربائية التي تساعد على إنجاز العمل المنزلي. وبالتالي فإن الظروف المادية لتحرير النساء "women's emancipation" قد تم خلقها من خلال تطور الرأسمالية نفسها، وستصل إلى غايتها بتحقيق الاشتراكية، وعندها في النهاية سيختفي العمل المنزلي(5).

ويقترن إعلان العمل المنزلي للنساء عملاً غير منتج، بالتطورات التي طرأت على عملية إعداد الإحصاءات القومية في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر(6). ويمكن القول بأن الأمر قد حسم في هذا الشأن في عام 1890م، عندما تشكلت لجنة برلمانية في إنجلترا لتحسين إعداد التعدادات السكانية، واستعانت اللجنة بالمفكر الاقتصادي الشهير "الفريد مارشال"، الذي أبدى ملاحظة رئيسية تتمثل في أن عدد السكان "غير المشتغلين" في تعدادات السكان في إنجلترا يزيد كثيراً عما يظهر في تعدادات ألمانيا، وأن السبب في ذلك هو إدراج الأشخاص الذين يعتمدون اقتصادياً على الغير (مثل الأطفال والمرضى وكبار السن والنساء المتزوجات المتفرغات للعمل المنزلي) ضمن هذه الفئة. وأن التبويب الصحيح لهذه الفئة من السكان يجب أن يكون في خانة "غير المستقلين / المعالين" على غرار ما يتم الأخذ به بالفعل في تعدادات السكان في ألمانيا. وهكذا خرج تعداد السكان في إنجلترا في عام 1891م وقد أدرج النساء المتزوجات غير العاملات بأجر في خانة "غير المستقلين / المعالين" مكتفياً بالإشارة إلى أنه تم استبعاد جميع الأعمال المنزلية غير المدفوعة للنساء، وأنه لو أضيفت هذه الأعمال لكانت نسبة النساء العاملات قريبة من نسبة الرجال العاملين(7).

وهذه النظرة إلى العمل المنزلي للنساء كعمل غير منتج، واعتبار النساء غير مستقلات اقتصادياً، كان قد تم تبنيها تدريجياً أيضاً في تعدادات السكان في الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ليحسم الأمر بشكل نهائي في تعداد عام 1900م الذي خرج مؤكداً أن فئة "كاسبي العيش Breadwinners" لا تشمل الأشخاص المتقاعدين أو الزوجة أو الإبنة التي تعيش في المنزل ويقتصر عملها على المساعدة في المهام المنزلية دون أجر، وتم إدراج الزوجات والبنات اللائي لا يعملن بأجر ضمن فئة "غير المستقلين / المعالين"(8).

وكان يتم تجاهل العمل المنزلي بالكامل من جانب الفكر الاقتصادي الرأسمالي. فطالما أن هذا العمل لا يعدّ عملاً منتجاً، فما المبرر لكي ينشغل به الفكر والتحليل الاقتصادي؟، و(تحول الأمر إلى التفرقة بين مجالين، أحدهما هو "المجال الخاص" المتعلق بالعمل المنزلي الذي تقوم به النساء، والثاني هو "المجال العام" الذي يتعلق بالعمل في السوق بأجر، وهذا هو مجال الرجال، ويبدو أن ذلك التقسيم قد مثّل الأرضية التي انطلق منها الاقتصادي البريطاني الفريد مارشال الذي دشن مصطلح "غير المستقلين / المعالين" لتحديد وضع النساء في الاحصاءات القومية، حيث حذر "مارشال" من زيادة أجور النساء العاملات، لأن ذلك يمكن أن يغري الزوجات والأمهات بإهمال واجباتهن المنزلية(9)، أي بالطبع مجال عملهن الطبيعي(10).

وسنستعرض مزيداً من كلمات المناهضين للعمل المنزلي، فيما سيأتي فانتظر. 

14 دليلاً على إندراج العمل المنزلي في علم الاقتصاد

ولكننا لا نتفق مع هذا الرأي، ونرى أن تلك الحجج كلها غير مقنعة ولا صحيحة، ولا تحظى بأية قيمة حقيقية، وذلك للأسباب التالية:

أولاً: أن العمل العائلي يؤثر اقتصادياً، بشكل مباشر وغير مباشر، على عوامل الإنتاج الرئيسة الثلاث: (الأرض، رأس المال والعمل)، فيزيدها قيمةً أو يخفض من قيمتها، سواء أكان ذلك مقصوداً لهم أم لا.

فإن رعاية الأسرة للأرض والمزرعة وتسييجها وتحسينها وتطويرها، يزيد من قيمتها السوقية، كما يزيد من إنتاجيتها بدرجة كبيرة، ويؤدي إهمالها إلى العكس تماماً، وكذلك العمل التطوعي الذي يقوم به أعضاء العائلة بجهود شخصية في مراكمة رأس المال وتشييد مصنع أو معمل أو صيانته أو إضافة أقسام إليه أو تطويره بأي شكل من أشكال التطوير، فإنه يزيده قيمةً كما يزيده إنتاجية.

والحاصل: أن العمل المنزلي يزيد من قيمة بعض مصادر الإنتاج، أو من قيمة المنتَج نفسه، فإن أعمال الصيانة للمنزل تزيد من قيمته، ورعاية الأرض وتسييجها و... تزيدها قيمةً، والاستصناع المنزلي للمواد الأولية يعطيها قيمة أكبر.. وهكذا.

ثانياً: أن العمل المنزلي يصقل مهارات أفراد الأسرة، ويمنحهم التدريب والخبرة الضروريين لتغذية سوق العمل، على المدى المتوسط والبعيد، بعمال مهرة أكفاء ذوي إنتاجية عالية، وبتعبير آخر: أن العمل التطوعي المنزلي يعد استثماراً أساسياً واقعياً في (رأس المال البشري).

ثالثاً: أن هذه الأعمال التطوعية، لا ريب في أنها تقوم بتوفير منفعة وبإشباع حاجة اقتصادية للعوائل على امتداد العالم، وتوفير المنفعة وإشباع الحاجة هو الهدف الأساس لعلم الاقتصاد، بل إن الأعمال المنزلية تُعوِّض عن / وتكون البديل عن ممارسة كافة تلك الأنشطة مقابل ثمن، أي أنها البديل عن الاقتصاد الرسمي بمعناه الكلاسيكي المعهود، بل لعلنا لا نبالغ إذا قلنا بأن هذا النوع من الاقتصاد يوازي أو يوازنِ، إلى حدّ ما، مجمل الأداء الاقتصادي للبلد بأكمله، ويقاربه في الحجم الكلي كما سيأتي، بما يتضمنه من إنتاج سلع أو توفير خدمات، إضافةً إلى كونه مما يمتلك أكبر الأثر في خفض نسبة الفقر وفي توفير الرفاهية للمجتمع ككل، لا للأسرة فحسب، كما سيظهر.

وعلى هذا، فلابد أن يحتسب الاقتصاد التطوعي ضمن منظومة علم الاقتصاد، ومن مكوّنات إجمالي الناتج المحلي الإجمالي(11)، بعد تقدير القيمة النقدية للأعمال المنزلية، كي نصل إلى الناتج الإجمالي المحلي الحقيقي للاقتصاد بقسميه: الرسمي وغير الرسمي، نظراً إلى أنه يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على حجم الاقتصاد الكلي للبلد، كما على الاقتصاد الجزئي ومستوى الدخل للأفراد والعوائل.

رابعاً: أنه يؤثر على ارتفاعٍ غير مباشر ربما، لنسبة التشغيل وانخفاض نسبة البطالة أو العكس، فكلما تكفلت الأسر بأعمال المنزل (بدءاً من علاج المرضى في الأسرة، فيما إذا كان أحد أعضاء الأسرة طبيباً، وتعليم وتدريب أحد الأبوين للأبناء، بل تعليم وتدريب أي واحد من أعضاء الأسرة للآخرين، ومروراً بأعمال البستنة وزراعة الحديقة الخلفية أو رعايتها، والقيام بتمديدات كهربائية أو إصلاح أي عطل فيها ونظائرها، وانتهاءً بأعمال التنظيف والطبخ)، انخفضت الحاجة بنفس النسبة إلى توفير فرص عمل لهم ليجنوا أموالاً ليوظفوا بها عمالاً ليقوم أولئك العمال بنفس الأدوار التي كانوا يتكفلون هم بها بأنفسهم، لأسرتهم بالمجان!

وبعبارة أخرى: إن الاقتصاد المنزلي يصل إلى الأهداف نفسها بأقل مقدار ممكن من الوسائط وأنشطة التبادل الاقتصادي؛ إذ أنه يلغي عدة حلقات وسيطة، ويصل إلى نفس الأهداف من دونها، والمشكلة في الحلقات الوسيطة أنها تثقل الاقتصاد وتزيد من درجة تعقيده وإمكانية تلاعب الحكومات به، ولا وجه لذلك مادامت النتائج هي هي، وذلك يعني أن الاقتصاد وإن كان يستغني إثر تزايد الأعمال المنزلية، عن كمية كبيرة من البنّائين والمعلّمين وعمّال الصيانة الكهربية والتمديدات الصحية والخيّاطين والحدّادين.. الخ، إلا أنه يعوّض بنفس النسبة بتوفير نفس فرص العمل لأفراد الأسرة، بالقدر الذي يمكنهم القيام به باحترافية، من دون أن يبذلوا أموالاً، وكما يخفض أيضاً حاجة نفس أولئك (البنائين والخياطين والمعلمين) للعمل وللمال، إذ مع انخفاض تكاليف معيشتهم، بانخفاض حاجتهم إلى استخدام عمال ومعلمين و...، نتيجة قيامهم هم بأنفسهم بها منزلياً، تنخفض حاجتهم لأن يُستوظفوا ويستأجروا، وهذه موازنة دقيقة.

كما أن الاقتصاد التطوعي ينتج خفض الحاجة إلى استيراد العمالة من الخارج في الدول التي تعتمد في أعمالها المنزلية على العمالة.

خامساً: وقد اتضح من النقطة السابقة أن الاقتصاد المنزلي يحرر الاقتصاد بنسبة كبيرة من التعقيد، ويزيد حركته سلاسةً وانسيابيةً.

سادساً: كما أن العمل التطوعي المنزلي يفسح مساحةً أكبر للأُسر للادخار والاستثمار ومراكمة رأس المال (مما حصلوا عليه من الأجور من أعمالهم في السوق، أو الأرباح من تجارة رب الأسرة مثلاً، أو من ريع الأرض أو مكافآت أعمال الهندسة والطب و...) بدل أن يضطروا إلى إنفاقها أو جزءٍ منها على استخدام مدبرة للبيت أو إعطائها كأجور للعمّال كي يقوموا ببعض أعمال الصيانة وغيرها، كما يوفّر لهم قدرة أكبر على الاستهلاك، إضافةً إلى أنه يكوّن بحد ذاته أنواعاً من الإنتاج.

سابعاً: إنه يشكّل قيمةً مضافةً "Added Value" تماماً، كما أن العمل المدفوع الأجر يشكل قيمةً مضافة، والقيمة المضافة تعني الفارق بين تكلفة المواد الخام والأدوات المستعملة في الإنتاج وبين القيمة الفعلية أو التقديرية للسلعة المنتجة، والقيمة الفعلية هي التي يعتمد عليها اقتصاد السوق، وأما القيمة التقديرية فهي التي يعتمد عليها الاقتصاد المنزلي.

ثامناً: أن الاقتصاد التطوعي يترك أثراً مباشراً على التضخم والغلاء، إذ كلما ازداد الاكتفاء الذاتي عبر العمل التطوعي المنزلي، انخفض الطلب الجزئي والكلي على السلع والخدمات التي تنتجها الشركات والأسواق والمؤسسات، وكلما انخفض الطلب مع بقاء العرض على حاله خاصة في السلع والخدمات ذات المرونة للطلب "Elasticity of demand" انخفضت الأسعار.

تاسعاً: أن الاقتصاد التطوعي يؤثر بشكل مباشر على انخفاض نسبة الفقر والعِوز في المجتمع؛ ويكفي أن نتصور كم من المبالغ كانت ستحتاجها العوائل للإنفاق على تشكيلة واسعة من السلع والخدمات إذا كان عليها أن تشتريها من السوق بدل أن تنتجها بنفسها في المنزل، مما كان سيهبط بمستوى الكثير من العوائل حتى المتوسطة منها، إلى ما تحت خط الفقر.

عاشراً: أن قوانين العرض والطلب الحاكمة على السوق، تتفاعل مع قوى العرض والطلب الحاكمة على الاقتصاد العائلي حتى نصل إلى نقطة التوازن، فإن الطلب على الكثير جداً من مختلف أنواع المنتوجات البسيطة، كالألبسة والأطعمة، وكذلك أدوات النجارة والخياطة والحدادة والتطريز وشبهها، إضافةً إلى العديد من الأجهزة البسيطة، ينخفض أو يرتفع أو تتغير اتجاهاته وألوانه، بارتفاع أو انخفاض أو تغيير كمية أو نوعية عرض أو طلب أفراد الأسرة داخلياً، ومدى تأمينها لحاجات الأسرة إليها.

حادي عشر: أن اقتصاد السوق الذي يقوم بالإجابة على الأسئلة المعروفة: (أيّ، كيف ولمن، إضافةً للأسئلة الأخرى التي أضفناها في فصل آخر) عبر قانون العرض والطلب في الأسواق، يجري بأدنى تغيير في الاقتصاد العائلي، فإن أية سلعة أو خدمة تُنتج إنما يحددها طلب بعض أعضاء الأسرة، وكذلك كيف ولمن، كما أن تغير العرض ونوع المعروض قد يغير نوع الطلب أو كميته، ومن مجموع تفاعلهما معاً تتحدد الإجابة على أي، كيف ولمن تنتج السلع والخدمات العائلية.

ثاني عشر: أن العمل المنزلي يخضع لقانون القيمة "law of value" ـ كما أشار إليه بعض الاقتصاديين ـ ويشير قانون القيمة ببساطة إلى الاتجاه القوي للمنتجين، لتبني أساليب الإنتاج الأكثر كفاءة (الأقل تكلفة) تحت ضغط المنافسة والخوف من الخروج من السوق.

والسؤال الذي كان يطرح دائماً بشأن العمل المنزلي هو كيف يمكن تطبيق قانون القيمة عليه إذا كانت منتجات المرأة المتزوجة لا تدخل السوق أصلاً، وإذا كانت ربة المنزل نفسها هي التي تدير وتنظم عملها المنزلي، وإذا كانت قضايا مثل حافز الربح أو الخوف من ضغوط المنافسة تعدّ أموراً غير واردة على الإطلاق؟

وكان رد الاقتصاد الماركسي النسوي أن السلع والخدمات التي يوفرها العمل المنزلي تماثل أو تكاد تماثل السلع والخدمات التي يمكن الحصول عليها من السوق، وطالما أن النساء (والرجال) يواجهون قيوداً مالية تتطلب منهم أن يكون العمل المنزلي كفؤاً، كما هو الحال في الإنتاج للسوق، فإن هذا يعني أن قانون القيمة ينطبق أيضاً على العمل المنزلي(12)،(13).

ويمكن أن نطور الجواب ليشمل الجودة أيضاً إلى جوار الكُلفة، بأن كلّاً من الرجل والمرأة يسعيان إلى إنتاج سلعةٍ أحسن جودةً وأقل تكلفةً، نتيجة ضغط المنافسة من قوى السوق، فإنه إذا كان الإنتاج المنزلي أكثر كلفة اندفع الرجل والمرأة إلى شراء السلعة المنافسة من السوق، بدل إنتاجها في المنزل، كما أن السلع والخدمات المنزلية إذا كانت أقل جودةً، مع كونها بنفس كلفة السوق، فإن كثيراً من الرجال (والنساء) سيفضل أكل الطعام في المطاعم أو شراء الملابس من السوق، كما هو المشاهد في الكثير من السلع والخدمات

ثالث عشر: ونظرية القيمة "theory of Value"، تجري بأدنى تعديل، في السلع والخدمات المنزلية ـ والتعديل هو أن نفترض ههنا البحث عن القيمة التقديرية لها لا الفعلية ـ، وأنها هل تقيّم بكمية العمل اللازم لإنتاجها فقط، كما ذهب إليه "آدم سميث" و"ريكاردو" و"ماركس"؟، أم ترتهن بعوامل أخرى، كالمنفعة أو الندرة أو غير ذلك؟، مما فصلناه في بحث نظرية القيمة.

رابع عشر: كما تجري في الاقتصاد المنزلي معظم ـ إن لم يكن كافة ـ القوانين الاقتصادية، ونذكر منها ههنا على سبيل المثال، مجموعة القوانين الآتية:

أولاً: يجري قانون المنفعة الحدية المتناقصة "decreasing marginal utility" على منتجات الأسرة؛ إذ كلما تزايد استهلاك سلعة ما أو خدمة ما فإن منفعتها الحدية تبدأ بالانخفاض، عند الوصول إلى نقطة معينة، حتى تنعدم تماماً عند الوصول إلى نقطة الصفر.

ثانياً: كما ويتحكم قانون ارتفاع التكلفة الحدية "increasing marginal cost" على منتجات الأسرة أيضاً، حين وصولها إلى حد معين من الإنتاج.

ثالثاً: وقانون (الكفاءة) الاقتصادي الشهير الذي طرحه "باريتو" هو الآخر يجري أيضاً في الاقتصاد المنزلي، والذي يعني ذلك الوضع الذي تؤدي فيه أية زيادة في المنفعة لسلعة ما أو إشباعٍ لشخص ما، إلى خفضِ منفعةٍ أو إشباعِ شخص آخر، في كل عملية تجري لإعادة تنظيم أو مبادلة.

رابعاً: كما يجري قانون (متناقضة التوفير) الذي طرحه "كينز" في الاقتصاد الكلي، ولكن بعد تبسيطه وتكييفه مع الاقتصاد الجزئي العائلي، ويعنى به أن أية محاولة للأُسر والعوائل لزيادة مدخراتها قد يترتب عليه هبوط المبلغ الذي يتم ادخاره فعلاً على المدى الطويل، أي في ما إذا كان ذلك على حساب الاستثمار الذي يزيد القدرة على الادخار.

خامساً: كما أن نظام السعر التقديري للسلع والخدمات المنتجة في الاقتصاد المنزلي هو الذي يحدد بدرجة ما نوع المنتَج الذي تنتجه الأُسرة وتستهلكه وكميته، بل إنه يعيد توزيع الموارد على أعضاء الأسرة وإن كان في حدود معينة، وفي الاقتصاد المعهود، فإن نظام السعر هو الذي يحدد حسب اقتصاد السوق الحرة، نوع المنتج وكميته.

سادساً: وكذلك فإن قانوني فائض الميزانية أو الموازنة وعجزها، جاريان في الاقتصاد المنزلي بعد تبسيطه وضغطه وتصغيره، كما أنه قد تكون الموازنة متوازنة، وذلك كله تبعاً لما إذا كان إنتاج الأُسرة من السلع والخدمات مكافئاً، أو كان مما يزيد عن حاجتها الفعلية أو ينقص.

سابعاً: كما يجري كل من قانوني تكثيف رأس المال وتعريضه، وذلك فيما إذا ازدادت نسبة رأس المال العائلي إلى العمالة الأسرية، أو كانت متساويةً بحيث تساوى النمو في أعضاء الأسرة كقوة عاملة في الاقتصاد المنزلي، منسوباً إلى مجموع رأس المال.

ثامناً: ومفهوم الركود والكساد الاقتصادي، بدورهما يجريان، وإن كان بشكل مبسط وجزئي، على العوائل بما يتركانه من تأثيرات سلبية على مجمل حياة الأسرة، وذلك حين تنخفض نسبة الأعمال في المنزل والمزرعة بحيث تنخفض العمالة التطوعية، ويتعطل بعض أو أكثر أعضاء الأسرة عن العمل، لمدة فصلين متتالين(14) أو أكثر.

تاسعاً: كما تجري قاعدة وفورات المجال، إذا كان من الأرخص للأسرة إنتاج السلعة أو الخدمة (أ) والسلعة أو الخدمة (ب) معاً بدلاً من إنتاجهما منفصلين.

عاشراً: كما نجد لمفهومي الهدر الخارجي والوفرة الخارجية تمظهراً في الاقتصاد المنزلي، وذلك حينما ينعكس الإنتاج أو الاستهلاك العائلي بالسلب على الآخرين ويفرض عليهم تكاليف وخسائر، كتلوث البيئة إثر القيام ببعض الأعمال المنزلية الضارة بالبيئة أو المجتمع.

والوفر الخارجي على العكس تماماً، حينما ينعكس الإنتاج أو الاستهلاك الأسري بالإيجاب على الآخرين ويخفف عنهم بعض التكاليف، وذلك كما لو كان أهل المزرعة أو المنزل مسلحين أو مدربين تدريباً خاصاً، فإن شعاع (الأمن) سيمتد إلى المنازل المجاورة من غير أن يكلفهم ذلك شيئاً.

حادي عشر: والتحوط أيضاً مفهوم يشمل الاقتصاد العائلي كاقتصاد السوق تماماً، وذلك بتجنب المخاطرة عبر اتخاذ الحائطة اقتصادياً، فإذا تخوفت الأسرة مثلاً من ارتفاع أسعار المواد التموينية بعد ستة أشهر مثلاً، انتجت كميات أكبر وادخرتها من الآن(15).

ثاني عشر: وثمن الفرصة الضائعة، وهي قيمة البديل الذي جرت التضحية به أو قيمة ثانٍ أفضل بديل للسلعة أو للخدمة الاقتصادية، كما قد تستخدم هذه الطريقة لتقدير القيمة المحتملة للسلع والخدمات التي لا يمكن تسويقها كالصحة النفسية والعقلية والجسمية ونقاء البيئة، والثمن في الاقتصاد العائلي هو المزيد من التقدير أو المكانة والنفوذ وشبه ذلك.

ثالث عشر: وكذلك الإنتاجية التي تقيس حجم المخرجات أو كيفيتها بالنسبة للمدخلات، فمثلاً ترتفع الإنتاجية فيما إذا أنتجت الكمية المحددة من المدخلات، مخرجات أكثر بسبب تكثيف رأس المال أو زيادة مهارة المُنتِجين أو تطور التكنولوجيا، وهي حاكمة في الاقتصاد العائلي غير الرسمي كحكومتها على الاقتصاد الرسمي.

رابع عشر: وكذلك فرضية التوقعات العقلائية؛ إذ الناس سواء أكانوا عاملين في السوق أم في المنزل، يستخدمون جميع المعلومات المتاحة ـ أو بعضها على الرأي الآخر ـ كما يستخدمون حسب هذه الفرضية، نظرية اقتصادية معينة، وإن كانت بسيطة أو ارتكازية، في صناعة تنبؤ اقتصادي محدّد، وذلك يعني في الاقتصاد العائلي مثلاً أن الأسرة حيث تنبأت على ضوء المعلومات المتاحة والنظرية الاقتصادية السائدة أو التي تعتقد بها الأسرة، بأن أسعار الأطعمة سترتفع، فيما تنخفض أسعار الأقمشة والملابس والستائر، فإنها ستحوّل ما أمكنها من الإنتاج العائلي بنسبة أكبر إلى الأطعمة(16)، والعكس بالعكس، أو إذا توقعت أن تفرض الحكومة حظراً للتجوال إثر اضطرابات اجتماعية أو اكتساح أوبئة وأمراض معينة أو أن تدخل في حالة حرب مع دولة أخرى، فإنها ستميل حينئذٍ للادخار على حساب الاستهلاك.

خامس عشر: وكذلك العوائد المقياسية؛ حيث قد تكون هنالك عوائد مقياسية ثابتة أو متزايدة أو متناقصة، من غير فرق بين الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي في ذلك.

وبذلك كله ظهر أن الاقتصاد العائلي تشمله قوانين العرض والطلب بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكن في نطاق محدود، كما تشمله معظم إن لم يكن كل القوانين الاقتصادية، وأنه يتكفل بحل مشكلة بل مشاكل اقتصادية.

ونضيف: أنه لا يشترط في الأنشطة الاقتصادية أن تكون موجهة إلى السوق؛ لأن ذلك إنما هو نوع من أنواع الاقتصاد ولا يصح أن نجعله المقياس النهائي وأن نسقّف الاقتصاد به، بل الأساس في النشاط الاقتصادي أن يتكفل بإشباع الحاجات وأن يتوفر على المنفعة، وأن تكون له الجدوائية الاقتصادية بأشكال متنوعة وإن لم يتجسد في صورة تدفقات نقدية.

فتلك الأدلة والوجوه والعوامل تشكل الإجابة على معظم الأسباب الخمسة السابقة الذكر، التي دعت علماء الاقتصاد إلى إهمال الاقتصاد المنزلي من البحوث الاقتصادية، وبقي أن نجيب على السبب الرابع وهو أنه مما يصعب قياسه فنقول: 

كيف يمكن تقدير قيمة العمل المنزلي؟

إننا إذا نقلنا الكلام إلى مدى صعوبة قياس الاقتصاد بالمنزلي وتقدير مجمله بالأرقام، حتى نتعرف على مقدار مساهمته في إشباع الحاجات وحجمه بالقياس إلى الاقتصاد الرسمي، فإننا سنجد أنه:

يمكن تقدير القيمة النقدية للاقتصاد العائلي والعمل التطوعي المنزلي عبر طرق تالية:

الطريقة الأولى: تحديد متوسط أجر ساعة عمل واحدة من الأعمال المنزلية، عبر تحديد متوسط أجر العمل المماثل لساعة واحدة في السوق، أي ذلك الأجر الذي يدفع للعمال الذين يُستخدمون بأجرة للقيام ببعض الأعمال المنزلية، أي تحديدها عبر تحديد قيمة (أجرة) العمل الذي يقوم به من يعملون بأجر لدى العوائل والأُسر، فإذا عرفنا مثلاً متوسط أجر السائق المستخدم لدى الأسرة، وقمنا بتقسيم أجره الشهري على الساعات عرفنا أجرة الساعة الواحدة لعمل السياقة الرسمي، ومن ثَمّ نعرف عبر ذلك قيمة الساعة الواحدة من العمل غير الرسمي والسياقة التطوعية التي تقوم بها ربة البيت (أو رب البيت، لا فرق) لإيصال الأطفال إلى المدرسة أو للذهاب للتسوق مثلاً.

وإذا عرفنا متوسط أجرة البستاني، الخياط، المعلّم، البنّاء، الصباغ، الطباخ، وعامل النظافة و... وقسمناها على ساعات العمل الشهري، عرفنا (الأجر) الذي يستحقه أي واحد من أعضاء الأسرة للساعة الواحدة لقاء أي عمل منزلي يقوم به، من بستنةٍ أو حضانة للطفل أو رعاية له، ومن تدريسه أو تعليمه أو مساعدته في المذاكرة والدراسة، ومن خياطةٍ وحياكةٍ وإعدادٍ للطعام وطبخٍ، وغير ذلك.

الطريقة الثانية: تحديد متوسط أجر الساعة الواحدة من العمل المنزلي العائلي، عبر تحديد أجر الفرصة الضائعة البديلة "Opportunity cost" التي كان من الممكن للأسرة أن تنشغل بها بدلاً عن العمل في المنزل، فتكون أجرة الساعة الواحدة من العمل في المنزل مقوّمة بأجرة الساعة من الفرصة البديلة التي جرت التضحية بها لصالح العمل في المنزل، وهي طريقة تستخدم أيضاً لتقييم أسعار كل ما لا يقبل التسويق.

الطريقة الثالثة: تحديد أجرة ربة المنزل مثلاً، لا على ضوء ساعات العمل ونوعيته، بل على ضوء متوسط أجر السوق الشهري لمدبرة المنزل "Housekeeper".

الطريقة الرابعة: طريقة المزج أو التنويع بين الطرق السابقة، ففي الأعمال الاحترافية كالتعليم والتدريب ورعاية المسنين والتمريض، فإن المقياس يكون متوسط الأجر للساعة الواحدة، وفي الأعمال العامة الأخرى كالطبخ وأعمال التنظيف وشبهها، يكون المقياس متوسط الأجر الشهري للمدير الذي يتكفل بكل تلك الأعمال، كما نجد نظيره في الأجر الذي يدفع لـ(السكرتير) مثلاً. 

تقييم لدراسة منظمة التعاون والتنمية

ولكي نطمئن أكثر إلى أن هذه الطرق عملية وواقعية، فمن الضروري أن نرجع إلى الدراسة التي قامت بها منظمة التعاون والتنمية، والتي قامت فيها بتقدير القيمة النقدية للعمل غير المدفوع الأجر في 25 دولة من الدول الأعضاء في المنظمة، وذلك للشريحة العمرية 15 سنة ـ 64 سنة. وتغطي الدراسة الفترة 1998 ـ 2009م، وتم نشرها في عام 2010م(17).

وقد قامت الدراسة بحساب متوسط عدد ساعات العمل غير المدفوع في كل دولة ثم تقدير قيمته النقدية وفقاً لأجر ساعة العمل في الدولة المعنية، واستخدمت بديلين في هذا الشأن:

أحدهما: هو متوسط أجر ساعة العمل على مستوى الدولة، كتعبير عن أجر فرصة العمل البديلة التي كان يمكن إنفاق ذلك الوقت فيها.

والثاني: هو متوسط أجر الساعة في قطاع العمل غير الرسمي باعتباره يمثل الحد الأدنى للأجر الذي يدفع عادةً لعمال الخدمة المنزلية، أي أجر العمل المثيل غير المتخصص الذي يغطي معظم أنواع الأعمال المنزلية.

ويوضح الجدول الذي وضعته الدراسة التقديرات التي توصلت إليها على مستوى كل دولة.

ويشير الجدول إلى أنه باستخدام أجر فرصة العمل البديلة في التقييم تراوحت نسبة العمل غير المدفوع إلى الناتج المحلي الإجمالي ما بين 38% في المجر، و75% من ذلك الناتج في المملكة المتحدة.

أما عند استخدام الحد الأدنى للأجر في القطاع غير الرسمي في التقييم، فقد تراوحت نسبة العمل غير المدفوع إلى الناتج المحلي الإجمالي بين 19% في كوريا، و53% من ذلك الناتج في البرتغال(18).

أقول: الطريقة الأولى من الطرق الأربع الماضية هي الأقرب للعدالة، والأكثر موضوعية من الطريقة الثانية، كما أنها الطريقة التي لا تثير أية إبهامات وشكوك، ومن ثم لا تثير نزاعات واضطرابات، وذلك لأن لكل عمل أجر محدد في السوق، كالسياقة والبستنة ورعاية الأطفال والعجزة وتمريض الكبار والطبخ والتنظيف، فيكون من الأسهل والأوضح مقارنة العمل المنزلي بكل عمل مشابه له في السوق فيما إذا أدى الشخص العمل نفسه بالجودة نفسها.

أما الفرصة الضائعة والبديلة، (ويجب التمييز بينها وبين العمل المماثل مع مجرد فارق أن هذا يأخذ أجراً وذاك لا يأخذ)، فإنها مبهمة إلى حد كبير، إذ هنالك الكثير من الفرص البديلة، كما أن كلّاً منها قد تكون له أجرة معينة، وقد تكون رغبة المرأة ـ أو الرجل، لا فرق ـ في فرصة عمل معينة إلاّ أنها تدعي أنها كانت ترغب في فرصة عمل أخرى، لأن أجر ذلك العمل أكبر، هذا كله إضافةً إلى بعض الانتقادات الأخرى التي وجهها أخصائيون لهذه الطريقة، ومنها أنه لا توجد ضمانة لتوفر (الفرص البديلة) لكل ربة بيت.

وبعبارة أخرى: لا عمومية لذلك، فقد لا تتوفر فرص عمل أخرى أصلاً، أو لا تتوفر بشكل فوري وفي مثل ظروف هذه المرأة، وقد تتوفر بدائل مختلفة لها أجور مختلفة.

ولكن هذه الإشكالية الأخيرة يمكن حلها بأن يجعل المقياس هو المتوسط العام لأجور تلك الأعمال.

ومع أن بعض هذا النقد يجري في العمل المماثل أيضاً، إلاّ أن الظاهر أنه من حيث المجموع، فإن تقييمه أسهل وأقل عرضةً للخطأ.

ومن جهة أخرى، فإن المقياس هو (النوع) وليس (الشخص)، أي أن الغالبية العظمى هي المقياس، فإذا كانت تتوفر لها فرص عمل مماثل، فإنه يكون مقياساً جيداً، ويجري تعميمه لبعض الحالات الخارجة عن هذا الإطار (سنّاً للقانون) و(حفظاً للنظام)، وهذا التعميم مهم لأجل الحيلولة دون حالات تهرب الرجل من دفع الأجرة للمرأة في صورة مطالبتها متذرعاً بذريعة أنها لم يكن يمكنها الانشغال بعمل بديل فلا تستحق عليه الأجر!، مما قد يشكل ذلك بؤرة نزاع وشقاق بين الزوجين، على أن استحقاق الأجر إنما هو وليد العمل للغير سواء أكانت للشخص فرصة أخرى مثيلة أم لا.

وأما المعيار الثاني الذي ذكرته المنظمة وهو (الحد الأدنى للأجر الذي يدفع عادة لعمال الخدمة المنزلية)، فإنه يشكّل ظلماً للمرأة أو الرجل الذي يقوم بها فيما إذا كانوا متخصصين أو كانت كفاءتهم لا تقل عن كفاءة المتخصص، وإنما المطابق للعدل والإنصاف هو ما ذكرناه من معيارية المعدل المتوسط للأجر، هذا مع قطع النظر عن أنه إن أمكن تحديد قيمة كل عمل وساعاته، ثم إعطاء الأجر حسب الساعات وبالضبط، فإنه أفضل وأقرب للعدالة، وإن كان أصعب نسبياً من تحديد المتوسط العام أو الحد الأدنى العام لمعظم أنواع الأعمال المنزلية. 

العمل المنزلي في النصوص الدينية

ونظراً لمجموع تلك العوامل الاقتصادية، إضافةً إلى عوامل أخرى نفسية وأخلاقية ومعنوية وغيبية، جرى التأكيد في الأحاديث الشريفة على العمل التطوعي المنزلي، بل يظهر من بعض الروايات الآتية أنه يعدّ من أفضل أنواع المعروف.

والروايات تنقسم إلى قسمين: روايات عامة وروايات خاصة: 

أولاً: روايات مطلقة تعمّ العمل المنزلي

أما الروايات العامة التي تشمل بعمومها أو إطلاقها، العمل التطوعي المنزلي، فهذه إضمامة عطرة منها:

قال الإمام علي (عليه السلام): (إِنَّمَا الْمَعْرُوفُ زَرْعٌ مِنْ أَنْمَى الزَّرْعِ، وَكَنْزٌ مِنْ أَفْضَلِ الْكُنُوزِ، فَلا يُزَهِّدَنَّكَ فِي الْمَعْرُوفِ كُفْرُ مَنْ كَفَرَهُ، وَلا جُحُودُ مَنْ جَحَدَهُ، فإنه قَدْ يَشْكُرُكَ عَلَيْهِ مَنْ يَسْمَعُ مِنْكَ فِيهِ)(19).

والعمل المنزلي التطوعي من أفضل أنواع المعروف، كما تدل عليه روايات عديدة، ومنها ما دل على الأجر العظيم والثواب الكبير الذي يمنحه الله تعالى لمن يخدم أهله وزوجته في المنزل، ولمن تخدم زوجها في المنزل، ولسان هذه الرواية لسان اقتصادي، إذ بحسبها فإن المعروف يتميز بأنه استثمار من جهة، فإنه (زَرْعٌ مِنْ أَنْمَى الزَّرْعِ)، وبأنه ادخار من جهة أخرى، فإنه (كَنْزٌ مِنْ أَفْضَلِ الْكُنُوزِ)، ولعل كونه من أنمى الزرع لأنه يثمر دنيوياً كما يثمر أخروياً فهو يثمر دون انقطاع، وكونه من أفضل الكنوز لأنه كنز خالد لا يفنى أبداً؛ ولذا ورد: (المَعروفُ ذَخيرَةُ الأبَدِ)(20).

قال الإمام علي (عليه السلام): (مَنْ عامَلَ النّاسَ بِالْجَمِيلِ كافَؤوُهُ بِهِ)(21)، والمكأفاة قد تكون اقتصادية كما قد تكون غيرها.

وقال (عليه السلام): (مَنْ كَثُرَتْ عَوارِفُهُ كَثُرَتْ مَعارِفُهُ)(22)، فإذا كثر معروفك إلى الناس كثرت معارفك، وتوسعت شبكة علاقاتك الاجتماعية، وكلما توسعت شبكة علاقاتك الاجتماعية كانت الفرص المتاحة أمامك للاستثمار أو للاقتراض (حتى بدون فائدة) أو للحصول على وظيفة أو على ترقية، أكبر فأكبر.

كما أن من يعامل الناس بالجميل يعاملونه بالجميل أيضاً، فإذا أقرضتَ قريبك أو صاحبك أقرضك، وإذا منحتَه مشورة مجانية منحك، وإذا ضيّفتَ الناس ضيّفوك، وإذا توسطتَ لهذا وذاك ليحصلوا على عمل توسطوا لك متى احتجت إلى عمل.

وكما تجد الرواية مصداقها في من كثرت عوارفه للناس، فإنها تجد مصداقها بشكل أقوى في من كثرت عوارفه لأرحامه وأقربائه، خاصة في العوائل الكبيرة التي يتباعد أعضاؤها بعضهم عن بعض، وقد تجد الأحفاد لا يعرف بعضهم بعضاً أبداً، فكيف بأبناء الأحفاد وأحفاد الأحفاد وأبناء أبناء العمومة وهكذا.

وأخيراً: فإن (المعروف) يشمل كل بِرّ وخيرٍ وعمل صالح، فيشمل تأسيس فندق مجاني للمحتاجين، كما يشمل من عبّدَ طريقاً، أو أزال أذى من طريق، أو من قاد ضريراً في الطريق، وغير ذلك، كما مضت الإشارة إلى مجموعة من الروايات المفيدة لذلك.

عن الإمام الصادق (عليه السلام): (الْكَادُّ عَلَى عِيَالِهِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(23)، وهي تشمل بإطلاقها كافة الأعمال المنزلية التي يقوم بها الرجل لصالح الأسرة من غير أجرة، كأعمال البناء في المنزل والنجارة وإصلاح النوافذ والأبواب وصبغها وغير ذلك، والانصراف إلى غيره (العمل خارج المنزل بأجرة) بدويّ، فتأمل.

ولعل وجه المماثلة والتشبيه: أن أحدهما جهاد على الجبهة الداخلية، والآخر جهاد على الجبهة الخارجية، بل إن قوة الجبهة الخارجية وحصانتها ومناعتها لا تكون إلا بقوة الجبهة الداخلية، والمعروف أن الأسرة هي اللبنة الأساسية الأولى في المجتمع، فإذا تمتعت العوائل ببناء روحي، فكري، واقتصادي سليم وقوي، كان المجتمع سليماً قوياً، وتقلصت نسبة التشرد والجريمة وحوادث السطو المسلح والسرقات والعنف وإدمان المخدرات وغيرها إلى درجة كبيرة. 

ثانياً: روايات خاصة بالعمل المنزلي

وأما الروايات الخاصة التي تتحدث عن العمل المنزلي ولأجل الأسرة بشكل خاص؛ فهذه عيّنات ونماذج منها:

قال (عليه السلام): (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَحْلُبُ عَنْزَ أَهْلِهِ)(24)، وهذه الرواية كنظائرها ليست لمجرد الحكاية والسرد التاريخي، بل إنها تعطينا المنهج العملي في الحياة الأسرية، مشكّلاً (صلى الله عليه وآله) بذلك الأسوة التي يجب أن تحتذى من قِبَلِ أتباعه، بل ومن قِبَلِ كل من يعرف أنه كان حاكماً قوياً محبوباً في أُمته، ورغم ذلك فقد كان يتعامل بهذه الطيبة والبساطة والشهامة.

وقال (عليه السلام): (كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) يَحْتَطِبُ وَيَسْتَقِي وَيَكْنُسُ، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ (سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْهَا) تَطْحَنُ وَتَعْجِنُ وَتَخْبِزُ)(25).

وما أعظم الدرس العملي الذي علّمناه رسول الإسلام والإنسانية، ومعه علي وفاطمة (عليهم السلام) في كيفية إدارة الأسرة وفي تكاملية الأدوار الاقتصادية في المنزل.

وفي "جامع الأخبار" عن الإمام علي (عليه السلام) قال: (دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَفَاطِمَةُ (عليها السلام) جَالِسَةٌ عِنْدَ الْقِدْرِ وَأَنَا أُنَقِّي الْعَدَسَ، قَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: اسْمَعْ، وَمَا أَقُولُ إِلَّا مَا أَمَرَ رَبِّي: مَا مِنْ رَجُلٍ يُعِينُ امْرَأَتَهُ فِي بَيْتِهَا إِلَّا كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ عَلَى بَدَنِهِ عِبَادَةُ سَنَةٍ، صِيَامُ نَهَارِهَا وَقِيَامُ لَيْلِهَا، وَأَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الثَّوَابِ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ الصَّابِرِينَ وَدَاوُدَ النَّبِيَّ وَيَعْقُوبَ وَعِيسَى (عليهم السلام)...)(26).

فهذا عن أجر الرجل على العمل في المنزل تطوعاً.

وأما عن أجر المرأة على العمل في المنزل، فقد ورد في وصايا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام): (يا فاطمة، ما من امرأة نسجَتْ ثوباً إلا كتب اللّه لها بكل خيط واحد مائة حسنة، ومحى عنها مائة سيئة... يا فاطمة، ما من امرأة غزلَتْ لتشتري لأولادها أو عيالها إلاّ كتب اللّه لها ثواب من أطعم ألف جائع وأكسى ألف عريان)(27).

وذلك كله يعني: منح المكانة والشرعية الكبرى للعمل المنزلي، خلافاً للأصوات السابقة التي كانت تدينه(28)، واعتباره عملاً من أهم الأعمال المنتجة إلى درجة أن أنزله الإمام الصادق (عليه السلام) منزلة الجهاد في سبيل الله كما سبق، وأنه يعادل إطعام ألف جائع وإكساء ألف عريان، وغير ذلك، بل وصل الأمر إلى درجة أن يعدّ من مآثر الرسول (صلى الله عليه وآله) ووصيه وابنته (عليهما السلام) ومفاخرهم وفضائلهم، الانشغال بمختلف الأعمال المنزلية، وأنها ـ أي الأعمال المنزلية ـ مما تطفئ النيران وتستوجب بها المرأة والرجل الجِنان، كما سيأتي. 

من فلسفة الأجر العظيم على الأعمال المنزلية

وقد يستغرب بعض الناس هذا الأجر العظيم، بل قد يشكك فيه بعض آخر، ولكن ذلك الاستغراب سرعان ما يزول ويحل محله الإذعان، بل والإعجاب إذا عرفنا:

أولاً: أن بعض الناس قد يأنفون عن خدمة الزوجة والتعاون مع المرأة في أعمالها المنزلية (كنس، تنظيف، طبخ و...)، فخدمة العيال تشكل أيضاً لهؤلاء نوعاً من جهاد النفس، ومن المعلوم أن الأجر على قدر التواضع كما هو على قدر المشقة.

ثانياً: أن العمل في المنزل إلى جوار الزوجة والأُم والبنات والأولاد، يزيد الأسرة تماسكاً، ويكرّس فيهم المشاعر الوجدانية المشتركة والحب المتبادل، كما أنه يملأ الخلأ العاطفي في الزوجة والأسرة عموماً، وبذلك يتحول المنزل إلى ذلك العُش السعيد الذي يعشقه كل أعضاء الأسرة، ومن المعروف أن الأعمال المشتركة حتى الرياضة الجماعية تزيد التماسك بين الموظفين وأعضاء المؤسسات فما بالك بالأسرة.

ثالثاً: وتبعاً لذلك، فإن العمل في المنزل مع الأسرة، يزيد الكفاءة والإنتاج والإنتاجية، ويخفض مِن ثَمَّ منسوب الفقر أو نسبة الضغط المالي الناجم عن الأجور التي تدفعها الأسرة لعمال يُستأجرون لأداء بعض الأعمال المنزلية. والفقر هو العدو الذي يحاربه الإسلام أشد محاربة، وقد نسب بعض إلى الإمام علي (عليه السلام) قوله: (لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته)(29)، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (مَنْ وَجَدَ مَاءً وَتُرَاباً ثُمَّ افْتَقَرَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ)(30)، وقال الإمام علي (عليه السلام): (كَادَ الْفَقْرُ أن يَكُونَ كُفْراً)(31).

رابعاً: إن الله واسع كريم جواد فياض، وهو قادر على خلق أنواع الثواب العظيم بـ(كُنْ)(32) وأقل، فلماذا لا يعطي الكثير جداً على القليل ما دام هو الوهّاب الكريم، ذا المنّ والطول، والإحسان والفضل.

خامساً: والأجر يكون فيما يكون، على مقام الانقياد والعبودية لله تعالى، إذ أنه أَمَرَك بخدمة عيالك ففعلتَ فاستحققتَ أجر الطاعة والعبادة أيضاً.

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سَأَلَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) عَنْ فَضْلِ النِّسَاءِ فِي خِدْمَةِ أَزْوَاجِهِنَّ، فَقَالَ (صلى الله عليه وآله): مَا مِن امْرَأَةٍ رَفَعَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا شَيْئاً مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ تُرِيدُ بِهِ صَلَاحاً إِلَّا نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهَا، وَمَنْ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ لَمْ يُعَذِّبْهُ)(33).

فهذا عن خدمة المرأة للرجل وعملها في المنزل، وأما عن خدمة الرجل لأهله وعمله في داره، فقد ورد: (لا يَخْدُمُ الْعِيَالَ إِلاّ صَدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ أَوْ رَجُلٌ يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)(34).

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ألا أعجبكم أنّ المؤمن إذا أصاب خيراً حمد الله وشكر، وإذا أصابته مصيبة حمد الله وصبر، فالمؤمن يُؤجَر في كل شي‏ء حتى اللقمة يرفعها إلى فيه)، وفي حديث آخر: حتى اللقمة يرفعها إلى فم امرأته)(35).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (وَمَنْ حَسُنَ بِرُّهُ بِأَهْلِهِ زَادَ اللَّهُ فِي عُمُرِهِ)(36).

وورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): (صِلَةُ الْأَرْحَامِ تُزَكِّي الْأَعْمَالَ وَتَدْفَعُ الْبَلْوَى وَتُنْمِي الْأَمْوَالَ وَتُنْسِئُ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَتُوَسِّعُ فِي رِزْقِهِ وَتُحَبِّبُ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)(37).

ومعادلة تأثير صلة الرحم على الاقتصاد الكلي وعلى الاقتصاد الجزئي، هي كمعادلة تأثير الصدقة على هذين الفرعين من الاقتصاد. 

أصوات تؤيد الاعتراف بالعمل المنزلي اقتصادياً

وفي مقابل تلك النظرة المتحيزة ضد العمل المنزلي ـ والذي تتكفل به عادةً النساء ـ والتي سبق نقلها عن عدد من علماء الاقتصاد وغيرهم، فقد ارتفعت أصوات من هنا وهناك تحتج على هذا المنهج، ويشير بعض الباحثين في كتابه (تقدير قيمة العمل المنزلي) إلى بعضها ومن أهمها:

أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد تمثلت أبرز الاحتجاجات في مذكرة رسمية قدمتها (جمعية تقدم النساء) "Association of the Advancement of Women" للكونجرس الأمريكي في عام 1878م تحتج فيها على إغفال عمل 12 مليون امرأة أمريكية واعتبار ربّات البيوت عمالة غير منتجة، استناداً إلى أنهن لا يتقاضين أجراً عن عملهن. وطالبت المذكرة أعضاء الكونجرس بإدراج النساء في التعداد في فئة العاملات والمنتجات(38).

ومن جهة أخرى جرت جهود لإدراج العمل المنزلي غير مدفوع الأجر في الناتج المحلي الإجمالي، حيث إن بعض الاقتصاديين الذين شاركوا في التجارب الأولى لتقدير الناتج المحلي الإجمالي في كل من السويد وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، خلال النصف الأول من القرن العشرين، قاموا بمحاولات لإدراج العمل المنزلي غير المدفوع في الحسابات القومية وتقدير قيمة ذلك العمل(39).

ففي السويد قام كل من "إيريك ليندال" و"إينار دالجرين" و"كارين كوك" بتقدير قيمة العمل المنزلي غير المدفوع بما يعادل 32% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي للسويد في عام 1929م.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية أعلن "سيمون كوزنيتز" من (المكتب القومي للبحث الاقتصاد) "National Bureau of Economic Research" أن استبعاد العمل العائلي من تقديرات الدخل القومي يحد بدرجة خطيرة من مصداقية تلك التقديرات، وأن هذه التقديرات لن تصبح سليمة إلاّ لو تم تحسين البيانات التي تتضمنها أو اختفاء الأسرة تماماً كمنتج للسلع(40). وقام "كوزنيتز" بمحاولة لتقدير قيمة الإنتاج العائلي وقدره بنحو 35% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية في عام 1929م(41).

وفي إنجلترا قام "كولين كلارك" في عام 1958م بتوجيه النقد لنظام الحسابات القومية السائد، مؤكداً أن الاستمرار في استبعاد الإنتاج العائلي أمر لا يمكن الدفاع عنه، وقدّر قيمة هذا الإنتاج بنحو 27% من الناتج المحلي الإجمالي لإنجلترا في عام 1956م(42).

إلا أن أحدث محاولة لإدماج العمل العائلي غير المدفوع في الحسابات القومية، قد جاءت في إطار التحليل المتعمق لأوجه القصور في المؤشرات الحالية لقياس الأداء الاقتصادي، وعلى رأسها الناتج المحلي الإجمالي.

وتمثلت تلك المحاولة في التقرير الهام الذي أعده ثلاثة من كبار الاقتصاديين الأكاديميين المعاصرين، والمعروف بتقرير "لجنة ستيجليتز" الصادر عام 2008م(43)، فقد أكد التقرير أنه قد آن الأوان للتحول من التركيز على قياس الإنتاج الاقتصادي إلى قياس جودة حياة البشر، موضحاً أن مستوى جودة الحياة (أو الرفاهة) يتحدد بمجموعة من العوامل تتمثل بصفة رئيسية في كل من المستويات المادية للمعيشة (الدخل والاستهلاك والثروة)، والصحة، والتعليم، والعمل، والمشاركة السياسية، والعلاقات الاجتماعية، والظروف الحالية والمستقبلية للبيئة الطبيعية. وأكد التقرير أن المقاييس التقليدية للأداء الاقتصادي، وعلى رأسها الناتج المحلي الإجمالي، تقصر عن أخذ معظم هذه العوامل في الاعتبار.

وفي إطار التحول إلى التركيز على مستوى جودة حياة البشر، أورد التقرير مجموعة هامة من التوصيات، نبرز منها على وجه التحديد التوصية بمد نطاق مؤشرات قياس الناتج المحلي لتشمل الأنشطة غير الموجهة للسوق، وأوضح التقرير أن نقطة البدء في هذا الشأن تتمثل في توفير معلومات متسقة وقابلة للمقارنة عبر الفترات الزمنية وفيما بين الدول بعضها البعض عن كيفية قضاء الناس لوقتهم اليومي، وتوفير حسابات مستقلة شاملة ودورية عن أنشطة القطاع العائلي فهذا من جهة. ومن جهة أخرى: تبلور ذلك المطلب في إعلان بكين لمؤتمر الأمم المتحدة الرابع للمرأة في عام 1995م، الذي دعا الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والبحثية إلى القيام بدراسات لتقييم العمل غير المدفوع للنساء ونشر النتائج، وذلك كجزء من آليات مواجهة ظاهرة تأنيث الفقر(44).

وأسفرت عمليات تطوير إعداد الإحصاءات القومية في النهاية عن اعتراف لجنة الإحصاء في الأمم المتحدة بضرورة إعداد حسابات تكميلية "Satellite accounts" للحسابات القومية تختص بإحصاءات العمل المنزلي غير المدفوع، على أن تحتوي تلك الحسابات على البيانات التالية(45):

* متوسط عدد الساعات المنفقة على العمل المنزلي غير المدفوع موزعة بين النساء والرجال، (مع الفصل كلما أمكن بين أعمال الخدمات المنزلية وأعمال رعاية الطفل).

* متوسط عدد ساعات الوقت المنفق على العمل المدفوع وغير المدفوع (إجمالي عبء العمل) موزعة بين النساء والرجال.

وحددت لجنة الإحصاء في الأمم المتحدة الأعمال غير المدفوعة على النحو التالي:

* أعمال الخدمات المنزلية "Housework".

* أعمال الرعاية "caring".

* أعمال خدمة المجتمع والأنشطة التطوعية "Community Work volunteering".

وجاءت الخطوة الكبيرة لإدماج العمل المنزلي بشكل رسمي في النظرية الاقتصادية النيوكلاسيكية في منتصف الستينات على يد الاقتصادي الأمريكي "جراي ستانلي بيكر"(46)، الذي نشر مقالاً في عام 1965م بعنوان (نظرية في توزيع الوقت) "A Theory of the Allocatiion of time" أكد فيه أن الأسرة تعدّ بمثابة منشأة صغيرة يتم فيها استخدام السلع الرأسمالية والمواد الخام والعمل لتوفير خدمات التنظيف والتغذية وخلق بضائع مفيدة. ولا تختلف هذه المنشأة الصغيرة عن منشآت السوق إلاّ في أن توزيع ساعات العمل فيها يخضع لاختيارات الأسرة وليس لرقابة صاحب المنشأة(47).

ووفقاً لبيكر فإن أفراد الأسرة يقومون باستخدام وقتهم اليومي والسلع التي يحصلون عليها من السوق في أنشطة متعددة وبنسب مختلفة، لكي يقوموا بإنتاج السلع التي تحقق لهم إشباعاً مباشراً لاحتياجاتهم(48).

وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن هناك العديد من دول العالم صارت تهتم بقياس وتقدير قيمة العمل غير المدفوع كجزء من إحصائياتها الرسمية. فمن بين 126 دولة شملها برنامج إحصائيات النوع الاجتماعي بالأمم المتحدة في عام 2012م كان 48% من الدول يقوم بانتظام بإجراء مسوح استخدام الوقت التي تبين توزيع ساعات اليوم للمواطنين بين العمل المدفوع وغير المدفوع والعناية الشخصية والترفيه، و42% من الدول يقوم بقياس العمل غير المدفوع؛ إلا أن 7% فقط من الدول كان يلتزم بإدراج إحصاءات العمل غير المدفوع في حسابات تكميلية "Satellite accounts" لنظام الحسابات القومية، وذلك لاستكمال الصورة الحقيقية عن الأداء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي(49). 

العمل المنـزلي في الفكر الماركسي

وأما الاقتصاد الماركسي فقد سبق نقل آراء بعضهم، ونضيف هنا، واقتباساً عن بعض الباحثين:

أنه يمكن تلخيص موقف الفكر الاقتصادي الماركسي التقليدي من العمل المنزلي غير المدفوع على النحو التالي: العمل المنزلي يجسّد أول أشكال القهر في تاريخ البشرية، وهو عمل غير منتج، بل هو عمل بائس وأبله ومنهك للأعصاب. والطريق إلى تحرير المرأة هو انخراطها في العمل بأجر في السوق، لأن هذا هو العمل المنتج، وسوف يؤدي تطور النظام الرأسمالي إلى اختفاء العمل المنزلي نظراً للتسليع المتزايد لعديد من أعمال النشاط المنزلي بحيث يتم الحصول عليها بمقابل من السوق، وينتهي الأمر في النظام الاشتراكي إلى تحرير النساء من تلك الأعمال التي تنتقل مسؤولية القيام بها إلى الدولة. 

إنجلز: يجب أن لا تكون الأسرة وحدة اقتصادية

ففي نهاية القرن التاسع عشر كتب "إنجلز" أن أول أشكال القهر في تاريخ البشرية يتوافق مع ظهور القهر في علاقة الرجل بالمرأة من خلال الزواج، وأول أشكال القهر الطبقي هو قهر النساء بواسطة الرجال، وهذان النوعان من أنواع القهر يمكن التغلب عليهما فقط في المجتمع الاشتراكي، فمع انتقال وسائل الإنتاج إلى مجال الملكية العامة ستتوقف الأسرة المنفردة عن أن تكون وحدة اقتصادية في المجتمع، وسيتحول العمل المنزلي من عمل خاص إلى صناعة مجتمعية، ويصبح رعاية وتعليم الأطفال من الشؤون العامة(50).

لينين: العمل المنـزلي يسحق المرأة، والبديل خدمة المجتمع!

وقد سادت في الاتحاد السوفياتي، خلال النصف الأول من القرن العشرين، النظرة إلى العمل المنزلي باعتباره العقبة الرئيسية أمام حصول النساء على حريتهن الكاملة، فكتب "فلاديمير لينين" أنه على الرغم من كل قوانين تحرير المرأة، فإنها تستمر في أن تكون (أمة منزلية)، لأن العمل المنزلي يسحقها ويخنقها ويحط من شأنها ويقيدها إلى المطبخ والحضانة، ويبدد عملها على كدح وحشي منهك للأعصاب وسفيه وساحق(51). وكان من الطبيعي أن يصوّت المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي في عام 1919م، لصالح استبدال العمل المنزلي الفردي بترتيبات جماعية للخدمات المنزلية ورعاية الطفل. إلاّ أن السنوات العديد انقضت دون أن يتحقق ذلك على أرض الواقع، وكل ما حدث هو أن النساء في الاتحاد السوفيتي صرن مطالبات بأداء ورديتي عمل كل يوم، إحداهما بأجر في السوق، والثانية بدون أجر في المنزل(52)،(53). 

ردود سريعة على آراء الماركسيين في العمل المنزلي

وإذا عرفنا أن العمل المنزلي ليس بواجب على المرأة في الإسلام أبداً، وعرفنا أنها إذا شاءت أن تعمل في المنزل فلها أن تطالب بالأجرة المناسبة، وعلمنا أنه يستحب للرجل العمل في المنزل كما يستحب للمرأة تماماً، عرفنا بأن العمل المنزلي في الإسلام ليس أنه لا يشكل قهراً للمرأة فقط، بل إنه مؤشر من أهم مؤشرات تحررها واستقلالها وكرامتها في الإسلام، إذ لا يجوز للزوج أن يجبرها على العمل، ولو أجبرها فعل حراماً واستحق العقوبة، كما أنها إذا عملت بمنتهى رضاها فلها المطالبة بالأجر، تماماً كأي عمل شريف آخر، وليس العمل المنزلي غير منتج، كما أوضحناه وسنوضحه، كما أنه ليس بائساً ومنهكاً للأعصاب إلا إذا كان إجبارياً وكانت الكراهية هي الحاكمة بين الزوجين، بينما إذا كانت المحبة هي المخيّمة على العُش الزوجي، فإن الزوجة ستشعر بالسعادة عند قيامها بأعمال المنزل لرعاية زوجها وأطفالها، هذا إذا رغبت، وإلاّ وفيما إذا شعرت بالتعاسة أو حتى بمجرد عدم الرغبة في العمل المنزلي فإن لها أن تمتنع عنه، وعلى الزوج حينئذٍ توفير مستلزمات الحياة الكريمة وكافة احتياجات الأسرة من مأكل وملبس و... بنفسه، وذلك كله في إطار قوله تعالى: (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(54) كما سيأتي.

كما أن حركة التاريخ أكذبت نبوءة "إنجلز" و"بيبيل"(55)، إذ لم يؤد تطور الاقتصاد الرأسمالي، على ما فيه من أخطاء كبيرة، إلى اختفاء العمل المنزلي، وإن أدى إلى تيسيره وتسهيله أو تحجيمه بتوفيره التكنولوجيا المناسبة، كما أنه وعلى الرغم من انتقال وسائل الإنتاج إلى مجال الملكية العامة في الدول الشيوعية والاشتراكية، لم تتوقف الأُسَر عن كونها وحدة اقتصادية، ولم يتحول العمل المنزلي إلى صناعة مجتمعية، ولم تصبح رعاية الأطفال من الشؤون العامة، كما تنبأ بكل ذلك "إنجلز"، بل إن بعض الدرجات التي تحققت من ذلك أدت إلى نتائج سلبية خطيرة كان منها تفكك العوائل وتشرد الأطفال.

بل إن تحويل رعاية الأطفال إلى الشأن العام، يعدّ أكبر جريمة بحق الأطفال الذين سيفتقدون حينئذٍ الحبّ والحنان اللذين يشيعهما الأبوان في أجواء الأسرة السعيدة؛ إذ (ليست الثكلى كالمستأجرة)، وأين حنان الأم وعطفها وتضحيتها لأبنائها، من حنان موظف أو موظفة؟

وإذا أنكر "انجلز" ذلك، فيبدو أنه أغمض عينيه عن الملايين من العوائل السعيدة المنتشرة في أنحاء العالم، وقصّر نظره على المجاميع الفاشلة من العوائل ذات المنهج الفاشي، ولعله شاهد بعض العوائل التي يقهر فيها الرجل المرأة، وهو محرّم في الإسلام تماماً، ولم يشاهد أو تغافل عن الملايين من العوائل التي تعيش في حبّ ووئام وسلام، بل لعله لم يشاهد العوائل التي تديرها المرأة بالدرجة الأولى أو تحكمها بينما يعدّ الرجل بشكلٍ أو آخر تابعاً لها.

بل إن تكوين الأسرة لوحدة اقتصادية هو وجه من أوجه إنسانية الأسرة، لكونه من أسباب توثّق رباط المحبة ووشائج الصلة بين أعضاء الأسرة، حيث ينخرطون جميعاً في عمل مشترك ويتعاون بعضهم مع بعض، للحصول على أفضل النتائج لتحسين وضع الأسرة بشكل عام.

بتعبير آخر: إن من الخطأ الكبير القيام باستقراء ناقص ودراسة بعض العيّنات المحدودة مهما كانت كثيرة، ثم الخروج بتوصيات عامة وبنظرية يراد تعميمها على من تنطبق عليهم تلك الظاهرة ومن لا تنطبق، فما يقوله "لينين" عن (أن العمل المنزلي يسحق المرأة ويخنقها.. ويبدّد عملها على كدح وحشي منهك للأعصاب وسفيه ساحق)، لئن كان صحيحاً في بعض العوائل الفاشية التي تجبر النساء على العمل، وعلى تلك النساء اللاتي يكرهن الأعمال المنزلية ولا يحببن أزواجهن، فإنه لا يصح أبداً في الملايين من العوائل التي تعشق المرأة فيها زوجها وأطفالها، وتُغرَم برعاية الأسرة وتربية الأطفال وتحب القيام بالأعمال المنزلية وتندفع نحوها بشق ولهفة، بل إن الكثير من النساء يُحبِبن القيام بالأعمال المنزلية حباً ذاتياً، كما نجد أن بعض الناس يحب التجارة وبعضهم يحب النجارة وبعضهم يحب أعمال البستنة وبعضهم يحب التدريس وبعضهم يحب الخياطة حباً ذاتياً.

وعلى ذلك، فلا مجال أبداً لتوهم أن العمل المنزلي يخنق المرأة ويسحقها و...، خاصة على ضوء المنهج الإسلامي الذي يرى أن لها كامل الحق في أن لا تقوم بأي عمل منزلي، وأنها إن رغبت فلها المطالبة بالأجرة الكاملة، وبعد ذلك وإلى الحين الذي تبقى فيه راغبة في العمل فإن لها أن تستمر، ومتى ما كرهته أو سأمته فلها أن تتركه فوراً.

وهكذا تجد أن إطلاق تلك الصفات (وحشي، منهك، سفيه ساحق.. أمة منزلية) غير علمي ولا موضوعي ولا منصف.

ثم إننا نسأل "لينين": إنك إذ ألغيت الأعمال المنزلية، فمن الذي يقوم بها إذاً؟ من الذي يقوم برعاية الأطفال، وإعداد الطعام وغسل الملابس، وتنظيف المنزل؟ و...؟ أليس إنه لابد حينئذٍ من أن يقوم به رجال أو نساء آخرون / أخريات، في دُور الحضانة وفي المطاعم وعمال مستأجرون للقيام بأعمال التنظيف والكنس والصيانة و... في المنزل؟، فهل يقول "لينين" حينئذٍ إن كل تلك الأعمال (وحشي، سفيه، ساحق ونوع من العبودية)؟، وهل يمكنه أن يلغي تلك الأعمال كلها من قاموس البشرية! وإذا كان لا يمكنه ذلك فغاية ما صنع أنه حوّل مسؤولية تلك الأعمال من الزوجة أو الأم أو البنت إلى امرأة أخرى، ومن الرجل في أعماله المنزلية إلى رجل آخر، بفارق أن تلك المرأة الأخرى تعمل للأجرة فقط وفقط ولا يدفعها حافز أقوى كالحب الكبير الذي تكنّه الزوجة / الأم لأطفالها حين رعايتهم، والعشق الكبير الذي تحمله المرأة / الزوجة لزوجها.

وإذا كان الفارق أن تلك المرأة (في المطعم أو دار الحضانة أو كمدبرة للمنزل و...) تأخذ الأجرة بينما لا تأخذ الزوجة أو الأم أجرة (ولذا كانت هذه أمة منزلية دون تلك، وكانت هذه الأعمال وحشية سفيهة ساحقة دون تلك)، فقد سبق مراراً أن للزوجة أن تأخذ الأجرة كاملة على أعمالها كلها، وأنه لا يجوز إكراهها أبداً، وأن لها أن تستمر مادامت تحس بالرضا والإشباع النفسي.

هذا إضافة إلى أن من الخطأ الواضح توهم أن (أخذ الأجرة) يعني: (عدم كون العمل بأجرة وحشياً، ساحقاً، سفيهاً، تخلفاً، نوعاً من الضياع منهكاً للأعصاب، غير منتج ونوعاً من العبودية)، وأن (عدم أخذها) يعني ذلك كله: وحشياً ساحقاً... إلخ، فإنه خطأ مزدوج:

أ: إذ ما أكثر ما يكون العمل، رغم أخذ الأجرة عليه، وحشياً ساحقاً! وما أكثر ما يكون منهكاً للأعصاب أو ضياعاً أو تخلفاً!، وما أكثر ما يكون غير منتج! وما أكثر ما يكون نوعاً من العبودية، إذ يضطر الكثير من العمال والموظفين إلى العمل في أعمال لا يحبونها بل ويكرهونها تماماً، وإنما اضطروا لتحمّل عبوديتها اضطراراً لمجرد أن يحصلوا على أجرة توفر لهم الحد الأدنى من الملبس والمأكل والمشرب والمسكن التي لولاها لعاشوا بتعاسة بالغة، فاضطروا لكي يتحولوا إلى عبيد يعملون بأجرة كي لا يموتوا من الجوع أو المرض أو شبه ذلك!.

ب: ومن جهة أخرى، ما أكثر ما يكون العمل بدون أجرة منتجاً ورائعاً ومبهجاً وسبباً للتقدم والازدهار؛ ودونك أغلب، إن لم يكن كافة الأعمال الخيرية التطوعية التي يقوم بها رجال ونساء في شتى بقاع الأرض، كخدمة المرضى والعجزة والمقعدين والأطفال دون مقابل، أو التي يقومون بها لخدمة المجتمع بشكل عام بدون مقابل.

وعليه: فالتعميم من كلا الجانبين خطأ، والخطأ الأكبر توهم أن التعاسة والتخلف و... هي وليدة (نفس العمل دون أجرة)، وليست وليدة القهر والإجبار عليه أو الظروف المكتنفة به، وإذا تحقق القهر والإجبار كان العمل بلا أجرة ومع الأجرة، سيّان: عبودية وحشيةً ساحقةً، وهل ترى أن الرأسماليين أو الاشتراكيين، لا فرق، لو استعبدوا أناساً ـ رجالاً ونساءً ـ ثم أعطوهم أجرة على أعمالهم، خرجوا بذلك عن الوحشية والاستعباد و...؟ 

القواعد الإسلامية في أعمال المرأة المنزلية

ويمكننا تلخيص ما هو الأقرب إلى العدل والإنصاف، والأبعد عن الحيف والإجحاف، وعن إثارة أية مشاكل جانبية ومضاعفات، بحسب ما حكمت به الشريعة الإسلامية، وفي ضمن البنود التالية: 

لا يجب على المرأة العمل، ولها الأجرة

البند الأول: أن المرأة لا تتحمل مسؤولية العمل المنزلي، أي إنه لا يجب عليها أي شكل من أشكال العمل في المنزل، فلا يجب عليها الطبخ ولا تنظيف المنزل ولا.. ولا.. ولا، حتى رعاية الأطفال، كما صرح بذلك الكثير من أعاظم الفقهاء والمراجع:

قال الشيخ حسين الحلي: (في حين أن الزوجة حرة في خدمة بيتها، والشارع المقدس لم يوجب عليها ذلك، إنما فضل منها في ترتيب بيتها)(56).

وقال السيد الروحاني: (مسألة 971: لا يستحقّ الزوج على زوجته خدمة البيت وما شاكلها)(57).

وقال الشيخ التبريزي: (مسألة 1000: لا يستحق الزوج على زوجته خدمة البيت وما شاكلها، ‌إلّا إذا اشترط عليها في نكاحها أو كان من الشرط الارتكازي، ولكن لا يبعد جواز مطالبتها الأجرة عليها إلاّ مع القرينة على المجانية ولو كانت حالية)(58).

وقال السيد السيستاني: (مسألة 1004: لا يستحق الزوج على زوجته خدمة البيت وما شاكلها، وإن كان يستحب لها أن تقوم بذلك)(59).

(مسألة 340: لا يستحق الزوج على الزوجة خدمة البيت وحوائجه التي لا تتعلق بالاستمتاع‌، من الكنس أو الخياطة أو الطبخ أو تنظيف الملابس أو غير ذلك حتى سقي الماء وتمهيد الفراش، وإن كان يستحب لها أن تقوم بذلك)(60). 

للمرأة المطالبة بالأجرة العادلة لأعمالها بالمنـزل

البند الثاني: إن للمرأة أن تطالب زوجها بالأجرة العادلة لكل عمل تقوم به في المنزل، فإذا اتفقا على أن تقوم بأعمال المنزل بأجرة معينة، فإن على الرجل السداد ويلزم به، فإن سدّد وإلا عوقب بالسجن إذا كان قادراً على السداد وكان عاصياً حتى يسدد دينه.

بل المشهور بين الفقهاء: أن الأمّ تستحقّ الأجرة(61)، وقد ذهب إلى ذلك السيد المرتضى(62)، وابن إدريس(63)، والمحقّق الحلي(64)، والعلّامة الحلي(65)، والشهيدان الأول والثاني(66)، والسيد الطباطبائي(67) وآخرون، هذا.

ويمكن أن يستدلّ على استحقاق المرأة للأجرة (أجرة الأعمال المنزلية) بأدلة عديدة:

أولاً: أن الأصل احترام عمل الإنسان مسلماً كان أم كافراً، والأصل استحقاق الأجرة ما لم يقم دليل على العكس.

ثانياً: قوله (صلى الله عليه وآله): (لِئَلَّا يَتْوَى حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ)(68)، و(يَتْوَى) يعني يُضيّع، فلا يجوز تَوْي وتضييع حق أي مسلم، كما لا يجوز تضييع حقوق غير المسلمين بالأدلة الأخرى نظير بعض أدلة قاعدة الإمضاء(69) والأدلة الآتية أيضاً.

ثالثاً: قوله تعالى: (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ)(70)، فإن استخدامها بدون دفع أجرة لها أكل مال بالباطل.

رابعاً: قوله سبحانه: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ)(71)، فإنه عام أو مطلق، وهذا الرزق والعوض ليس في مقابل التمكين.

خامساً: وقوله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)(72)، فإنه مطلق يشمل الزوجة وغيرها.

ويدلّ عليه أيضاً ما رواه الكافي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: (فَإِنْ وَجَدَ الْأَبُ مَنْ يُرْضِعُهُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَقَالَتِ الْأُمُّ: لَا أُرْضِعُهُ إِلَّا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ، فإن لَهُ أن يَنْزِعَهُ مِنْهَا إِلَّا أن ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ وَأَرْفَقُ بِهِ أن يُتْرَكَ مَعَ أُمِّهِ)(73)، إذ هو ظاهر في أن الأُمّ تستحقّ الأجرة على الرضاع بقدر ما يأخذه غيرها، وتفصيل المناقشة في هذه الأدلة والأخذ والرد، وفي غيرها أيضاً، في مباحث الفقه. 

يحرم جبر الزوجة على العمل في المنـزل

البند الثالث: أن الرجل لا يجوز له إجبار زوجته على العمل المنزلي، بل يجب أن يتم ذلك برضاها ولها ـ كما سبق ـ أن تطالب بالأجرة على كل عمل تقوم به، فهي ككل عاملٍ يستحق أجرة عمله، وإذا أجبر الرجل زوجته على العمل عوقب.

ونستعرض ههنا بعض آراء وفتاوى كبار العلماء والمراجع في المسألة:

قال السيد اليزدي: (هل يجوز للرجل أن يطلب من أولاده خدمة البيت وغيره بدون أجرة، أم يجب عليه أن يستأجرهم ويكون عليه أن يقوم بما يلزمهم من مأكل وملبس؟ جواب: ليس له إجبارهم على الخدمة تبرعاً، بل لابد من رضاهم)(74).

وقال السيد الشيرازي: (لا يحق للزوج إجبار زوجته على القيام بالخدمة المنزلية)(75).

وقال السيد السبزواري: (يجوز للزوج شرط خدمة البيت على الزوجة كما يجوز العكس، ويجوز اشتراط التنصيف بالزمان أو بغيره ويجب الوفاء به حينئذ؛ كل ذلك للعمومات والإطلاقات الدالة على جواز كل شرط ما لم يخالف الشرع من غير تقييد وتخصيص في البين كما مر في أحكام الشرط)(76).

وقال السيد القمي في كتاب الدلائل: (مسألة 42: لا يستحق الزوج أن تخدمه الزوجة، ولا يجوز له قهرها على الخدمة، ولا أمرها بها من غير رضائها، ولو تبرعت الزوجة بها لم يجز لها أخذ الأجرة من مال الزوج، أما عدم استحقاقه الخدمة فلعدم المقتضي للاستحقاق، وأما عدم جواز قهرها عليها فلعدم سلطنة أحد على غيره في حد نفسه، وأما عدم استحقاق الزوجة من مال الزوج في صورة التبرع فلعدم المقتضي للاستحقاق)(77). 

ويستحب للمرأة والرجل، القيام بالعمل المنـزلي

البند الرابع: أن من المستحب للمرأة أن تقوم بأعمال المنزل حتى من دون أجرة، كما يستحب للرجل أن يخدم عياله، إضافةً إلى أن يوسّع عليها بالهدايا والرحلات وغير ذلك حتى في الحدّ الأكثر من شأنها العرفي.

وقد روى الإمام علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رواية مطولة نقلنا بعضها، وهذا جزء آخر منها: (... يَا عَلِيُّ مَنْ كَانَ فِي خِدْمَةِ الْعِيَالِ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ يَأْنَفْ، كَتَبَ اللَّهُ اسْمَهُ فِي دِيوَانِ الشُّهَدَاءِ، وَكَتَبَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثَوَابَ أَلْفِ شَهِيدٍ، وَكَتَبَ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ ثَوَابَ حِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَأَعْطَاهُ اللَّهُ بِكُلِّ عِرْقٍ فِي جَسَدِهِ مَدِينَةً فِي الْجَنَّةِ)(78))(79)، وقد مضى تحليل السرّ وراء هذا الثواب الكبير المذهل، فهذا نموذج عن أجر الرجل إذا قام بالعمل تطوعاً في المنزل.

وأما عن أجر المرأة، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (أَيُّمَا امْرَأَةٍ خَدَمَتْ زَوْجَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَغْلَقَ اللَّهُ عَلَيْهَا سَبْعَةَ أَبْوَابِ النِّيرَانِ، وَفَتَحَ لَهَا أَبْوَابَ الْجِنَانِ الثَّمَانِيَةَ تَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَتْ)(80).

ولا يعني ذلك أن لها أن ترتكب من المعاصي ما شاءت بعد هذه الأيام السبعة! إذ الرواية تعني أن الخدمة سبعة أيام سبب لغفران ذنوبها الماضية وتطهيرها من الآثام السابقة، لا اللاحقة، فهي الآن طاهرة نقية، وأما إذا ارتكبت بعدها ذنوباً فلها حكمها، وذلك نظير ما إذا قال الطبيب: إنك إذا أكملت دورة الدواء (المضاد الحيوي مثلاً) في أسبوع مثلاً شفيت تماماً من الأنفلونزا، فإن هذا لا يعني أنك لا تمرض في المستقبل إذا عرّضت نفسه للفحات الهواء البارد.

وعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (يا فاطمة، ما من امرأة طحنَتْ بيديها إلاّ كتب اللّه لها بكل حبّة حسنة، ومحى عنها بكل حبة سيئة. يا فاطمة، ما من امرأة عرقَتْ عند خبزها إلاّ جعل اللّه بينها وبين جهنم سبعة خنادق من الرحمة. يا فاطمة، ما من امرأة غسلَتْ قِدرها إلاّ غسلها اللّه من الذنوب والخطايا)(81).

وفي تفسير العياشي، عن محمد بن خالد الضبّي، قال: (مَرَّ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَلَى امْرَأَةٍ وَهِيَ جَالِسَةٌ عَلَى بَابِ دَارِهَا بُكْرَةً وَكَانَ يُقَالُ لَهَا أُمُّ بَكْرٍ، وَفِي يَدِهَا مِغْزَلٌ تَغْزِلُ بِهِ، فَقَالَ: يَا أُمَّ بَكْرٍ أَمَا كَبِرْتِ، أَلَمْ يَأْنِ لَكِ أن تَضَعِي هَذَا الْمِغْزَلَ، فَقَالَتْ: وَكَيْفَ أَضَعُهُ وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُولُ: هُوَ مِنْ طَيِّبَاتِ الْكَسْبِ)(82).

والرواية التالية تشير إلى نموذج من نماذج تقسيم العمل بين الرجل والمرأة، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (عَمَلُ الْأَبْرَارِ مِنَ الرِّجَالِ الْخِيَاطَةُ، وَعَمَلُ الْأَبْرَارِ مِنَ النِّسَاءِ الْغَزْل‏)(83).

وورد أنه (صلى الله عليه وآله) كان يخيط ثوبه ويخصف نعله، وكان أكثر عمله في البيت الخياطة(84). 

ولها أن تشترط على الرجل

البند الخامس: أن للمرأة أن تشترط على الرجل في ضمن عقد النكاح، أية كمية من المهر يتفقان عليها مهما كانت كبيرة، كما لها أن تشترط أي مبلغ شهري من الأجرة على أعمال المنزل حسبما يتفقان عليه.

 وتستحق على الزوج كافة نفقات الحياة الكريمة

البند السادس: أن المرأة تستحق على الرجل كافة نفقات الحياة الكريمة، حسبما أشارت إليه الآية الشريفة: (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(85)، وإطلاق الآية يشمل الإنفاق عليها، لأن من لم ينفق على زوجته النفقة اللائقة، فإنه يصدق عليه عرفاً أنه لم يعاشرها بالمعروف، وذلك من حقوقها عليه حتى إذا كانت غنية، فعلى عاتق الرجل تقع نفقات الأسرة، بدءاً من الطعام الصحي المناسب، وصولاً إلى الملابس التي هي في شأنها، والمسكن اللائق الذي يعدّ من شأنها عرفاً، وبذلك أفتى العديد من كبار العلماء، ومن المحبذ هنا أن ننقل إحدى النصوص لواحد من أكبر المراجع العليا للطائفة في العصور الأخيرة، ثم ننقل آراء علماء سائر المذاهب:

قال السيد أبو الحسن الأصفهاني: (لا تقدير للنفقة شرعاً، بل الضابط القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام وإدام وكسوة وفراش وغطاء وإسكان وإخدام وآلات تحتاج إليها لشربها وطبخها وتنظيفها وغير ذلك.

فأمّا الطعام: ففي جنسه يرجع إلى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها، والموالم لمزاجها، وما تعوّدت به بحيث تتضرّر بتركه.

وأمّا الإدام: فقدراً وجنساً كالطعام يراعى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها، وما يوالم مزاجها، وما هو معتاد لها، حتّى أنّه لو كانت عادة أمثالها أو الموالم لمزاجها دوام اللحم مثلاً لوجب، وكذا لو اعتادت بشي‌ء خاصّ من الإدام بحيث تتضرّر بتركه.

بل الظاهر مراعاة ما تعارف اعتياده لأمثالها من غير الطعام والإدام، كالشاي والتنباك والقهوة ونحوها. وأولى بذلك: المقدار اللازم من الفواكه الصيفية التي تناولها كاللازم في الأهوية الحارّة. وكذلك الحال في الكسوة، فيلاحظ في قدرها وجنسها عادة أمثالها وبلد سكناها والفصول التي تحتاج إليها شتاءً وصيفاً؛ ضرورة شدّة الاختلاف في الكمّ والكيف والجنس بالنسبة إلى ذلك.

بل لو كانت من ذوات التجمّل وجب لها زيادة على ثياب البدن ثياب له على حسب أمثالها، وهكذا الفراش والغطاء، ويرجع في قدرها وجنسها ووصفها إلى ما ذكر في غيرها.

وتستحقّ في الإسكان أن يسكنها داراً يليق بها بحسب عادة أمثالها، كما لها من المرافق ما تحتاج إليها. ولها أن تطالبه بالتفرّد بالمسكن عن مشاركة غير الزوج ضرّةً أو غيرها؛ من دار أو حجرة منفردة المرافق؛ إمّا بعارية أو إجارة أو ملك، ولو كانت من أهل البادية كفاها كوخ أو بيت شعر منفرد يناسب حالها.

وأمّا الإخدام: فإنّما يجب إن كانت ذات حشمة وشأن ومن ذوي الإخدام، وإلّا خدمت نفسها، وإذا وجبت الخدمة فالزوج بالخيار بين أن يبتاع خادمةً لها أو يستأجرها أو يستعيرها لها أو يخدمها بنفسه، على إشكال في الأخير.

وأمّا الآلات والأدوات المحتاج إليها: فهي أيضاً تلاحظ ما هو المتعارف لأمثالها بحسب حاجات بلدها التي تسكن وتتعيّش بها ضرورة اختلافها بحسبها اختلافاً فاحشاً... ولو دفع إليها نفقة أيّام ـ كأسبوع أو شهر مثلاً ـ وانقضت المدّة ولم تصرفها على نفسها؛ إمّا بأن أنفقت من غيرها، أو أنفق عليها أحد، كانت ملكاً لها وليس للزوج استردادها، وكذا لو استفضلت منها شيئاً بالتقتير على نفسها كانت الزيادة ملكاً لها فليس له استردادها)(86).

و(لا يشترط في استحقاق الزوجة النفقة فقرها واحتياجها، فلها على زوجها الإنفاق وبذل مقدار النفقة وإن كانت من أغنى الناس)(87).

وجاء في كتاب (الفقه على المذاهب الخمسة)(88): 

استحقاق النفقة

أجمع المسلمون على أن الزوجية سبب من أسباب وجوب النفقة، وكذلك القرابة، وقد نص الكتاب الكريم على نفقة الزوجة بقوله: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ)(89)، والمراد بهنّ الزوجات، والمولود له الزوج. ومن الحديث: سأل إسحاق بن عمّار أبا عبد الله (عليه السلام): (عَنْ حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا؟ قَالَ: يُشْبِعُ بَطْنَهَا وَيَكْسُو جُثَّتَهَا وَإِنْ جَهِلَتْ غَفَرَ لَهَا)(90). وأشار القرآن إلى نفقة الأقارب بقوله: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً). وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ)(91). ويقع الكلام في مقامين: الأوّل: نفقة الزوجة والمعتدة. الثاني: نفقة الأقارب... 

تقدير النفقة

اتفقوا على أن نفقة الزوجة تجب بأنواعها الثلاثة: المأكل، والملبس، والمسكن، واتفقوا أيضاً على أن النفقة تقدّر بنفقة اليسار إذا كان الزوجان موسرين، وبنفقة الإعسار إذا كانا معسرين، والمراد بيسر الزوجة وعسرها يسر أهلها وعسرهم، ومستوى حياتهم ومعيشتهم.

واختلفوا فيما إذا كان أحد الزوجين موسراً والآخر معسراً، فهل تقدّر بحال الزوج فقط، فيفرض لها نفقة يسار إن كان موسراً وهي معسرة، ونفقة إعسار إن كان معسراً وهي موسرة، أو تقدّر بحسب حالهما معاً، فيفرض لها نفقة الوسط بين الإعسار والإيسار؟

قال المالكية والحنابلة: إذا اختلف الزوجان غنىً وفقراً أُخذ بالحالة الوسطى بين الحالين.

وقال الشافعية: تقدّر النفقة بحسب حال الزوج يسراً وعسراً، ولا يُنظر إلى حال الزوجة، هذا بالقياس إلى المأكل والملبس، أمّا المسكن فيجب أن يكون لائقاً بها عادة، لابه هو. (الباجوري: ج2 ص 197 طبعة 1343ﻫ ).

وللحنفية قولان: أحدهما اعتبار حال الزوجين، والآخر اعتبار حال الزوج فقط.

وأكثر فقهاء الإمامية أطلقوا القول بأن النفقة تقدّر بما تحتاج إليه الزوجة من طعام وأدام وكسوة وإسكان وإخدام وآلة إدهان تبعاً لعادة أمثالها من أهل بلدها، وبعضهم صرح بأن المعتبر حال الزوج دون حال الزوجة.

ومهما يكن، فلابدّ أن نأخذ حالة الزوجة المادية بعين الاعتبار، كما صرح القرآن الكريم: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا)(92)، و: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)(93).

وفي القانون المصري رقم 25 لسنة 1929م: (تقدّر نفقة الزوجة على زوجها بحسب حال الزوج يسراً وعسراً، مهما كانت حالة الزوج).

ومن هنا يتبين أن تقديم الخادم، وثمن التبغ، وأدوات الزينة، وأجرة الخياطة، وما إلى ذلك لابدّ أن يراعى فيه أمران: حال الزوج وعادة أمثالها، فإذا طلبت أكثر من عادة أمثالها فلا يلزم الزوج إجابتها موسراً كان أو معسراً، وإذا طلبت ما يطلبه أمثالها يُلزم به الزوج مع اليسر، ولا يُلزم به مع العسر، وهنا مسائل...)(94). 

المرأة تستحق المهر بمجرد الطلاق وأجور أعمالها

البند السابع: أن الزوجة تستحق بالطلاق المهرَ الذي اتفقا عليه وأجرة أعمالها المنزلية كافة، إلاّ إذا كانت قد تنازلت عنها مسبقاً(95)، ولا تستحق شيئاً آخر إلاّ إذا اتفقا على أمر محدد ضمن العقد.

والذي نراه أن ذلك أقرب إلى العدالة والإنصاف، وأبعد عن خلق توترات ومضاعفات جانبية كبيرة، من القوانين التي شرّعتها دول متعددة من دول العالم والتي تنص على نوع من أنواع اقتسام الثروة بعد الطلاق، ويمكن للقارئ الكريم أن يطّلع على مقارنة سريعة ـ دقيقة بين النظام الإسلامي والأنظمة المعاصرة في مسألة مستحقات الزوجة بعد الطلاق بالرجوع إلى ما فصلناه في كتاب (الاقتصاد الإسلامي المقارن). 

ملخص المبحث

ـ اختلف علماء الاقتصاد في الاقتصاد المنزلي غير مدفوع الأجر، لكن غالبهم سواء من الرأسماليين أم الماركسيين، وغالب الحكومات لا تدرجه في مقاييس النمو والتنمية والناتج المحلي الإجمالي والإنتاجية، ولا يعترفون بالأسرة كـمُنشأة صغيرة فاعلة اقتصادياً ما دامت أنشطتها مجانية، ويعتبرون ربات البيوت عمالة غير منتجة.

ـ وقد تكفل البحث بدراسة دواعي استبعادهم للعمل المنزلي ثم استعرض أربعة عشر رداً ومناقشةً وحجة، كما أثبت جريان معظم القوانين الاقتصادية في (الاقتصاد المنزلي)، كما تطرق لردود منوعة على آراء الماركسيين في العمل المنزلي.

ـ وتطرق لطرق تقدير قيمة العمل المنزلي.

ـ واستعرض الروايات العامة والخاصة التي تتحدث عن العمل المنزلي والتي تمنحه الشرعية الكبرى وتعتبره من الأعمال المنتجة، بل وفوق ذلك تعتبره معادلاً لإحدى أعظم الفرائض الإسلامية وهي الجهاد.

ـ كما تطرق للقواعد الإسلامية الأساسية في عمل المرأة المنزلي، وموقعه في التقنين الإسلامي.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

* مقتبس من كتاب (الاقتصاد الإسلامي المقارن) ج2. لمؤلفه السيد مرتضى الحسيني الشيرازي

............................................... 

(1) والاقتصاد المنزلي هو أمر آخر مغاير للاقتصاد الداخلي Domestic economy.

(2) A. C. Pigou, Economics of Welfare, Macmillan and Co. Limited, London, 1932.

(3) واين نافزيجر، ترجمة أ. هبة عز الدين حسين، أ. ياسر عز الدين حسين، التنمية الاقتصادية، دار حميثرا للنشر، القاهرة، ط1، 2018م: ص528.

(4) جون كينيث جالبريت، ترجمة: أحمد فوائد بلبع، تاريخ الفكر الاقتصادي، من سلسلة عالم المعرفة: ص52.

(5) August Bebel, Woman under Socialism, 1879, Translated by Daniel de Leon, New

York, Labor News Company, 1961, p. 187.

(6) انظر عرضاً تفصيلياً لذلك التطور في:

 Nancy Folbre, The Unproductive Housewife: Her Evolution in Nineteenth

Century Economic Thought, Journal of women in culture and society, the

University of Chicago, 1991, p. 465-478

(7) Nancy Folbre, IBID, p. 474.

(8) Nancy Folbre, IBID, p. 477.

(9) Nancy Folbre, The Unproductive Housewife: Her Evolution in Nineteenth –

Century Economic Thought, Journal of culture and society, The University of

Chicago, 1991, p. 467

(10) د. سلوى العنترى، مؤسسة المرأة الجديدة، تقدير قيمة العمل المنزلي: الصفحات 19/9-10/15 ـ 16 على التوالي.

(11) سيأتي تفصيله تحت عنوان (مآخذ على مقياس الناتج المحلي الإجمالي) فراجع.

(12) Wally Seccombe, Reflections on the Domestic Labour Debate and Prospects for

Marxist-Feminist Synthesis, 1986, p. 200

(13) د. سلوى العنترى، مؤسسة المرأة الجديدة، تقدير قيمة العمل المنزلي: ص23.

(14) بل يكفي تعطل العمالة المنزلية لفصل واحد، وتعطل فصلين إنما هو شرط في الركود الاقتصادي العام.

(15) إن كان إنتاجها حينذاك مما لا يغطي حاجتها فتضطر للشراء من السوق.

(16) كي لا تضطر لشراء بعضه من السوق.

(17) OECD, Cooking, "Caring and Volunteering: Unpaid Work Around The World",

OECD Social, Employment and Migration Working Papers, No. 116, 2010

(18) د. سلوى العنترى، مؤسسة المرأة الجديدة، تقدير قيمة العمل المنزلي.

(19) محمد بن محمد الاشعث الكوفي، الجعفريات، مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران: ص235.

(20) عبد الواحد بن محمد التميمي، غرر الحكم ودرر الكلم، مكتب الإعلام الإسلامي ـ قم: ص384.

(21) عبد الواحد بن محمد التميمي، غرر الحكم ودرر الكلم: ص445.

(22) عبد الواحد بن محمد التميمي، غرر الحكم ودرر الكلم: ص318.

(23) ثقة الإسلام الكليني، الكافي: ج5 ص88.

(24) ثقة الإسلام الكليني، الكافي: ج5 ص86.

(25) ثقة الإسلام الكليني، الكافي: ج5 ص86.

(26) تاج الدين الشعيري، جامع الأخبار، دار الرضي للنشر ـ قم: ص102.

(27) إسماعيل الأنصاري الزنجاني، الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء (عليها السلام): ج17 ص161.

(28) سبق نقل هذه العبارات (العمل المنزلي يعبّر عن التخلف وضياع الوقت ـ اوجست بيبيل) و(إعلان العمل المنزلي للنساء عملاً غير منتج) بحسب الإحصاءات القومية في إنجلترا وأمريكا و(أنهن من السكان غير المشتغلين) و(أن فئة كاسبي العيش لا تشمل الزوجة والابنة التي تعمل في المنزل دون أجر) و(أن مديرة المنزل لو تزوجت من الشاب الأعزب الذي كانت تعمل عنده، لأدى هذا إلى انخفاض الدخل القومي ـ ارثر سيسل بيجو) وغير ذلك، كما وسيأتي مثل عبارة لينين (تستمر المرأة في أن تكون أمة منزلية) لأن العمل المنزلي يسحقها ويخنقها ويحط من شأنها... ويبدّد من عملها على كدح وحشي منهك للأعصاب وسفيه وساحق، وغير ذلك.

(29) هذه المقولة نقلت في كتاب (علي إمام المتقين) للمؤلف عبد الرحمن الشرقاوي الذي ولد عام 1921م، وجاء في كتاب (النظام السياسي في الإسلام للقرشي): ص274، ومؤلفه معاصر أيضاً ولد تقريبًا في عام 1923م يقول (عليه السلام): (لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته)، ولم يقل من أين أخذ هذه المقولة ولم يبين مصدره.

(30) عبد الله بن جعفر الحميري، قرب الإسناد، مكتبة نينوى ـ طهران: ص55.

(31) ثقة الإسلام الكليني، الكافي: ج2 ص307.

(32) سورة البقرة: 117.

(33) الشيخ الطوسي، الأمالي: ص618.

(34) تاج الدين الشعيري، جامع الأخبار: ص102.

(35) الشهيد الثاني، مسكن الفؤاد، مكتب بصيرتي ـ قم: ص45.

(36) ثقة الإسلام الكليني، الكافي: ج8 ص219.

(37) ثقة الإسلام الكليني، الكافي: ج2 ص152.

(38) Nancy Folbre, op.cit., appendix, p. 483.

(39) انظر عرضاً تفصيلياً لأهم تلك التجارب في Therese Jefferson & John King, Never Intended to be a Theory About

Everything: Domestic Labour in Neoclassical & Marxian Economics,

Women's Economic Policy Analysis Unit, Curtin University of Technology,

August 2001, p. 8 - 11

(40) حصل كوزنيتز على جائزة نوبل في عام 1971 عن أعماله في قياس الدخل القومي، أنظر:

- Simon Kuznets, National Income and its Composition, New York, National

Bureau of Economic Research, 1941. p. 11

(41) Therese Jefferson & John King, Never Intended to be a Theory About Everything,

OP. Cit., p. 9

(42) Collin Clark, "The Economics of Housework", Bulletin of the Oxford University

Institute of Statistics, 1958, p. 205-211

(43) تشكلت تلك اللجنة بطلب من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في عام 2008م عندما ظهرت بوادر الأزمة المالية العالمية، لتحديد أوجه القصور في الناتج المحلي الإجمال كمؤشر على الأداء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، وتوضيح المعلومات الإضافية التي قد تكون مطلوبة لإنتاج مؤشرات أكثر دلالة بشأن التقدم الاجتماعي. وقد تشكلت اللجنة من 25 أستاذ اقتصاد من عدد من الجامعات والمؤسسات العلمية المرموقة، تحت قيادة كل من جوزيف ستيجليتز وامارتيا سن الحائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد وجان بول فيتوسي. انظر:

= Report by the commission on the Measurement of Economic Performance and

Social Progress, www.stiglitz-sen-fitoussi.fr

(44) Summary of the Beijing Declaration and Platform for Action, Minnesota advocates

for Human Rights, January 1996, p. 9& 20.

(45) United Nations Statistics Division, Time Use Statistics to Measure Unpaid Work,

Seminar on measuring the contribution of women and men to the economy, New

York , 28 February 2013.

(46) حصل جراي ستنالي بيكر في عام 1992م على جائزة نوبل في الاقتصاد عن إسهاماته القيمة فيما يتعلق بالاقتصاد العائلي كفرع من فروع علم الاقتصاد.

(47) 496Gray S. Becker, "A Theory of the Allocation of Time", Economic Journal, 1965, p.

(48) IBID, p. 495.

(49) United Nations Statistics Division, Time Use Statistics to Measure Unpaid Work,

Seminar on measuring the contribution of women and men to the economy, 28

February 2013, New York.

(50) Freiedraich Engels, The Origin of the Family Private Property and the State, 1884,

Moscow , Progress Publishes, 1972, p. 76.

(51) Therese Jefferson & John King, Never Intended to be a Theory About Everything, OP. Cit., p. 27.

(52) IBID..

(53) د. سلوى العنترى، مؤسسة المرأة الجديدة، تقدير قيمة العمل المنزلي: الصفحات 11-17 و28 ثم 19 ـ 20 على التوالي.

(54) سورة النساء: 19.

(55) سبق نقل قوله: (إن العمل المنزلي مصيره الحتمي إلى الزوال)، وقول انجلز: (ستتوقف الأسرة عن أن تكون وحدة اقتصادية... إلخ).

(56) الشيخ حسين الحلي، بحوث فقهية: ص149.

(57) السيد محمد الروحاني، المسائل المنتخبة: ص326.

(58) الشيخ ميزرا جواد التبريزي، المسائل المنتخبة: ص302.

(59) السيد علي السيستاني، المسائل المنتخبة: ص392.

(60) السيد علي السيستاني، منهاج الصالحين: ج3 ص103.

(61) أي على الأب، لقاء خدمتها لأولادهما.

(62) ابن إدريس الحلي، السرائر: ج2 ص472، وفيه حكاية قول السيد المرتضى (رحمه الله) أيضاً ولكننا لم نجده في كتبه.

(63) ابن إدريس الحلي، السرائر: ج2 ص472.

(64) الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه و الفتاوی، دار الكتاب العربي ـ بيروت:ص503.

(65) العلامة الحلي، قواعد الأحكام: ج2 ص51.

(66) الشهيد الثاني، الروضة البهية: ج5 ص452 ـ 453.

(67) السيد علي الطباطبائي الحائري، رياض المسائل: ج7 المسألة 242.

(68) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلئ: ج1 ص315.

(69) فصّلنا الكلام عن قاعدة الإمضاء والإلزام في كتاب (قاعدة الإلزام).

(70) سورة النساء: 29.

(71) سورة البقرة: 233.

(72) سورة الطلاق: 6.

(73) ثقة الإسلام الكليني، الكافي: ج6 ص45.

(74) السيد اليزدي صاحب العروة في كتابه (سؤال وجواب): ص321.

(75) السيد محمد الشيرازي، رسالة المسائل الإسلامية، ط 36 عام 1421هـ 2000م: ص526 المسألة 2747.

(76) السيد عبد الأعلى السبزواري، مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام، دار التفسير ـ قم: ج25 ص191:

(77) السيد تقي القمي، الدلائل في شرح منتخب المسائل: ج5 ص374.

(78) تاج الدين الشعيري، جامع الأخبار: ص102.

(79) السيد محمد الحسيني الشيرازي، المال أخذاً وعطاءً وصرفاً، دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت: ص80 ـ81.

(80) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلئ: ج1 ص270.

(81) إسماعيل الأنصاري الزنجاني، الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء (عليها السلام): ج17 ص161.

(82) محمد بن مسعود العياشي، تفسير العياشي، المطبعة العلمية ـ طهران: ج1 ص150.

(83) ورام بن أبي فارس، مجموعة ورام، مكتبة الفقيه ـ قم: ج1 ص41.

(84) راجع: الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ط الشريف الرضي، قم، 1412هـ: ص16.

(85) سورة النساء: 19.

(86) السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني، مع تعاليق السيد محمد رضا الموسوي الكبايكاني، وسيلة النجاة، مطبعة مهر استوار ـ قم: ج3 ص226-227.

(87) السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني، مع تعاليق السيد محمد رضا الموسوي الكبايكاني، وسيلة النجاة: ج3 ص229.

(88) (الجعفري، الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي).

(89) سورة البقرة: 232.

(90) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج3 ص440.

(91) ثقة الإسلام الكليني، الكافي: ج5 ص135.

(92) سورة الطلاق: 7.

(93) سورة الطلاق: 6.

(94) الشيخ محمد جواد مغنية، الفقه على المذاهب الخمسة، دار التيار الجديد للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت: ج1 ص384 ـ 391 ـ 392.

(95) ولو بأن كان ظاهر عملها التطوع والتبرع.

اضف تعليق