q
يلاحظ أن الناخب العراقي قد أنقلب على القوى الاسلامية في آخر دورتين انتخابية (2018 و2021). فابتداءً من 2018 صار غير الاسلاميين يشكلون أغلبية بسيطة في البرلمان (52%). أما في انتخابات 2021 والتي سبق وأسميتها بالانقلاب البنفسجي على الطبقة السياسية الحاكمة فقد حصدت القوى غير الاسلامية نجاحاً منقطع النظير...

من المفارقات الغريبة للاحتلال الامريكي، أنه مكّن الاسلام السياسي في العراق من تسلم مقاليد الحكم في العراق وأن تكون له اليد العليا في التأثير على السياسة العراقية. ومع ان 7 (30% تقريباً) من أعضاء مجلس الحكم الذين عينهم المحتل الأمريكي في تموز 2003 كانوا من الاحزاب الإسلامية (شيعية، سنية، كردية)، الا اني لا أميل لفرضية المؤامرة الأميركية لأسلمة الحكم في العراق، وأعترف أن تلك الأحزاب (كالدعوة والمجلس الاعلى والحزب الاسلامي) كانت أكثر تنظيماً وتجربةً من الاحزاب غير الاسلامية.

لذا لا أعتقد أن الاميركان كانوا يقصدون أسلمة الحكم (كما يحلو للبعض قوله) بقدر ما أن ظروف ما بعد نيسان 2003 ساعدت كثيراً في نمو ظاهرة الاسلام السياسي في العراق بخاصة وان نظام الحكم السابق لم يكن يسمح لأي حزب مهما كانت توجهاته بالعمل في العراق مما خلف فراغاً حزبياً بعد سقوط النظام.

ولأن القوى والتنظيمات اللا اسلامية فيما سمي بالمعارضة العراقية للنظام لم تكن سوى تنظيمات الرجل الواحد one man show في أغلبها دون ان يكون لها أيدلوجية بل وحتى برنامج سياسي عميق(عدا أسقاط النظام)،فقد تمكنت الأحزاب الاسلامية بما تمتلك من خبرة وتنظيم وآيدلوجية ودعم اقليمي من أن تملأ ذلك الفراغ الحزبي بسرعة.

كما ان ظروف هدم الدولة، والفوضى الناجمة عن الاحتلال وصعود الهويات الفرعية الطائفية ساعد كثيراً في نشوء أحزاب وتنظيمات اسلامية جديدة (التيار الصدري وحزب الفضيلة… الخ) وارتقاء التنظيمات الاسلامية القديمة.

لستُ هنا بصدد تحليل ظروف النشوء والارتقاء للأحزاب والتيارات الاسلامية في العراق ولا حتى تحليل تاريخها وتوجهاتها الفكرية المتباينة، بل سأركز على مدى تأثير تلك التنظيمات في الحياة السياسية في عراق ما بعد الاحتلال بناءً على وزنها النسبي في كل الدورات البرلمانية منذ 2005 ولحد الآن.

تأثير نسبي

سيكون عدد مقاعد الأحزاب الاسلامية في كل برلمان هو الفيصل في تحديد التأثير النسبي مع اعترافي أن التأثير لا يقاس فقط بعدد المقاعد فقط. من جهة أخرى أود التنبيه الى أنه على الرغم من صحة الافتراض بأن المقابل النوعي لتلك الاحزاب الاسلامية في البرلمان كان في الغالب أحزاب وتنظيمات وتيارات قريبة من التوجهات العلمانية، الا ان من الخطأ (علمياً ومنهجياً) تصنيفها أنها علمانية كون أغلبها لا تمتلك أدبيات حزبية وآيدلوجية موثقة تصلح للحكم بأنها تنظيمات علمانية.

لذلك سأستخدم مصطلح قوى غير اسلامية للاشارة لتلك التنظيمات. هذا المصطلح لا يقصد به أن هذه القوى لا تؤمن بالاسلام بل يقصد به أن تلك الأحزاب والتنظيمات لم تُعلن أن مرجعيتها الفكرية أو الآيدلوجية مرجعية اسلامية. بعد مراجعة وتحليل خريطة القوى البرلمانية في العراق منذ 2005 يتضح لنا ان الاسلاميين كان لهم دوماً تأثير نسبي كبير في البرلمان العراقي. يوضح الشكل ادناه أن الاسلاميين قد كانت لهم اليد العليا -من حيث عدد المقاعد- في الدورات البرلمانية الاولى (65% من المقاعد)، والثانية (54%) والثالثة (61%). مع ذلك يلاحظ أن الناخب العراقي قد أنقلب على القوى الاسلامية في آخر دورتين انتخابية (2018 و 2021). فأبتداءً من 2018 صار غير الاسلاميين يشكلون أغلبية بسيطة في البرلمان (52%). أما في انتخابات 2021 والتي سبق وأسميتها بالانقلاب البنفسجي على الطبقة السياسية الحاكمة فقد حصدت القوى غير الاسلامية نجاحاً منقطع النظير حيث بلغت نسبة مقاعدها في البرلمان 57% وأصيبت قوى الاسلام السياسي بتراجع جديد في ثقلها النسبي في البرلمان لتصبح 40% فقط، على الرغم من مقاطعة معظم القوى غير الاسلامية للانتخابات مقابل مشاركة كل قوى الاسلام السياسي (الشيعي والسني والكوردي) فيها.

ومع أني أعلم أن التأثير السياسي الفعلي للقوى الاسلامية لم يقل بل قد أزداد بفعل ان التيار الصدري هو من يقود ماراثون تشكيل الحكومة والرئاسات الثلاث، الا اني من جانب آخر وكمختص في الرأي العام أرى مشهداً مغايراً عند تحليل أوزان وثقل المصوتين للاحزاب الاسلامية مقارنةً بسواها من الاحزاب وهذا ما سأحلله تفصيلاً في المقال القادم.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق