q
لعقود ما برحت سلالة متحوِّرة من فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، تتميز بقدرتها على الانتقال السريع والفتك بالجهاز المناعي، تنتشر في هولندا، كان تحليل أُجرِي على أكثر من مئة مصاب بالعدوى قد أشار إلى أن السلالة المتحوّرة تزيد من أعداد الجسيمات الفيروسية في دم المصاب، مما يزيد احتمالات انتقال الفيروس من شخص لآخر...
بقلم: جيورجيا جوجليامي

لعقود ما برحت سلالة متحوِّرة من فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، تتميز بقدرتها على الانتقال السريع والفتك بالجهاز المناعي، تنتشر في هولندا، كان تحليل أُجرِي على أكثر من مئة مصاب بالعدوى قد أشار إلى أن السلالة المتحوّرة تزيد من أعداد الجسيمات الفيروسية في دم المصاب، مما يزيد احتمالات انتقال الفيروس من شخص لآخر. يبدو كذلك أن هذه السلالة تدفع ناحية تقليل الخلايا المناعية المعروفة بالخلايا التائية المُساعدة CD4، مما يُعرَّض المصابون بها لخطر ظهور متلازمة نقص المناعة المكتسبة، أو ما يُعرَف بالإيدز (AIDS)، بوتيرة أسرع كثيرًا من أولئك المصابين بسلالات أخرى من فيروس نقص المناعة البشرية.

إن ظهور سلالة متحّورة أكثر شراسة من فيروس نقص المناعة البشرية هو "سبب يدفعنا لتوخّي الحذر"، لكن تظل هذه المسألة ليست أزمة صحة عامة. ويقول جويل فيرتهايم، عالم البيولوجيا التطورية، وأستاذ علم الأوبئة الجزيئية بجامعة كاليفورنيا سان دييجو، إن الطفرات الموجودة في السلالة الجديدة لا تجعلها مقاومة للعقاقير المضادة لفيروس نقص المناعة البشرية الموجودة بالفعل بين أيدينا، مضيفًا: "يفترض أن كل الأدوات الموجودة في ترسانة أسلحتنا لا تزال تعمل ضد هذه السلالة".

تُذكِّرنا النتائج التي نُشرت في دورية «ساينس» Science في الثالث من فبراير1 الماضي أن التطوّر الذي يطرأ على الفيروسات لا ينتهي بمرور الوقت إلى صورة أقل شراسة في كل الأحوال. فالتقارير التي تشير إلى أن الإصابة بسلالة «أوميكرون» المتحوّرة من فيروس «سارس-كوف-2» تسبب صورة أخف من مرض «كوفيد-19»، بأعراض أقل حدة، مقارنة بالسلالات الأخرى، قد رسخت ذلك الاعتقاد السائد بأن الفيروس يتحوَّل إلى صورة أقل فتكًا. وتقول إيما هودكروفت، الباحثة في علم الأوبئة الجزيئية بجامعة برن: "الأمور لا تسير هكذا"؛ فمع أن فيروسي المناعة البشرية وفيروس «سارس-كوف-2» يختلفان عن بعضهما في عديدٍ من النواحي، فإن "تحوّل فيروس «سارس-كوف-2» إلى صورة أقل فتكًا بمرور الوقت ليس بالأمر المحسوم"، كما جاء على لسان هودكروفت.

سلالة سريعة الانتشار

من المعروف أن فيروس نقص المناعة البشرية من بين أسرع الفيروسات التي خضعتْ للدراسة تحوُّرًا. فأشكال الفيروس تختلف من شخص لشخص، بل وأحيانًا ما تختلف على مستوى الشخص نفسه. وقد وثَّقت الأبحاث السابقة تغيّرات في حدّة فيروس نقص المناعة البشرية بصفة عامة. لكن هذه التغيرات تنتج في العادة عن اكتساب عديدٍ من السلالات لطفرات مختلفة. وجاءت الدراسة المنشورة في دورية «ساينس» Science، لتقدّم مثالًا صادمًا يؤكد أن التغيّرات في حدة الفيروس يمكن أن تنتج عن عدة طفرات في سلالة واحدة من فيروس نقص المناعة البشرية، حسبما يؤكد فيرتايم.

وتشير الدراسة إلى أن الحِمْل الفيروسي لفيروس نقص المناعة البشرية عند المصابين بالسلالة المتحوّرة الجديدة يصل إلى 5.5 أضعاف الحمل الفيروسي عند المصابين بسلالات أخرى، كما تراجع عدد الخلايا التائية المُساعدة CD4، عند المصابين بالسلالة الجديدة، بسرعة بلغت الضعف تقريبًا مقارنة بغيرهم من المصابين بسلالات أخرى. وهذا التراجع في الخلايا التائية CD4، والتي تلعب دورًا مُساعدًا على تنسيق استجابة الجسم المناعية للعدوى، من العلامات الدالة على أن فيروس نقص المناعة البشرية قد ألحق الضرر بالجهاز المناعي.

وبحسب تقديرات الباحثين، فالمصابون بعدوى هذه السلالة المتحوّرة، سيصابون بالإيدز في غضون عامين إلى 3 أعوام من تشخيصهم بالفيروس، حال عدم تلقّيهم العلاج، مقارنة بـ6 إلى 7 سنوات هي مدة ظهور الإيدز عند المصابين بسلالات أخرى من مرض نقص المناعة البشرية.

وباستخدام تسلسلات الجينوم، استطاع الباحثون تتبّع العلاقات التطورية بين سلالات فيروس نقص المناعة البشرية، لتحديد سرعة انتشار الفيروس. ويقول كريس وايمانت، مؤلّف الدراسة الأول، وأستاذ علم الأوبئة التطوّري في جامعة أوكسفورد بالمملكة المتحدة، إن المصابين بهذه السلالة المتحوِّرة المُكتشفة حديثًا قد تشاركوا أشكالًا متقاربة من الفيروس، ما يشير إلى أن السلالة المتحوِّرة تنتقل بسرعة من شخص لآخر.

ويقدِّر وايمانت وزملاؤه أن هذه السلالة قد نشأت في تسعينيات القرن الماضي بهولندا، ثم انتشرت سريعًا في العقد الأول من الألفية الثانية، كما يقدر وايمانت أن معدل انتشارها في تراجع منذ قرابة عام 2010، على الأرجح نتيجة جهود هولندا في الحدِّ من انتشار فيروس نقص المناعة البشرية. وقد وُجِدت هذه السلالة المتحوِّرة عند شخصين آخرين، أحدهما في سويسرا والآخر في بلجيكا، ولكن لم تُكتَشف حتى الآن أي حالات في مناطق خارج هذه البلدان.

وتقول ميج دوهرتي، مديرة برامج فيروس نقص المناعة البشرية والالتهاب الكبدي والأمراض المنقولة جنسيًا في منظمة الصحة العالمية: "لا يساورنا كثير من القلق بشأن هذه السلالة المتحوِّرة الجديدة"، ولكنها تضيف أن النتائج التي عثر عليها الفريق تؤكد حاجتنا إلى الاستعداد لظهور الجوائح وإجراء فحوصات شاملة لتحديد الأشكال الجديدة من المُمْرضات والتعرُّف على خواصها وطرق الاستجابة لها.

ويقول سليم عبد الكريم، مدير مركز برنامج أبحاث الإيدز في جنوب إفريقيا، ومقرّه مدينة ديربان، إن هذه الدراسة تُبرِز أهمية التوسُّع في فحوصات فيروس نقص المناعة البشرية، وتقديم الخدمات العلاجية للمصابين. مضيفًا: "من الضروري الوصول إلى المصابين بسرعة وبدء العلاج مبكرًا، فالعلاجات تعمل على نحو جيّد، حتى ضد هذه السلالة المتحوّرة".

اضف تعليق