q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

الحاكم الناجح والحكومة الصالحة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

إذًا هناك فرصة أمام السياسيين كي تتشكل حكومة نموذجية في العراق (الذي نظَّم في وقت قريب انتخابات المجالس المحلية) عبر عمليات الاقتراع الحر المكفولة دستوريا، لذا فهذه فرصة إضافية لكي تتشكل في العراق حكومات تستفيد من أخطائها الماضية، وتستفيد أيضا من الإرث التاريخي الإسلامي الناجح في المجال السياسي وإدارة الدولة...

(اليوم يمكن ممارسة الحكم بالأخلاق وبالمداراة بشكل أفضل)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

ينتظر العراقيون والمسلمون كافة، ذلك اليوم الذي تتشكل فيه حكومات مخلصة لهم، تأخذ نموذجها من تلكما الحكومتين الاسلاميتين العظيمتين للرسول صلى الله عليه وآله، والإمام علي عليه السلام، فالعراق اليوم بحاجة كبيرة إلى حاكم مؤمن تتجسد فيه صفات قادة المسلمين العِظام، يأتي لينهض بالعقول والنفوس والأجساد، وتُبنى دولة العدل والإنصاف والقيم التي سار عليها ونشرها وطبقها ودعا إليها أهل البيت عليهم السلام.

نقول إن الناس لا زالوا ينتظرون الحاكم العادل، والحكومات المنصفة،. بعد أن انحرف مسار الحكم الإسلامي في مسارات مختلفة غير سليمة، لا تمت بأية صلة إلى ذلك الإرث الحكومي العادل والمنصف الذي وجدناه في سيرة حكومة الإمام علي عليه السلام وفي تفاصيلها، وكيف تعامل مع السلطة وامتيازاتها ومع معارضيه، وكيف دخل الرئاسة بثوب خشن قديم وخرج منها بنفس الثوب، بل خرج من السلطة مديونا للآخرين.

على خلاف حكام المسلمين اليوم، حيث يأتون للسلطة (حفاة) ويخرجون منها ومعهم المليارات ليس لهم وحدهم وإنما تُسجّ َل بأسماء أبناءهم وأقاربهم، بالوقت الذي يُحرَم فيه الناس الفقراء من حقوقهم العادلة في هذه الثروات، فتتكون صورة بائسة عن هذه الحكومات وقادتها، حيث يغيب النموذج الحكومي العظيم في تطبيقاتها.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في الكتاب القيّم الموسوم (من عبق المرجعية):

(الأسلوب العادل في الحكم والراقي والباعث على الفخر، قد غيّره الحكّام من بعد مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله ومن بعد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وحوّلوه إلى عار كبير، وكلّنا نشهد ذلك).

إن ما يؤكّد فشل حكومات المسلمين، انتشار الفقر في معظم الدول الإسلامية، وتوسع الطبقية، وازدياد التفاوت الطبقي، وكثرة الفقراء، وتراكم الثروة بأيدي الأقلية، وهذا وحده دليل قاطع على أن حكام اليوم وحكوماتهم غادروا منهج الرسول صلى الله عليه وآله، ولم يتخذوا من حكومة الإمام علي (عليه السلام) وسياساته نموذجا لإدارة الدولة.

لهذا فإنهم وحكوماتهم فشلوا فشلا ذريعا في تحقيق العدل والانصاف فيما بين المسلمين، وانتشر الفقر بنسب عالية لدرجة أنه بلغ في إحدى الدول 80% من تعداد الشعب، وهذا يدل بلا أدنى شك بأن حكومة هذه الدولة ومثيلاتها لا علاقة لها بالقيم والضوابط والأحكام الإسلامية التي نظّمت العلاقة بين الحاكم والمحكوم تنظيما منصفا ودقيقا.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(ان أرقام إحصائيات الفقر في الدول الإسلامية هي أكثر من الدول غير الإسلامية، فالجوعى في الدول الإسلامية هم أكثر من الدول غير الإسلامية، فقد قرأت إحصائية في جريدة إحدى الدول الإسلامية أن ثمانين بالمائة من شعبها يعيشون تحت خطّ الفقر هذه الحالة المزرية الموجودة في الدول الإسلامية، يقيناً وقطعاً، ليست من الإسلام ولا من القرآن ولا من عمل ولا من سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله، بل هي بعيدة عن ذلك كلّه).

هدر أموال وحقوق الفقراء

وما يثبت غياب العدالة واضمحلال الإنصاف وضمور القيم والأحكام في تطبيقات حكام الدول الإسلامية، أنهم عندما يموت أحدهم (سواء كان وزيرا أو رئيسا أو حتى لو كان موظفا ذا منصب حساس)، فإنه يترك لذويه ثروات كبيرة يتنعمون بها، ويبذخون على حساب أكثرية فقيرة وجائعة من الشعب، فهل يجوز هذا في دولة تنتمي للإسلام؟

الجواب لا يمكن لمثل هذا السلوك أن يتشابه مع النموذج الحكومي للرسول صلى الله عليه وآله ولا لحكومة الإمام علي عليه السلام، في حين يجب على جميع قادة المسلمين وحكوماتهم أن تسير في ضوء ونهج هاتين الحكومتين، كي تنصفا الناس وتحكمانهم بالعدل والإنصاف وبالقيم التي ترسخت في أفضل حكومتين في تاريخ المسلمين.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(اليوم، عندما يُعزل أو يموت فلان الوزير، أو فلان الرئيس وأمثالهما من حكّام الدول الإسلامية، تراه يخلّف أرقاماً خيالية في الثروات، وهي ثروات نهبها من ثروات الشعوب المستضعفة المسلمة. هذا الإسلام قطعاً هو ليس الإسلام الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وآله وطبّقه هو والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ودعيا الناس إليه).

لا يتوقف تصرّف الحكام على انتهاك حقوق الناس في توزيع الثروات، وإنما يتعدى ذلك إلى التجاوز على حقوقهم السياسية، وقمعهم بشتى الوسائل وملاحقتهم ومضايقتهم وزجهم في السجون، مما أدى ذلك إلى فرار أو هجرة الكثير ممن تعرضوا لانتهاكات حرية التعربير أو حرية الرأي.

مع العلم أن منهج الإسلام هو أن يُجار حتى الكافر، وأن لا يُلاحَق أو يُطارَد، فالاسم والحاكم الإسلامي يجب أن يكفل له حقوقه وحرياته وفق ضوابط وأعراف وقوانين وأحكام تم العمل في تنظيم شؤون المجتمع، فلمْ يلتجئ أيٌ من المشركين في عهد الرسول أو عهد الإمام علي بسبب مضايقات سياسية أو قمعية على الرأي المختلف.

وهذا ما يشير إليه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:

(بسبب التصرّف السيئ للحكّام خرج الكثير والكثير من المسلمين من بلادهم ولجأوا إلى الدول غير الإسلامية، وهذا الأمر هو بخلاف تعاليم الإسلام، لأن القرآن الكريم أمر المسلم بأن يجير الكافر، حيث خاطب النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ). هل رأيتم أن أحداً من المشركين أو من غير المسلمين قد التجأ إلى إحدى الدول الإسلامية؟ ولكن بالعكس نرى أن الملايين من المسلمين من الدول الإسلامية، فرّوا من جور حكّامهم، والتجأوا إلى الغرب).

أهمية الكفاءة الإدارية للحكومات

ليس القمع وحده ولا سوء التصرّف ولا التجاوز على الثروات وحدها هي السبب فيما لحق بالمسلمين، بل هنا ما هو أسوأ من ذلك، فلا تمتلك حكومات المسلمين الكفاءة الإدارية المطلوبة لإنجاز الاحتياجات الأساسية للناس، وهذا بحد ذاته جرّ المجتمع الإسلامي إلى مصير لا يُحسَد عليه، والسبب دائما حكام فاشلون وحكومات عاجزة إداريا وكفاءةً.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(إنّ عدم وجود الكفاءة السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية للحكّام المسلمين من بعد استشهاد الرسول الأكرم والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما، جرّت المجتمع الإسلامي إلى الابتلاء بمصير مشؤوم).

وحين نطالب الحكام بمراعاة الناس، واعتماد اللين معهم، وإبعاد سياسات العنف والتهميش، والقمع والمفاضلة على أساس الانتماء الحزبي والمحسوبية والواسطة وغير ذلك، وحين نطالب بأسلوب المداراة، يتحجج هؤلاء الحكام بأن إدارة الناس غير ممكنة بهذا الأسلوب، ولكن لدينا النموذج التاريخي الإسلامي الأفضل، وهو يتجسد حكومية إسلامية سبق ذكرها.

حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(البعض يدّعي ويقول بأنه لا يمكن الحكم بالأخلاق وبالمداراة، فنقول لهم: ألم يكن هكذا رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه).

على العكس من ذلك، ففي ظل الظروف الحالية، حيث الانفتاح وتوسع إدراك الناس، وفهمهم لما يدور حولهم، واطلاعهم على الأمور المختلفة عبر مصادر الإعلام والتوصيل الإلكترونية المختلفة، جعلت من الناس أكثر فهما واستيعابا للأمور، لذا فإن أسلوب المداراة واللين يعالج اليوم شؤون الناس أفضل بكثير عليه كانوا عليه في السابق.

حيث يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي دام ظله حين يقول:

(اليوم يمكن ممارسة الحكم بالأخلاق وبالمداراة بشكل أفضل، لأن الأجواء اليوم مفتوحة ومعرفة الناس ورؤيتهم للأمور وأسلوب تفكيرهم قد تغيّر ولم يعد كالسابق).

إذًا هناك فرصة أمام السياسيين كي تتشكل حكومة نموذجية في العراق (الذي نظَّم في وقت قريب انتخابات المجالس المحلية) عبر عمليات الاقتراع الحر المكفولة دستوريا، لذا فهذه فرصة إضافية لكي تتشكل في العراق حكومات تستفيد من أخطائها الماضية، وتستفيد أيضا من الإرث التاريخي الإسلامي الناجح في المجال السياسي وإدارة الدولة، وهذا ما هو مطلوب في الدول الإسلامية لكي تتجاوز أخطاء الحكم الفردي الأحادي.

اضف تعليق