q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

ما هي وظائف الحكومة الإسلامية؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

الحكومة النموذجية في منظور الإسلام هي تلك التي تنبثق من الشعب، وتقوم على شرعيته، ويجب أن تصون الوظائف الملقاة على عاتقها، وإذا كان مصدرها الشعب بشكل فعلي، فإنها سوف تضمن للجميع حرية الرأي، والمشاركة في الانتخاب، وحق التعليم والحماية من المخاطر الداخلية والخارجية، وضمان الأمن الغذائي والصحي...

(وظيفة الحكومة هي العدل بين الناس والدفع بالحياة إلى أمام)

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)

الحكومة هي الركن التنفيذي الأساس الذي تستند إليه السلطة، وهي تعد من أقدم المؤسسات السياسية في العالم. ومنذ أقدم العصور كانت المجتمعات بحاجة إلى حكام ومنفذين لإدارة المجتمعات الإنسانية، وتعرف الحكومة على أنها شكل من أشكال ممارسة السلطة في المجتمعات. ومن الممكن أن نقول أن هناك حكومة لأي مجموعة سواء كانت رسمية أو غير رسمية، كالعائلة والنادي والنشاط التجاري واتحاد العمل، وغير ذلك من الجماعات التي تحتاج إلى تنظيم.

لكن كلمة حكومة عادة تُطلَق على الحكومة العامة، كحكومة أمة أو دولة أو ولاية أو محافظة أو مدينة أو قرية. ويتأثر أي نشاط إنساني بنوع السلطة الموجودة في جوانب مهمة منه. ولهذا السبب نجد معظم علماء السياسة المتخصصين في دراسة الحكومة يعتقدون أن الحكومة يجب ألا تُدرَس على انفراد، بل يجب الإلمام كذلك بشيء من الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) وعلم الاقتصاد والتاريخ والفلسفة والعلوم والاجتماع، كي نفهم تاريخ الحكومات ونوعية وظائفها.

وفي المجمل فإن وظائف الحكومة تختص بالجانب السياسي السلطوي التنفيذي للعقد الذي يُبرَم بين الشعب والسلطة، وفق بنود تشريعية توضع من لدن لجان متخصصة، ومن ثم يتم استفتاء الشعب عليها كي تنال الشرعية التي من دون غير مسموح لها بمواصلة إدارة شؤون الدولة، فالمواطن الفرد يتم بموجب العقد الاجتماعي التنازل عن جزء من حرياته، في مقابل أن تقوم السلطة بتقديم مزايا أخرى له، منها الأمن والسكن والتعليم والسلطة والعمل وغير ذلك.

تبيّن الأحداث التاريخية والواقعية أيضا، تلك التي تدخل في إطار السلطة وإدارة الدولة، أن هناك حكومات إسلامية لم تستطع النهوض بالوظائف الموكلة لها، بمعنى أنها لم تستطع أن تعدل بين الناس، وتقاعست عن توفير الحماية، وأخفقت في توفير فرص عمل متكافئة، وسوى ذلك مما يدخل في مجال الفشل الحكومي.

فما هي الأسباب التي تكمن وراء إخفاق تلك الحكومات الإسلامية في مجال ضمان حق المواطن في العدالة والعمل والحماية وغيرها؟

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتاب (من عبق المرجعية)، حول هذه الأسباب:

(إن السبب فيما نراه في البلاد الإسلامية اليوم من نواقص، ومشاكل، يعود إلى أنها إسلامية بالاسم فقط، والشعار فحسب، وليس أكثر من ذلك).

أهمية القيادة والإدارة والتخطيط

وظائف الحكومة ليست سهلة، لكنها في نفس الوقت ليست مستحيلة، بل هي ممكنة التحقيق تماما، ولكن يجب أن تكون هناك عقليات قيادية ناجحة في التخطيط والقيادة والإدارة والتنفيذ، ولعل أهم وظائف الحكومة تحقيق (العدل) بين الجميع، فهذا الركن في حالة اكتماله يساعد على تحقيق الوظائف الأخرى، ويمكن أن يحدث العكس إذا لم تحقق الحكومة العدالة، حيث ستفشل في تأدية الوظائف الأخرى.

ومن وظائف الحكومة مساعدة أفراد الأمة على كسب الرزق وتوفير الأموال اللازمة من خلال صنع فرص عمل متكافئة، وحسب التخصص والكفاءة، فلا يجوز الزج في عقول فاشلة لتتصدى إلى مهام تحتاج إلى عقول جديرة بإدارتها، هنا سوف يحدث خرق في قاعدة (الرجل المناسب في المكان المناسب)، وبالتالي سوف نكون أما مأزق اختلال مؤسسات الدولة بمجملها.

من وظائف الحكومة أيضا، ضمان حق التعليم لكل فرد ينتمي إلى الدولة، ولا يجوز حرمان أحد من فرصة التعليم، كذلك الثقافة أو التثقيف، فهذا يقع من ضمن مسؤوليات الحكومات، وعليها أن تلتزم بكل ما يدعم تحقيق الثقافة للجميع، عبر اتخاذ خطوات عملية تنظيمية مهمة، لا يجوز إهمالها أو التفريط بها، وأخير من وظائف الحكومة أيضا ضمان الاستقرار والسلم الأهلي داخليا، بالإضافة إلى توفير الحماية اللازمة من التهديدات الخارجية بكل أشكالها.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(وظيفة الحكومة الإسلامية تجاه الأمة هي حفظ العدل بين الناس، داخلاً وخارجاً، والدفع بالحياة إلى الأمام، وتوفير الفيء، من الرزق والمال عليهم، وتعليمهم وتثقيفهم، وحفظ أمنهم واستقرارهم).

من أخطاء بعض الحكومات الإسلامية في العصر الحديث، أنها انزلقت في فخ التوظيف المبالغ به لضمان أهداف معينة لصالح الحكومة، منها التوظيف غير المبرر، وإغراق مؤسسات الدولة ودوائرها بتعيينات غير مبررة أصلا، أما لماذا سقطت الحكومات في هذا الخطأ الاقتصادي الإداري الخطير، فإن الأمر يعود إلى كسب تأييد الموظفين للحكومة، وحمايتها من السقوط.

هذه السياسة الإدارية موجودة وتمارسها بعض الحكومات حتى في عصرنا الحالي، في حين سابقا لم تكن الحكومة الإسلامية تحتاج أو تسمح بمثل هذه الأعداد الكبيرة من الموظفين، لذلك يجب أن تترك الوظائف للقطاع الخاص، وتبقي أقل ما يمكن من الوظائف المهمة التي لا يمكن أن تتخلى عنها الحكومة كالتوظيف في الأجهزة الأمنية التي تحمي الحكومة والدولة والمجتمع معاً.

الحكومة الناجحة قليلة الوظائف

إذا كانت الوظائف الحكومية مختصرة، أو قليلة، أو موضوعة بطريقة مدروسة علميا، ومطابقة للواقع العملي الوظيفي الفعلي للدولة، فإن البنية الاقتصادية سوف تكون عالية الجودة، وهو ما ينبغي أن تسير في ضوئه الحكومات الجيدة، حيث تعتمد على سياسة الوظائف القليلة، أو الحساسة، أو المطلوبة فعليا، وليس الوظائف التي تدخل تحت عباءة (البطالة المقنّعة).

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(إن الموظّفين في الدولة الإسلامية قليلون جدّاً، لأن كثيراً من الدوائر لا حاجة إليها في الدولة الإسلامية، ثم إن كثيراً من الأعمال التي تقوم بها الحكومة الآن يقوم بها الناس في الدولة الإسلامية، وما يبقى على عاتق الحكومة من أعمال إنما هي قليلة فتنجز بأسرع وقت وأبسط صورة طبيعية).

الحكومة النموذجية في منظور الإسلام هي تلك التي تنبثق من الشعب، وتقوم على شرعيته، ويجب أن تصون الوظائف الملقاة على عاتقها، وإذا كان مصدرها الشعب بشكل فعلي، فإنها سوف تضمن للجميع حرية الرأي، والمشاركة في الانتخاب، وحق التعليم والحماية من المخاطر الداخلية والخارجية، وضمان الأمن الغذائي والصحي، وفي هذه الحالة تُمنح صفة الحكومة الناجحة.

كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) فيقول:

(الحكومة في الإسلام شعبية بالمعنى الصحيح للكلمة، فماذا يريد الناس غير المشاركة في الرأي، وغير الغنى، والعلم، والحريّة، والأمن، والصحّة، والفضيلة، مما يوفّرها الإسلام خير توفير؟).

وفي حال أدت الحكومة وظائفها المدرجة في أعلاه، فإن حياة الأمة سوف تزدهر حتما، في جميع المستويات والمجالات، فيكون الاقتصاد متينا، والصناعة في أوج تطورها، والزراعة والتجارة كذلك، وتسود العدالة، ويتم ضمان فرص العمل والحقوق الأخرى.

بذلك نكون أمام حكومة تقوم بكل وظائفها على أفضل وجه، فتُمنح صفة الحكومة الناجحة، المتفوقة، العادلة، إذ لا عنف، لا فقر، لا قمع، لا سجون، فتتوافر الحريات مع الاقتصاد المتوازن، مع استقرار وتفوق البنية الاجتماعية وازدهار القيم بأفضل ما يمكن.

(تزدهر الحياة، بجميع أبعادها وجوانبها، في ظل النظام الإسلامي العادل، فتُعمر الديار، وتُبنى الدور، وتزرع الأرض، وتتقدّم الصناعة، وتتوسع التجارة، وتتراكم الثروة، ويستقرّ الناس في جوٍّ لا ظلم فيه ولا جور، ولا عنف ولا إرهاب، ولا قيود ولا أغلال، ولا سجن ولا تعذيب، ولا مشاكل ولا فقر).

هكذا عُرفت وظائف الحكومة، قديما وحديثا، وأي خلل في تأدية هذه الوظائف سوف يقابله انتقاص للحكومة، لذلك في العالم المتقدم تقل أخطاء الحكومات لأنها تحت مجهر المراقبة الشعبية والرسمية، وتزداد أخطاء حكومات المجتمعات المتأخرة، لأنها عاجزة أو متلكّئة في إنجاز الوظائف الموكلة لها كما يجب.

اضف تعليق