q
بعد دخول العقوبات التي أعيد فرضها على إيران من قبل ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب بعد انسحابه من الاتفاق النووي الذي أبرم في أيار عام 2015 حيز التنفيذ، دخلت ايران مرحلة جديدة يصفها البعض بانها مرحلة حرجة، فالإجراءات العقابية المتشددة التي اتخذتها امريكا ستكون لها آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد الايراني المتضرر اصلاً جراء العقوبات السابقة...

بعد دخول العقوبات التي أعيد فرضها على إيران من قبل ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب بعد انسحابه من الاتفاق النووي الذي أبرم في أيار عام 2015 حيز التنفيذ، دخلت ايران مرحلة جديدة يصفها البعض بانها مرحلة حرجة، فالإجراءات العقابية المتشددة التي اتخذتها امريكا ستكون لها آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد الايراني المتضرر اصلاً جراء العقوبات السابقة، كما ان هذه العقوبات ستكون وبحسب بعض المراقبين، سببا في خلق صراع داخلي بين القوى السياسية المتنافسة داخل ايران كما انه قد يسهم في اشعال غضب الشارع الايراني وهو ما تسعى اليه امريكا.

وفي مواجهة العقوبات دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني الإيرانيين إلى التوحد، معتبرا عرض الرئيس الأميركي اتفاقا نوويا جديدا على إيران محاولة لشق الصف الإيراني. رافضا إجراء أي مفاوضات طالما لم تعد واشنطن ملتزمة باتفاق النووي. وقال، بحسب تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) إن دعوة ترامب للحوار دون شروط مسبقة مع طهران هدفها إما “الاستهلاك المحلي” أو “شن حرب نفسية على الشعب الإيراني”.

ربما التفكير الشاغل لرؤية الحكومة الايرانية هو السيطرة على الوضع الداخلي الذي ربما يصل الى ذروته بعد انخفاض عملتها مقابل الدولار. والهلع الذي سيصيب معدل الدخل للمواطن الايراني مما يؤدي غالبا الى اعمال الشعب والاحتجاجات على السياسة الايرانية. هذه الاجراءات دفعت السلطات الايرانية الى اتخاذ قرارات جديدة وحازمة في سبيل تأمين وضعها الداخلي.

وستستهدف عقوبات أغسطس/ آب الحالي قطاع السيارات الإيراني وتجارة الذهب والمعادن، وستمنع البلاد من الحصول على الحديد والألمنيوم اللازمين لصناعاتها. لكن العقوبات المقبلة في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني ستكون أشدّ وأقوى، إذ ستضع قطاع الطاقة في مرماها، وستسعى إلى تقليص صادرات النفط الإيراني، وستوقف التعامل مع البنك المركزي، وهو ما من شأنه إرباك الاقتصاد كثيراً.

من جانب اخر يجد شركاء واشنطن، في الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 مع طهران، وحلفاؤها الأوروبيون أنفسهم في موقف حرج، فهم لا يريدون معاداة الولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته يسعون لحفظ مصالحهم مع النظام الإيراني. وأعادت واشنطن فرض العقوبات على إيران، في أعقاب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب مايو الماضي، التخلي عن الاتفاق النووي، في تحرك عارضته باقي الأطراف الموقعة على الاتفاق.

وفي بيان مشترك وقعه وزراء خارجية كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني "نأسف لإعادة فرض العقوبات الأميركية". وأطلقت المفوضية في مايو الماضي كما نقلت بعض المصادر عملية معروفة بـ"قانون التعطيل"، من أجل الحد من تأثير العقوبات الأميركية على الشركات الأوروبية التي تريد الاستثمار في إيران، بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق.

وأقر هذا التشريع الأوروبي عام 1996 للالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على كوبا وليبيا وإيران، ويسمح بحماية الشركات الأوروبية من العقوبات التي يتخذها بلد ثالث. وهذا القانون يحظر على المؤسسات الأوروبية الامتثال للعقوبات الأميركية، تحت طائلة التعرض لعقوبات يحددها كل بلد عضو، كما يسمح لهذه المؤسسات بالحصول على تعويضات لأي ضرر ينجم عن هذه العقوبات من الشخص المعنوي أو المادي المسبب له.

لا حرب ولا تفاوض

وفي هذا الشأن أعلن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي أنه لن يكون هناك حرب ولا تفاوض مع الولايات المتحدة فيما اعتبر أن مشكلات بلاده ناجمة عن سوء الإدارة أكثر من العقوبات الأميركية. وتزامنت تصريحاته مع كشف وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي عن الجيل الجديد من صاروخ "فاتح مبين" البالستي قصير المدى.

وتفاقم تصريحات خامنئي الضغوطات على الرئيس حسن روحاني عقب انهيار العملة المحلية وانتشار التظاهرات والإضرابات احتجاجا على الغلاء والفساد. وتقلص كذلك أي أمل بعودة المحادثات مع واشنطن عقب انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي التاريخي الذي أبرم في 2015 وإعادته فرض العقوبات على طهران.

وقال خامنئي عبر صفحته الرسمية في موقع "تويتر" "يتحدث مسؤولون أميركيون بشكل سافر مؤخرا عنا. إلى جانب العقوبات، يتحدثون عن حرب ومفاوضات"، مضيفا "دعوني أقول بضع كلمات للشعب بهذا الصدد: لن يكون هناك حرب ولن نتفاوض مع الولايات المتحدة". وفي هذه الأثناء، استعرضت الجمهورية الإسلامية قوتها فكشف وزير الدفاع عن الجيل الجديد من صاروخ بالستي قصير المدى أطلق عليه "فاتح مبين" متعهدا بأن تعزز بلاده قدراتها الدفاعية.

وأفادت هيئة إذاعة وتلفزيون "ايريب" الرسمية أن الصاروخ "نجح في الاختبارات" وبإمكانه ضرب أهداف برية وبحرية. ولم تحدد طهران مدى الصاروخ الجديد لكن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة أشار إلى أن مدى نسخه السابقة بلغ ما بين 200 و300 كلم.

ورغم تجدد العقوبات الأميركية، إلا أن العديد من الإيرانيين -- بينهم شخصيات عدة من أعلى المستويات في النظام الحاكم -- يعتبرون أن واشنطن فاقمت فحسب المشكلات القائمة أصلا في إيران. وقال خامنئي في تصريحات أخرى نشرت على "تويتر" إن "مشكلات اليوم المعيشية لا تأتي من الخارج بل هي داخلية"، مضيفا "لا يعني ذلك أن لا تأثير للعقوبات، لكن العامل الرئيسي يكمن في كيفية تعاطينا معها".

وعكست تصريحاته الانتقادات التي يواجهها روحاني بشأن أسلوب إدارته للاقتصاد من رجال دين بارزين وكبار الشخصيات في الحرس الثوري. وتركز القلق تحديدا على انهيار الريال الذي فقد نحو نصف قيمته منذ نيسان/ابريل. وفي وقت سابق دعا قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري الرئيس الإيراني إلى القيام "بتحركات ثورية للسيطرة على الأسعار ومنع الزيادة الكبيرة في أسعار العملات الأجنبية والذهب"، وفق رسالة مفتوحة نشرتها وكالة "تسنيم" الإخبارية المحافظة.

لكن خامنئي انتقد المحافظين الذين دعوا إلى استقالة روحاني قائلا إنهم "يقعون في شرك العدو" دون قصد. وأضاف "على الحكومة البقاء في السلطة وأداء مهامها بشكل قوي لحل المشكلات". وشملت استراتيجية السلطات الإيرانية بشكل جزئي محاولة التحرك ضد الفساد المتأصل في إيران والذي وصفه خامنئي في الماضي بأنه "تنين بسبعة رؤوس".

ومع تآكل الاتفاق النووي، يجد روحاني نفسه في موقف ضعيف بعد خمس سنوات في السلطة في وقت تنهال عليه الضغوط من كل صوب. ورغم تعهد باقي الأطراف الموقعة على الاتفاق (بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا) بمواجهة العقوبات الأميركية، إلا أن العديد من الشركات الأجنبية بدأت بالتخلي عن مشاريع في إيران خشية العقوبات. ويتوقع كذلك حدوث انخفاض كبير في مبيعات النفط عندما تعيد الولايات المتحدة تطبيق المرحلة الثانية من العقوبات في تشرين الثاني/نوفمبر حيث يتوقع بعض المحللين تراجع مبيعات النفط الإيراني بنحو 700 ألف برميل يوميا من مستوياتها الحالية التي تقارب 2,3 ملايين برميل يوميا.

وأعلنت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية "إرنا" أن إيران خفّضت أسعار مبيعاتها من النفط والغاز لعملاء آسيويين في محاولة للمحافظة على المبيعات. وجاءت تصريحات خامنئي عبر "تويتر" في أعقاب خطاب ألقاه في طهران وصف خلاله عرض ترامب لاجراء محادثات بأنه "لعبة خطيرة" وبأن إدارته عبارة عن "نظام ترهيب محتال". وأضاف "حتى ولو تفاوضنا مع الولايات المتحدة، مع استحالة ذلك، لن يحدث الأمر مع الإدارة الحالية".

حملة ضد الفساد

الى جانب ذلك أعلن القضاء الإيراني الأحد أن 67 شخصا قد اعتقلوا خلال الأسابيع الماضية في إطار حملة ضد الفساد أقرها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي. ومنع أكثر من 100 موظف حكومي من مغادرة البلد، بحسب ما نقلت وكالة ميزان للأنباء المرتبطة بالقضاء عن المتحدث غلام حسين محسني إيجي.

وأضاف المتحدث "لقد قررت عدوتنا أمريكا ممارسة الضغوط على شعبنا وتنوي وضع اقتصادنا تحت الضغط، ولكن بدون جدوى". وقال إن "هناك أفراد يحاولون انتهاز هذه الفرصة وتخزين سلع أساسية وزيادة الضغوط على الشعب من خلال تخزين السلع وتهريبها". وكان خامنئي قد صادق على طلب من رئيس القضاء صادق لاريجاني بإنشاء محاكم ثورية خاصة لمحاكمة المتهمين في جرائم اقتصادية. وكتب خامنئي في رد نشر على موقعه على الإنترنت "الهدف هو معاقبة المدانين بالفساد الاقتصادي بسرعة وبشكل منصف". بحسب فرانس برس.

وأدت زيادة الضغوط الأمريكية والانسحاب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 وإعادة فرض العقوبات الأمريكية، إلى تزايد الغضب الشعبي بسبب سوء الإدارة والفساد في الاقتصاد. وفي وقت سابق من هذا الشهر، تمت إقالة محافظ البنك المركزي ونائبه المسؤول عن قسم العملات الأجنبية.

قرارات جديدة

في السياق ذاته أعلن المرشد الأعلى في إيران توقفه عن استخدام تطبيق تلغرام، وذلك "صونا للمصلحة القومية"، وفق ما كتب في آخر رسالة نشرها على هذا التطبيق. وقالت آخر رسالة نشرها مرشد الجمهورية الإسلامية على تلغرام "صونا للمصلحة القومية ولكسر احتكار خدمة الرسائل تلغرام، يوقف الموقع الإلكتروني لحفظ ونشر أعمال آية الله العظمى خامنئي، نشاطاته على خدمة الرسائل هذه اعتبارا من الآن".

وتضيف آخر رسالة للمرشد الأعلى أن "هذا الإجراء الذي اتخذ قبل أن يبدأ البرنامج الرسمي الذي يقضي بوقف استخدام تلغرام، يهدف إلى دعم خدمات التراسل الوطنية". ويقوم حساب خامنئي بتحويل المستخدم إلى حسابات أخرى على تطبيقات إيرانية مثل سوروش وغاب اللذين تحاول السلطات الترويج لهما.

بدوره، أعلن الرئيس حسن روحاني تخليه عن حسابه على تلغرام، كما نشرت الرئاسة الإيرانية توجيهات تمنع كافة الأجهزة الحكومية والإدارات من استخدام تطبيقات تراسل أجنبية في اتصالاتها الخارجية، بحسب وكالة إيرنا الرسمية. وأوردت إيرنا أن النائب الأول للرئيس إسحق جهانغري والمتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي علقا بدورهما حسابيهما على تلغرام اقتداء بالمرشد. بحسب فرانس برس.

ويأتي ذلك وسط شائعات عن وقف وشيك لكل خدمات التراسل الأجنبية وعلى رأسها تلغرام الشبكة التي تقول إنها تضم أربعين مليون مستخدم في إيران. ويستخدم موقعا فيس بوك وتويتر بدرجة أقل في إيران. وهما محجوبان لكن يمكن الوصول إليهما عبر الشبكة الافتراضية الخاصة (في بي إن). وفي الأشهر الأخيرة تم تطوير عدة منصات شبيهة بتلغرام. وتقول "سوروش" إن لديها خمسة ملايين مشترك و"غاب" أكثر من 1,3 مليون. وتؤكد السلطات أن هذه الشبكات تقدم ضمانات السرية نفسها التي تؤمنها الشبكات الأجنبية.

اضف تعليق