q
يُسابق الأطباء الزمن لتوفير العلاج لـ8500 مُصاب في شمال غرب سوريا، بمعدات طبية لا تزيد على 64 جهازًا للأشعة السينية، و73 جهازًا لغسيل الكلى، و7 أجهزة تصوير مقطعى محوسب، وجهاز واحد للتصوير بالرنين المغناطيسي، أسفر الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر...
بقلم: ميريام ندّاف

يُسابق الأطباء الزمن لتوفير العلاج لـ8500 مُصاب في شمال غرب سوريا، بمعدات طبية لا تزيد على 64 جهازًا للأشعة السينية، و73 جهازًا لغسيل الكلى، و7 أجهزة تصوير مقطعى محوسب، وجهاز واحد للتصوير بالرنين المغناطيسي.

أسفر الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، والذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من فبراير الماضي، عن مصرع 50 ألف شخص وتسوية العديد من مدن البلدين بالأرض. كذلك أودى الزلزال بحياة أكثر من 4500 شخص وتسبب في وقوع إصابات بين 8500 آخرين شمال غرب سوريا، وهي منطقة تفتقر إلى حكومة موحدة، انقطعت أوصالها عن سائر العالم منذ أكثر من 12 عامًا على خلفية حرب مُدمرة. وقد تداعى نظام الرعاية الصحية بها الذي كان متهالكًا من الأصل على أثر الزلزال. فحاليًا، لا توفر منظومة الرعاية الصحية بالمنطقة إلا جهازًا واحدًا فقط للتصوير بالرنين المغناطيسي لـ4.7 مليون شخص. ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تعرض أكثر من عشرة آلاف مبنى لتدمير كلي أو جزئي من أثر الزلزال، وهو ما نتج عنه تشريد أحد عشر ألف شخص. ناهيك عن أن الزلزال دمر أيضًا مستودعات لتخزين الأدوية. وقد أجرت دورية Nature مقابلات صحفية مع أطباء ومهندسين وخبراء على أرض معركة إغاثة المتضررين في شمال غرب سوريا، كما استطلعت وجهات نظر بعض جهات تُقديم المساعدات عن بُعد من أوروبا والشرق الأوسط. ويستعرض هذا التحقيق الإخباري ما أفادت به هذه الجهات في هذا الإطار.

في أعقاب انطلاق شرارة ثورات الربيع العربي في عام 2011، لجأت الحكومة السورية إلى استخدام القوة العسكرية للتصدي لجميع المعارضين. ويشكل من فروا من هجمات القصف بالقنابل التي شنتها حكومة بشار الأسد، التي دعمتها روسيا عسكريًا، حوالي 60% ممن تعرضوا للتشريد من سكان شمال غرب سوريا البالغ عددهم 4.7 مليون نسمة. وتواجه حاليًا الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة صعوبات في تأمين الإمدادات والخبرات اللازمة لمساعدة المناطق المتضررة من الزلزال؛ إذ لا توجد سوى ثلاثة معابر حدودية مؤقتة على امتداد 911 كيلومترًا تمتد لها حدود البلد الواقعة بين سوريا وتركيا (انظر الشكل: معبر حدودي).

حالة طوارئ طبية

تدفقت آلاف الحالات الطبية على مستشفيات المنطقة من أثر الزلزال، وهو ما أربك قدرة هذه المنشآت على علاج هذه الحالات خلال مساعيها لتحقيق ذلك في غمرة محدودية الأسِّرة والإمدادات الطبية والمعدات الجراحية ومرافق الرعاية المركزة.

وقد أفادت منظمة الصحة العالمية بأن المستشفيات المفتوحة حاليًا لاستقبال الحالات، والتي لا يتوفر بها سوى 1245 سرير للإقامات الطبية القصيرة، تحتاج حاليًا إلى استيعاب أكثر من 8500 مصاب. كما تُشير البيانات التي جمعتها المنظمة ونشرتها في نهاية عام 2022، إلى أنه لا يوجد في منطقة شمال غرب سوريا بأكملها سوى 86 جراح عظام و64 جهاز أشعة سينية و7 أجهزة تصوير مقطعي محوسب وجهاز واحد للتصوير بالرنين المغناطيسي. وتقول طبيبة أمراض النساء إكرام حبوش، مديرة مستشفى الولادة العام الوحيد في مدينة إدلب، إن "الوضع الطبي في شمال غرب سوريا كارثي".

أما عبد الكريم إقزيز، اختصاصي علم الأوبئة من جامعة كينجز كوليدج لندن، فيعلق على الوضع قائلًا: "إن مخزون المنطقة من المضادات الحيوية نفد منذ اليوم الثالث" بعد الزلزال. وقد أعرب عن أنه بات في الوقت الحالي متخوفًا من اندلاع حالات عدوى واسعة الانتشار. وفي هذا الصدد، تضيف حبوش: "استهلكنا في غضون يومين أو ثلاثة أيام مخزونًا من الأدوية والأمصال أمكن أن يكفي لمدة تتراوح من أربعة إلى ستة أشهر". وقد شرعت منظمة الصحة العالمية في تدشين عمليات شحن جوي لأدوية وإمدادات طبية إلى المنطقة، لكنها صرحت بأن المنطقة بحاجة أيضًا إلى معدات تشخيص أساسية مثل أجهزة الأشعة السينية.

ويوضح إقزيز، الباحث المُشارك في مشروع تموله المملكة المتحدة يُسمى «أبحاث دعم المنظومة الصحية في سوريا» Research for Health System Strengthening in Syria، أن النقص الحرج في خدمات الرعاية الصحية في المنطقة يعود في جزء منه إلى استهداف المستشفيات والطواقم الطبية خلال الحرب. وفي دراسة منفصلة، أشار إقزيز إلى أن عدد المنشآت الطبية التي تعرضت للهجوم هناك منذ يونيو عام 2021 بلغ 350 منشأة، كما بلغ عدد القتلى من موظفي الرعاية الصحية 930 شخصًا.

ويضيف إقزيز: "يبذل الجميع في كل مكان هنا مساعي حثيثة للوصول إلى أية موارد متاحة، بما في ذلك سيارات الإسعاف العادية". وهو ما تؤكده حبوش، التي عملت في مستشفى ولادة في إدلب عندما دب الزلزال الأول الساعة 01:17 بالتوقيت العالمي، قائلة: "إن الطواقم الطبية هنا تعمل بلا توقف". وأضافت: "لزم إخلاء الحاضنات ونقل جميع الرُضع إلى الطابق الأرضي للمستشفى"، وهذا نظرًا إلى أن المستشفى الذي تعمل به يشغل الطابقين الخامس والسادس من بناية.

ووفقًا لثلاثة أطباء أجرت دورية Nature مقابلات صحفية معهم في شمال غرب سوريا، كانت الإصابات الأكثر شيوعًا هي كسور الأطراف والإصابات الرضحية، والإصابات الانضغاطية، بما في ذلك متلازمة الإصابة الانضغاطية (وهي إصابة تؤدي إلى اختلال وظائف الأعضاء والفشل الكلوي).

ويفيد جواد أبو حطب، طبيب أمراض القلب وعميد كلية الطب في جامعة حلب الحرة شمال غرب سوريا، إن المصابين بمتلازمة الإصابة الانضغاطية يحتاجون إلى إيداعهم غرف عناية مركزة وإلى جلسات غسل كلوي. بيد أن البيانات التي جمعتها منظمة الصحة العالمية تُشير إلى أن عدد أجهزة الغسل الكلوي في تلك المنطقة لا يزيد على 73 جهازًا.

علاوة على ذلك، يوضح أبو حطب أنه "وُجدت أيضًا إصابات بأزمات قلبية بسبب الصدمات والأهوال التي تمخض عنها الزلزال". ومن هنا، يتأهب المجتمع الطبي لمواجهة مزيد من حالات المصابين بصدمات ما بعد الزلزال، خاصة بين الأطفال والنساء.

ويُشدد الأطباء على حاجتهم الماسة إلى مزيد من آلات الغسل الكلوى ومعدات جراحة العظام، فضلًا عن المسكنات والمضادات الحيوية. وهو ما تعلل له حبوش قائلة: "لم تكن هذه اللوازم متاحة بوفرة قبل الزلزال"، مشيرة إلى أنها توشك على النفاد في الوقت الراهن.

تقييم عياني للأضرار

في الوقت الحالي، يتنقل مهندسون متطوعون بين منازل المنطقة التي ضربها الزلزال لمعاينة 8500 مبنى لحقت به أضرار من جراء هذه الهزة الأرضية العاتية، وتحديد المباني الآمنة للسكن. وفي ظل غياب ما يلزمه ذلك من أدوات ومعدات السلامة، يلجأ هؤلاء المتطوعون إلى النقر على الجدران بأدوات منزلية عادية مثل المطارق البسيطة للبت في صلاحية المباني للسكن، أو عدمها، بناءً على معاينة بالعين المجردة.

وهي مهمة مضنية. فمنذ الخامس والعشرين من فبراير الماضي، قُيِّمت الأضرار التي لحقت بحوالي 2644 مبنى، بحسب ما ورد من إحصاءات عن نقابة المهندسين السوريين الأحرار، وهي مجموعة تطوعية من المهندسين تُعني بتنسيق هذه الجهود ومقرها في مدينة أعزاز بالقرب من حلب.

وفي الوقت نفسه، يساعد خبراء من الشتات السوري في إجراء معاينات عبر الإنترنت للمنشآت في أماكن لا يمكن للمهندسين المحليين الوصول إليها، حيث يلتقط سكان المباني المتضررة صورًا ومقاطع فيديو من داخل تلك المباني ويرسلونها إلى متطوعين أعضاء بنقابة المهندسين السوريين في قطر، الكائن مقرها في الدوحة.

حول ذلك، يقول المهندس المدني محمد عزمي توكل، رئيس تلك النقابة: "إن تقييم السلامة الإنشائية للمباني لا يقل إلحاحًا عن تحسين الوضع الطبي، ولا ينبغي الاستهانة به لأن توابع الزلزال لا تزال مستمرة". ويضيف أن الوضع يدفع بسكان شمال غرب سوريا دفعًا إلى استخدام أي ما يمكن أن يتحصلوا عليه من وسائل.

ويحاول المهندسون على الأرض تقييم ما إذا كانت المباني التي لحقت بها أضرار صالحة للسكن (أي آمنة وبها تصدعات طفيفة)، أم غير صالحة للسكن مؤقتًا (أي تحتاج إلى تدعيم)، أم غير آمنة، وفي هذه الحالة الأخيرة يجب على السكان إخلائها على الفور.

جدير بالذكر في هذا الصدد أن المباني المعرضة لخطر الانهيار يجري تدعيمها بأي مواد متاحة، بغض النظر عن كونها مناسبة أم لا. وتعقيبًا على ذلك، في مقابلة صحفية مع دورية Nature، المهندس محمد خير حايك، وهو مهندس متطوع ضمن النقابة سالفة الذكر، أفاد بأن البوليمرات المعززة بألياف الكربون ستكون الأنسب في عمليات تدعيم المباني التي تهددها الزلازل. بيد أن المهندسين هناك يُضطرون إلى استخدام حديد صناعي هش. وهو ما يعلل له قائلًا: "نحن في حالة طوارئ؛ لذا يجب علينا الاستجابة سريعًا باستخدام ما يُتاح لنا من موارد".

من هنا، تضطلع نقابة المهندسين السوريين، التي يقع مقرها في شمال غرب سوريا، بجمع البيانات يوميًا، حول السلامة الإنشائية للمباني. وعلى حد ما أدلى به علي حلاق، مهندس الكمبيوتر وعضو النقابة: "الخطوة التالية هي تحليل هذه التقارير وإعداد دراسات إحصائية منها، وهو ما سيكون له دور مهم في مرحلة إعادة إعمار المنطقة".

ويُشير حايك إلى أنه سيكون من الضرورة بمكان إعادة بناء عديد من المباني، في الوقت الذي تفتقر فيه منطقة شمال غرب سوريا إلى المهندسين المطلوبين لذلك. وقبل الكارثة، نقلًا عن حايك: "بحثت النقابة مسألة تدريب المهندسين على عمليات إعادة إعمار تمتثل لمعايير السلامة الضرورية لكن هذا، بات مطلبًا ملحًا في الوقت الحالي".

اضف تعليق