كل هذا الاندفاع للدخول في الإسلام سابقا ولاحقا، حدث بسبب ذلك التأثير الكبير للمنهج النبوي في حياة الناس، لذا من الأهمية بمكان أن يطلع المسلمون، والآخرون على سيرة النبي محمد (ص)، لكي يطّلعوا على مئات النماذج والحالات الإنسانية التي لو أنها ضُمَّت جميع وقُدِّت للبشر، لاتخذها الناس سبيلا لدخول الإسلام...

(عكَسَ النبي صلّى الله عليه وآله الصورة المثلى لأمثل دولة في الوجود)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

المسلمون كلَّهم وغير المسلمين يعرفون أن النبي محمد صلى الله عليه وآله، يتميز بشخصية مؤثرة كونها نموذجية من حيث طرائق التفكير، وكذا صور السلوك المختلفة، وقد تمكن من اعتلاء عرش الأخلاق عندما وصفه خلق الكون (وإنك لعلى خلق عظيم)، والمعروف عن أية شخصية إذا امتلك الأخلاق النموذجية، فإنها تمتلك جميع الصفات والسمات والملَكات التي تضعه في أعلى سلالم التميّز والتأثير.

وفي البعثة النبوية الكريمة، جاء الرسول صلى الله عليه وآله، بمجموعة من السنن والأحكام التي نظم من خلالها أنشطة المجتمع، ومصالح الأمة، وأوجب أن تكون أفعالهم وأعمالهم وكلامهم في إطار تلك السنن والقواعد، بحيث تمكن صلى الله عليه وآله في غضون عقدين من الزمن، أن يبني مجتمعا تفوّق على المجتمعات الأخرى ودولة فاقت الدول الأخرى.

كيف حدث كل هذا؟

حدث هذا التفوق العظيم من خلال الشخصية الأثيرة المؤثرة التي امتلكها رسول الله صلى الله عليه وآله، فانعكست هذه الشخصية المثلى على واقع المسلمين لتبني شخصية مسلمة متطورة في جوانب الحياة كافة، ودولة عدّها الآخرون من أعظم فقدّمت الصورة المثلى لأمثل دولة في الوجود، وهذا امر محسوم اعتمادا على العلاقة بين الأصل والمنسوخ منه.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يؤكّد في كتابه القيّم الموسوم بـ (نفحات الهداية) على:

(ان السنّة أو النظام والأحكام والقوانين التي قرّرها نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله للمسلمين، مثلها مثل الذي أقرَّها نفسه صلى الله عليه وآله؛ فهي أفضل وأكمل القوانين والأحكام، ويجب أن تكون كذلك؛ أي يجب أن يكون هناك تناسب من حيث الأصل والنسخية، وهذا أمرٌ حاصل).

بناء دولة الإسلام المتميزة

ولكن لابد لمن يبحث في تاريخ الأمة الإسلامية، لاسيما في البدايات، عليه أن يعتمد البحث الصحيح والتقصّي الذي يعتمد على الأسانيد الدقيقة، فالرسول صلى الله عليه وآله، عندما أعلن الرسالة النبوية في مكة وقضى في هذا المكان أكثر من عقد (قرابة 13 سنة)، لم تكن قضية تطبيق السياسة النبوية تخرج بشكل معلَن.

وهذا يتضح من خلال ملاحظة أن معظم أقول الرسول صلى الله عليه وآله لم يتم تطبيقها بالشكل العملي، والسبب في ذلك يعود إلى أن الأمور لم تكن مهيَّأة للإعلان والتطبيق، بل كان نشر الرسالة يتم بطريقة سرية، ولم تكون هناك إمكانية أو خيارات تتيح فرصة العمل التطبيقي المعلَن، لكن هذا الحال تغيّر بشكل تام عندما هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(بيد أنه طيلة حضور نبي الإسلام صلى الله عليه وآله في مكة - بعد البعثة الشريفة - لم تخرج برامجه وتعاليمه وسياسته إلى العلن؛ فأكثر أقواله لم تُطَّبَق عملياً، لأنّ أرضية التطبيق لم تكن مهيَّأة بعد، ولم تتوافر بيده صلى الله عليه وآله حيال ذلك خيارات أُخرى؛ لكي يتسنّى معرفة نوع تعامله صلّى الله عليه وآله مع الناس، سواء في الحرب أو السلم، مع أنصاره أو مع أعدائه؟).

وحين وصل المهاجرون من المسلمين وانتقلوا من مكة إلى المدينة، التحق بهم النبي صلى الله عليه وآله، وفي مكانهم الجديد (المدينة) تغيّر كل شيء وبات الأجواء أفضل بكثير وصار العمل العلني التطبيقي متاحا للمسلمين، وبدأت على الفور خطوة بناء دولة المسلمين المتميزة، وخصوصا بعد أن زال الحصار القاسي الذي ضربته قريش على المسلمين ونبيّهم.

وحينئذ بدأ بنود الشريعة السمحاء تظهر إلى العلن، ويتم تطبيقها على واقع المسلمين، وبدأت تأثيراتها تنجلي في حياتهم وتنعكس عليهم بشكل مباشر، وكان للسنّة النبوية حضورها الفاعل الذي غير من واقع المسلمين بشكل تام وكبير، فصاروا يتحلون بشخصية إسلامية نموذجية، ضاهت أعظم الدول والشخصيات المجتمعية آنذاك، وقد انعكس ذلك على بناء الدولة الأكثر نموذجية في الوجود كله.

حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:  

(حتّى اتضح جميع ذلك في المدينة، حين شرع صلّى الله عليه وآله في بناء نواة الدولة الإسلامية المباركة، وزال طوق الحصار عنه وعن المسلمين، عندها سرتْ في الأُمّة الإسلامية عافية الشريعة السمحاء والسنّة المطهّرة بأحلى صورها وأصدق معانيها، فعكس بذلك صلّى الله عليه وآله الصورة المثلى لأمثل دولة في الوجود).

المنهج النبوي وبناء الدولة الأمثل

ونتيجة لتطبيق أحكام الشريعة ونشر المنظومة الأخلاقية المغايِرة للعادات والأعراف السيئة نهضت الأمة الإسلامية، وشرع المسلمون في بناء دولتهم العظمى، وهذا يثبت بما لا يقبل الشك، بأن منهج الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، والذي صار أيضا منهجا لأمير المؤمنين علي عليه السلام، هو منهج البناء الصالح والمتين للأمة وللدولة.

ولو أن هذا المنهج الذي تم تطبيقه في المدينة في مجالات السياسة والاقتصاد وحتى الحرب، لو أنه يُتاح لأمم ودول أخرى، لنجحوا في بناء دولهم ومجتمعاتهم نجاحا منقطع النظير، ولدخلوا جميعا (أفواجا أفواجا) في الإسلام، وهذا ما يدعونا بالأخص نحن المسلمين إلى تطبيق المنهج النبوي في مجالات حياتنا وأعمالنا كافة، حتى يتحقق لنا النجاح المنشود.

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يقول:  

(إذا ما طُبّق، اليوم أو أيّ يوم آخر، منهج النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، في بيوتنا، ومحالِّ عملنا، وفي شركاتنا وبلداننا، لتحقّق ما تحقق في العالم قبل ألف وأربعمائة عام، وهو تأويل قول الله عز وجل: ﴿ورأيتَ الناس يدخلون في دين الله أفواجا﴾، وسترون أن ملايين الناس سيدخلون في الإسلام.)

كل هذا الاندفاع للدخول في الإسلام سابقا ولاحقا، حدث بسبب ذلك التأثير الكبير للمنهج النبوي في حياة الناس، لذا من الأهمية بمكان أن يطلع المسلمون، والآخرون على سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله، لكي يطّلعوا على مئات النماذج والحالات الإنسانية التي لو أنها ضُمَّت جميع وقُدِّت للبشر، لاتخذها الناس سبيلا لدخول الإسلام.

ولكان سببا في تحسين حياتهم، وتطوير مجتمعاتهم، وتعظيم دولهم، وهذا ما يؤدي بكل إنسان بغض النظر عن طبيعة انتمائه الديني أو العرقي أو الجغرافي، أن ينتمي للإسلام من دون أدنى تردد، لأن طبيعة الإنسان نفسها تدفعه كي يختار الأفضل والأمثل.

حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(اقرأوا سيرة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، لتلحظوا المئات من النماذج، التي لو جُمعت وضُمّت بعضها إلى بعض، فإن أي شخص غير مسلم، حتى لو كان متعصّباً - ما لم يكن معانداً- سيتأثّر بها، ويعتنق الإسلام).

وهكذا يتضح لنا بأن الشخصية النموذجية وصفاتها وملَكاتها، وحكمتها في القيادة والتفكير والسلوك الإنساني النموذجي، سيكون لها تأثيرها الهائل في بناء الأمم والشعوب والدول في نفس الوقت، لهذا فإن المسلمين قبل غيرهم مطالبون بقراءة سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، والسعي لقطف ثمار هذه الشخصية، وتحويل ذلك إلى معطيات ملموسة، حتى يستثمر المسلمون المنهج النبوي في بناء الدولة الأفضل والأمثل.

اضف تعليق