q
التنمر الإلكتروني يكون باستخدام التقنيات الرقمية، ويحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات المراسلة والألعاب والهواتف المحمولة؛ بهدف إخافة المستهدفين به أو استفزازهم أو تشويه سمعتهم، مما قد يصيبهم باضطراب ما بعد الصدمة. وهذا الاضطراب هو حالة صحية عقلية يستثيرها حدثٌ مخيف، وقد تتضمن الأعراض استرجاع الأحداث، والكوابيس والقلق الشديد...
بقلم: محمد السيد علي

كشفت دراسة بريطانية حديثة أن التنمر الإلكتروني يزيد فرص إصابة الأطفال بأنواع مختلفة من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، سواءٌ أكانوا ضحايا أو جناة.

والتنمر الإلكتروني يكون باستخدام التقنيات الرقمية، ويحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات المراسلة والألعاب والهواتف المحمولة؛ بهدف إخافة المستهدفين به أو استفزازهم أو تشويه سمعتهم، مما قد يصيبهم باضطراب ما بعد الصدمة. وهذا الاضطراب هو حالة صحية عقلية يستثيرها حدثٌ مخيف، وقد تتضمن الأعراض استرجاع الأحداث، والكوابيس والقلق الشديد، بالإضافة إلى الأفكار التي لا يمكن السيطرة عليها بخصوص الحدث، وتجنُّب مواقف وأماكن معينة.

وأوضح الباحثون بقسم الطب النفسي في "إمپريال كولدج لندن"، في دراسة نشرتها دورية (Archives of Disease in Childhood) التي تصدرها المجلة الطبية البريطانية، أن السؤال عن التنمر الإلكتروني يجب أن يصبح جزءًا روتينيًّا من تقييم الصحة العقلية والنفسية لأي طفل.

وتوصلت الدراسة إلى أن التنمر الإلكتروني ينتشر بين المراهقين بنسب تتراوح بين 10 و40٪، وهذا يطرح مخاطر محددة على صعيد الانتشار؛ لأنه يمكن فعله ليل نهار، وفي سياقات مختلفة، وبشكل سريع ومجهول الهوية، وبين جمهور واسع من المراهقين.

تقول آنا باسكوال سانشيز، قائد فريق البحث: إن الدراسة رصدت إصابة ضحايا التنمر الإلكتروني والتقليدي بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة (التطفّل والتجنّب)، وظهرت الأعراض لدى مَن كانوا ضحايا وجناةً أكثر ممن كانوا متنمرين فقط.

وعن أهمية نتائج الدراسة، أضافت "سانشيز" في تصريحات لـ"للعلم" أن "أعراض الصحة العقلية مثل القلق والاكتئاب يتم تقييمها على نطاق أوسع في الممارسة السريرية. في المقابل فإن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة المحتملة لدى المراهقين المشاركين في التسلط عبر الإنترنت، يصعب تشخيصها، وإذا تمكنَّا من التعرُّف عليها بشكل مبكر، فإن ذلك سيساعد المعلمين والأطباء على إدارتها وعلاجها.

وأوضحت "سانشيز" أنه على الرغم من أن التنمر الإلكتروني أقل حدوثًا من التنمر التقليدي، إلا أن دراستنا كشفت أن ثلث المتسلطين عبر الإنترنت لم يكونوا متورطين في التنمر التقليدي، في حين أن الغالبية العظمى من ضحايا التنمر عبر الإنترنت كانوا متورطين في التنمر التقليدي، بشكل أساسي كضحايا تقليديين، أو كضحايا وجناة معًا.

وتابعت أن تلك النتيجة ربما تشير إلى أن إخفاء الهوية -الذي يمكن أن تمنحه شبكة الإنترنت للمتنمرين- قد يشكل منصة جديدة لحدوث البلطجة والتنمُّر بين المراهقين.

وعن خطواتهم المستقبلية، أشارت إلى أنهم سيواصلون أبحاثهم لتحليل كيفية تأثير أنماط التربية في ممارسة التنمر الإلكتروني، وكذلك ارتباط سمات الشخصية بالتنمر والبلطجة.

ولرصد تأثير التنمر الإلكتروني على الصحة العقلية للمراهقين، مقارنةً بالتنمر التقليدي الذي يحدث وجهًا لوجه، تابع الباحثون 2218 طالبًا في 4 مدارس ثانوية في لندن تتراوح أعمارهم بين 11 و19 عامًا (55٪ منهم إناث)، وحوالي 34% من ذوي البشرة البيضاء، في حين كانت النسبة الباقية من السود وذوي الأصول الآسيوية، وأقليات أخرى من أصول مختلفة.

وتحدَّث المشاركون عن تجاربهم مع التنمر بنوعيه الإلكتروني والتقليدي في استبانة، وذلك بالتزامن مع إخضاعهم لفحص أعراض اضطراب ما بعد الصدمة باستخدام مقياس تأثير الحدث للأطفال، الذي يتضمن الإجابة عن مجموعة من الأسئلة مثل: هل تفكر في الحدث الذي تعرضت له حتى دون أن تقصد ذلك؟ وهل تحاول محو ذاكرة تلك الحدث من ذاكرتك؟ هل تحاول البقاء بعيدًا عن الأماكن التي تذكرك بالحادثة؟ هل تحاول تجنُّب الحديث عن تلك الحادثة؟

وأظهرت إجابات الاستطلاع أن 46% من عينة البحث أبلغوا عن تعرُّضهم لنوع من أنواع التنمُّر، لكن التعرُّض للتنمر التقليدي كانت نسبته (1 من كل 3 من المراهقين)، وكان أكثر شيوعًا من التعرض للتنمر الإلكتروني (1 من كل 4).

وكشفت البيانات أن 13٪ من المراهقين تعرضوا للتسلط عبر الإنترنت، و8.5٪ ضايقوا الآخرين عبر الإنترنت، في حين كان 4٪ من المشاركين ضحايا وجناة.

وكان هناك بعض التداخل بين كلا النوعين من التنمر، وكان 52٪ من ضحايا التنمر الإلكتروني ضحايا للتنمر التقليدي أيضًا، وكان 48٪ من المتسلطين عبر الإنترنت متنمرين تقليديين.

وكشفت الدراسة أن التنمر الإلكتروني يؤثر على الصحة النفسية للمراهقين، سواءٌ أكانوا ضحايا أو جناة، إذ ظهرت أعراض اضطراب ما بعد الصدمة السريرية على أكثر من ثلث الضحايا (35٪)، وأكثر من واحد من كل أربعة (29٪) من المتسلطين عبر الإنترنت، ونسبة مماثلة (28٪) من كليهما (مَن كانوا ضحايا وجناة في الوقت نفسه).

وأشارت إلى أن ضحايا التنمر الإلكتروني ظهرت عليهم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بشكل ملحوظ أكثر من الجناة، إذ شهدوا أفكارًا أكثر تطفلًا وسلوكيات تجنُّب.

اضف تعليق