q
لعل تحرير الاقتصاد الوطني من هيمنة النقط كمصدر وحيد للدخل، ودعم القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي من أبرز المهمات الاقتصادية ذات الأبعاد الاستراتيجية. الأمر الذي يدعونا إلى معالجة هذه المسألة بجدية، وفي ضوء حاجات الاقتصاد الوطني، والاستفادة من التجارب الناجحة في البلدان، التي مرّت بظروف مماثلة، وحققت قفزات نوعية مُميزة، وبأوقات مُحددة...

يحظى الشأن الاقتصادي هذه الأيام باهتمام واسع، من قبل مختلف الأوساط السياسية والاقتصادية، وقد انعكس هذا الاهتمام من خلال الفعاليات والمؤتمرات، التي تعقد لهذا الغرض، ومن خلال المبادرات والأفكار التي تطرح من هذا الطرف أو ذاك، ومنها استراتيجية دعم وتطوير القطاع الخاص، لتنمية الاقتصاد الوطني.

ولعل أبرز مضامين هذه الستراتيجية، هو تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتحسين بيئة العمل، ومنح امتيازات للقطاع الخاص، إضافة إلى تحسين البنى التحتية، وتطور النظام المصرفي، ودعم مختلف القطاعات الاقتصادية، وفي مقدمتها القطاعان الزراعي والصناعي، وتهدف هذه الستراتيجية بالمحصلة إلى مضاعفة واردات البلاد، بدلاً من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل.

وعلى الرغم من اعتماد هذه المفاهيم كفقرة ثابتة في البرامج الحكومية للحكومات المتعاقبة، إلا أن تطبيقها على أرض الواقع لم يتحقق، وكان يصطدم بالكثير من العقبات والمعوقات.

وفي كل الأحوال هناك بديهيات علينا الوقوف أمامها، عندما يتم الحديث والخوض في هذا الجانب الحيوي، فعند النظر إلى اقتصاد أي بلد لا بدَّ من أخذ بعض هذه المُسلمات بنظر الاعتبار، وفي المقدمة منها الثوابت والأسس، التي يعتمد عليها هذا الاقتصاد، فمعرفة تلك الأسس تعني تحديد معالم وطبيعة الحياة الاقتصادية لأي بلد.

وعندما نحاول أن ننطلق من تلك المفاهيم إلى طبيعة الاقتصاد العراقي والمرتكزات، التي يعتمدها في تكوينه، والتي يمكن من خلالها فهم طبيعة ونوعية هذا الاقتصاد، واذا جاز لنا أن نصنف الاقتصاد العراقي ضمن التصانيف المعتمدة في علم الاقتصاد، فإن أقرب تلك التصانيف التي يمكن ان يوصف بها العراق كمفهوم اقتصادي وجغرافي بأنه ذو اقتصاد متكامل.

وهنا نحن لا نقيس على الحالة الآنية التي يمر بها الاقتصاد العراقي، والذي يوصف عادةً بالاقتصاد الريعي، للظروف المعروفة التي أوصلت البلاد إلى هذه المرحلة.

وبطبيعة الحال هناك عدة محصلات انتهت إلى هذا التكامل، فجميع الأضلاع التي تؤطر تكاملية الاقتصاد العراقي مكتملة، ولعل العراق من البلدان النادرة التي توفرة فيه المثالية الاقتصادية المفترض توفرها في العملية الاقتصادية، لأي بلدٍ حتى ينال هذه الصفة، وهو ما يصعب على الكثير من البلدان ان تكون فيها هذه التكاملية.

ويمكن أن نعتبر هذه الحالة بأنها لطف رباني انفرد به هذا البلد، كما هو الحال في المجالات الاخرى عن باقي البلدان عبر التاريخ.

فمن تنوع طوبغرافي، إلى آخر بيئي ومناخي، ومن نهرين خالدين غمرت مياهما أديم الرافدين عبر العصور، فكان نشوء الحضارات، وقيام المدن على الضفتين، وجعلتا من العراق بستان قريش، وأرض السواد كما يقولون. إضافة إلى مخزون هائل تحت الأرض، من ذهب أسود، ومعادن لا تقل اهمية عن الذهب الحقيقي. وهذا يعني تنوع وتعدد المصادر الاقتصادية، وبالتالي إثراء هذا الاقتصاد وتمتعه بالحيوية المطلوبة.

اذن هذه هي الحالة الطبيعية للاقتصاد العراقي، فما الذي جعل هذه البلاد تعاني من مشكلات اقتصادية، وهل الاقتصاد العراقي يعاني من أمراض مزمنة، أم هي كبوات يتعرض لها بفعل سياسات خاطئة؟

يشبه البعض حال الاقتصاد العراقي بالفتى الممتلئ حيوية ونشاطا، ولكن يتعرض بين الفينة والأخرى إلى وعكة صحية، نتيجة لإصابته ببعض أمراض البرد كالزكام، ما يلبث أن ينهض من جديد بعد زوال تلك الأعراض، وليس كما هو حال اقتصاديات بعض البلدان، التي تعاني من أمراض مزمنة غير قابلة للشفاء.

إلا أن بالمقابل تعرض الاقتصاد العراقي إلى صدمات عنيفة، والى معضلات اقتصادية كثيرة، بعضها يعود إلى تركة الماضي، تركة الحروب، وحصارات الداخل والخارج، وسوء الإدارة، والبعض الآخر استكمله الإرهاب، والذي حاول تعطيل الحياة الاقتصادية، من خلال استهدف البنى التحية، والمشاريع التي تغذي مقومات الاقتصاد الوطني.

وقد أدت هذه الظروف مجتمعةً إلى تحويل الاقتصاد العراقي من اقتصاد متكامل إلى اقتصاد ريعي، يعتمد على قطاع النفط، كمصدر رئيس لتأمين الايرادات الواردة للبلاد، ما سبب حالة من الاستنزاف المادي، والذي كلف البلاد ثمناً باهظاً للغاية.

إن معالجة جذرية وشاملة للمشكلات الاقتصادية تتطلب رؤية اقتصادية مدروسة، وستراتيجية انمائية فعالة، مستقاة من الخصائص المميزة للواقع الاقتصادي الراهن، ومستندة إلى منهج عملي، يكفل تحديد أولويات صحيحة للبناء الاقتصادي المنشود، ويستهدف تغيير بنية اقتصاد العراقي الأحادي الجانب، من خلال تنويع مصادر الدخل.

ولعل تحرير الاقتصاد الوطني من هيمنة النقط كمصدر وحيد للدخل، ودعم القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي من أبرز المهمات الاقتصادية ذات الأبعاد الاستراتيجية. الأمر الذي يدعونا إلى معالجة هذه المسألة بجدية، وفي ضوء حاجات الاقتصاد الوطني، والاستفادة من التجارب الناجحة في البلدان، التي مرّت بظروف مماثلة، وحققت قفزات نوعية مُميزة، وبأوقات مُحددة.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق