خرج الإمام الحسين وفق منهج الإصلاح المعلن، ومنهج التغيير الذي كان الهدف الأول والأخير منه كسر شوكة يزيد ومن لف لفّه، وإعادة الاعتبار للمسلمين، وإسقاط عرش الظلم والفسق والجور، وجعل كل هذا درس كبير يستفيد منه المسلمون للوقوف أمام الطغاة وزلزلة الأرض تحت أقدامهم، اهتداءً بمنهج الإمام الحسين عليه السلام في التغيير والإصلاح...
(إن عظمة الإمام الحسين اقتضت منه التضحية وأن لا يبخل بدمه الطاهر للإسلام)
الإمام الشيرازي
الأهداف العظيمة الخالدة الكبرى، لا يمكن أن تُنجَز إلا بأيدي ذوي المكانات المرموقة والعالية الشأن، فكلما ازدادت عظمة الإنسان جاءت الأهداف المنجزة على يديه متفردة وكبيرة ويمكن أن تكون من طراز خاص، ومكانة الإمام الحسين (عليه السلام) معروفة، فهو سليل الدوحتين المحمدية والعلوية، وهو إمام معصوم يأتي بعد أخيه الإمام الحسن (عليه السلام)، وهو ينتمي إلى أشرف عائلة وأعظم نسب مشرق ومضيء على مر التاريخ.
هذه المكانة المتفردة جعلت من الناس يجلّون الإمام الحسين (عليه السلام) ويحذون حذوه، ويتأسون به، ويفعلون ما يقول، ويؤمنون بما يقول، كونه سبط أشرف أنبياء الله الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وابن الإمام العظيم علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهذا الانتماء النبوي العلوي كافٍ لكي يضع الحسين (عليه السلام) في قمة القمم، ويحفظ له مكانته وقيمته، ويزيد من تمسك الناس به أكثر فأكثر.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (موجز عن النهضة الحسينية):
(الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) هو الإمام من بعد أخيه الحسن (عليه السلام) حسب النص الوارد عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن (عليه السلام)، وكان يتمتع بسابقة مضيئة وهو من عائلة طاهرة ومن بيت علم وتقوى وإجلال عند جميع المسلمين).
ومن المعروف للجميع أن مكانة الإنسان كلّما ازدادت تميّزا وعظمة فإن استعداده للإيثار والتضحية يكون أكبر، وهكذا هو الإمام الحسين (عليه السلام)، فلأنه كان بهذه المكانة العظمى بالنسبة للمسلمين، ولأنه امتداد للنورين النبوي والعلوي، وهو حصيلة ذلك التاريخ الناصع من البطولات والتضحيات، فهذه المكانة جعلت من الإمام الحسين عليه السلام مستعدا للتضحية بكل شيء لكي يقارع الجور والظلم والباطل.
الخروج لإصلاح أمة الإسلام
إن بقاء القرآن والعقيدة الإسلامية وتاريخ المسلمين الناصع، كان السبب الأول الذي جعل الإمام الحسين عليه السلام يقف ضد تيار الفسق والانحدار، فهذه المكانة الناصعة، جعلت الإمام الحسين مستعدا لكل شيء، وحاضرا لمواجهة الطغيان حتى لو نال الشهادة هو وأهله وصحبه الكرماء، وهذا ما حدث بالفعل، لأن القيمة العظيمة والمكانة الخالدة للإمام الحسين جعلته في مقدمة الثائرين ضد منهج الجور والظلم والانحراف.
يقول الإمام الشيرازي:
(إن عظمة الإمام الحسين (عليه السلام) وطهارته اقتضت منه التضحية وأن لا يبخل بدمه الطاهر لأجل الدين الإسلامي، وبقاء القرآن والعقيدة الإسلامية وسيرة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فاستشهد هو في سبيل الله وجميع أولاده وأصحابه).
إن البون الشاسع بين الإمام الحسين ويزيد من حيث الانتماء، والتاريخ الشخصي والعائلي، ومن حيث المنجز ومن حيث الأمور كافة، جعل الإمام الحسين (عليه السلام) يرفض مبايعة يزيد رفضا قاطعا، حتى لو كان الثمن نفسه وأهله وصحبه جميعا، كما أن السكوت على الظلم والجور ليس من شيم الإمام الحسين، وهو الذي تربى في مدرسة جده الرسول الكريم وأبيه الإمام علي بن أبي طالب المعروف بتأريخه الناصع للجميع.
لقد أعلن الإمام الحسين جهارا نهارا وبوضح تام وعلى رؤوس الأشهاد، بأنه خرج لكي يصلح أمة جده رسول الله، ولكي يعيد الأمور إلى نصابها، ولكي يستعيد ألق القرآن الذي حاول يزيد إطفاءه بفسقه وجوره وطيشه، لقد استخف يزيد بالمسلمين كثيرا، وصار يمارس جميع الموبقات من دون رادع ولا حساب، وانغمس من رأسه حتى أخمص قدميه بالرذيلة، وأشاع أساليب الإكراه والقمع، ونشر البغضاء بين أمة المسلمين.
هذه الأحداث المتعاظمة آنذاك، جعلت من الإمام الحسين عليه السلام يعلن الرفض لهذا المنهج المنحرف، ومقارعة كل أساليب التكميم والقهر التي مارسها يزيد ضد الناس، من تعذيب وسجون ومصادرة للرأي وغير ذلك من الحريات التي حرص الإسلام على إطلاقها، في حين قام يزيد بالتضييق عليها حتى صادرها بالقوة الغاشمة، وهذا ما جعل الإمام الحسين يرفض مبايعة يزيد ويعلن الخروج عليه واضعا نصب عينيه تحقيق الإصلاح ووقف الانحدار السياسي والأخلاقي بين المسلمين.
الإمام الشيرازي يؤكد هذه النقطة فيقول:
(مثل الإمام الحسين (عليه السلام) لا يمكنه بأي وجه أن يبايع يزيد، ولا أن يسكت على ظلمه وجوره، حيث إن يزيد اتخذ دين الله لعباً واستخف بالمسلمين وجعلهم تحت الضغط والقهر، ولقد صرح الإمام الحسين (عليه السلام) في إحدى خطبه بأنه لم يخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً وإنما خرج لطلب الإصلاح في أمة جده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).
حذارِ من العودة لأنظمة الاستبداد
إن منهج القمع الذي قامت عليه سياسات يزيد، أعطت العرب والمسلمين درسا تاريخيا لمجابهة الطغاة، فقد عاش المسلمون في عهد يزيد كل أنواع الإرهاب، وساد منهج القمع والتكميم، وتم مصادرة الحريات كلها، لاسيما حرية العقائد وحرفها وإلغاءها أو تشويهها، لقد قام هذا النظام على الطغيان، والاستبداد التام كمنهج لإدارة شؤون الدولة.
فتراجعت الحريات إلى الصفر، وساد منهج الطغيان، وهذا أيضا درس يجب أن يتبه له الجميع حتى لا يتكرر في الحاضر، خصوصا أن سياسات الاستبداد لا تزال تجد من يسعى إليها من الحكام وبعض الساسة، لذلك من المهم أن يتنبه المسلمون المعاصرون اليوم إلى كل المحاولات القمعية والتفرد بالسلطة كما فعل يزيد، فهذا الدرس التاريخي ينبغي أن لا يغيب عن أذهان الجميع سواء في الحاضر أو في المستقبل.
يقول الإمام الشيرازي:
(كان المسلمون في عهد يزيد يعيشون في جو من الإرهاب والضغط السياسي والعقائدي، فإن معاوية ويزيد وبني أمية بصورة عامة كانوا قد حبسوا الأنفاس في الصدور، وخنقوا الأصوات التي تنادي بالحرية وكمموا الأفواه).
لقد كان منهج القمع والاستبداد محسوما وطاغيا على قرارات حكومة يزيد، وكان ظلمه قد بلغ درجة لا يمكن السكوت عليها خصوصا مثل الإمام الحسين عليه السلام الذي أخذ منهج الحرية والعدالة والحق عن جده وأبيه وأخيه، فكيف يمكن مجاراة الظلم وقد أقدم يزيد على قتل أعداد كبيرة من الشيعة وهناك مجاميع تقبع في السجون، مثل هذا المنهج المستبد ضاعف من إصرار الإمام الحسين عليه على المواجهة. فخرج بأصحابه الخلّص وهم معروفون وتم تدوين أسماءهم بأحرف من نور.
في حين أن الذين جندهم يزيد لمحاربة الإمام الحسين معروفون أيضا، حيث استخدم معهم أسلوب الترغيب والترهيب ومنح العطايا المالية والمناصب وما شابه، فهؤلاء هم أهل الدنيا، ساقتهم نفوسهم الضعيفة إلى القبول بمحاربة صوت الحق في مقابل مغانم دنيوية زائلة ولا قيمة لها.
يقول الإمام الشيرازي:
(إن الإمام الحسين (عليه السلام) عند ما امتنع من بيعة يزيد وصمم على الشهادة، كانت هناك مجموعة كبيرة من شيعته قد قُتلت بأيدي جلادي بني أمية، ومجموعة أخرى كانت تقبع في السجون، فخرج الإمام الحسين (عليه السلام) بأصحابه المعروفين. أما الذين جاءوا لمحاربة الإمام الحسين (عليه السلام) فقد جاءوا إما من باب الخوف والإكراه وإما من باب الجهل والإغواء).
وهكذا خرج الإمام الحسين وفق منهج الإصلاح المعلن، ومنهج التغيير الذي كان الهدف الأول والأخير منه كسر شوكة يزيد ومن لف لفّه، وإعادة الاعتبار للمسلمين، وإسقاط عرش الظلم والفسق والجور، وجعل كل هذا درس كبير يستفيد منه المسلمون للوقوف أمام الطغاة وزلزلة الأرض تحت أقدامهم، اهتداءً بمنهج الإمام الحسين عليه السلام في التغيير والإصلاح.
اضف تعليق