لم تعد المعالجات الجذرية لقضايا التطرف العنيف من هوامش الاهتمامات لدى المخططين وصانعي القرار ومتخذيه، فقد أصبحت هذه القضية مطلبا اساسيا وحاجة ملحة وذلك لخطورتها على الأمن والسلم الاجتماعي اولا والامن الوطني الشامل ثانيا، إضافة الى كون غالبية من يتورطون فيها هم من الأطفال والشباب...
د. نهى عارف علي الدرويش/كلية التربية للعلوم الصرفة - ابن الهيثم - جامعة بغداد
خالد عبد الغفار البياتي/باحث وخبير استراتيجية - مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية
(بحث مقدم الى (المؤتمر الوطني حول الاعتدال في الدين والسياسة) يومي 22 و23 اذار 2017، الذي عقد من قبل مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام ومركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة كربلاء ومركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية)
المقدمة
يكاد يكون التطرف بما يتضمنه من اشكال ومظاهر من اشد المهددات واكثرها خطورة على الأمن الوطني، ذلك ان التطرف قد يتحول من مجرد فكر الى سلوك ظاهري او عمل سياسي يلجأ الى استخدام العنف وسيلة لترجمة افكاره التي يؤمن بها او اللجوء الى الإرهاب النفسي او المادي ضد كل من يقف عقبة في طريق تحقيق تلك المبادئ والأفكار التي ينادي بها، فالتطرف عادة يبدأ فكريا من خلال الانغلاق على فكرة او مجموعة من الافكار مع غياب المرونة في تقبل او حتى مناقشة الافكار والآراء الاخرى، يعقبه التطرف الانفعالي وفيها تكون مشاعر الشخص وانفعالاته باتجاه معين يتحمس له دون اي تفكير، ويترجم في النهاية الى التطرف السلوكي متمثلا في التعدي على حقوق الآخرين وإرغامهم على الإذعان له.
وعلى هذا فان التطرف والغلو في جميع صوره لابد وان يسبقه نوع ما من التلوث والتخريب الفكري المتمثل في زرع افكار مدمرة تؤدي في النهاية الى فقدان الإرادة والتهور والعصبية المفرطة والعدوانية التي تدمر الفرد والمجتمع، مثلما ان التورط في الانحرافات السلوكية لابد ان يكون بالضرورة الحتمية قد سبقه تبني الفرد افكار منحرفة ادت الى الافعال التخريبية بصورتها المادية او المعنوية.
مشكلة البحث:-
لم تعد المعالجات الجذرية لقضايا التطرف العنيف من هوامش الاهتمامات لدى المخططين وصانعي القرار ومتخذيه، فقد أصبحت هذه القضية مطلبا اساسيا وحاجة ملحة وذلك لخطورتها على الأمن والسلم الاجتماعي اولا والامن الوطني الشامل ثانيا، إضافة الى كون غالبية من يتورطون فيها هم من الأطفال والشباب الذين يشكلون ثروة المجتمع الحقيقية وبنيته التحتية.
ولعل موجات التطرف التي تجتاح شباب اليوم تستلزم وقفة جادة لدراسة اسبابها ودوافعها والمظاهر التي تتخذها، ذلك ان المعالجة الفعالة والتداول السليم للمشكلة تستلزم التشخيص الدقيق وتحديد كم وكيف المشكلة بغية ايجاد الحلول الناجحة لها لإشاعة الاعتدال والسلم الاهلي.
وعلى الرغم من المحاولات والجهود الكبيرة التي تبذل في سبيل حماية المجتمع من ظاهرة التطرف والإرهاب والمتمثلة في اغلب الاحيان في الحلول الامنية والتشريعات القانونية، الا ان الحل الامثل - الذي يقدمه هذا البحث - يكمن في بناء الإنسان وتنشئته وتربيته بصورة سليمة، ويرى كثير من المختصين ان دور التربية بمفهومها الشامل يفوق دور الحلول الامنية، ذلك ان التربية هي التي تبني شخصيات الافراد وتغير من سلوكهم في الانصياع لنصوص القانون وتقبل تعليماته، ان الازمة الحقيقية لما نعانيه اليوم من تفاقم مخاطر الارهاب والتطرف هي أزمة تربية بالمعنى الشامل لهذه الكلمة التي تهدف الى اعداد الفرد نفسيا واجتماعيا وعقليا لأداء دور ايجابي ومعتدل من خلال التفاعل البناء مع المجتمع، ويمكن لمؤسسات الدولة بمختلف صورها واشكالها الرسمية وغير الرسمية ان تؤدي دورا مهما وفاعلا في هذا الجانب لاسيما بعد ثورة المعلومات التي شهدها ويشهدها العالم نتيجة لتنوع وسائل الاتصال وسهولة استخدامها والكم الهائل والتنوع الشديد فيما تقدمه من معلومات من جهة أخرى.
لذلك فالدولة امام مسؤولية كبيرة في التصدي لقضايا التطرف والتخريب الفكري كونها قضايا فكرية تربوية في المقام الاول وتأثر على الامن الوطني، مثلما يتعين عليها ان تقوم بدور فاعل وايجابي في بناء الشخصية المتوازنة وتربيتها على المواطنة الصالحة وعلى الانضباط والاعتدال في القول والعمل وتطهير اذهان الشباب من الشوائب والتيارات الفكرية المشبوهة وغرس قيم الاخلاقية ومبادئ الانسانية والقبول بالآخر.
هذه التحديات التي تواجهنا هي حقائق علينا ان نستبدلها والتي تضع مؤسسات الدولة امام مسؤولية كبيرة في اعادة بناء المجتمعات الإنسانية والحفاظ على الامن الوطني الشامل من التطرف العنيف.
اهداف البحث:-
أ. الكشف عن العوامل المؤدية الى التطرف بشكل عام وفي مجتمعنا بشكل خاص؟
ب. تعرف اليات مواجهة واحتواء التطرف العنيف التي نحتاجها؟
ج. تعرف ملامح استراتيجية مكافحة التطرف العنيف في العراق؟
هيكلية البحث:-
يتضمن البحث ثلاثة مباحث، وتوصيات وخاتمة، ويتبنى اسلوب الدراسة التحليلية اعتمادا على المصادر ومنهج الخبرة.
المبحث الاول: العوامل المؤدية الى التطرف بشكل عام وفي مجتمعنا العراقي بشكل خاص
يحتل موضوع التطرف العنيف حيزا كبيرا من الاهتمام لما لهذه الظاهرة من خطر جسيم على الفرد والمجتمع بما يخلفه من تدمير لممتلكات الافراد والدولة وانتهاك للحرمات وتدنيس للمقدسات وضياع للأمن من قتل وخطف وترويع للأبرياء الامنيين، بالإضافة الى تهديد للحياة بكل معانيها، وفي العراق هذه الظاهرة لم تدخل في مجتمعنا من الفراغ وانما كان لها عواملها الحاضنة لنموها سوى على المستوى العام او الخاص والتي ادت الى العنف والتعصب.
العوامل المؤدية للتطرف والتعصب:
أ. التربية الاسرية: تعد التربية الاسرية احد العوامل التي تقوم عليها اساس التعصب والتطرف وهي تنظر الى الانتماءات وكأنها جبال لاتلتقي وهي ترسم التمييز لكل طرف منها اشكال ومواصفات لتعريف عنها واختلافها عن الاخر. كما اسهمت المناهج الدراسية ووسائل الاعلام وخطباء دور العبادة بالإضافة الى الاسر المتزمتة في التربية الطائفية من خلال التركيز على نقاط الخلاف وتجاهل نقاط الوحدة والاتفاق.
ب. تعثر العملية السياسية في العراق: ان عسكرة المجتمع والحروب التي خضناها لسنوات سابقة جعلت شخصية الفرد العراقي مهيأة الى العنف كما ان للخطاب السياسي للأحزاب آثاره السلبية على تحريك الشارع من اجل مواقع النفوذ والسلطة والقوة زاد من مستوى العنف وحدته، بالإضافة الى تأخر تشكيل الحكومة والتردد في توزيع السلطة عوامل ساهمت في تعثر العملية السياسية في العراق.
ج. الخطاب الديني المتطرف: من العوامل الاساسية في تنمية التطرف العنيف المؤدي الى الارهاب الخطاب الديني حيث يعتمد التعبئة المذهبية بالتركيز على نقاط خلافية والاستدعاء الدائم للتاريخ والتراث من اجل التحريض ضد الاخر المختلف. ان التعددية المذهبية امر طبيعي في كل الاديان كما ان الخلاف في الرؤيا والتفسير هي قضية مفرغ منها وتكمن خطورتها عندما تنتقل من المؤسسة الدينية الى الممارسات السياسية لتصبح احد مغذيات العنف.
د. مواقع التواصل الاجتماعي: من العوامل المهمة والتي تلعب دورا سلبيا في تنمية التطرف العنيف والتي يستغلها المتطرفون في بث ونشر وفبركة الخبر لتشويه الافكار والمعتقدات ضد الاخر المختلف بالإضافة الى التهجم على مؤسسات الدولة وبشكل خاص المؤسسة العسكرية والامنية لإضعاف معنوياتها، وعلى الرغم مما تقدمه مواقع التواصل الاجتماعي من استخدام متطور لتكنلوجيا بتوفير فضاء انساني للحوار واكتشاف الاخر الا انها لم تؤدي الى نتائج ايجابية لان الحوار غالبا ما يكون بلا ضوابط او تعليمات ما ساهم في زيادة المواقع المغرضة والمحرضة للتطرف العنيف والتي تكون بعيدة عن رقابة الدولة.
هـ. تطييف المكان: يقصد به السيطرة على مكان ما بالقوة بشكل مباشر او فرض قيم واعراف وطقوس وشعارات مذهبية معينه بطريقة يجبر السكان على الطاعة وفرض الهيمنة عليهم.هذا المفهوم يسري على مكان عام او مؤسسة رسمية او دائرة حكومية حيث يفرض طقوس وعادات تعود فقط لطيف معين وان فرضها يجعل الآخرين يشعرون بالإقصاء والهامشية والمظلومية في المجال العام.
و. تفاقم الازمات. ان تداعيات تفاقم الازمات ادت بالتالي الى تمكن التطرف العنيف من التوغل والتمدد جغرافيا دون ان يلاقي مقاومة اجتماعية فكانت ازمات سياسية واقتصادية واجتماعية وسوسيو ثقافية اثبتت قدرتها على الجمهور وتفرد الدولة بالقدرة على الاكراه الشرعي والزام الافراد بقوانينها وعدم الاحساس بالأمن.
وبناء على ما تقدم فان الحل الامثل لمعالجة العوامل المؤدية الى التطرف العنيف يتطلب منا ان نكسر الحاجز النفسي بالتربية بمفهومها العام الجامد والتصورات والاحكام المسبقة عن الآخر المختلف. كما لابد من تصحيح العملية السياسية وفق مشروع سياسي جامع محقق للسلم الاهلي باستراتيجية امنية شاملة و توحيد الخطاب الديني من خلال الاشراف على وضع معايير اختيار مرتقي المنبر في دور العبادة. وكذلك وضع رقابة على مواقع التواصل الاجتماعي ومواجهة المتطرفين باستراتيجية مكافحة التطرف العنيف.
المبحث الثاني: اليات مواجهة واحتواء التطرف
يعد التطرف آفة على مر العصور وفي كل المجتمعات، ينتشر حيثما تنتشر قيم الفوضى وارتباك المعايير ومظاهر العنف والاستبداد لهذا يتشكل الفكر المتطرف عادة بعيدا عن آليات التربية السليمة ويسبب للمجتمع حالات من الاضطراب والضعف.
وايمانا منا بأن التطرف يمثل الترجمة الواقعية لأوضاع البؤس الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي ينخر في جسد المجتمع وهو بذلك نتاج لتلك الظروف الصعبة والازمات التي يمر بها المجتمع، لذلك فما لم تتم دراسة المشكلة بصورة علمية ومعمقة واتخاذ التدابير المناسبة لمواجهتها، فان ذلك من الممكن ان يقود الى اخطاء اضافية تزيد من حدة المشكلة وزيادة رقعة مساحتها بدلاً من الحد منها
جرت العادة على مواجهة ظاهرة التطرف بأحد الاسلوبين (1)
- الاسلوب الامني البوليسي:- وهو المفضل لدى غالبية الاجهزة الرسمية العربية والاسلامية
- الاسلوب السياسي والفكري:- عن طريق الاستيعاب، وفتح قنوات الحوار لإقناع من يحمل فكراً متطرفاً بان ابواب التأثير والاصلاح بالطرق السلمية بعيدا عن العنف واراقة الدماء متيسرة امامه وليست مغلقة.
والملاحظ على الاسلوبين المذكورين آنفا هو النظرة الضيقة والسطحية في المعالجة من خلال الاعتماد على الحلول العاجلة والتي غالبا ما تنهار وتتراجع عند ظهور اول عامل مثير، ذلك ان اغلب المعالجات قد اعتمدت العوامل المفجرة للسلوك واهملت الأسباب الكامنة التي تقف خلف هذا السلوك، فقد يبدو السبب المفجر انه يقفز بسرعة ليأتي بالسلوك، ولكن الحقيقة ان وراء السبب تكمن سلسلة من العوامل المسببة او المهيئة او الاستعدادية التي تجعل الفرد مستعدا ومهيأً للانهيار والاصابة (2)
كما ان سياسات الاستئصال الأمني لم تنجح يوماً في انهاء التطرف العنيف المؤدي الى الارهاب، اذ مايلبث بعد كل ضربة ان يطل بأكثر من رأس بعد قطع رأسها الأول، والسبب في ذلك يعود الى ان ظواهر من هذا الضرب تنشأ من اسباب اجتماعية عميقة، لايمكن القضاء عليها بتصفية اعراضها، وانما باستئصال الاسباب والجذور التي انبتتها (3)
وحتى الحلول السياسية والتفاوض ايضاً في التعامل مع جماعات التطرف والتخريب الفكري لم تنجح لأنها ببساطة مثلما ذكرنا قد اعتمدت الحلول السريعة ومعالجة الاعراض اضافة الى اعتمادها على محاولة كسب النقاط على حساب الطرف الاخر مما يجعل بذور الصراع بين الطرفين تبقى كامنة، أو العمل على اجراء هدنة مع هذه الاطراف، وبالتالي تبقى النتيجة واحدة وهي استمرار أسباب الخلاف والنزاع بين الطرفين قائمة او مؤجلة.
لهذا ان لم تتوجه المعالجات نحو الاسباب المؤدية لهذه الظاهرة المرضية فان النتائج بلا شك ستكون وخيمة على المجتمع وسيدفع الثمن باهظاً من راس ماله الاجتماعي والاقتصادي وأمنه الاجتماعي.
ولعل العامل الاكثر وضوحاً في آليات التعامل مع ازمة التطرف العنيف والتخريب الفكر هو غياب العامل التربوي في المعالجة متغافلين بذلك القراءة الصحيحة لمشاهد العنف والتطرف فالمجتمعات الانسانية قد شهدت في مختلف مراحل تطورها كوكبة من انماط العنف والوقائع التاريخية تدلنا على ان العنف وسيلة من وسائل الصراع الايديلوجي، سواء بين الافراد او بين جماعات سياسية متباينة، بغرض فرض احداها لسيطرتها على الآخرين، او لتكريس كينونتها على صعيد الواقع السياسي، او بين الدولة والجماعات السياسية التي تهاجم شرعيتها (4)
ولهذا فإن استعمال القوة المسلحة تجاه الجماعات المتطرفة لم يكن يوما حلا مثاليا ولم ينه صور التطرف ولا ينتهي ذلك في اغلب الاحيان بانتهاء الجماعة المتطرفة بقدر ما ينتهي الى ان تركز الجماعات نشاطها على استخدام العنف اتجاه الاعداء (المفترضين) مما يعمل على تقوية التضامن الداخلي بين أعضائها كما تؤكد ذلك النظريات الاجتماعية بهذا الصدد لكل من جورج زمل ولويس كوسر الذين اكدا بان الصراع او حتى التلويح به يمكن ان يكون عاملا من عوامل تمتين وحدة الجماعة وزيادة تماسكها(5)، لهذا فإن تغيير المعالجات نحو تبني الاستراتيجيات البعيدة المدى والعميقة الأثر هو الأكثر فعالية وديمومة في معالجة ازمة التطرف العنيف والتخريب الفكري ويمكن الاعتماد على التربية كعامل أساس من خلال جعل مهمتها تسلك طريقين متكاملين، الاول يتمثل في الاكتشاف التدريجي للآخرين والتوعية بأوجه التماثل والترابط بين جميع الكائنات البشرية، والثاني وعلى مدى الحياة ويتمثل في تدريب الافراد على الدخول في مشروعات مشتركة تقوم على مبدأ المساواة والذي يبدو منهجاً فعالاً لتجنب النزاعات الكامنة وحلها (6).
بناء على ما تقدم فان الحل الامثل لمعالجة ازمة التطرف والتخريب الفكري انما تكمن في التربية والوسائل التي تتبعها في بناء الشخصية المتوازنة فالفكر المتطرف او السقيم يواجه بالفكر السليم.
المبحث الثالث: ملامح استراتيجية مكافحة التطرف العنيف في العراق
اننا اليوم نواجه ظاهرة التطرف العنيف والتي تتطلب منا العمل على مكافحتها وان نصغي الى الدروس المستنبطة من تجارب الاخرين لإيجاد الحلول الى هذه الظاهرة لذا فالعنف هو سلوك وافعال لفكر هدام لقيم المجتمع وتعايش السلمي لذا لم تعد القوة والاعتقال وخنق الحريات هو الحل الوحيد وانما يتطلب وضع استراتيجيات عديدة لنتمكن من تحقيق استراتيجية مكافحة الارهاب على ان تكسب الحكومة ثقة السكان المحليين بإجراءاتها وتحقيق المتطلبات بكل انواعها حتى تتمكن من الوقوف بوجه التطرف العنيف ومنعها من ان تطفو على السطح مرة اخرى لذا فان ملامح استراتيجية مكافحة التطرف العنيف في العراق من منظور الامن الوطني الشامل فقد سعى مجلس الامن الوطني من خلال مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية الى توحيد جهود جميع المؤسسات الامنية للعمل على توفير الدعم العلمي لمكافحة التطرف العنيف المؤدي الى الارهاب وعلى النحو الآتي:
1. انجاز استراتيجية الامن الوطني: اذ تعد الاستراتيجية الوطنية الرئيسة وهي تستند الى منظور الامن الوطني الشامل وتتضمن في محورها الاجتماعي والثقافي بنودا خاصة لمكافحة التطرف العنيف موزعة على المؤسسات ذات العلاقة. استغرق العمل عليها قرابة عامين بالاعتماد على فريق عمل متنوع التخصصات العلمية والمهنية وبدعم من بعثة الامم المتحدة، وقد كان المحور الثقافي والاجتماعي من اهم محاور الاستراتيجية واكثرها تعقيدا كما ونوعا من حيث تحليل المخاطر والتهديدات، واجمعت المعالجات على اعتماد منهج الاعتدال في بناء السياسات العامة واليات التنفيذ الموزعة على جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة المباشرة بالتنفيذ والجهات الساندة لها. وقد دخلت الاستراتيجية حيز التنفيذ منذ مطلع العام الحالي (2017)، ووضعت لها اليات متابعة وتقييم على وفق اليات علمية ومهنية عالية الدقة.
2. دعم استراتيجية مكافحة الارهاب للأعوام 2015-2020: وتعتمد نفس المنظور وتستند على الاستراتيجية الوطنية وتجسد دور جهاز مكافحة الارهاب في محوره المدني لمكافحة التطرف الذي هو جذر الارهاب وايضا موزعة بحسب المؤسسات ذات العلاقة. لقد شكلت اللجنة الوطنية لمكافحة الارهاب فريقا لإعداد هذه الاستراتيجية ضم عددا من ممثلي الوزارات والجامعات والمؤسسات الدينية والمراكز البحثية والمنظمات غير الحكومية، اعتمدت الاستراتيجية منهج الاعتدال في معالجة المخاطر والتهديدات بحسب القطاعات، وتضمنت الاستراتيجية سياسات للمواجهة واخرى للوقاية، من خلال تحليل التحديات ووضع الوسائل المناسبة بحسب القطاعات، وهذه الاستراتيجية قيد الاقرار حاليا من قبل مجلس الامن الوطني.
3. اسناد استراتيجية مكافحة التطرف العنيف المؤدي الى الارهاب: وهي الاستراتيجية المتخصصة في هذا المجال وتعتمد الاستراتيجيتين اعلاه مصادر لها. وهي قيد الاصدار قريبا.
4. استحداث قسم دراسات التطرف العنيف في مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية: ويستند عمل القسم على الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب، ويعنى بإجراء الدراسات والبحوث واعداد التقارير والملخصات والتوصيات واوراق السياسات العامة في كافة المجالات (الاجتماعية، النفسية، الفكرية، القانونية، الاعلامية، السياسية..الخ) لتغذية صناع القرار في مستشارية الامن الوطني بخصوص كل ما يتعلق بالتطرف العنيف المؤدي الى الارهاب، ويعتمد القسم في عمله على اعتماد منهج الاعتدال في معالجة مشكلات التطرف. وقد اكدت خطة المركز من خلال نشاطات هذا القسم على الاستعانة بجميع الخبرات والكفاءات العلمية والمهنية المبدعة للمشاركة في نشاطاته.
التوصيات
1. استحداث مؤسسة ترتبط بأحد اجهزة الدولة ذات السيادة تعنى بمكافحة التطرف العنيف: دراسة واستراتيجية ومتابعة وتقييم.
2. سيادة القانون المؤسسي والاصلاح المؤسسي وتنظيم لائحة القيم لكل مؤسسة وتعزيز الانتماء الوطني كمعادل موضوعي للانتماء المتطرف
3. تفعيل قانون الاحزاب السياسية
4. التنسيق الاعلامي لتكوين راي عام ينبذ التطرف العنيف ويتشبع بقيم اخلاقية ومبادئ انسانية وحقوق وواجبات قبول التعددية الفكرية واحترام جميع الاديان السماوية مع الاحتفاظ بخصوصيتنا وهويتنا الوطنية المتنوعة المؤدية الى الاعتدال.
5. ازالة الحواجز المصطنعة بين الشباب والعلماء للإجابة علميا عن اسئلة الشباب فيما يتعلق بالجوانب الفكرية والدينية بعيدا عن التطرف ونشر ثقافة الاعتدال والقبول بالآخر المختلف
6. التثقيف والتوعية بأهمية استراتيجية الامن الوطني العراقي واستراتيجية مكافحة التطرف العنيف المؤدي الى الارهاب، لاسيما في المحور الثقافي/الاجتماعي وتوحيد الجهود لتنفيذ بنودها من قبل جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.
7. اجراء الدراسات والبحوث والميدانية لتشخيص مسببات التطرف العنيف واستطلاع الآراء بخصوص منهج الاعتدال وسبل تفعيله بين اوساط المجتمع لاسيما شريحة الشباب.
8. توثيق العلاقة مع مركز دراسات النهرين للدراسات الاستراتيجية من خلال مشاركة الباحثين في مؤتمراته وورش عمله واعداد الاوراق البحثية الخاصة بموضوعات التطرف العنيف.
9. التشجيع على اقتراح الحلول المبدعة والعملية في تحشيد المجتمع لانتهاج ثقافة الاعتدال في مواجهة التطرف العنيف.
الخاتمة
ان مشكلة التطرف العنيف من اهم المشكلات ذات الاولوية التي نالت اهتمام الامم المتحدة والمجتمع الدولي لما لها من آثار على زعزعة الاستقرار في المجتمعات واحلال السلام بين الدول، وقد شرعت الامم المتحدة الى اجراءات مكثفة لبناء استراتيجية مكافحة التطرف العنيف وشكلت اللجان الخاصة بها ونظمت المحافل الدولية لدعم واسناد الحكومات لتنفيذها، لذا فإن معالجة التطرف العنيف المؤدي الى الارهاب له اهمية كبيرة وطنيا واقليميا ودوليا، لذا فإن تحديد الاسباب الكامنة خلفه وسبل معالجتها وتجاوزها بوصفها واحدة من اهم مهددات الأمن الوطني الشامل في العراق لاسيما بعد المخلفات والاثار التي انتجها الفكر التكفيري الداعشي، يعد مسؤولية جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية كما انه واجب وطني يقع على عاتق الجميع من اجل الوصول الى مرحلة الاستقرار والسلام المجتمعي والعيش الأمن بين الجميع في وطن واحد.
اضف تعليق