شركة أبل لم تُثبت بعد قدرتها على قيادة ثورة استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ولا يبدو أن هذا سيتغير، فهناك اعتقاد متزايد في صناعة التكنولوجيا بأن نوعاً جديداً من الأجهزة قد يحل محل الهاتف الذكي يوماً ما، فالمشكلة الأكبر هي أن أدوات الذكاء الاصطناعي الحالية من أبل لا تُقدّم تجارب مُختلفة...
هل بدأ عصر انحطاط آبل بتخلفها عن اللحاق بركب الذكاء الاصطناعي، مثلما حصل مع نوكيا عندما تخلفت عن اللحاق بركب الهواتف الذكية؟
فشركة أبل لم تُثبت بعد قدرتها على قيادة ثورة استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ولا يبدو أن هذا سيتغير، فهناك اعتقاد متزايد في صناعة التكنولوجيا بأن نوعاً جديداً من الأجهزة قد يحل محل الهاتف الذكي يوماً ما، أو على الأقل يحل محله جزئياً، ومن غير المستغرب أن تعتمد هذه الأجهزة الجديدة بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي.
إنّ الصعوبات التي تواجهها أبل في مجال الذكاء الاصطناعي أكبر من مُجرّد تأخير في عمليات التطوير والإنتاج، فالمشكلة الأكبر هي أن أدوات الذكاء الاصطناعي الحالية من أبل لا تُقدّم تجارب مُختلفة بشكل ملحوظ عمّا يُمكن الحصول عليه في أي جهاز آخر.
وأقرّ إيدي كيو، المدير التنفيذي المخضرم في شركة أبل، بهذا الأمر، قائلاً خلال شهادته في محاكمة غوغل بتهمة مكافحة الاحتكار في مجال البحث «قد لا تحتاج إلى هاتف آيفون بعد عشر سنوات من الآن».
والتأخيرات الإضافية الحاصلة اليوم تعكس ربما حال إنهاك في الإمكانات الابتكارية (للشركة) أو عدم قدرة على تحديد اتجاه واضح في مجال الذكاء الاصطناعي.
فقد أبقت مجموعة “آبل” على الوتيرة الشديدة الحذر لخطواتها في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي رغم كونها أصلا متأخرة عن الشركات المنافسة لها، ما أثار استغراب المحللين والمستثمرين.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة تيم كوك الاثنين خلال مؤتمرها السنوي للمطورين في كوبرتينو “نحتاج إلى مزيد من الوقت لإتمام عملنا في ما يتعلق بميزات (أداة المساعدة الصوتية) +سيري+ الأكثر شخصنة، لكي تلبي متطلبات الجودة لدينا”.
ويشكّل مشروع تحوّل “سيري” الذي أُعلِنَ خلال المؤتمر السابق في حزيران/يونيو 2024، أبرز جوانب استراتيجية الشركة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وكان يُفترَض بالنظام الجديد “آبل إنتلجنس” الذي يضم سلسلة من الوظائف القائمة على الذكاء الاصطناعي أن يُحوّل “سيري” إلى أداة ذكاء اصطناعي فعلية قادرة على تأدية مهمات بمجرّد طلب شفهي، مع مراعاة المعلومات المتوافرة في رسائل البريد الإلكتروني والصور وغيرها.
لكن “آبل” اضطرت إلى تعليق أو تأجيل بعض العناصر ومن بينها تطوير المساعد الصوتي.
وفيما تُصدر “أوبن إيه آي” (مبتكرة “تشات جي بي تي”) و”غوغل” و”ميتا” إعلانات متتالية لأحدث التحسينات في أدواتها المساعِدة القائمة على الذكاء الاصطناعي التي تتعزز قدراتها واستقلالية باستمرار، ركّزت “آبل” الاثنين على الكشف عن أنظمة تشغيل وتصميمات جديدة للواجهات.
ورأى المحلل في “إيماركتر” غادجو سيفيلا أن “التأخيرات الإضافية الحاصلة اليوم تعكس ربما حال إنهاك في الإمكانات الابتكارية (للشركة) أو عدم قدرة على تحديد اتجاه واضح في مجال الذكاء الاصطناعي”.
وأضاف أن “موقف +آبل+ المتردد” “يهدد بتثبيط حماسة المستثمرين، خصوصا أن شركات منافسة على غرار +سامسونغ+ و+غوغل+ تعد بدمج كبير للذكاء الاصطناعي في الموديلات المقبلة” من أجهزتها.
وتَراجَعَ سعر سهم الشركة بنسبة 1,21 في المئة في بورصة نيويورك الاثنين بالتزامن مع بدء المؤتمر.
ولربما كان جديد “آبل” الأبرز بالنسبة إلى المستخدمين إضافة أدوات الترجمة الفورية إلى الرسائل النصية والمكالمات الصوتية والمرئية، وهي ميزة متاحة اصلا على الهواتف الذكية المنافسة.
ولاحظت مديرة الأبحاث في “آي دي سي” نبيلة بوبال أن “الترجمة الفورية تُمثل تقدما كبيرا في +آبل إنتلجنس+ ينبغي عدم الإقلال من شأنه، مع أن +سيري+ لم يخضع لتحديث شامل يُرضي النقاد”. وأضافت “إنها واحدة من أكثر ميزات الذكاء الاصطناعي شعبية”.
وأشارت إلى أن التأخيرات في مجال الذكاء الاصطناعي لم تُؤثر إلى الآن على مبيعات الشركة.
واستنتجت أن “+آبل+ تُدرك أن الذكاء الاصطناعي ليس سباقا قصيرا، بل هو ماراثون، وإعلانات اليوم تُظهر أن +آبل+ تُراهن على المدى الطويل وهي لا تزال في السباق”.
وأعرب الخبراء عن ارتياحهم للإعلان الأبرز بالنسبة إلى المطورين، وهو أنهم سيتمكنون من الوصول مباشرةً إلى قدرات الذكاء الاصطناعي التي يوفرها “آبل إنتلجنس” لتصميم تطبيقات ذكاء اصطناعي توليدي تعمل حتى في وضعية عدم الاتصال بالإنترنت.
ووصف غادجو سيفيلا هذه الخدمة بأنها “تنازل مناسب”، “مع مراعاة متطلبات الخصوصية والأمان”، وهي تتيح لشركة “آبل” أن “تُراجِع استراتيجيتها الأوسع” بينما “يصمم الناشرون تجارب ذكاء اصطناعي مدمجة في نظام +آبل+”.
وتشهد العلاقات بين “آبل” والمطورين بعض المشاكل منذ سنوات. وينتقد المطورون الشركة بسبب النظام الشديد الانغلاق الذي تفرضه والعمولات التي تتقاضاها منهم.
ودفعت دعوى من استديو “إبيك غيمز” الذي ابتكر لعبة الفيديو الشهيرة “فورتنايت” القضاء الأميركي في أيار/مايو الفائت إلى إجبار “آبل” على السماح لناشري التطبيقات في الولايات المتحدة باستخدام منصة دفع غير متجر التطبيقات “آب ستور” التابع للمجموعة، وهو إجراء كان أصلا إلزاميا في الاتحاد الأوروبي.
ومن دواعي قلق “آبل” أيضا انضمام مصمم “آي فون” الشهير جوني آيف أخيرا إلى شركة “أوبن ايه آي” حيث يعمل مع فريقه على “تصميم سلسلة من الأجهزة المتصلة” الملائمة لعصر الذكاء الاصطناعي.
إلا أن المحلل في “ويدبوش” دان آيفز أكد أنه لا يزال “واثقا” من قدرة “آبل” على تجاوز منعطف الذكاء الاصطناعي بنجاح.
ورأى في تعليق تحليلي أن “+آبل+ تلعب ورقة الحذر، في سياق لا يزال متأثرا بعثرات العام المنصرم”. واضاف “الاستراتيجية واضحة، لكن الوقت ضاغط”.
ولم يستبعد أن “يضطر تيم كوك وفريقه في نهاية المطاف لإجراء عمليات استحواذ كبيرة لتسريع خطتهم”.
موجة هائلة من التغيير
خلال عامين فقط، انتقل الذكاء الاصطناعي من مجرد روبوتات دردشة محدودة إلى ما يعتبره بعض قادة التكنولوجيا «موجة هائلة» قد تغيّر الحياة مثلما فعل الإنترنت، لكن التأخير في تطوير Siri يعكس تحدياً أساسياً: تطور الذكاء الاصطناعي لا يسير على النمط المتوقع نفسه كما كان الحال مع الهواتف الذكية أو وسائل التواصل الاجتماعي.
بعكس الهواتف التي تُطلق في دورات زمنية واضحة، غالباً مرة أو مرتين في السنة، فإن نماذج الذكاء الاصطناعي تتغير باستمرار وبشكل أقل قابلية للتنبؤ.
يقول أورين إيتزيوني، الرئيس التنفيذي السابق لمعهد ألين للذكاء الاصطناعي: «نماذج الذكاء الاصطناعي تُطلق بوتيرة سريعة ومكثفة، كما أنها غامضة وغير متوقعة ويصعب قياس أدائها بسبب طبيعتها العامة».
أيضاً، قد يختلف شكل اعتماد المستخدمين على المساعدين الذكيين عمّا رأيناه في الهواتف الذكية والمتصفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، فبينما ساعد «التأثير الشبكي» شركات مثل أبل وميتا على ترسيخ مكانتها في الأسواق السابقة، لا يبدو أن الذكاء الاصطناعي يسير على المنوال نفسه.
تبدو وتيرة الذكاء الاصطناعي وكأنها سريعة للغاية وفي الوقت نفسه بطيئة، كما يظهر في تأخيرات مثل تأجيل سيري.
لكن أبل ليست الوحيدة في هذا المسار، إذ لم تطلق أوبن إيه آي OpenAI بعد نموذجها المنتظر GPT-5، وأفادت صحيفة وول ستريت جورنال أن ميتا أجّلت بدورها إطلاق النسخة التالية من نموذج Llama.
ورغم هذه التأخيرات، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في تزايد ملحوظ: 78% من الشركات أفادت باستخدامه في 2024 مقارنة بـ55% فقط في 2023، وفقاً لتقرير «مؤشر الذكاء الاصطناعي» الصادر عن جامعة ستانفورد لعام 2025.
جزء من صعوبة الالتزام بالجداول الزمنية لتحديثات الذكاء الاصطناعي يرجع إلى أن أداء هذه النماذج يصعب قياسه. فقد يتفوق النموذج في جانب ويتراجع في آخر، وأحياناً تؤدي تغييرات بسيطة إلى نتائج غير متوقعة، مثلما حدث في مايو الماضي عندما أصبحت ChatGPT «مزعجة» بعد تحديث، أو عندما بدأ روبوت Grok التابع لـxAI الحديث عن «إبادة جماعية للبيض» في جنوب إفريقيا بدون أي توجيه.
آبل تواجه ملفات شائكة
قبل عام، أعلنت الشركة سلسلة من الوظائف القائمة على الذكاء الاصطناعي “آبل إنتلجنس”، وكانت وقتها متخلفة أساسا عن سواها في هذا المجال.
ولاحظ المحلل في “إيماركتر” غادجو سيفيلا أن “+آبل+ وعدت بهذه الوظائف كما لو أنها ستوفرها بسرعة، لكنّ ذلك لم يحصل”.
وأشار المُدوّن في مجال التكنولوجيا جون غروبر في آذار/مارس الفائت، عندما أعلنت “آبل” تأجيل بعض الميزات الجديدة، إلى أن الشركة وفرت التحسينات الطفيفة بسرعة، لكنّ ذلك لم ينسحب على تلك التي الأساسية.
وفيما تُصدر “أوبن إيه آي” (مبتكرة “تشات جي بي تي”) و”غوغل” و”ميتا” الإعلان تلو الآخر لأحدث التحسينات في أدواتها المساعِدة القائمة على الذكاء الاصطناعي التي تتعزز قدراتها واستقلالية باستمرار، قد تُعلن “آبل” إصلاحا شاملا لنظامها التشغيلي.
إلا أن خبراء القطاع والجهات المختصة به، ومن أبرزها “بلومبرغ” وموقع “9 تو 5 ماك” 9to5Mac، أملوا في إعلان تطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، كالترجمة الفورية في الرسائل النصية ومن خلال سماعات “إيربودس” AirPods اللاسلكية.
وترددت شائعات عن شراكات جديدة مع “غوغل” أو شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة “بيربليكسيتي”، استكمالا لاتفاق قائم مع “أوبن إيه آي”.
ورأى جين مونستر وبراين بيكر من شركة “ديب ووتر أست ماناجمنت” الاستشارية أن “+آبل+ استخفت في البداية بثورة الذكاء الاصطناعي، ثم بالغت في الترويج لقدراتها، وهي الآن تحاول اللحاق بالركب”.
لكنّ الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس المشكلة الوحيدة التي تواجهها المجموعة الأميركية.
فالتوترات لا تزال قائمة مع المطوّرين الذين يصممون تطبيقات لأجهزة “آي فون” و”آي باد” و”يجدون صعوبة في تحقيق طموحاتهم في النظام الشديد الانغلاق الذي تفرضه +آبل+ منذ عقود”، بحسب غادجو سيفيلا.
ورأى سيفيلا أن “آبل” التي “تحصل على عمولة بنسبة 30 في المئة” من هذه المدفوعات عبر متجرها، تلقت بذلك ضربة جديدة تضاف إلى تلك التي تلقتها بفعل عدم إيفائها بوعودها في مجال الذكاء الاصطناعي.
وأصدرت الشركة الخميس تقريرا يُظهر أن متجرها للتطبيقات “أتاح مبيعات بقيمة 1,300 مليار دولار عام 2024”.
وأشارت الشركة إلى أن “المطورين لم يدفعوا لها أي عمولة في أكثر من 90 في المئة” من هذه الإيرادات.
وتواجه “آبل” أيضا مخاطر كبيرة في ما يتعلق بسلسلتها التوريدية.
وهدد الرئيس الأميركي بفرض رسوم جمركية جديدة إذا لم تُعِد شركة “آبل” إنتاجها إلى الولايات المتحدة. وهو خيار يفتقر إلى الواقعية، في نظر المحللين.
ووصف سيفيلا فكرة إنتاج “آي فون” “في الولايات المتحدة بنسبة مئة في المئة” بأنها “ضرب من الخيال”، إذا “تستلزم إعادة صوغ قواعد الاقتصاد العالمي”.
إلاّ أن في استطاعة “آبل” أن تراهن على ميزة بالغة الأهمية وهي ولاء مستخدميها.
وقالت كارولينا ميلانيسي من شركة “كرييتف ستراتيجيز”، “هل يريد الناس +سيري+ أكثر ذكاء؟ بالطبع! (…) لكن عندما يكون المرء زبون +آبل+، فإنه يبقى كذلك، ويستمر في شراء منتجاتها”.
قلق المستثمرين
تعثر جهود أبل في تطوير مساعدها الصوتي «سيري» باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، أثار قلقاً واسعاً بين المستثمرين بشأن مستقبل الشركة في سباق الذكاء الاصطناعي المتسارع.
ووفقاً لمحللين في بنك أوف أميركا، فإن أبل قد تكون متأخرة ثلاث سنوات عن منافسيها في تقديم مساعد ذكي فعّال، ورأى أحد الموظفين السابقين أن «قيادة مشتتة ونقص في الميزانيات الكافية» ساهمتا في هذا الفشل، بالإضافة إلى تمسك أبل بسياساتها الصارمة في الخصوصية، والتي فرضت تشغيل الميزات عبر نماذج صغيرة على الجهاز نفسه بدلاً من الاعتماد على السحابة.
انخفاض ثقة المستثمرين ظهر بوضوح هذا العام، إذ تراجعت أسهم أبل بنحو 18 في المئة منذ بداية 2025، وهو أسوأ أداء بين «السبعة العظام» من شركات التكنولوجيا.
ويضاف إلى ذلك تحديات أخرى تشمل الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، والمنافسة الشرسة في الصين، والضغوط القانونية المتزايدة على قسم الخدمات في الشركة.
التأخيرات أجبرت أبل على سحب إعلانات تلفزيونية تروج للميزات غير الجاهزة، كما واجهت دعاوى قضائية بتهمة التضليل الإعلاني. حتى المدير التنفيذي تيم كوك أقر مؤخراً أن التقدم في «سيري» «أبطأ مما كنا نتوقع» ولم يصل بعد إلى «معايير الجودة العالية» التي تعتمدها الشركة.
وتفجّرت الشكوك حيال وضع أبل بعدما قدّم أحد المراقبين البارزين لأداء الشركة، المحلل التقني جون غروبر، في الأسابيع الماضية نقدا لاذعا في منشور على مدونته بعنوان “هناك شيء فاسد في كوبرتينو”، حيث مقر آبل الرئيسي.
وكان المستثمرون يأملون أن تدفع هذه الترقية بهواتف “آي فون” إلى دورة نموّ فائقة تحتاجها هذه المنتجات للغاية، مع إضافة ميزات جديدة مغرية للغاية على الهاتف الذكي تدفع المستخدمين إلى المسارعة لاقتناء أحدث الطُرز وأغلاها ثمنا.
ويشكو أشد منتقدي آبل من أنها تعتمد بشكل مفرط على إنجازاتها الماضية والشعبية الواسعة لهاتف آي فون.
على الرغم من الآراء السلبية الأخيرة لشركة آبل وانخفاض سعر سهمها بنسبة 8% منذ بداية العام، إلا أنها لا تزال الشركة الأكثر قيمة في العالم، مع ارتفاع قيمة سهمها بنسبة 30% تقريبا مقارنة بالعام الماضي.
وأعلنت آبل عن إيرادات ضخمة بلغت 124,3 مليار دولار في ربع السنة المنتهي نهاية العام الفائت، حتى لو كان نمو المبيعات أقل من توقعات السوق.
اضف تعليق