q
وبما أنّ هذا الصراع يثير مشاعر قوية في مختلف أنحاء العالم، قد تشهد المنصات الاجتماعية محاولات ترمي إلى التلاعب بالآراء. وانتشر عبر مواقع التواصل عدد هائل من الصور التي تنطوي على عنف، بالإضافة إلى المنشورات المضللة التي تشكل تحدياً لمختلف المنصات. وكتب المفوّض الأوروبي للشؤون الرقمية تييري بريتون...

بعدما لعبت تويتر دورا أساسيا خلال ثورات الربيع العربي كمصدر آنيّ للأخبار، تكشف الحرب الجارية حاليا بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة أن المنصة التي تعرف اليوم باسم "إكس" تحولت إلى مساحة لنشر التشكيك والتضليل ورسائل الكراهية.

وعمل الملياردير إيلون ماسك منذ أن استحوذ على تويتر على الحد بصورة شديدة من قدرتها على الإشراف على المحتوى وأعاد تفعيل حسابات أشخاص تم إقصاؤهم من المنصّة لاعتبارهم متطرفين.

وأخيرا، تتيح المنصّة لمشتركيها الآن إمكانية الاستفادة من المنشورات التي تحقق انتشارا واسعا، حتى لو لم تكن صحيحة.

والنتيجة أن المنصة لم تعد كما من قبل أداة أساسية لجمع معلومات موثوقة ونشرها أو حتى تنسيق عمليات الإغاثة الطارئة في ظل الأزمات.

ويطرح النزاع بين إسرائيل وحركة حماس مع ما يواكبه من أنباء كارثية وبالغة الحساسية، أول اختبار حقيقي لنسخة ماسك لتويتر بمواجهة أزمة كبرى.

يرى العديد من الخبراء أن أسوأ المخاوف تحققت، مشيرين بصورة خاصة إلى أن التعديلات التي أدخلت مؤخرا على المنصة وجعلت من الصعب للغاية التمييز بين ما هو حقيقي وما هو خاطئ.

وقالت نورا بينافيديز من منظمة "فري برس" لوكالة فرانس برس "هذا يطرح تساؤلات، لكن ليس من المفاجئ أن نرى قرارات متهورة يتخذها ماسك تزيد من حدة أزمة نقل الأخبار على تويتر بشأن النزاع المأساوي بالأساس بين إسرائيل وحماس".

وتزخر المنصة منذ هجوم حركة حماس غير المسبوق على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر بمقاطع الفيديو والصور البالغة العنف، بعضها صحيح لكن الكثير منها خاطئ أو ملفق أو يتعمّد التضليل إذ يعود إلى عدة سنوات أو صوّر في مواقع مختلفة تماما عن الأماكن التي يدعي أنه التقط فيها.

ورأت الخبيرة أن في غياب الضوابط بات "من الصعب جدا للجمهور الفصل بين الوقائع والتلفيق"، وهذا ما زاد من حدة "التوتر والانقسامات بين المجموعات".

وشكلت الضربة الدامية على مستشفى الأهلي العربي (المعمداني) الثلاثاء في قطاع غزة الذي تدمره الحرب، صورة مذهلة لهذا التضليل الإعلامي، إذ اقدمت حسابات خاطئة عديدة تحمل شارة "الموثوقية" التي تمنحها المنصة على نشر صور ومشاهد من نزاعات ماضية ونقل استخلاصات متسرعة حول مقاطع فيديو لم يتم التثبت من صحتها وغيرها من وسائل التضليل التي أثارت الغموض والفوضى.

رسائل كراهية

واتسمت منشورات كثيرة يفترض أنها من مصادر رسمية أو وسائل إعلام إخبارية بنبرة تصعيدية أججت مشاعر الغضب والنقمة.

وحذر خبراء في التضليل الإعلامي على سبيل المثال بأن العديد من المستخدمين يعتبرون حسابا بعنوان Israel war room مصدرا إسرائيليا رسميا إذ يحمل شارة ذهبية يفترض أنها علامة حساب رسمي.

كما حذرت شبكة "الجزيرة" القطرية من أن "لا علاقة لها" مع حساب أُنشئ في قطر يدعي أنه تابع لها.

وقالت ميشيل سيولا ليبكين مديرة جمعية National Association for Media Literacy Education إنه "بات من المعقد إلى حد لا يصدّق الخوض في سيل المعلومات. هناك دورة أخبار متواصلة، ضغط لتوليد النقرات وتضخيم للضجيج".

وتابعت "بات من الواضح أن ماسك لا يعتبر إكس مصدر أخبار موثوقا بل مجرد شركة من بين شركاته".

وامتنعت المنصّة عن التعليق على هذه الانتقادات ردا على أسئلة وكالة فرانس برس.

الاتحاد الأوروبي يحذر ماسك

من جهته حذر تييري بريتون المفوض المعني بالصناعة في الاتحاد الأوروبي الملياردير الأمريكي إيلون ماسك من المعلومات المضللة المنتشرة على منصة إكس التي يمتلكها في أعقاب الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل.

وقال بريتون لماسك في رسالة اطلعت عليها رويترز "لذلك أدعوك إلى التأكد بشكل عاجل من فاعلية أنظمتك، وتقديم تقرير عن الإجراءات التي تم اتخاذها لمواجهة هذه الأزمة إلى فريقي".

وبعد يومين من هذه الرسالة أعلنت المفوضية الأوروبية إطلاق تحقيق يستهدف شبكة "اكس" للتواصل الاجتماعي (تويتر سابقاً) لاحتمال نشرها "معلومات مضللة" أو "محتوى عنيفًا ينطوي على إرهاب" أو "خطاب كراهية".

وأوضحت المفوضية في بروكسل في بيان أنها رفعت طلباً رسمياً للحصول على معلومات إلى المنصة التي يمتلكها الملياردير إيلون ماسك. وتشكل خطوة المفوضية أول إجراء يُطلق بموجب التشريع الأوروبي الجديد المتمحور على الخدمات الرقمية (DSA)، وكان بريتون وجّه رسائل تحذيرية إلى رئيس "إكس" إيلون ماسك وإلى رئيس "ميتا" (فيسبوك، إنستغرام) مارك زاكربرغ وإلى رئيس "تيك توك" شو زي تشو.

ويشكل طلب المعلومات المرسل إلى "اكس"خطوة أولى في إجراء قد يؤدي إلى فرض عقوبات مالية كبيرة في حال انتهكت المنصة القواعد بصورة مثبتة وطويلة الأمد. وفي الحالات القصوى، قد تصل الغرامات إلى 6% من إجمالي الإيرادات العالمية للمجموعة.

وأوضحت المفوضية أن طلب الحصول على المعلومات "أتى بعد ورود مؤشرات في شأن احتمال نشر محتوى غير مطابق للقوانين".

ويأتي هذا الطلب على شكل وثيقة من نحو أربعين صفحة تضم أسئلة محددة.

وتتعلق سلسلة أولى منها بتوضيحات على المنصة توفيرها بشأن نشر محتوى غير قانوني ومعلومات مضللة، في سياق الصراع بين إسرائيل وحماس. وأمام تويتر حتى 18 تشرين الاول/أكتوبر للرد.

ومُددت هذه المهملة إلى 31 تشرين الأول/أكتوبر لطلبات أخرى غير طارئة.

وقال بريتون لوكالة فرانس برس، إن الإجراء يرمي إلى "حماية مواطنينا وبلادنا الديموقراطية من خلال توفير بيئة آمنة للمستخدمين ومصادر موثوقة للمعلومات حتى خلال الأزمات".

ويأتي إطلاق هذا الإجراء بعد خمسة أيام من هجوم حماس على إسرائيل.

وبما أنّ هذا الصراع يثير مشاعر قوية في مختلف أنحاء العالم، قد تشهد المنصات الاجتماعية محاولات ترمي إلى التلاعب بالآراء. وانتشر عبر مواقع التواصل عدد هائل من الصور التي تنطوي على عنف، بالإضافة إلى المنشورات المضللة التي تشكل تحدياً لمختلف المنصات.

وكتب المفوّض الأوروبي للشؤون الرقمية تييري بريتون في رسالة إلى شو زي تشو رئيس تيك توك إنّ "منصّتكم يستخدمها بشكل مكثف أطفال ومراهقون. لديكم التزام خاص بحمايتهم من المحتوى العنيف ... الذي يبدو أنه ينتشر على نطاق واسع على منصّتكم من دون أيّ تدابير أمنية خاصة".

وفُرضت مُنذ نهاية آب/أغسطس قواعد أكثر صرامة على 19 منصة الكترونية كبيرة بينها "اكس" و"فيسبوك" و"انستغرام" و"تيك توك".

وفي ما يتعلق بالصراع بين إسرائيل وحماس، أوضح ناطق باسم "ميتا" أن المجموعة "أنشأت سريعاً مركز عمليات خاصة يضم خبراء، بينهم أشخاص يجيدون العبرية والعربية".

ونشرت شبكة "اكس" الخميس رداً مفصّلاً على الرسالة التحذيرية الأولى للمفوضية، أكدت فيها أنها "حذفت عشرات الآلاف من الرسائل" التي تتناول هجوم حماس.

منصة إكس صنفت أو أزالت عشرات آلاف المنشورات

من جهتها أعلنت منصة "إكس" الاجتماعية التي يملكها إيلون ماسك أنها أزالت أو صنفت "عشرات الآلاف" من المنشورات في الأيام التي أعقبت هجوم حماس على إسرائيل.

وكتبت الرئيسة التنفيذية للشركة ليندا ياكارينو في رسالة ردا على انتقادات الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن "منذ الهجوم الإرهابي على إسرائيل، اتخذنا إجراءات لإزالة أو تصنيف عشرات الآلاف من المنشورات".

وكانت الرسالة موجهة إلى مفوض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية تييري بروتون الذي انتقد ماسك على وسائل التواصل الاجتماعي.

واستحوذ ماسك على المنصة التي كانت تعرف وقتها بتويتر، العام الماضي مقابل 44 مليار دولار، وأثار قلقا على نطاق واسع بعد تسريح موظفيها، بمن فيهم المشرفون على المحتوى.

وجاء في رسالة ياكارينو أن الشركة حذفت مئات الحسابات المرتبطة بحركة حماس منذ اندلاع أعمال العنف السبت.

كما أزالت منشورات تتضمن "خطابا عنيفا ومواد إعلامية تم التلاعب بها".

وأزالت منصة "إكس" العناوين عن المقالات الإخبارية التي يشاركها المستخدمون، وصارت الروابط تظهر كصور فقط، وهي خطوة يقول الخبراء إنها قد تؤدي إلى تقليل عدد زوار المواقع الإخبارية.

وتعرض إيلون ماسك نفسه لانتقادات حادة بعدما شجّع متابعيه على إكس البالغ عددهم نحو 160 مليونا على متابعة حسابين "جيدين" للحصول على أخبار حول الحرب، في حين أنهما معروفان بنشر معلومات مضللة.

وحذف ماسك لاحقا ذلك المنشور، لكن بعدما حصد ملايين المشاهدات.

ويقول أندي كارفين "رغم أنه لا يزال هناك عدد لا يحصى من الصحافيين والباحثين الموهوبين الذين يواصلون استخدام إكس لمساعدة الجمهور على فهم أفضل لما يحدث، فإن نسبة المفيد من الضار أصبحت هزيلة".

وأضاف أن "فائدتها كأداة موثوقة للبحث وإعداد التقارير صارت معطوبة وقد لا تتعافى أبدا".

وأفادت بيانات حصلت عليها رويترز بأن عوائد الإعلانات الشهرية الأمريكية على منصة التواصل الاجتماعي إكس تراجعت 55 بالمئة على الأقل على أساس سنوي في كل شهر منذ استحواذ الملياردير إيلون ماسك في أكتوبر تشرين الأول 2022 على الشركة المعروفة سابقا باسم تويتر.

وتكافح الشركة من أجل استعادة بعض معلنيها منذ استحواذ ماسك، إذ إن العلامات التجارية قلقة من التغييرات المطردة التي يجريها ماسك على المنصة.

وقالت شركة جايدلاين لتحليلات الإعلانات التي تتبع بيانات الإنفاق على الإعلانات من وكالات الإعلان الكبرى إن عوائد الإعلانات في الولايات المتحدة هوت 78 بالمئة في ديسمبر كانون الأول الماضي مقارنة بالشهر نفسه في 2021، وهو أكبر هبوط شهري مسجل منذ الاستحواذ.

وانخفضت عوائد الإعلانات في أغسطس آب، وهي أحدث بيانات توفرها جايدلاين، 60 بالمئة على أساس سنوي. ورفضت إكس التعليق على البيانات.

وأقر ماسك فيما سبق بأن عوائد المنصة تأثرت، وأنحى باللائمة على نشطاء في مراكمة الضغوط على الإعلانات. واتهم الشهر الماضي (رابطة مكافحة التشهير) بأنها السبب الرئيسي وراء تراجع عوائد الإعلانات في الولايات المتحدة 60 بالمئة، غير أنه لم يقدم إطارا زمنيا.

وذكرت الرابطة في بيان أن أي حديث عن إلحاقها خسائر بإكس إنما هو مزاعم زائفة. وأضافت الرابطة أنها مستعدة لبدء الإعلان بنفسها على المنصة "لنقل رسالتنا المهمة عن محاربة الكراهية إلى إكس ومستخدميها".

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس

اضف تعليق