في أيامنا هذه أصبح الجميع يصرخ بأعلى صوته ويتكلم عن المحبة والاحترام، الجميع يمثل بأدب ويتكلم عن (الأتكيت)، لكن رائحة الحقد الكريهة قد تسببت بحالة من الاختناق للجميع شملت أرجاء البلاد بلا استثناء.

الأتكيت والأدب قد يُغيَّب في بعض الأحيان، ولم يبقَ سوى الثرثرة، يا ترى أين يكون مصيرنا ونحن نتفوه كل يوم بكلمات واهية مجازية هشة لا يوجد لها حقيقة في عالمنا! (يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون مالا تفعلون).. تساؤل ورد في نص قرآني بليغ.. حيث يتكلم الجميع عن أهمية الحفاظ على حقوق الإنسان ولكن الفقراء لا زالوا يستجدون الرحمة من أناس شعارهم المحبة!.

تُرى عن أية محبة أتكلم؟

المحبة أصبحت عنوانا مغريا للقلوب والمقالات والأفلام، ولكن فقدت أثرها التكويني في المجتمع، اختصرت أوتارها في أفلام قصيرة وصور وثائقية و (لايكات) في مواقع التواصل الاجتماعي.

معدل الفقر في العالم يصيبنا بفقدان الوعي، وحتى لو أننا عالجنا الفقر، ماذا عن التحرش الجنسي؟ ماذا عن الأمية التي تعم البلاد؟ ماذا عن قلة الفهم والثقافة مع كثرة الشهادات؟ ماذا عن إخضاع الرؤوس للجبابرة؟ وماذا عن عدم احترام القدرات والكفاءات؟.

كثيرون يشعرون بالتعاسة في حياتهم، يبحثون عن ملجأ آمن.. يبحثون عمن يفتح لهم آفاق الحرية في الفكر والعمل، يبحثون عمن يحسبهم من فصيلة الإنسان ويحترمهم، ولكن هل يجب أن نبحث عن الشيء الذي من المفروض أن يكون في أعماقنا؟ كيف يبحث البعض منا عن حقوق الإنسان وهو لا يحترم ذاته؟ كيف يتكلم عن حقوق الانسان ويرضى بالذل؟ لأنهم لا يعرفون ماذا، يريدون يرضون بمن يدافع عن حقوقهم.

ما معنى حقوق الانسان؟

قال أمير المؤمنين عليه السلام: الناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، حقوق الإنسان ليس لها تعريفا محددا بل هناك العديد من التعاريف التي قد يختلف مفهومها من مجتمع إلى آخر، أو من ثقافة إلى أخرى، لأن مفهوم حقوق الإنسان أو نوع هذه الحقوق يرتبطان بالأساس بالتصور الذي نتصور به الإنسان، لذلك سوف نستعرض مجموعة من التعاريف لتحديد هذا المصطلح:

يعرفها "رينية كاسان" وهو أحد واضعي الإعلان العالمي لحقوق الانسان بأنها (فرع خاص من الفروع الاجتماعية يختص بدراسة العلاقات بين الناس استناداً إلى كرامة الإنسان وتحديد الحقوق والرخص الضرورية لازدهار شخصية كل كائن إنساني، ويرى البعض أن حقوق الإنسان تمثل رزمة منطقية متضاربة من الحقوق والحقوق المدعاة).

أما "كارل فاساك" فيعرفها بأنها (علم يهم كل شخص ولا سيما الإنسان العامل الذي يعيش في إطار دولة معينة، والذي إذا ما كان متهما بخرق القانون أو ضحية حالة حرب، يجب أن يستفيد من حماية القانون الوطني والدولي، وأن تكون حقوقه وخاصة الحق في المساواة مطابقة لضرورات المحافظة على النظام العام).

في حين يراها الفرنسي "ايف ماديو" بأنها (دراسة الحقوق الشخصية المعرف بها وطنياً ودولياً والتي في ظل حضارة معينة تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الإنسانية وحمايتها من جهة والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى).

أما الفقيه الهنكاري "أيمرزابو" فيذهب إلى (أن حقوق الإنسان تشكل مزيجاً من القانون الدستوري والدولي مهمتها الدفاع بصورة مباشرة ومنظمة قانونا عن حقوق الشخص الإنساني ضد انحرافات السلطة الواقعة في الأجهزة الدولية، وأن تنمو بصورة متوازنة معها الشروط الإنسانية للحياة والتنمية المتعددة الأبعاد للشخصية الإنسانية).

‎وجميع التعريفات الآنفة الذكر تعكس وجهة نظر الكتاب الأجانب، أما فيما يخص الكتاب العرب فإن "محمد عبد الملك متوكل" يعطي تعريفاً شاملا وواسعا إذ يعرفها بأنها (مجموعة الحقوق والمطالب الواجبة الوفاء لكل البشر على قدم المساواة دونما تمييز بينهم).

أما رضوان زيادة فيذهب إلى القول بأن حقوق الإنسان (هي الحقوق التي تكُفل للكائن البشري والمرتبطة بطبيعته كحقه في الحياة والمساواة وغير ذلك من الحقوق المتعلقة بذات الطبيعة البشرية التي ذكرتها المواثيق والإعلانات العالمية).

ويرى الأستاذ "باسيل يوسف" أن حقوق الإنسان (تمثل تعبيراً عن تراكم الاتجاهات الفلسفية والعقائد والأديان عبر التاريخ لتجسد قيم إنسانية عليا تتناول الإنسان أينما وجد دون أي تمييز بين البشر لا سيما الحقوق الأساسية التي تمثل ديمومة وبقاء الإنسان وحريته).

أما "محمد المجذوب" فيعرفها بأنها (مجموعة الحقوق الطبيعية التي يمتلكها الإنسان واللصيقة بطبيعته والتي تظل موجودة وإن لم يتم الاعتراف بها، بل أكثر من ذلك حتى ولو انتهكت من قبل سلطة ما)، أما الأمم المتحدة فقد عرفت حقوق الإنسان بأنها (ضمانات قانونية عالمية لحماية الأفراد والجماعات من إجراءات الحكومات التي تمس الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية، ويلزم قانون حقوق الإنسان الحكومات ببعض الأشياء ويمنعها من القيام بأشياء أخرى)، أي أن رؤية المنظمة الدولية لحقوق الإنسان تقوم على أساس أنها حقوق أصيلة في طبيعة الإنسان والتي بدونها لا يستطيع العيش كإنسان.

على مستوى العراق ما هي حالة حقوق الانسان، هل هي محفوظة، هل الانسان في بلدنا مصانة حقوقه بما يحقق عنصر العدالة ويثبت أركان السلم الأهلي، ويضاعف من فرص التعايش السلمي؟؟ في الحقيقة نحن نحتاج الى عمل مضنٍ كي نضمن حقوق الانسان في بلادنا، ولعل هذا اليوم المخصص لحقوق الانسان عالميا يمنحنا الدافع الحقيقي لتحقيق هذا الهدف، لاسيما أن الجميع يتكلم عن حقوق الانسان ونحن لا نزال ضائعين بين سطور هذا الكلام!.

اضف تعليق