q
تعدت الخطابات في المشهد العراقي بين الرسمي منها والشعبي وآخر حزبي أو سياسي يصدر من هنا أو هناك، بيد أن المؤسف أن يتحول هذا النشاط إلى خطاب كراهية ففي الكثير من الأحيان نسمع من الحكومة ومنابرها الإعلامية، وإعلام الأحزاب المشاركة في تكوينها عبارات مثل المندسين...

تعدت الخطابات في المشهد العراقي بين الرسمي منها والشعبي وآخر حزبي أو سياسي يصدر من هنا أو هناك، بيد أن المؤسف أن يتحول هذا النشاط إلى خطاب كراهية ففي الكثير من الأحيان نسمع من الحكومة ومنابرها الإعلامية، وإعلام الأحزاب المشاركة في تكوينها عبارات مثل "المندسين" "البعثية" "مخربين" "خارجين عن القانون" "أخبار قتل المتظاهرين زائفة" "يجري التعامل مع المحتجين بمهنية إلا أن بعض المندسين..." "تعج ساحات الاعتصام بالرقص والغناء"، وهلم جرى من العبارات والأوصاف، والتي تدل بأجمعها على خطاب يحض على الكراهية والسلبية ضد المحتجين والمتظاهرين السلميين، وهو بلا شك يحرض على العنف ضد هؤلاء أو التمييز ضدهم بشكل يتنافى مع المنطق والقانون.

وآخر المحاولات غير المبررة من قبل بعض أحزاب السلطة أنها بادرت إلى إستقدام بعض الشباب غير المنضبطين للتأثير على حركة الاحتجاج من الداخل ببعض الممارسات غير الملائمة وتصويرها وبثها على نطاق واسع ليتصور الرأي العام العراقي المحافظ بطبعه بوجود استهانة بالقيم الاجتماعية والدينية في هذه الساحات وممارسات لا تأتلف مع العادات والتقاليد العراقية، بيد إن هذه المحاولات مكشوفة للقاصي والداني فهي مدفوعة الثمن من بعض الأحزاب والشخصيات السياسية، ونذكر إن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966 أسس في المادة (20) إلى منع كل أشكال الكراهية وجرى نصها كالآتي: (يحظر في القانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف)، وان الدستور العراقي للعام 2005 في المادة (38) ألزم الدولة أن تتكفل بضمان حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، فما حدا على ما بدا؟!

يفترض بالخطاب الحكومي أن لا يسدل الستار على الجهات الرسمية أو الحزبية التي تتبنى خطاب من الكراهية والتحريض ضد المواطنين العراقيين بل من واجبها الحتمي التحرك الفوري وبكل الوسائل الممكنة لردع أصحاب المشاريع السوداوية التي تنبأ بخطر يهدد الشعب ومصالحه وحرياته العامة والخاصة، وكان من المفترض أن يكون الإعلام على مستوى من المسؤولية لينحاز للشعب ومطالبه الحقة، وان يقف الجميع بوجه الفساد والمفسدين أياً كانت مواقعهم ومراكزهم، ومن البديهي أن المؤسسات جميعاً لاسيما البرلمان والحكومة تقع عليها واجبات إزاء هذه المرحلة التأريخية الحاسمة فمن الواجب:

‌أ- متابعة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الرسمية والحزبية التي تدلي بأخبار مزيفة بخصوص التظاهر والاحتجاج في العراق، ومحاسبة هذه الجهات بشكل فوري كون عملها يهدد مصالح الدولة والشعب، وهي بعملها هذا تعتدي على حرية أساسية للجمهور، وتشيع خطاباً يحض على الكراهية والتمييز بين العراقيين.

‌ب- بذل مزيداً من الجهود باتجاه محاصرة الآثار السلبية للتصريحات غير المسؤولة والأخبار الزائفة التي تسيء للمحتجين والتي من شأنها أن تخلق جواً من السلبية تجاههم.

‌ج- الركون إلى إجراءات إدارية حكومية وتشريعية من شأنها أن تمتص النقمة الشعبية وتنهي حالة الاحتقان الجماهيرية وبخاصة منها المعتصمين والمحتجين.

‌د- العمل الجاد على محاسبة مطلقي العبارات غير اللائقة ولو كانوا في أعلى مراتب السلطة، وسوقهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل كونهم عرضوا وحدة الشعب وسلامة المواطنين للخطر فكانوا وبحق شركاء بجرائم القتل والتنكيل التي ارتكبت بحق المتظاهرين، كما أنهم عرضوا نفاذ القواعد القانونية وبخاصة الدستورية وتنفيذها بشكل عادل ومنصف لخطر شديد.

ومما لا شك فيه إن المحاولات التي تبذل وبشكل حثيث من جهات البعض منها رسمي أو وسائل إعلام حزبية وجيوش إليكترونية لشيطنة التظاهرات وحركة الاحتجاج في العراق سلوك لا يمكن السكوت عنه، بل إن بعض هذه الخطابات تحض على العنف ضد المتظاهرين بشكل مباشر أو غير مباشر وتنتهك نصوص الدستور التي تكفل الحق في التظاهر، أضف إلى المحاولات الواضحة في الإساءة المتعمدة فهنالك محاولات مباشرة للإساءة بشكل فردي للنشطاء المدنيين والداعمين للمطالب الحقة في مقدمها السلوكيات التالية التي رصدنا بعضها وخفي الكثير منها:

1- المضايقة الإليكترونية المتعمدة على وسائل التواصل الاجتماعي.

2- التهديد المباشر بالتصفية الجسدية أو الاختطاف والتعذيب.

3- الإساءة للنساء والفتيات بشكل غير مسبوق ومباشر من خلال التنمر الإليكتروني أو المضايقات الأخرى التي باتت تمارس بشكل فج.

4- نشر صور مفبركة وتنسب بشكل مباشر للمحتجين أو للنشطاء بما يسيء إلى سمعتهم واعتبارهم الشخصي.

5- جمع معلومات غير مرخصة عن النشطاء ومراقبة صفحاتهم وأنشطتهم واتصالاتهم وتهديدهم المباشر بالملاحقة.

ويبدو أن الجهات الرسمية والحكومية تتعمد السكوت المطبق إزاء الممارسات غير المشروعة أعلاه ما أسهم في توسع خطاب الكراهية وتناميه بشكل مخيف، وكان من مقتضى المسؤولية والواجب على تلك الجهات التصدي لهذه الظاهرة بالعديد من الوسائل ومحاصرتها أو القضاء عليها، وهذا الموقف يكشف إفتقار بعض المسؤولين للفهم الصحيح لمتطلبات المجتمع وسلامة النظام الديمقراطي في العراق، ومستلزمات الاعتراف الحقيقي بالحقوق والحريات الإنسانية للموطن العراقي وإتاحة الفرصة لممارستها بشكل سلس، وهنالك من يسمح لنفسه بركوب موجة التظاهر للإساءة إلى المتظاهرين أيضاً بشكل أخر مستغلاً الخلافات السياسية أو الدينية لينحو بشكل غير مقبول بين الجموع ملتمساً الحصول على مكتسبات سياسية تتمثل في المزيد من المناصب والامتيازات.

وفي ضوء الكم الهائل من المحتوى الإعلامي والرقمي في العراقي خلال هذه المرحلة الحرجة يتحتم أن تلتزم الحكومة بمجموعة من المعايير المهنية التي تشكل واجبات حتمية عليها بحكم القواعد القانونية الضامنة لحرية الرأي والتعبير عن عنه بكل الوسائل، وبما يتيح للمحتجين في العراق إيصال رسائلهم بشكل عفوي إلى المجتمع ومخاطبة الرأي العام بدون تدخل غير مبرر يحرف الحقيقة ويعرض حياة وحرية هؤلاء للخطر ومن هذه المعايير الآتي:

1- وجود السند القانوني: فكل تصرف من شأنه المساس بالحريات والحقوق حكومياً أو فردياً لابد ان يكتسي بحلة القانون أي وجود نص من القانون يبيح هذا العمل ويسمح به في حدود معينة.

2- المشروعية أي مشروعية الأدوات التي يتعين أن تتناغم مع ما يبيحه القانون، فلا يجوز اللجوء إلى أسلحة ومعدات حربية تشكل خطراً على المحتجين العزل.

3- التناسب: ينبغي أن يكون التدخل بالقدر اللازم بلا مبالغة، وبما يحفظ للفرد جوهر حريته في التظاهر والتعبير والاحتجاج والمساهمة في الشأن العام.

بعبارة أخرى وسائل المواجهة مع المخاطر ينبغي أن تتناسب مع حجم الخطر ومصدره فلا يجوز التعامل مع المواطن كما يتم التعامل مع العدو في معركة حربية، والسؤال هل يتناسب رد الفعل الحكومي مع أفعال المحتجين؟ فهل يتم الرد على من يحمل علم العراق بإطلاق الأعيرة النارية على الرأس والصدر بشكل مباشر من أسلحة القنص؟ أو استهداف المتظاهر الأعزل بعبوات الغاز المعدة للاستخدامات العسكرية التي من شأنها ان تتسبب باختراق الجمجمة وقتل الفرد مباشرة؟ وهل يتناسب ما قامت به الحكومة من حظر للتجوال وقطع خدمة الأنترنيت مع الحرية في التظاهر والتجمع والتعبير؟

وفي الختام حق أن نسأل الحكومة العراقية هل يحظر أم يتاح أمام الشعب عامة والمحتجين خاصة الحصول على المعلومات ومعرفة الحقيقة لاسيما الأسلحة والمسلحين ممن استهدفوا المتظاهرين، ومصدر قنابل الدخان المميت وغيرها؟

.......................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق