q

يمنح الدستور العراقي لعام 2005 الشعب العراقي مركزاً دستورياً متميزاً بوصفه المالك الحقيقي للسلطة إذ تنص المادة الخامسة على إن السيادة للقانون والشعب مصدر السلطة وشرعيتها يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية ما يعني أن الشعب العراقي تعود إليه الإرادة الحقيقية في اختيار نظام الحكم وكيفية ممارسة السلطة السياسية وتحديد شكل الهيئات الحاكمة بدءً من تشكيليها واختيار أعضائها وانتهاءً بالرقابة على عملها وعلى الأشخاص المكونين لها حين يمارسون أعمالهم اليومية، وبالنظر لتعذر قيام الشعب العراقي بمهام وواجبات السلطة العامة ومتطلباتها اليومية.

إعتنق الدستور العراقي لعام 2005 نظام الديمقراطية النيابية إذ يعهد المواطنين لأشخاص محددين بمهمة ممارسة السلطة نيابة عنهم لفترة محددة تحت رقابة الشعب الذي له الحق بمحاسبتهم واستبدال من فشل منهم في التعبير عن تطلعاته وصيانة مصالحه، والعلاقة التي تربط النائب بالناخب رغم ما قيل عنها من أراء فقهية متعددة البعض منها اعتبرها علاقة عقدية تتمثل بعقد وكالة إلا إنها في حقيقتها علاقة تنظيمية نظم أسسها الدستور والقانون وترتب نتيجتها على النائب مسؤولية أخلاقية وسياسية وقانونية، يمكن ان تنهض ان خرج عن مضمون التمثيل الحقيقي لإرادة المواطنين.

بيد أن الأمر في العراق انحرف كثيراً عما تقدم وللأسف شهدنا في الأسابيع الفائتة محاولات محمومة للبعض من السياسيين وأعضاء البرلمان لتمرير قرار تأجيل الانتخابات في البرلمان العراقي بحجج ظاهرها المصلحة العامة وباطنها المصالح الذاتية الضيقة، ومن قبل تم تمرير قرار في العام الفائت 2017 يمثل خرقاً دستورياً خطيراً هدد ويهدد أسس البناء الديمقراطي للسلطة الحاكمة في العراق تمثل في تأجيل الانتخابات المحلية الخاصة بمجالس المحافظات التي كان من المفترض قانوناً إجرائها في شهر (حزيران) 2017 إلا إن البلد كان يخوض حرباً مصيرية ضد الإرهاب، فمر القرار الذي إتخذته الرئاسات الثلاث بلا مشاكل حقيقية تذكر رغم المخالفات القانونية التي خلفها لا أقلها مخالفة المادة (4) من قانون المحافظات رقم (21) لسنة 2008، التي تنص على (تكون مدة الدورة الانتخابية للمجالس أربع سنوات تقويمية تبدأ بأول جلسة لها) ورغم ان قانون انتخابات مجالس المحافظات أشار في المادة السادسة والأربعين إلى مسألة التأجيل بيد ان المشرع قطعاً يقصد التأجيل المحدد بشهر أو شهرين لا ان يطول الموضوع لسنوات طوال، ومما تقدم يعد هذا القرار ومحاولات تأجيل الانتخابات البرلمانية في مجلس النواب العراقي متضمنة مخالفات عديدة نجمل بعضها في الآتي:

1- مخالفة المادة (5) من الدستور العراقي لعام 2005 التي تنص على ان السيادة للقانون والشعب مصدر السلطة وشرعيتها يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية، والمادة الدستورية بغاية الوضوح فالشعب مصدر السلطة وليس مجلس النواب المؤتمن على هذه السلطة فكان الأولى التأكيد على أهمية العودة للمالك الحقيقي للسلطة.

2- مخالفة المادة (6) من الدستور العراقي التي حددت وسيلة التداول السلمي للسلطة عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في الدستور طريقاً وحيداً لممارسة السلطة في العراق، ووسيلة التداول السلمي ومقدمته الأولى هي الانتخابات العامة والمحلية وما تأجيل أحدهما ومحاولة تأجيل الثانية إلا محاولة للالتفاف على الوسائل السلمية لتداول السلطة في العراق وتمهيد لتكريس سلطة الأحزاب والفئات والأشخاص.

3- مخالفة المادة (13) من الدستور العراقي التي اعتبرت الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق وأنه ملزم في أنحائه كافة، وبالتالي لا يمكن للبرلمان وهو السلطة المنشأة ان يخالف إرادة السلطة التأسيسية الأصلية أي الشعب الذي وافق على المادة (56) المحددة لمدة الدورة الانتخابية للمجالس النيابية في العراق بأربع سنوات فحسب.

4- مخالفة المادة (20) من الدستور العراقي التي تقضي بان "للمواطنين رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشح" ولا يمكن التمتع بالحقوق السياسية ان كان الانتخاب محل تلاعب من قبل البرلمان قطعاً.

5- مخالفة المادة (49) من الدستور العراقي التي بينت أسس التمثيل الشعبي في مجلس النواب بان يتكون من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مئة الف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر.

6- مخالفة المادة (50) من الدستور العراقي والتي أقسم من خلالها النواب المنقلبون على الشرعية الدستورية بالله خالق السموات والارضين أنهم سيحافظون على مصالح الشعب ويصون الحريات العامة والخاصة ويسهر على تطبيق التشريعات بأمانة وحياد.

7- مخالفة المادة (56) من الدستور العراقي والتي حددت مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية تبدأ بأول جلسة وان الواجب انتخاب مجلس جديد قبل خمسة وأربعين يوماً من تاريخ انتهاء الدورة السابقة.

8- مخالفة المادة (7) من قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (45) لسنة 2013 والتي تنص على "يجب ان تجري انتخابات مجلس النواب قبل 45 خمسة وأربعون يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة على الأقل".

مما تقدم نجد ان ممثلي الشعب العراقي ارتكبوا مخالفة جسيمة للدستور والقانون بمحاولتهم تأجيل الانتخابات النيابية ومن الجميل ان المحكمة الاتحادية العليا تصدت للمحاولة الفاشلة للانقلاب على الإرادة الشعبية وألزمت الجميع بضرورة التقييد بالمدد الدستورية الواردة في المادة (56) من الدستور في قرارها المرقم (8/اتحادية/ 2018) الصادر في 21/1/2018 والذي جاء فيه "من استقراء نص المادة 56 من الدستور وجد انه نص حاكم حدد الدستور فيه بدء مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب وتكون اعتباراً من أول جلسة له وتمتد لمدة أربع سنوات تقويمية ونهايتها تكون بنهاية السنة الرابعة لتلك الدورة وهذه المدة هي مدة ولاية الدورة ويصبح كل إجراء يتخذ خارجها لا سند له من الدستور وتعتبر آثار هذا الإجراء ونتائجه معدومة لان الناخب حينما أعطى صوته لمن اختاره ممثلاً له في مجلس النواب أعطاه تخويلاً محدداً من حيث المدة وينتهي هذا التخويل بنهاية مدته المحددة في الدستور وهي أربع سنوات تقويمية، ولا يجوز لأي جهة تخطيها لان تخطيها يعني تخطي إرادة الشعب الذي ثبت هذه المدة ابتداءً وانتهاءً حينما وافق على مواد الدستور".

السؤال المركزي هنا، لماذا السكوت عن هذه الفئة من النواب التي حاولت الالتفاف على الإرادة الشعبية ومصادرة حق الشعب العراقي السياسي؟ وما المطلوب من الجميع بعد محاولة الانقلاب على الشرعية الشعبية؟

جواباً على ما تقدم نجد إن هذه الفئة من نواب الشعب قد ارتكبوا مخالفة الحنث باليمين الدستوري أولا ومخالفة انتهاك الدستور ثانياً ما يتطلب مساءلتهم وسوقهم إلى ساحة القضاء كون كل منهم ارتكب جرماً مشهوداً في وضح النهار وما يمكن من هذه المساءلة أمران:

الأول: الشعب العراقي الذي يملك زمام المبادرة بالتحرك السلمي المطالب بتطبيق القانون على هذه الفئة من النواب ويبرز في هذا الخصوص دور الأحزاب الوطنية الحقيقية ومنظمات المجتمع المدني وغيرهما من وسائل تحريك وصنع الرأي العام، بيد ان الجميع يبدو انه قد ضرب صفحاً عما تقدم ومرت المخالفة الدستورية عليه مرور الكرام وكأنه أمر لم يكن في الوقت الذي يعد ما ارتكب مؤشر وناقوس خطر محدق بالشعب.

الثاني: نواب الشعب الآخرون الذين وقفوا يتفرجون على زملائهم وهم يحاولون قتل الإرادة الشعبية دون ان يبادروا إلى رفع الحصانة عنهم ومحاكمتهم فهم يتمتعون بالحصانة البرلمانية ولمساءلتهم نحتاج إلى أن نبين ان الأعضاء يتمتعون بالحصانة وفق ما رسمت المادة (63) من الدستور والتي جرى نصها بالاتي ((ثانياً/أ- يتمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلي به من آراء أثناء دورة الانعقاد ولا يتعرض للمقاضاة أمام المحاكم بشأن ذلك.

ب- لا يجوز إلقاء القبض على العضو خلال مدة الفصل التشريعي إلا إذا كان متهماً بجناية وبموافقة الأعضاء بالأغلبية المطلقة....))، والملاحظ ان ما صدر لم يكن تعبيرا عن رأي بل مخالفة بكامل أركانها المادية والمعنوية ومحاولة جدية لتعطيل الدستور والقفز على أحكامه، بيد إننا نتساءل هل يمكن ان يكون هنالك طريق أخر للمساءلة البرلمانية للأعضاء؟

والجواب على ذلك نعم فالنظام الداخلي لمجلس النواب للعام 2006 يشير إلى حالات فرض العقوبات الانضباطية بحق العضو وفق ما بينت المادة (139) ولكن هذه الإجراءات تتعلق بما يتخذه رئيس المجلس حيال العضو الذي يخل بنظام الجلسة من التذكير بالنظام الداخلي أو التنبيه أو قد يصل الأمر إلى المنع من الكلام وما تقدم لا يشفي الغليل حيال من ارتكب مخالفة تمثلت بالإخلال بالثقة الشعبية التي أودعت فيه، لهذا نقول هل يمكن ان يوجه اتهام لعضو المجلس بالحنث باليمين الدستوري؟

والجواب نقول قطعاً بالإيجاب قياساً على ان رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء يسألون عن هذه الجريمة كونهم يقسمون اليمين الدستوري الوارد بالمادة (50) وكذلك عضو المجلس فان خالف مضامين اليمين فمن الممكن اتهامه بالحنث، نعم الدستور لم يبين ذلك صراحة واغفل قانون مجلس النواب رقم (50) لسنة 2007 والنظام الداخلي لسنة 2006 تنظيم هذه المسألة المهمة، إلا ان المجلس مدعو إلى تنظيم ما تقدم بقانون مساءلة كبار أعضاء السلطة التنفيذية وأعضاء البرلمان وتحديد كيفية إدانتهم من قبل المحكمة الاتحادية العليا، فان تمت إدانته من قبل المحكمة الاتحادية وفق أحكام (93/سادساً) من الدستور العراقي فالطريق يصبح سالكاً لإقالته، وعلى أي حال يمكننا ان نبين أحكام المسألة بالخطوات الآتية:

‌أ- اتهام من مجلس النواب العراقي بالأغلبية المطلقة وفق ما رسمته المادة (61/البند سادساً/ب).

‌ب- تنظر المحكمة الاتحادية العليا في إدانتهم من عدمها عن جريمة انتهاك الدستور والحنث باليمين الدستورية أو الخيانة العظمى وفق ما رسمته المادة (61/ البند سادساً).

‌ج- التصويت على إقالتهم من المجلس في حال إدانتهم من المحكمة الاتحادية.

ومن حرص من النواب على الإخلال بالثقة الشعبية التي أودعت فيه يكون حتما قد ارتكب جريمة الحنث باليمين الدستوري الوارد في المادة (50) من الدستور، كما وأنهم انتهكوا الدستور بمحاولة مخالفة نص المادة (56) والمادة (6) من الدستور بمحاولتهم الترويج لفكرة إقناع رئيس الوزراء ليقدم طلب إعلان حالة الطوارئ في العراق استناداً لأحكام المادة (61/ تاسعاً) ليصار إلى تأجيل الانتخابات وتعطيل الدستور نفسه في الوقت الذي تقاعس جل هؤلاء عن إعلان حالة الطوارئ في العراق بعد هجوم تنظيم داعش العام 2014 رغم التهديد الجدي والخطير لسلامة الدولة والشعب.

من كل ما تقدم نجد لزاما علينا إن ندعو الشرفاء في البرلمان العراقي إلى جمع التواقيع اللازمة لإجبار هيئة الرئاسة لعرض طلب الاتهام لهؤلاء على المجلس والتصويت عليه وفق ما تقدم تمهيداً للمحاكمة العادلة لهؤلاء ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه الشطط عن مصالح الشعب وعدم احترام الإرادة الشعبية والزيغ عن رعاية المصالح العامة لكون فعلهم ترتبت عليه آثار مباشرة وأخرى غير مباشرة على رأسها:

1- الإضرار بالمصلحة العامة بإشغال مجلس النواب بالخوض في مسائل جانبية تخالف الدستور والقانون ما يمثل إهدار للوقت والمال العام الذي يدفع للنواب كرواتب وتعطيل لإقرار القوانين المهمة الأخرى وفي مقدمها قانون انتخاب عادل يضمن التمثيل الحقيقي للشعب، وقانون المحكمة الاتحادية العليا وقانون مجلس الاتحاد وغيرها كثير.

2- مخالفة المشروعية والشرعية الدستورية المتمثلة بعلوية أحكام الدستور العراقي على جميع السلطات وهو من حدد مدة المجلس النيابي بأربع سنوات.

3- انتفاء الغاية من الديمقراطية النيابية إن تم تمديد مدة المجلس النيابي فلن يتمكن الشعب من ممارسة حقه في الانتخاب واختيار الممثلين ومحاسبة المقصرين.

4- يعد الفعل المرتكب صورة من صور الفساد السياسي وهي الصورة الأخطر كونها تلحق الضرر بالشعب والوطن وتمهد لاستشراء ظاهرة الفساد الإداري والمالي.

5- إن ما حصل يهدد أسس العلاقة بين النائب والناخب المبنية على أساس الثقة والاعتبار والصدق والأمانة.

.............................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2017

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
[email protected]

اضف تعليق