q
ملفات - شهر رمضان

السامري وتضليل الرأي العام

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الحادِيةُ عشَرَة (٢٧)

توظيفَ المُقدَّس للتَّضليلِ والخِداعِ ولاستدراجِ الضَّحايا هو واحدٌ من أَخطرِ أَدواتِ شياطينَ الإِنسِ لأَنَّهُ الطُّعم النَّاعم الذي لا يحتاجُ إِلى كبيرِ جُهدٍ وكثيرِ عناءٍ لإِقناعِ المُغفَّل بهِ، لدرجةِ أَنَّهُ قد يصِل في بعضِ الحالاتِ إِلى مُستوى العبادةِ ولقد أَشارَ القرآن الكريم إِلى هذهِ الأَداةِ الفاسدةِ...

 {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}.

 السَّامرِيُّ هو أَوَّل من استخدمَ [الذَّكاء الإِصطناعي] لتضليلِ القوم.

 ولقد سردَ لنا القرآن الكريم قصَّتهُ لأَنَّها تستحقُّ أَن تكونَ درساً تحذيريّاً للكشفِ عن ثلاثة حقائِق؛

 ١/ كيفَ يوظِّف المُبتز أَدواتهُ [المقدَّسة] على وجهِ التَّحديدِ لمُمارسةِ شعوَذاتهِ في المُجتمعِ لتضليلهِ والضِّحكِ عليهِ والإِستخفافِ بعقلهِ؟!.

 ٢/ كيفَ ولماذا يتمُّ تضليل الرَّأي العام؟!.

 ٣/ كيفَ يجبُ أَن تكونَ نتيجة مِثلَ هذهِ الخُزعبلات عندما يتمُّ الكشفُ عنها وتعريتِها؟!.

 بمعنى آخر، كيفَ يجبُ التَّعاملُ معها كفعلٍ وكأَدواتٍ ومع الرأَي العام الذي تأَثَّرَ بها وصدَّقها وبالتَّالي بنى عليها موقِفاً ورأياً ورُبَّما عقيدةً؟!.

 فعندما واجهَ نبيَّ الله موسى (ع) السَّامريِّ بالحقيقةِ {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} شرحَ الأَخيرُ تفاصيل المُؤَامرة بقولهِ {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِ}.

 فالأَداةُ التي استخدمها للتَّضليلِ هي {أَثَرِ الرَّسُولِ} والتي ترمِز إِلى [المُقدَّس] الذي يتمُّ بهِ اصطيادُ المُغفَّلينَ!.

 و[الأَثرُ] اليَوم [عِمامةٌ] أَو [ذِقنٌ طويلٌ] أَو [لِباسٌ قصيرٌ] أَو [عناوينَ دينيَّةٌ أَو مذهبيَّةٌ] أَو [رموزٌ تاريخيَّةٌ] أَو أَيُّ شيءٍ آخر يرمزُ إِلى القُدسيَّةِ ليسهُلَ على المُضلِّلِ المُبتزِّ إِصطيادَ فرائسِهِ.

 أَمَّا التَّبريرُ الجاهزُ عند الكَشفِ عن حقيقةِ المُبتزِّ فهوَ {وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} وهو بالتَّأكيد يكذِبُ ليهربَ من المسؤُوليَّة فلَو لم يَكشِف نبيَّ الله موسى (ع) حقيقتهُ لواصلَ خِداعهُ وخُطَّتهُ ومشرُوعهُ التَّدميري.

 وإِنَّ توظيفَ المُقدَّس للتَّضليلِ والخِداعِ ولاستدراجِ الضَّحايا هو واحدٌ من أَخطرِ أَدواتِ [شياطينَ الإِنسِ] لأَنَّهُ الطُّعم النَّاعم الذي لا يحتاجُ إِلى كبيرِ جُهدٍ وكثيرِ عناءٍ لإِقناعِ المُغفَّل بهِ، لدرجةِ أَنَّهُ قد يصِل في بعضِ الحالاتِ إِلى مُستوى العبادةِ كما في قولهِ تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}.

 ولقد أَشارَ القرآن الكريم إِلى هذهِ الأَداةِ الفاسدةِ في أَكثرِ من آيةٍ وقصَّةٍ منها قولهُ تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.

هذا بالنِّسبةِ إِلى فعلِ الإِبتزازِ والتَّضليلِ.

 أَمَّا ردُّ فعلِ نبيِّ الله موسى (ع) فكانَ أَن {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}.

 ١/ العَزلُ والنَّفي عن المُجتمع.

 ٢/ منعُ المُجتمع من التَّواصلِ معهُ بأَيِّ شَكلٍ من الأَشكالِ.

 ٣/ تحطيمُ آلةَ التَّضليلِ ونسفِها في البحرِ حتَّى لا يبقى مِنها أَيَّ أَثرٍ مهما كانَ بسيطاً أَو قليلاً فقد يُعادُ إِنتاجها بعجلٍ آخر مثلاً.

 وهوُ الأَمرُ الذي فعلهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بـ [جمَلِ] [أُمِّ المُؤمنِينَ] [عائِشة بنت أَبي بكرٍ] عندما تمكَّن مِن [أَصحابِ الجملِ] في [معركةِ الجمَلِ] المعرُوفةِ والتي دارَت رحاها في البصرةِ، يَومَ أَن ركِبتهُ لتُحرِّضَ النَّاسَ ضدَّهُ (ع) وهي المعركةُ التي راحَ ضحيَّتها أَكثرَ من [١٢٠ أَلفاً] مِن أَبنائِها! [أَقصُد أَبناء أُمُّ المُؤمنينَ].

وإِنَّما أَمرَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بحرقِ الجمَلِ لأَنَّهُ آلةُ فِتنةٍ حتَّى لا يبقى منهُ أَثرٌ قد يُعيدُ إِنتاجهُ آخرُونَ بحربٍ أُخرى.

 والشَّيءُ بالشَّيءِ يُذكرُ هُنا، فلقد ابتُلي أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بظواهرِ [المُقدَّسِ] خلالَ فترةِ خلافتهِ، ففي كُلِّ معركةٍ خاضَها ضدَّ النَّاكثينَ والقاسطينَ والمارقينَ كانَ يُواجه هذهِ الظَّاهرة التي ترِدُ كإِشكالٍ على لسانِ [أَصحابهِ] وهي الظاهِرة التي تدفعهُم للتَّشكيكِ والتردُّدِ بسببِ الجهلِ وانعدامِ البصيرةِ.

 ففي روايةٍ قِيلَ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ حَوْطٍ أَتَاه (ع) فَقَالَ؛ أَتَرَانِي أَظُنُّ أَصْحَابَ الْجَمَلِ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ؟! [وفيهِم أُمِّ المُؤمنينَ وإِثنَينِ مِن أَبرزِ الصَّحابةِ (المُقدَّسينَ)].

 فَقَالَ (ع) {يَا حَارِثُ إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ ولَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ فَحِرْتَ، إِنَّكَ لَمْ تَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاه، ولَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاه}.

 فَقَالَ الْحَارِثُ فَإِنِّي أَعْتَزِلُ مَعَ سَعِيدِ بْنِ مَالِكٍ وعَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ (ع) {إِنَّ سَعِيداً وعَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنْصُرَا الْحَقَّ ولَمْ يَخْذُلَا الْبَاطِلَ}.

اضف تعليق