q
تشبه شركة أبل مرضاً لا يكف عن الانتشار ويحطم كل منافس يعترض طريقه. وقد أصابت تلك المشكلة بعدواها معظم العالم، بل أضرت بالنواة الأساس لـ أبل، فتدهورت حالة آيفون. سلوك تلك الشركة التكنولوجية العملاقة تتردد أصداؤه في مختلف أنواع القطاعات، بما في ذلك الخدمات المالية...

تخوض شركة "أبل" مواجهة قانونية وتنظيمية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي محورها احتكارية الشركة المتأتية من الترابط الكلي بين برمجيات وخدمات ومكونات أدواتها الذكية، مما يجعل المنافسة المشروعة ضدها شبه مستحيلة.

أميركا والاتحاد الأوروبي يحاجان بأنها تسيء استخدام نفوذها لتحطم منافسيها وإفساد تجربة المستهلك، فيما ترى الشركة أنها مهددة بالدعاوى القضائية ضدها. وقد يؤول ذلك إلى تبدل في تكنولوجيا الهواتف المحمولة.

وفق الحكومة الأميركية تشبه شركة "أبل" مرضاً لا يكف عن الانتشار ويحطم كل منافس يعترض طريقه. وقد أصابت تلك المشكلة بعدواها معظم العالم، بل أضرت بالنواة الأساس لـ"أبل"، فتدهورت حالة "آيفون".

وبحسب دعوى قضائية جديدة، فإن سلوك تلك الشركة التكنولوجية العملاقة "تتردد أصداؤه في مختلف أنواع القطاعات، بما في ذلك الخدمات المالية والرياضة الجسدية والألعاب الرقمية، والسوشيال ميديا والإعلام الإخباري والترفيه، وغيرها. وإذا لم يلجم سلوك (أبل) الإقصائي المتعارض مع مفهوم المنافسة، فلسوف يتسع انتشاره، ويغرس الممارسة الاحتكارية الأحادية لهاتف (آيفون) في أسواق أخرى وقطاعات أخرى من الاقتصاد".

ورد الاتهام المذكور آنفاً ضمن مجموعة مماثلة أعدتها وزارة العدل الأميركية الأسبوع الماضي، حينما قاضت "أبل" رسمياً مدعية أن الشركة استخدمت احتكاريتها الأحادية بطريقة غير شرعية بغية المحافظة على موقعها في سوق الهواتف الذكية.

بعد بضعة أيام، حدث مزيد من الأمور المشابهة حينما أعلن الاتحاد الأوروبي أنه قد يحقق مع "أبل"، و"ميتا" [مالكة "فيسبوك"] و"غوغل" في شأن دعاوى قانونية تفيد بأنها لم تتجاوب بصورة ملائمة مع "قانون الأسواق الرقمية" Digital Markets Act الجديد.

والآن، تواجه "أبل" تدقيقاً قانونياً على جانبي الأطلسي. إن الشركة التي بدت ذات مرة كمحدثة نعمة مشاكسة، وربما ما زالت تعتبر نفسها كذلك، تنامت وصارت إحدى أضخم الشركات في كوكبنا. في الآونة الأخيرة، بدا كأن الحكومات باتت تنظر إليها كخطر أو كشيء يمكنه تخريب عيش مواطنيها.

وفي أوروبا والولايات المتحدة كلاهما، تستند الدعاوى القضائية على افتراض سهل إلى حد ما، مفاده أن سيطرة "أبل" على منصاتها تتيح لها تحطيم المنافسة ضدها وإلحاق الأذى بالمستهلكين، بالتالي يجب تقييد تلك السلطة من طريق القوانين التنظيمية.

ومثلاً، تشي حالة الولايات المتحدة بأن "أبل" تستطيع استخدام سيطرتها على "آيفون" ومنصاته كي تعطي تفوقاً لساعة "أبل ووتش"، مما يعني أن ساعات أخرى يحتمل أنها أفضل، لن تستطيع الوصول إلى الميزات التقنية نفسها الموجودة في "أبل ووتش". وعلى رغم أن ما سبق ليس سوى شكاية ضمن أخريات، فإنها كلها نسخ من القضية نفسها، إلى حد كبير، هي أن المزايا والمنافع تحجب عن المستهلكين بطريقة تفضي إلى احتفاظ "أبل" بالسلطة والمال.

في المقابل، تنظر "أبل" إلى التشريعات المختلفة باعتبارها تهديداً لها، أو في الأقل، أنها تريد أن يعتقد الناس بذلك. وفي بيان أصدرته رداً على الدعاوى القضائية التي رفعتها الولايات المتحدة، اقترحت أنها قد تضطر إلى التغير بصورة جذرية.

وأورد البيان، "إن هذه الدعوى القانونية تهدد هويتنا التقنية والمبادئ التي تستند إليها منتجات (أبل) في أسواق تتسم بمنافسة شرسة. إذا نجحت تلك الدعاوى، فلسوف تعوق قدرتنا على إبداع ذلك النوع من التكنولوجيا الذي يتوقعه الناس من (أبل)، الذي يتميز بالتآزر بين البرمجيات والمكونات المادية والخدمات. وكذلك سيرسي سابقة خطرة، إذ يعزز قدرة الحكومة على التدخل بيد ثقيلة في تصاميم التكنولوجيا الموجهة للناس".

تملك "أبل" الحق بأن التداعيات المترتبة على تلك الدعاوى قد تكون دراماتيكية. ومثلاً، يعطي "قانون الأسواق الرقمية" للسلطات الرسمية هامشاً واسعاً في فرض غرامات وازنة، إذ ربما تجبر الشركات على دفع ما قد يصل إلى 10 في المئة من دخلها السنوي. في المقابل، إن الدعوى القانونية للولايات المتحدة أقل تحديداً، ولا تطالب إلا بـ"مساعدة تخفيفية" قد تمنع "أبل" من التصرف بطريقة غير شرعية، لكن ذلك قد يفضي أيضاً إلى عقوبات دراماتيكية.

في المقابل، من غير المألوف أيضاً أن تستجيب الشركة إلى تلك التشريعات التنظيمية بصورة معلنة. ومثلاً، لقد بدا أن مقاربتها لـ"قانون الأسواق الرقمية" تتمثل في تقديم شيء من التجاوب، ثم تجربة ذلك، وبعدها يصار إلى التعديل الضروري. وفي جلسات الاستماع الأخيرة المتعلقة بقضية الاتحاد الأوروبي، قدمت "أبل" نصيحة إلى جهة مطورة لإحدى التقنيات، وقد تأثرت بالقانون الأوروبي، بأن ذلك التشريع يبدو مقلقاً بالتالي، يجب عليهم مراقبة ردود الفعل.

Sherman Anti-trust Act لعام 1890، القريب من زمن بدايات الولايات المتحدة، بأكثر من تعبيره عن حالها حاضراً. وبالاسترجاع، لقد صمم هذا القانون للحد من قوة التراستات المتنامية آنذاك، والتي شرعت في السيطرة على صناعات كبرى التبغ والحديد والنفط وغيرها. ووقع في زمن انصب فيه الاهتمام على السكك الحديد، وليس خطوط الإنترنت بالحزمة العريضة.

[الترست هو مجموعة مندمجة من الشركات المدارة من مركز واحد يملكها كلها. وطبق قانون شيرمان في 1911 لتفكيك شركة ستاندرد أويل النفطية العملاقة].

ومثلاً، استخدم "قانون شيرمان" في عام 2001، حينما رفعت الولايات المتحدة قضية ضد "مايكروسوفت"، وجادلت بأن الشركة احتكرت بصورة غير قانونية سوق محركات البحث باستعمال نظام التشغيل "ويندوز". [طرح آنذاك أن "مايكروسوفت" تستغل انتشار ويندوز الواسع على الحواسيب الشخصية، كي تمنع المستخدمين من استعمال محركات البحث المنافسة]. في البداية، فكرت الحكومة في تقسيم الشركة، لكنها رضيت بالموافقة على فرض قواعد جديدة على "مايكروسوفت" و"ويندوز"، ثم أزيل بعضها بعد بضع سنوات عبر مرافعات قضائية.

في ذلك الوقت، امتدحت تلك القضية ووصفت بأنها تطور رئيس في القوانين المتعلقة بالحوسبة الشخصية، على رغم أن مايكروسوفت استمرت في الهيمنة على السوق. ولم تطح تلك الهيمنة بيد الحكومة، بل إن ثورة الهواتف الخليوية أدت إلى ذلك، بصورة جزئية.

ربما تشكل قضية "أبل" نسخة معاصرة من تلك القضية [محاولة الحكومة الأميركية كسر احتكارية شركة معلوماتية كبرى]، لكنها لا تستهدف الحواسيب الشخصية في منازل الناس، بل الهواتف في جيوبهم. وفي هذه المرة، يتولى الأمر جيل جديد من المحامين الحكوميين، يتعامل مع جيل جديد من التكنولوجيا، لكن المبادئ التي يرومون فرضها تبدو متشابهة إلى حد كبير مع قضية "مايكروسوفت".

كذلك تبدو الخلاصة متشابهة أيضاً، ومفادها صدور إعلانات كبرى من الطرفين [الحكومات والشركات] مع بروز إمكانية لحدوث تغيير زلزالي في مشهدية التكنولوجيا، ثم يلي ذلك تسوية هادئة لا تغير إلا الشيء القليل.

* بقلم: أندرو غريفين محرّر التكنولوجيا ومراسل العلوم

© The Independent

اضف تعليق