إذا كانت أغلب النظريات الإعلامية قد استندت إلى جملة من الأركان الأساسية في توصيف ماهية الإعلام من حيث الوظيفة والأهداف، والتي يمكن تلخيصها بمثلث (ماكلوهان) القائم على (الإخبار، الترفيه، التثقيف)، فالأحرى بنا الآن أن نتجه إلى إضافة ركن رابع إلى هذا المثلث بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو (التشويه) ليتحول المثلث الجميل إلى مربع حاد الزوايا لا يثير فينا أي بعد جمالي أو حسّي كما لمثلثنا القديم الذي أبدعته واحدة من أرقى الحضارات الإنسانية.
وإذا كان هذا البعد المطرود سابقاً والمرحب به حالياً من قبل أجهزة الغرب الإعلامية قد غاب طويلا عن المباشرة في الاستخدام، فإن الأحداث والوقائع السابقة تكشف لنا عن توظيفه المباشر في المنتج الإعلامي الغربي، من خلال عشرات الاستخدامات المدروسة بعناية والتي ينبغي الانتباه إليها وتحليلها ووضعها بين يدي الإنسان الملتزم ليعي حجم الخطر الذي يحيطه.. ولكي تأخذ دراستنا الحالية شكلها العلمي المبسّط، سنقسمها إلى عدة محاور نحاول تعزيزها بالأمثلة والشواهد التي يمكن للقارئ الرجوع إليها مشاهدة أو قراءة.
الصورة
لعلّ الأمر الحقيقي الذي حدث في السنوات الأخيرة من القرن الماضي، في المجالات الإعلامية، هو الانتقال من منطقة العرض إلى منطقة الفرض؛ ففي السابق كانت وسائل الإعلام تعرض منتجها ويمكنك الاختيار، ولكن الذي حدث بعد التطورات التقنية الهائلة التي حصلت في شتى المجالات قد منح الإعلام القدرة على فرض ما يريد؛ مما أثر تماما في الاتجاهات الثقافية بشكل خاص، من خلال اللجوء إلى ثقافة الصورة بدلا من ثقافة الكلمة. فخطاب الصورة كما يرى (جون لوك غودار) يحتوي على جانبين متعارضين ومتكاملين، هما الجانب الدلالي، أي (ما يقال) والجانب الجمالي، أي ما يتضمنه الخطاب دون قوله بشكل مباشر، بل هو منغرس في ثنايا الخطاب، ورموزه الموحية(1)؛ ومن هنا فإن احتلال الصورة مكانة في التواصل البشري أهم من الكلمة، كان أحد نتائج تقدم الاتصال عن طريق الفضاء، واحتلال الأقمار الصناعية المكانة الأولى قبل الأوراق في إحداث هذا التواصل.
وبفضل هذا التطور، ومن خلال القنوات وشبكات الاتصال، أصبحت الصورة المفتاح السحري للنظام الثقافي الجديد، و(لا تحتاج الصورة - دائماً- إلى المصاحبة اللغوية كي تنفذ إلى إدراك المتلقي فهي -بحد ذاتها- خطاب ناجز مكتمل، يمتلك سائر مقومات التأثير الفعّال في مستقبليه) (2)؛ وبالتالي كثرت الدراسات حول الجانب التأثيري لها على المشاهدين، وأصبحت تصنع بعناية تأخذ أهميتها من الجانب التجريبي في البحوث العلمية، فقسّمت إلى صور ثابتة فوتوغرافية وأخرى متحركة تلفزيونية وسينمائية، وكلتاهما تضمان لقطات (قريبة، متوسطة، عامة) وهذه اللقطات تقسم بدورها إلى عدة أنواع أخرى، وتأخذ زوايا نظر مختلفة مثل (فوق مستوى النظر، في مستوى النظر، تحت مستوى النظر) ولكل من هذه اللقطات والزوايا معنى خاص يفهمه المتخصص، وله تأثيره النفسي على المشاهد العادي، فمثلاً أن زاوية (فوق مستوى النظر) تستخدم عادة في تصوير القادة والزعماء الذين يأخذون نوعاً من التبجيل والاحترام، وتعطي الشخصية داخلها حجماً أكبر مما هي عليه، وتسمى في المصطلح الفني بـ( زاوية العظمة) أما زاوية (تحت مستوى النظر) فغالباً ما تستخدم في حالات عدم التقدير والاحترام، وتجعل الشخص داخل الصورة أقل حجماً مما هو عليه، وتسمى بـ( زاوية الاحتقار)، أما إذا كانت الصورة متحركة، فإنها تأخذ مدلولات أخرى كـ( الحركة البندولية، الحركة الحلزونية، الحركة المستقيمة... إلخ) ولكل منها معنى واستخدام خاص.
ولم يقتصر الأمر على هذا الحد فقد أخضعت الصورة إلى التجريب في محتواها الداخلي، وأجريت عشرات التجارب التي تقيس مدى التأثيرات المحتملة على المشاهدين، إذا تضمنت الصورة عدداً من الكتل داخلها (أقل من 7 كتل، أكثر من 7 كتل) فكلما كانت تتضمن 7 كتل فما دون، تكون أقرب إلى الاستيعاب والفهم، وبالتالي التذكر لمحتوياتها، وهي ترتبط نوعاً ما بأرقام الهاتف السبعة الأساسية التي يسهل تذكرها، وتأخذ بالصعوبة كلما ازدادت على هذا الرقم، كما تمت دراسة أمكنة هذه الكتل فقسّمت إلى (أعلى يمين الصورة، أعلى الوسط، أعلى يسار، في مركز الصورة، أسفل الصورة يميناً ويساراً) ثم تطورت التجارب لتشمل تأثيرات اللون عليها (ملونة، غير ملونة)(3)، ومدى تأثير مصاحبة التعليق لها، أو عدمه، وما زالت التجارب تترى لمعرفة المزيد من أسرار التأثير لهذا المكتشف التقني الهائل.
وفي إطار هذه المسألة يشير المفكر الفرنسي (ريجسيت دي بري) إلى (أن اللغة الفرنسية فقيرة لا تحتوي سوى كلمة واحدة للدلالة على أشياء، كانت اللغة الإغريقية القديمة تعبر عنها بخمس عشرة كلمة، وتملك اللغة اليابانية عشرات الكلمات للتمييز بين الصورة الذهنية والصورة المقدسة والصورة المنقوشة والصورة الزيتية والصورة المستنسخة آليا والصورة الفوتوغرافية والصورة السينماطوغرافية والصورة الأدبية) (4). إن هذا التوجه لإحلال الصورة بدل الكلمة يأخذ مدلولات خطيرة إذا ما عرفنا أن الصورة تتجه مباشرة إلى الفورية في نقل الأحداث إلى مجموعات كبيرة من الناس وليس إلى شخص بعينه، والفرق شاسع بين الوعي الفردي والوعي الجماعي، كما هو معلوم، أي إنها تتوجه إلى القاعدة العامة من الجماهير دون المرور على (الفلتر) الذي يمكنه أن يشذّب ما يمكن تشذيبه.
ولعلنا لا نأتي بجديد عندما نذكر أن الأمريكيين قد برعوا في هذا الجانب كثيراً (صناعة الصورة Image Marking) وبدأوا في تناول الأمور ما بين التشويه والتحسين، وفقاً لمصالحهم وأهوائهم، موزعين الجهد على أهم مؤسستين إعلاميتين فيها، هما (التلفزيون) وما يتبعه من فضائيات وأقمار صناعية حيث صناعة الأخبار وتأثيراتها في الرأي العام، و(هوليود) حيث صناعة السينما وما تحمله من نجوم يمكنهم التأثير المباشر على متلقيهم من الشباب بطريقة (النمذجة) وهي نوع من الاندماج بين الشخصية (النجم) وبين من يحاكيها من الآخرين (الجمهور)، عبر سلسة من القصص المحبوكة الكتابة والمعروفة المقاصد، والتي سنتناولها في جزء آخر من هذه الدراسة بشيء من التفصيل.
الانترنيت
تشير الإحصائيات الحديثة إلى أن أكثر من 100 مليون شخص استخدموا الانترنيت في عام 2000 وأن هذا الرقم ارتفع سبعة أضعاف، وبلغ 700 مليون شخص في نهاية العام الماضي، وهذا يعني أن كل هؤلاء قد تمكنوا من الاتصال مع العالم الخارجي بعد أن ألغوا المسافات وعبروا الحدود المقررة لبلدانهم وشاركوا في إبداء آرائهم دون تدخل من قبل حكوماتهم. وبالتالي فقد ساهم الانترنيت في عملية إدماج ثقافي عبر ما يبثه من نماذج محددة مستخدماً رسائل ولغة ورموزاً موحّدة. وإذا كان هذا الأمر يثير الدهشة والإعجاب؛ لفضاء الحرية التي سمح الانترنيت بها، فإن ما يخبئه يكاد يكون مرعباً، ولابد من الانتباه إليه سريعاً، فالمتتبع لمنجزات هذه التقنية يعرف جيداً أن اللغة المتسيدة فيها هي اللغة الإنجليزية وبالتالي أصبحت هي اللغة الأم الآن وهي لغة الثقافة، ولغة السوق (الاقتصاد) ولغة المنتصر الذي يفرض ما يريد فرضه دون محاسب، وهي لغة العلم وقاعات الدرس، ولغة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وبالتالي فكل ذلك يقترب من نظرية (الحتمية اللغوية) للعالم الألماني (ولهام همبولدت) الذي يقول: (إن الناس هم تبع لتفكيرهم وإحساسهم ومشاعرهم ونظرتهم للكون، وللعادات التي اكتسبوها من خلال ممارساتهم للغة) (5) وإن هذه التبعية في الأفكار والأحاسيس والمشاعر ستجعل من تأثيرات الانترنيت أكثر مما هو معروف عنه الآن من خدمات لا تكاد تحصى، ربما ستنعكس سلباً على مخططيه ومن يقفون وراء توظيفه لمآربهم.
وهذا ما يشير إليه (جيدنز) في كتابه (عالم منفلت)؛ إذ يرصد ظاهرة الاستعمار المعاكس، ويقصد بها تأثير الدول غير الغربية في الغرب، ويستشهد ببعض الأمثلة على ذلك، مثل (أسبنة) لوس أنجلوس، أي سيطرة الأسبان على هذه المدينة، ونشوء قطاع تكنولوجي متقدم متوجه نحو السوق العالمية في الهند، أو بيع البرامج التلفزيونية المنتجة في البرازيل للبرتغال وتأثيرات تصنيع واستخدام الكمبيوتر في بلدان شرق آسيا(6).
وإذا تفحصنا الرسائل التي يبثها الانترنيت نجدها تمتلك، إلى جانب المعرفة والمعلوماتية، جانباً آخر يكاد يكون أداة فعّالة للتحفيز على الانحراف السلوكي، وخاصة في البرامج الفضائية والصور الإباحية التي ترسل على شكل رسائل إلى قطاع واسع من المشتركين في برامج الانترنيت، وتقدم لهم العروض المجانية في المشاركة أو المشاهدة في أقل التقديرات؛ وهذا ما دفع الكثير من الآباء للاعتراض على الاستخدام المفتوح للانترنيت دون محددات أخلاقية أو قوانين يمكن الرجوع إليها في حالة الإخلال في الشروط الأخلاقية لمستخدمي الانترنيت.
السينما
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ظهرت العديد من الدراسات التي حاولت الوقوف على ما حدث وتحليله، وقد شملت الكثير من الجوانب، ولعلّ أهمها تلك التي تتعلق بالأدب والسينما وعلاقتهما بأحداث نيويورك وواشنطن؛ فقد مزجت هذه الدراسات بين ما قدمته السينما الأمريكية منذ السبعينات وحتى الآن من أفلام خيالية حول العنف والجريمة والإرهاب، معتمدةً على روايات وقصص شهيرة، وبين الأحداث الواقعية التي جرت في الحادي عشر من سبتمبر، على اعتبار أن النص الأدبي (رواية، قصة) يمكنه (أن يدمج متلقيه في تركيبة ملامحه) كما تقول (جوليا كرستيفا) في كتابها (علم النص)، خاصة وأن السينما يمكن أن تلعب دوراً محورياً في توجيه سلوك الأفراد، وهي وسيلة فعالة لتوجيه أهدافهم واتجاهاتهم داخل المجتمع؛ وذلك لعدة أسباب يلخصها (روسك) بـ:
1) يضع الناس أنفسهم في موضع الأبطال، ويتقبلون بطريقة لا شعورية الاتجاهات التي يعبّرون عنها، والأدوار التي يقومون بها.
2) الأفراد الذين يعانون من المشاكل المختلفة يتقبلون بطريقة لا شعورية، أو شعورية، الحلول التي تقدمها الأفلام كحلول لمشكلاتهم الخاصة(7).
ففي عام 1970 صدرت رواية (المزاح) للكاتب الأمريكي (أيد ماكبين) تتحدث عن عملية سطو على بنك كبير، يخطط لها بطل الرواية من خلال خداع رجال الشرطة بوجود عمليات إرهابية في أماكن عامة تصيب الناس بالفزع؛ مما يفقد رجال الشرطة قدرتهم على توفير الأمن للبنك، وتتم الانفجارات بواسطة قنابل موقوتة، ورغم اختلاف أسلوب التنفيذ إلا أن الهدف واحد يشبه كثيراً ما جرى في واشنطن ونيويورك. ويعود الكاتب بعد سنوات ليقدم رواية جديدة حملت عنوان (كلاب الصيد) تتناول أساليب جديدة في تنفيذ العمليات الإرهابية لا يستطيع الكاتب السيطرة على مجرياتها إلا بمحض الصدفة.
أما رواية الكاتب (ستيفن كنغ) الصادرة في عام 1982 والتي عنوانها (الإنسان الهارب) فتتحدث عن لعبة نظمتها محطة تلفزيونية تتركز على ملاحقة واصطياد المتسابقين وقتلهم، وقد تحولت بعد صدورها إلى فلم سينمائي قام ببطولته الممثل الأمريكي (أرنولد شوارزنجر) وتنتهي الرواية بخلاف الفلم إلى نهاية مأساوية حيث يقوم البطل بتفجير الطائرة التي يستقلها في مبنى التلفزيون الذي ينظم اللعبة(8).
أما الكاتب الأمريكي (توماس كيلنسي) فقد قدم رواية بعنوان (واجب الشرف) في عام 1994 تتحدث عن طائرة بوينغ 747 يقودها طيار ياباني انتحاري يقرر الانتقام من أمريكا لقيامها بإلقاء القنبلة الذرية على مدينتي ناكازاكي وهيروشيما في العام 1945، وقتلها الآلاف من اليابانيين، وتفادياً من الوقوع في الأسر يتجه هذا الطيار إلى مبنى (الكابيتول)، أي الكونغرس الأمريكي، ويقوم بتفجيره وقتل من فيه أثناء اجتماع الرئيس الأمريكي بأعضاء الكونغرس وإلقائه الخطاب أمامهم.
هذا فضلاً عن مئات الأفلام التي تنتج سنويا والتي تتناول في معظمها العنف كمادة أساسية لها؛ مما أثار العديد من التساؤلات حول المدى الذي لعبته هذه الأفلام والروايات في التحريض على العنف والإرهاب ومدى الصدق الذي انطوت عليه مقولة (جوليا كرستيفا) آنفة الذكر والخاصة بالاندماج الحاصل بين أحداث النص أو الفلم وبين المشاهدين؛ أي مدى أثر هذا التراكم من المشاهدات على المتلقي؛ فالتراكم كما هو معروف يعمل على صياغة الشخصية بمواصفات معينة تحددها مضامين المنتوج السينمائي، والفرد عندما يتلقى الرسالة من السينما بشكل ما تحكمه خاصيتان هما:
1- الإرجاء: بمعنى أن التأثير على الجمهور لا يبدو مباشرة بعد التلقي، بل لابد من مضي زمن يسمح بتراكمها واختمارها وفقاً لقوانين نفسية محددة.
2- الكمون: حيث تكمن التأثيرات التي تعرض لها الجمهور، وهي ليست تأثيرات مادية ظاهرة يمكن رصدها بسهولة، بل تأثيرات تعبر عن نفسها في مواقف تستثيرها للظهور في شكل استجابات(9).
وبالتالي تدور الأسئلة حول مدى الاستفادة التي قدمت للإرهابيين في التخطيط والتنفيذ لمشاريعهم، وهو أمر ليس ببعيد عن المجال السينمائي؛ فقد اعتبر رجال المافيا الإيطالية الكاتب (ماريو بوزو) مؤلف رواية (العرّاب) التي تحولت إلى فلمين أخرجهما للسينما المخرج الأمريكي الشهير (كوبولا)، أن الكاتب هو أحد رجال المافيا السابقين، وأنه كشف الكثير من أسرار المافيا للناس والشرطة في آن واحد، وذلك للدقة العالية التي وصف فيها الكاتب أجواء العمل داخل هذه العصابات الإرهابية. ويبدو أن السينما الأمريكية وقعت في شر أعمالها بعد ارتكازها على مبدأ العدو الوهمي الذي ينبغي الانتصار عليه؛ فأحياناً يأخذ شكل النظام السوفيتي السابق، وأحياناً يأخذ شكل كائنات غريبة تأتي من الكواكب الأخرى، وثالثاً أناساً إرهابيين لا همّ لهم سوى التفكير بالعمليات الإرهابية، وهم على الأغلب عرب أو مسلمون، كما حدث في فيلم (الحصار) المنتج عام 1998 الذي يتحدث عن مجموعة من الإرهابيين العرب تحاول تفجير مكتب التحقيقات الفدرالي. وقد جوبه الفلم آنذاك بجملة من الانتقادات من القوى المعتدلة داخل أمريكا، وآخر هذه السلسة من الأفلام العنصرية هو الفيلم الذي عرضته دور السينما الأمريكية (النسر الأسود) للمخرج (ريدلي سكوت) مخرج فلم (المصارع)، والذي حاز على أغلب جوائز الأوسكار في العام الماضي. والفلم يدور حول مهمة عسكرية فاشلة لمجموعة الكوماندوس الأمريكيين الذين يقودون طائرة هليكوبتر من نوع (بلاك هاوك) ويتجهون إلى منطقة معادية لهم في العاصمة الصومالية مقديشو، للقبض على مساعدين عسكريين للجنرال (عيديد) الذي كان يمثل العدو رقم واحد للأمريكيين في ذلك الوقت، وتنتهي المهمة بقتل 18 أمريكياً مقابل1000 صومالي، في جو مليء بالقنابل والانفجارات والسوبرمانيات(10).
ويبدو لنا من خلال ما تقدم أننا أمام مجموعة من الاستنتاجات منها:
1- أن مبدأ ترسيخ العنف في الأدب والفن في أمريكا، يؤدي إلى شيوع استخدام السلوك العدواني لدى الكثير ممن يتعاطون هذين الموضوعين، كما تشير معظم الدراسات التي ظهرت بعد أحداث سبتمبر.
2- أن موضوع العدو الوهمي الذي تبحث عنه أميركا في أدبها وأفلامها قد تحقق لها على أرض الواقع، وبطريق تقترب من خلاله كثيراً من وصفها له في رواياتها وأفلامها.
3- مازال النهج العنصري الذي يحمل الكثير من الإساءة للعرب والمسلمين مرتكزاً أساسيا في أفلام هوليود دون مراعاة لمشاعر الآخرين وخصوصياتهم.
4- العمل على تركيز مبدأ التشويه كركن أساسي في العملية الإعلامية واستخدامه لإغراض التقليل من شأن الأديان والأجناس والحضارات دون وازع أخلاقي يذكر.
التلفزيون
لم يقتصر الأمر على السينما في بثّ الإعلام الموجّه والمدروس بعناية إلى الآخرين، بل أدى التلفزيون دوراً أكبر بكثير، في تجسيد مبادئ العنف والإرهاب، وبالذات بعد الانتشار الهائل للفضائيات، وسيطرة الإعلام الغربي على أغلب هذه القنوات الفضائية مباشرة أو عن طريق كثرة الإنتاج للأفلام والمسلسلات والبرامج الإخبارية، حتى أنك تدهش عندما تشاهد خبراً أو ريبورتاجاً أو صورة لم يكن للغرب الإعلامي يد فيه!!. ولا يكاد يخلو البرنامج التلفزيوني العام من مسلسل أو فلم تم إنتاجه في استوديوهات هوليود، وقد تضخمت حاجة الفضائيات التلفزيونية للمواد الإخبارية والدرامية والمنوعة، أكثر من التلفزيونات المحلية، وخاصة في بلدان العالم الثالث، ومن فيه من العالمين العربي والإسلامي، فالفضائيات العربية بلغت في آخر إحصائية (120) قناة منها 7 قنوات غير حكومية: (يمتلكها أصحاب المال والأعمال العرب مثل قنوات: الجزيرة و ART ORBIT , ANN, MBC ويقع مقرها خارج الوطن العربي، وتخضع لقوانين الدول التي تبث منها: بريطانيا، ألمانيا) (11).
وهذه القنوات تبث على مدار الساعة وتستهلك عشرات البرامج المتنوعة لكي تغطي مساحة البث لديها، وإن معظم هذه القنوات لا يعتمد على إنتاج محلي لفقره أولاً، ولعدم كفايته ثانياً، فضلاً عن مواصفات الجودة الإنتاجية التي قطع الغرب فيها شوطاً طويلاً؛ وهنا يكمن الخطر الذي تحمله برامج هذه القنوات إلى داخل البيوت كضيف مرحب به على الدوام. وقد انتبه الغرب لخطورة الفضائيات وما تحدثه من آثار في الرأي العام سلباً أو إيجاباً، وحاول أن يمارس ضغطاً قوياً على قناة الجزيرة مع بدايات الحملة الأمريكية على أفغانستان، وملاحقة مراسليها، واتهامها لهم بالتعاون مع الإرهابيين. ومن الأمثلة أيضا أن الكثير من تلفزيونات الغرب لم تعرض مشهد قتل الجنود الصهاينة للطفل محمد الدرة وهو محتمي خلف والده، خشية تعاطف مشاهديها مع الفلسطينيين، خاصة أن مشهد القتل هذا أحدث ضجة واسعة في العالمين العربي والإسلامي، وخرجت الجماهير غاضبةً تطالب أنظمتها بتوجيه العقوبة الصارمة إلى مرتكبي هذه الجريمة البشعة، وكثيرة هي الأمثلة التي يمكن ذكرها في كيفية الإساءة للعرب والمسلمين في التلفزيونات الغربية وبشتى الطرق والأساليب، معتمدةً على ما يحبذه المشاهد الغربي من أغاني وأفلام ومسلسلات، وتضمينها ما يمكن أن يظهر المسلم كشخص هامشي يعيش بطريقة متخلفة في بلده أو في البلدان الغربية التي ينتقل للعيش داخلها.
استنتاجات أخيرة
1- يلعب الإعلام المرئي والمقروء والمسموع دوراً كبيراً في عملية إدماج متعاطيه، وخاصة المرئي منه؛ لأن الصورة تدرك ولا تفكر؛ مما يسهل وصولها للعقل دون عناء.
2- إن العنف الذي تبثه الأفلام السينمائية وما يتسرب منها داخل الفضائيات، يسهم إلى حد بعيد في انحراف السلوك لدى المشاهدين من المرضى والمراهقين، ويمكن أن يظهر على شكل استجابات لدى الكثير منهم.
3- لقد ساهم الإعلام الغربي في إضفاء الكثير من التشويه على صورة العربي والمسلم عبر منتوجه الإعلامي، مولداً بذلك موجة من العداء والكراهية من قبل المشاهد العربي والمسلم، ولبساً واضحاً في معارف الغربي عنهما في ذات الوقت.
4- يمكن أن يسهم الإعلام في توطيد الأمن لدى الناس، ونبذ العنف وإدانته، من خلال التقليل من مظاهر العنف والتركيز على ما يدفع الناس لعمل الخير، وإظهار الصورة الحقيقية للآخرين دون المساس بحرياتهم وخصوصياتهم، وترك الحرية للمشاهدين في الحكم الموضوعي.
5- ينبغي الانتباه إلى ما تحمله القنوات الإعلامية المختلفة من مصادر للخطر بين ثناياها، وهذا لا يعني الانغلاق عن هذه القنوات، بل العكس هو الصحيح.
اضف تعليق