تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، ماتزال الشغل الشاغل للعديد من الحكومات والجهات والمؤسسات داخل وخارج بريطانيا، التي تواجه اليوم تحديات خطيرة تهدد وحدة هذا البلد

الذي اصبح بعد إعلان نتائج الاستفتاء أكثر انقساما من أي وقت مضى، حيث كشفت نتائج وكما نقلت بعض المصادر، عن حجم التناقض والاختلاف داخل المجتمع البريطاني في شأن مسألة التكامل مع أوروبا. وهدد اختيار البريطانيين وحدة المملكة المتحدة السياسية كما انه ينذر بإحياء صراعات قديمة.

ففي الوقت الذي اختارت لندن وإسكتلندا وإيرلندا الشمالية وويلز التصويت لمصلحة البقاء، صوت شمال انكلترا ويلز للخروج من الاتحاد. وفور الإعلان عن النتائج، أعلنت رئيسة وزراء إسكتلندا نيكولا ستورجيون إن بلادها ترى مستقبلها ضمن الاتحاد الأوروبي، ما يعني عمليا الدعوة إلى استفتاء مزدوج حول الاستقلال عن بريطانيا، والبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي. وقد صوت الاسكتلنديون بنسبة 62%، على البقاء في الاتحاد الأوروبي، مقابل نسبة 48,1% لمجمل البريطانيين. وكان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير قد حذر من أن تصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الاوروبي قد يكون ضغطا باتجاه اجراء استفتاء جديد حول استقلال اسكتلندا، وقبل الاستفتاء أعلن الحزب القومي الاسكتلندي أنه سيكون هناك تصويت شعبي آخر في حال إجبار أسكتلندا عن الانسحاب من الاتحاد ضد رغبتها. كما توقع الزعيم السابق للحزب القومي الأسكتلندي أليكس سالموند أن يدعو الحزب إلى استفتاء جديد على استقلال أسكتلندا عن بريطانيا. وقال سالموند إن "الحكمة تقتضي عدم خروج أسكتلندا من الاتحاد الأوروبي أبدا".

الاستقلال عن بريطانيا

وفيما يخص اخر التطورات فقد شارك ثلاثة إلى أربعة آلاف شخص بمظاهرة في مدينة غلاسغو الإسكتلندية طالبوا خلالها بإجراء استفتاء ثان حول استقلال إسكتلندا، بعد أن قرر البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوروبي. وفيما صوتت المملكة المتحدة بـ 52% على الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء 23 حزيران/يونيو، صوتت إسكتلندا بـ 62% للبقاء في الاتحاد، وهذا ما أيقظ سيناريوهات استقلال إسكتلندا.

وفي نهاية التظاهرة، اجتمع المتظاهرون الذين كان عدد كبير منهم يرفع أعلاما إسكتلندية، في ساحة جورج سكوير الشاسعة بوسط المدينة. وكانت رئيسة الوزراء الإسكتلندية نيكولا ستورجون أعلنت غداة استفتاء 23 حزيران/يونيو أن مسألة تنظيم استفتاء ثان حول الاستقلال باتت "مطروحة" بعد الاستفتاء الذي خسره المطالبون بالاستقلال في 2014. وكررت رئيسة الحزب الوطني الإسكتلندي القول "إذا ما اعتبرنا أن مصالحنا لا يمكن حمايتها في إطار المملكة المتحدة، يجب أن يكون الاستقلال واحدا من الخيارات" الممكنة. بحسب فرانس برس.

إلا أن استطلاعا للرأي نشرت مؤسسة "يوغوف" أفاد أن 53% من الإسكتلنديين سيعلنون بقاءهم في إطار المملكة المتحدة إذا ما أجري استفتاء جديد، في مقابل 47% يؤيدون الاستقلال. لكن 55% قالوا إنهم يفضلون العيش في إطار المملكة المتحدة وهي خارج الاتحاد الأوروبي، بدلا من العيش في إسكتلندا مستقلة عن المملكة المتحدة، لكنها عضو في الاتحاد الأوروبي، في مقابل 45% يفضلون الخيار الثاني. وفي أيلول/سبتمبر 2014، صوت الإسكتلنديون ب 55،3% للبقاء في المملكة المتحدة خلال أول استفتاء لتقرير المصير.

وحدة المملكة المتحدة

في السياق ذاته تلتقي رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة تيريزا ماي نظيرتها الاسكتلندية نيكولا ستورجن، في اول زيارة رسمية لها ضمن مساعيها للحفاظ على وحدة المملكة المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. تولت ماي منصبها بعد استقالة ديفيد كاميرون من رئاسة الحكومة في اعقاب استفتاء 23 حزيران/يونيو الماضي. وأجرت تغييرات حكومية مفصلية استبعدت فيها العديد من وزراء كاميرون وفاجأت عواصم العالم بتعيين بوريس جونسون، قائد حملة الخروج من الاتحاد الاوروبي، غير الدبلوماسي احيانا، وزيرا للخارجية.

وأحدثت نتيجة الاستفتاء صدمة في انحاء العالم واثارت مخاوف من انكماش اقتصادي، واحتمال استبعاد بريطانيا من السوق الاوروبية، وهو ما يثير قلقا بشكل خاص لدى ستورجن. ودعم الناخبون الاسكتلنديون بغالبية ساحقة البقاء في الاتحاد الاوروبي، وترى الزعيمة القومية ستورجن ذلك ارضية محتملة لتصويت آخر على الاستقلال.

وقبل توجهها الى اسكتلندا شددت ماي على دعمها القوي للمملكة المتحدة وعلى ابقاء ادارة ستورجن منخرطة في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، بحسب المتحدث باسم داونينغ ستريت. وقالت في بيان "أؤمن من كل قلبي بالمملكة المتحدة". واضافت "هذه الزيارة الى اسكتلندا هي الاولى لي كرئيسة وزراء ومجيئي الى هنا لاظهار التزامي المحافظة على هذا الاتحاد الخاص".

وقالت ستورجن "لدينا ربما آراء مختلفة حول ما يمكن ان يحصل الان في ما يتعلق بتصويت بريكست". وتترأس ستورجن الحزب القومي الاسكتلندي اليساري المؤيد للانفصال. وقالت لمحطة "اس.تي.في" التلفزيونية "واجبي السعي للحفاظ على مصالح اسكتلندا". واضافت "موقفي يقوم على احترام تصويت السكان في مناطق اخرى من المملكة المتحدة وامل بان تحترم رئيسة الحكومة تصويت شعب اسكتلندا". وكانت ستورجن اعلنت غداة صدور نتائج الاستفتاء انه من "المحتمل جدا" اجراء استفتاء ثان حول استقلال البلاد.

وبعد ست سنوات وزيرة للداخلية في حكومة كاميرون، اعتبرت ماي خيارا آمنا لخلافته، لكنها بدأت باستبعاد جذري لبعض زملائها في الحكومة السابقة فاقالت وزير المالية جورج اوزبورن ووزير العدل المؤيد لبريكست مايكل غوف، لكنها اوكلت لجونسون حقيبة الخارجية. واكثر من ثلثي الحكومة الجديدة درسوا في مدارس حكومية، تماشيا مع وعد ماي عند توليها منصبها ب"بناء بريطانيا افضل ... تعمل من اجل الجميع ... ليس فقط لقلة من المحظوظين". وكتبت صحيفة "غارديان" على صفحتها الاولى "التغيير (الحكومي) الجذري لماي يفاجئ الحرس القديم". وكتبت "ديلي ميل" على صفحتها الاولى "مسيرة اصحاب الكفاءة". بحسب فرانس برس.

غير ان الجدل المحيط بتعيين بوريس جونسون القى بظلاله على يومها الاول في داوننغ ستريت، اذ اتهم وزير الخارجية الفرنسي جان-مارك ايرولت الرئيس السابق لبلدية لندن بانه "تمادى في الكذب" خلال حملة الاستفتاء. وخلال مشاركته في حفل اقامه السفير الفرنسي في لندن بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، وقبل ورود انباء الاعتداء الارهابي في نيس، اكد جونسون انه محب لاوروبا، في خطاب قوبل بمزيج من الترحيب والشجب. وطالب القادة الاوروبيون ماي بالتحرك سريعا لتطبيق بريكست وسط مخاوف من الاضرار التي يمكن ان يلحقها استمرار حالة عدم اليقين باقتصاد الاتحاد الاوروبي والعالم.

ووجه قادة دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 رسالة حازمة إلى لندن بأنه "لن تكون هناك مفاوضات من أي نوع" بشأن مستقبل العلاقات التجارية إلى أن تفّعل المملكة المتحدة رسميا فقرة المغادرة وفقا لمعاهدة الاتحاد الأوروبي. وأضافوا في بيان مشترك "ينبغي أن يحدث ذلك بأسرع ما يمكن."

وفي تحذير واضح للمروجين لمغادرة بريطانيا قالت دول الاتحاد الأوروبي أيضا إن الوصول إلى السوق الموحدة الخاصة بأوروبا "يستلزم قبولا للحريات الأربع": حرية تنقل البضائع ورأس المال والأشخاص والخدمات. وكان مؤيدون لمغادرة بريطانيا مثل رئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون المرشح الأقوى لخلافة كاميرون على رأس حزب المحافظين ورئاسة الوزراء قد قالوا إنهم يريدون حرية الوصول إلى السوق المشتركة الخاصة بالاتحاد الأوروبي ولكنهم سيحتفظون بالحق في السيطرة على دخول اللاجئين. وقال كاميرون الذي دعا للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي إن مستقبل علاقات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي سيكون مرتبطا باستعداده لإعادة التفكير في حرية تنقل العمال والتي قال إنها السبب في نتيجة الاستفتاء.

اسكتلندا والاتحاد الأوروبي

على صعيد متصل قال مشرع ألماني كبير وحليف للمستشارة أنجيلا ميركل إن اسكتلندا مستقلة ستكون محل ترحيب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعد تصويت بريطانيا للخروج من الكتلة الأوروبية. وقال المشرع جونتر كريشبوم وهو عضو بحزب المحافظين الذي تتزعمه ميركل ورئيس لجنة الشؤون الأوروبية في البرلمان "الاتحاد الأوروبي سيظل يتألف من 28 عضوا لأنني اعتقد أن اسكتلندا ستجري استفتاء جديدا على الاستقلال (عن بريطانيا) والذي سيكون ناجحا."

وأضاف لصحيفة فيلت ام زونتاج "يجب أن نستجيب سريعا لطلب قبول من دولة صديقة للاتحاد الأوروبي." وقالت نيكولا ستيرجن رئيسة وزراء اسكتلندا إن اسكتلندا ستفعل كل ما بوسعها للبقاء في الاتحاد الأوروبي بما في ذلك إمكانية إعاقة تشريع بشأن خروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية.

من جانب اخر أكد استطلاع للرأي، أن غالبية الإسكتلنديين يؤيدون الانفصال عن بريطانيا بنسبة 52 بالمئة. وجاءت نتيجة الاستطلاع على خلفية استفتاء بريطانيا الذي أسفر عن تأييد غالبية مواطنيها خيار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، فيما أظهر الاستفتاء ذاته أن غالبية الإسكتلنديين يؤيدون البقاء ضمن الأسرة الأوروبية. وأجرى الاستطلاع معهد "بانيلبيس" على عينة تمثيلية قوامها 620 شخصا وقد أظهر أن 52% من الناخبين الإسكتلنديين أصبحوا يريدون استقلال مقاطعتهم عن المملكة المتحدة في حين يعارض 48% منهم الانفصال. بحسب رويترز.

على صعيد متصل قالت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجن إن حكومة اسكتلندا ستبدأ مساع للحفاظ على عضوية الاتحاد الأوروبي وتعد لتقديم تشريع يسمح بإجراء استفتاء ثان على الاستقلال عن بريطانيا بعد تصويت البريطانيين بالخروج من الاتحاد. وقالت ستيرجن للصحفيين "نحن عازمون على التصرف بشكل حاسم وبطريقة توحد الصفوف في أنحاء اسكتلندا" وأضافت أن ذلك قد يشمل تصويتا على انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة. ويقول الحزب القومي الاسكتلندي إن النتيجة قد تكون مبررا لإجراء استفتاء ثان على الاستقلال لأن الاسكتلنديين اختاروا البقاء في المملكة المتحدة لأنهم اعتقدوا أنها الطريقة الوحيدة لضمان البقاء في الاتحاد الأوروبي.

من جانبه افترض رئيس قسم مركز بروكسل للدراسات بيتر كليبي، أن تنتهي الخلافات بين أدنبرة ولندن عندما تتفق بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي على بقاء السوق مفتوحة للطرفين قدر الإمكان. "وهذا سيكون حجة ضد إجراء استفتاء جديد بشأن استقلال اسكتلندا". وأضاف أن "المفاوضات ستكون طويلة وتستمر حتى سبع سنوات، وخلال هذه الفترة لا يستبعد تغير رأي المجتمع الاسكتلندي".

اضف تعليق