شرعية الدولة تنشأ من ارادة ورضا ابناء شعبها الذين يمثلون مصدر السلطة فيها. كما تعني ان الحكومة تنشأ وفق ارادة المواطنين، وتبقى خاضعة لهذه الارادة. ينص الدستور العراقي في مادته الخامسة على ان "السيادة للقانون" وينص على ان "الشعب مصدر السلطات وشرعيتها...

تمثل السيادة الشعبية حجر الاساس في البناء الديمقراطي، وهي مصدر السلطات والشرعية التي تتولاها الهيئات المختلفة في الدولة وخاصة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.

وهي تعبير عن الايمان بان شرعية الدولة تنشأ من ارادة ورضا ابناء شعبها الذين يمثلون مصدر السلطة فيها. كما تعني ان الحكومة تنشأ وفق ارادة المواطنين، وتبقى خاضعة لهذه الارادة. ينص الدستور العراقي في مادته الخامسة على ان "السيادة للقانون" وينص على ان "الشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية"، و ينص في المادة 20 على ان "للمواطنين، رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح."

بالرغم من هذه النصوص، الا ان الدستور العراقي لم يتوسع في منح الصلاحيات الدستورية لعموم المواطنين او الشعب، بل جعلهم يذهبون الى صناديق الاقتراع مرة واحدة كل اربع سنوات، لكي ينتخبوا مجلسا للنواب (تم هذا في المرة الاولى عام 2005 عن طريق القائمة المستبدة التي صادرت حق الاختيار الحر من الناخبين)، ليكون هذا المجلس السلطة التشريعية العليا في البلد، وهي سلطة تفوق سلطة الشعب الذي انتخبها، والذي، أي الشعب، لم يعد يملك اية سلطة عليها، وكأن الدستور يقول بنظرية التفويض، وليس بنظرية النيابة، كما لو ان الشعب "فوض" سلطاته و"تنازل" عنها للنواب، بحيث تنقطع الصلة بين النواب والناخبين بمجرد اجراء الانتخابات، خلافا لنظرية النيابة التي تقول ان النواب هم وكلاء الشعب ونوابه في القيام بصلاحياته السيادية دون ان تسلبهم هذه النيابة او الوكالة هذه الصلاحيات، بما في ذلك مراقبة النواب، ومحاسبتهم، واستبدالهم اذا اساءوا التصرف بمنصب النيابة والوكالة.

وهذا هو الذي يفسر جزئيا لماذا تمكن نواب الدورة الحالية من التصرف بعيدا عن ارادة الشعب، وربما بالضد من مصالحه، دون اعتبار للرأي العام، الذي لا يملك اية اليات دستورية وقانونية للتصرف في الحالات التي يلمس فيها وجود انحراف برلماني عن جوهر الديمقراطية والسيادة الشعبية. ولم يعد بمقدور الشعب سوى التذمر وابداء عدم الرضا والارتياح، وهي امور كان بمقدور النواب تحملها والعيش معها، ما دامت لا تؤثر على صلاحياتهم المطلقة في التشريع، و تمنح الشعب سلطة حقيقية عليهم.

وبموجب هذه الرؤية الدستورية القاصرة لم يمنح الدستورُ الشعبَ الا (1) سلطة انتخاب مجلس النواب والمجالس التمثيلية الاخرى (المادة 49)، و (2) سلطة المصادقة على الدستور وتعديلاته (المواد 126،142 ، 144) و (3) سلطة الطعن المباشر لدى المحكمة الاتحادية بشأن القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية حيث نصت المادة 93 على حق "ذوي الشأن من الافراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة."

الا ان هذه الموارد الثلاثة لا تكفي، حصرا، لتجسيد مفهوم السيادة واستيعابه بالنسبة للشعب العراقي. وهذه اهم مسألة يتعين النظر اليها عند تعديل الدستور، اذا كان النواب الجدد مؤمنين فعلا بجوهر الديمقراطية التي تعطي السيادة للشعب.

ولهذا صار من المهم في الدورة التشريعية المقبلة، ان يعمل البرلمان الجديد على اعادة الحقوق السيادية للشعب، وتوسيع صلاحيات الناخبين، وفق اليات دستورية وقانونية تحمي الديمقراطية وتحول دون الفوضى والانحراف البرلماني.

يمكن للدستور في تعديله المطلوب ان يثبت الحقوق التالية لابناء الشعب:

اولا، الحق في الاستفتاء الشعبي، وهو اهم مظاهر الديمقراطية التمثيلية. وهذا مقر الان بحدوده وحالاته المحددة التي ذكرتها قبل قليل.

ثانيا، الحق في الاعتراض الشعبي، أي الاعتراض على قانون صدر من السلطة التشريعية. وهذا غير متوفر الان.

ثالثا، الحق في الاقتراح الشعبي، بان يكون من حق الشعب التقدم بمشاريع او اقتراحات قوانين. هذا الحق غير متوفر الان.

رابعا، الحق في اعادة الانتخابات، واقالة نائب موجود. وهذا الحق غير موجود الان، بل ان الية استبدال النواب وملء الشواغر في المقاعد النيابية التي اقرها النظام الداخلي لمجلس النواب تستبعد الشعب تماما عن هذا المسألة. خامسا، الحق في الحل الشعبي، وهذا الحق غير متوفر الان، حيث لا يملك الشعب العراقي الية قانونية للمطالبة بحل مجلس النواب.

سادسا، الحق في اقالة رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء، وهذا الحق غير متوفر الان. ومن الواضح ان غياب هذه الحقوق ان الشعب اصبح مغيبا عن شؤونه وفاقد السلطة على البرلمان الذي انتخبه، وهذه مصادرة خطيرة لأهم اسس ومبادئ النظام الديمقراطي.

لابد من الاشارة هنا الى ما طرحه الامين العام السابق للامم المتحدة كوفي عنان على الجمعية العامة في دورتها 54 من ان السيادة لم تعد خاصة بالدول القومية التي تعتبر أساس العلاقات الدولية المعاصرة، وهو المفهوم الذي تكرس منذ طرح جان بودان (1530- 1596) فكرة السيادة، حينما قال: "ان الدولة انما هي حق الحكم على الأُسر فيها , وحق ادارة شؤونها المشتركة بينها".

بل ان السيادة اضحت متعلقة بالافراد انفسهم، كما طرح عنان، وصارت تعني الحريات الأساسية لكل فرد والمحفوظة من قبل ميثاق الامم المتحدة.

ومن الواضح ايضا ان الشعب لا يمكنه ممارسة سيادته بصورة كاملة مالم يتحقق امران اخران هما:ا ولا، الحرية الواقعية. وهذا يتطلب تطوير المادة 37،التي تنص على ان " حرية الانسان وكرامته مصونة" و " حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني" والمادة 38 التي تنص على كفالة "حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، و حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي" والمادة 39 التي تنص على "حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، أو الانضمام اليها مكفولة" وتحرم "اجبار احد على الانضمام إلى اي حزب أو جمعية أو جهة سياسية، أو اجباره على الاستمرار في العضوية فيها"، والمادة 40التي تنص على "حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والالكترونية وغيرها مكفولة، ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها، أو الكشف عنها، الا لضرورةٍ قانونيةٍ وأمنية، وبقرارٍ قضائي"، وذلك عن طريق تشريع القوانين التي تحمي هذه الحريات وتوسع مجالها، مثل النص على التدفق الحر للمعلومات او الحق في الوصول اليها، وحماية الصحافة من الاكراه والتحيز والضغوط.

ثانيا، الامكانية الفعلية، وليس النظرية، في الاختيار في انتخابات مجلس النواب والمجالس التمثيلية الاخرى، وذلك عن طريق تشريع قانون جديد للانتخابات يقوم على اساس الترشيح والاختيار الفردي للاشخاص، حيث يقوم الناخبون باختيار نوابهم وممثليهم من قائمة مرشحين تضم اسماءهم، بدل اسماء الكتل والقوائم، واضيف حق الشعب في انتخاب رئيس الجمهورية وانتخاب رئيس مجلس الوزراء.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق